السبت، 22 يناير 2022

نهاية الأخلاق و ضرورة الإيتيقا *****

Jul 12, 2020 Dec 22, 2021

نحن نعيش على أيقاع الإنهيار الأخلاقي و الشواهد على ذلك كثيرة و متعددة و لست في حاجة لسردها بالتفصيل، فما تنشره وسائل الإعلام و وسائل التواصل الإجتماعي كاف ليؤكد ما أقول، إضافة إلى أن النزول إلى الشارع و التجول بين الأزقة و في الأسواق سيمنحك ذات الإحساس بأننا أمام تشقق و انهيار لجدار الأخلاق و القيم، و مقالي هذا ليس مناسبة للتفصيل في الأسباب الكامنة وراء ذلك مع أن حالات الانفلات المتكررة و التعبيرعنها بممارسات نشاز كجرائم قتل الأم أو الأب أو الأبناء من طرف الأم أو الغش و الكذب في المعاملات لدى بعض الفئات الاجتماعية تفسرها ثنائية القهر والهدر، وفق ما صرح به عالم النفس اللبناني مصطفى حجازي في كتاب “سيكولوجية الإنسان المقهور” خاصة لدى المراهقين باعتبار ذلك، نتاج قهر اجتماعي من جهة، ناجم عن عجز الأسرة عن تحمل وظائف التنشئة والتربية والتكوين، وهدر القدرات، من جهة أخرى، ناجم عن خلو الفضاء العام من الخدمات الاجتماعية الموكولة إلى الدولة.

بل الحاجة إلى إعادة صياغة القيم الأخلاقية لكي تتلاءم مع حاجة الإنسان اليوم و بتبرير المبادئ التي تتخذ على أساسها القرارات و مسائلتها . هنا يمكن للفلسفة الأخلاقية أن تلعب دورها الأكثر عمقا،من حيث تمكن من جعل الإرشادات التي تحدد الوعي الإتيقي المطلوب ليس مجرد قواعد أو إملاء لمبادئ يجب اتباعها ـ

مفهوم الأخلاق من الجذر اللاتيني mores وتفيد جملة من الشيم والأعراف والقواعد العامة في حين ينحدر مفهوم الإيتيقا من الأصل الإغريقي ethos وتتعلق بميدان الأفعال الفردية ومجال أحكام القيمة التي تحمل عليها، بحيث درج الناس على التفريق بين الوفاء والخيانة وبين الإخلاص والخديعة وبين الصدق والكذب وبين الشجاعة والجبن وبين الجرأة والخمول وبين التهور والتعقل وبين البر والبخل. واستعانوا أثناء هذا التمييز بمجموعة القيم التي توجه علاقاتهم مع الغير وتحدد كيفية تصرفهم في حالة وجودهم في وضعيات اجتماعية مغايرة لوضعياتهم الأخلاقية الأولية وتتأثر باندراجهم في العالم وتتغير بمرور حركة التاريخ وطبقات الميراث والعادات التي تشكل العلاقات الأسرية والاقتصادية والعاطفية، لقد جعل التفكير الأخلاقي شغله الشاغل و ذلك عبر الإجابة عن أسئلة من قبيل: كيف ينبغي على المرء أن يعيش؟ وماذا يجب عليه أن يفعل؟ وماهو الهدف السامي من حياته؟ وما الغاية من فعل الخير وترك الشر؟ وماهي السعادة؟ 
السؤال 
 النتشوي عن من وضع الأخلاق؟ و ما غايته من ذلك؟ و لأننا في مجتمع تهيمن عليه الرأسمالية و قيمها الأنانية التي أطلقت العنان للفردانية بكل وقاحة تحت شعارات خادعة مثل الحرية، و تحقيق الذات و الرفاهية، الشيء مما بخس كل من الوجود و الموجود معا باعتبارهما مجرد أشياء تحقق أرباحا للرأسمالي، إذ اتضح أن المال هو إله الرأسمايين الجديد، و الذي من أجله تباع قيم مثل الكرامة و الضمير و الشهامة و عزة النفس و ما إلى ذلك كقرابين من أجله. 

*
علاج جذور الأخلاق انعدمت

May 18, 2020

ما هو التدين؟ وستأتيك إجابات معروفة مسبقاً: "أراعي ربنا، أصلي وأصوم، أحافظ على أهل بيتي من النساء، لا أسرق، أتبع ما ورد في القرآن والسنة (أو الإنجيل)، لا أقيم علاقة إلا في إطار الزواج، أربي ولادي كويس، أتحجب، أدافع عن ديني أمام أعداء الله، ألتزم بالأخلاق".

يعني مثلاً، حين تشير الغالبية إلى مكون "الحفاظ على أهل بيتي من النساء" والمقصود به الأم والأخت والابنة والزوجة... إلخ، فمن الذي يتحرش ببقية النساء إذن في الشوارع؟! وحين تنظر الغالبية إلى الصلاة والصوم باعتبارها التدين الحق، فهل يفسر ذلك تقاعس البعض من المصلين والصائمين عن أداء عملهم أو احترام حقوق غيرهم في السكن أو المواصلات العامة أو حماية صحتهم مثلا على اعتبار أن الصلاة والصوم يكفيان؟! وهل مفهوم الامتناع عن السرقة يتوقف عند حدود عدم مد اليد في جيب الآخرين، أم يمتد كذلك لعدم ابتلاع ميراث الآخرين أو الاعتداء على رصيف الشارع أو حرمه أو الاعتماد على التيار الكهربائي من أعمدة الإنارة أو شراء الأبحاث المطلوبة في نهاية العام... إلخ؟ وما هو مفهوم الدفاع عن الدين أمام أعداء الله الذي نردده كثيراً دون شرح للمحتوى؟ وهل، مثلاً، لوم من يترحم على وفاة ممثل ينتمي إلى دين غير الإسلام أو الدعاء لطبيب غير مسلم يشفي قلوب الملايين أمور تندرج تحت بند "الدفاع عن الدين"، أم أنها في حقيقة الأمر تندرج تحت بند تشويه الدين، والإمعان في نشر سموم النسخة الحديثة من التدين؛ حيث الآخر كافر ينبغي قتاله، إما بمقاطعته أو بمنعه من تأدية صلاته أو بقتله؟ وعلى سيرة القتل، لماذا لا نملأ الدينا صخباً باعتبار من قتل أو عرض أحدهم للقتل بسبب سير عكسي أو قيادة جنونية - عدواً لله والدين والمتدينين؟ المتدينون الجدد نشأوا، وترعرعوا في زمن فصل مفهوم الأخلاق عن الدين. وليس أدل على ذلك من أن أحدهم ممن هاج وماج، حين تساءلت إن كان السير العكسي حراما شرعاً، باغتني بإجابة بليغة قوامها: "وإيه اللي دخل العربيات والقيادة في الدين"؟! الآن أرى، وأسمع من بدأ يلوح بأن "التيك توك" حرام شرعاً؛ لأنه يسمح لفتيات مثل مودة الأدهم وحنين حسام بنشر الفسق والفجور. وأقرأ اتهامات الاعتداء على مبادئ وقيم أسرية في المجتمع المصري توجه لأمثالهما، مع العلم أن إحداهما محجبة! ألا يتوجب علينا أن نترفق بأنفسنا قليلاً، ونحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه بقليل من المواجهة وكثير من الشفافية؟! ألم يحن الوقت للتعامل مع مفهوم الأخلاق المفتقدة بطريقة أكثر واقعية، دون الانغماس في مزيد من الهروب عبر ادعاء التدين الشديد؟ هل نفد مخزون الأفكار للتعامل مع الانفلات الأخلاقي، فلم يتبقَّ سوى "شرطة الأخلاق الحميدة" وجماعات الأمر بالمعروف المجتمعية التي تعلق شماعات فشلها في التربية والتقويم والتعليم وغرس الأخلاق ومفهوم العيب والصح والخطأ على أكتاف التيك توك وفتياته؟ ولماذا لم يتقدم أحدهم ببلاغ للقبض على من يمنع الترحم على موتى غير المسلمين؛ باعتباره يقوض وحدة الأمة ويدس الفتنة؟ ولماذا لا يطالب الحنجوريون بمنع توجيه أسئلة الفتاوى المتمحورة حول: هل يجوز ضرب زوجتي؟ هل تجوز التبرع لمريض مسيحي؟ هل يجوز الزواج العرفي مع وجود شهود لليلة واحدة دون أن أخبر زوجتي؟ نحن نحتاج علاج جذور بعد خلع العصب المعطوب، وإلا سنستمر في الضحك على أنفسنا.

*



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق