حوار| أحمد عبد المعطى حجازى: 30 يونيو هزمت «الجماعة الإرهابية».. ونخبتنا المثقفة مفككة
والحرب الثانية كانت الأحزاب الفاشية منتشرة فى أوروبا وقوية، ووصلت للسلطة، وكانت موجودة فى إيطاليا وألمانيا وإسبانيا بعد ذلك، وفى اليونان، ثم تراجعت بعد هزيمة هذه النظم فى الحرب الثانية ثم نشطت الأحزاب الاشتراكية، لكن الآن ومنذ فترة بدأت هذه الأحزاب تنشط من جديد وتجد من يلتف حولها ويقف إلى جانبها، كما نجد مثلًا فى حزب الجبهة الوطنية فى فرنسا وفى أحزاب أخرى موجودة، وهناك حزب نازى جديد فى ألمانيا مثلًا.
استخدام الدين فى السياسة لا ينتج إلا الإرهاب، ولأن الذين يريدون الدولة يريدون الدولة الدينية يعتقدون أنهم على حق وأن هذا قانون إلهي، ولذلك لا يمكن أن يدخلوا فى حوار أو فى مفاوضة ولا يمكن أن يكونوا ديمقراطيين، ومن الممكن أن يوزعوا الأدوار، فالإخوان تخرج منهم الجماعة الإسلامية والجماعات الأخرى بما فيها داعش؛ لأن هذه الجماعات كلها خارجة من عباءة الإسلام
هناك تصورًا جاهزًا عند الغرب بأن الإسلام دين غير قابل للتطور.. ومن ثم يجب القضاء عليه أو تفريغه من مضمونه.. كيف ترى هذا؟
- نستطيع أن نجد بالفعل هؤلاء الذين يعتقدون بعدم قدرة الإسلام على التطور، لكن أيضًا فى المقابل نجد أن فريقًا من المسلمين يتبنون ذات الفكرة بأن الإسلام ليس دينا فقط وإنما هو دين ودولة، وهذا هو الشعار الذى يرفعه الإخوان المسلمون.
نتحدث عن الدول الوطنية الحديثة التى يجب أن تحل محل الدول الدينية.. والدول الدينية كانت موجودة أيضًا أيام الرسول، فى بيزنطة وأوروبا الغربية وغيرها، لأن الدين آنذاك كان الجامعة الأساسية، والمؤسسة الدينية كانت موجودة فى كل العواصم، وهناك فرق بين ما كان يحدث فى العصور الوسطى وما يجب أن يحدث الآن.. الإسلام ليس فيه كنيسة، كما أن الدين بطبيعته ينظم العلاقة بين الإنسان وربه، لأن الله باق خالد.. والعلاقة التى بين الإنسان والله علاقة ثابتة ولكن العلاقة التى بيننا وبين أنفسنا وبيننا وبين الزمن والمكان متغيرة، لأننا نتطور ومطالبنا تختلف، ولا يمكن أن يكون ما يحدث فى الهند هو نفسه ما يحدث فى مصر مثلًا؛ ومن هنا يوجد خوف من الإسلام فى أوروبا وهو خوف مبالغ فيه ويستغله الفاشيون والنازيون الجدد لكى يعملوا على إيقاف هجرة المسلمين إلى أوروبا أو طرد الموجودين إن استطاعوا؛ وهناك من بين المسلمين من يساعدونهم فى هذا من أولئك الذين يعيشون فى عزلة ولا يريدون الاندماج فى المجتمع الأوربي.. وتجد أن بعضهم يصر على أن يكون مختلفا فى كل شيء فى الكلام وفى التفكير وفى الزى، ولا يريد الاحتفال بعيد الأضحى فى بيته وإنما فى الشارع فتراه يذبح الأضحية فى وسط الشارع بضواحى باريس؛ وهذا النوع من المسلمين لا يسمح بتغيير فكرة المتعصبين ضد الإسلام.. ولذلك علينا أن نصلح أنفسنا وأن نساعد الآخرين فى إصلاح فكرتهم عنا.. أما أن نعتقد أنفسنا دائمًا على حق وأن الآخرين يكرهون الإسلام فإننا نعلق أخطاءنا على شماعة الآخرين.
ثورة 1919.. لماذا تعثرت خطوات المشروع التنويرى الوطنى الذى بدأته تلك الثورة سياسيا وأكمله الإمام محمد عبده دينيًّا؟
-ثورة 19 انتصرت لا شك، لأنها جمعت المصريين جميعًا حول شعار الاستقلال واجتمعوا أيضًا حول شعار الوطنية.. وقبل الثورة بسنوات حدثت مشادات ومصادمات، وبعضهم كانوا يثيرون المسلمين ضد المسيحيين والعكس، لكن الثورة جاءت لكى توحد المصريين وترفع شعار: الدين لله والوطن للجميع.. ولذلك نجحت فى فكرة المواطنة وفكرة الاستقلال وأيضًا فصل الدين عن الدولة.. صحيح أننا نجد فى الدستور الآن مواد تتحدث عن دين الدولة، ولكننا إذا قارنا بين دستور 1923 وبين الدساتير الأخيرة نجده الأفضل.
عندما نجد أن مصر لم تخرج من العصور الوسطى إلا فى القرن التاسع عشر، أكثر من 20 قرنا كانت محكومة بالدين، منذ دخلت المسيحية مصر حتى ثورة 1919؛ وبشكل عام كانت الثقافة السائدة دينية، ولكنها تراجعت لصالح الثقافة الوطنية بداية منذ ثورة 1919، لكن ما لبثت الجماعات الإسلامية أن وقفت فى وجه الأحزاب السياسية العلمانية كما حدث فى العشرينيات مع حزب الوفد، وهو حزب علمانى يقول إن الدين لله والوطن للجميع، وفى عام 1928 ظهر الإخوان المسلمون لكى يواجهوا هذا الحزب العلمانى بحزب ديني، وفى البداية يعملون فى تستر وكانوا يحصلون على مساعدات من الإنجليز ومن العاملين الأجانب فى شركة قناة السويس وقتها، حتى إذا وجدوا فى أنفسهم قوة تحولوا إلى إرهابيين.. وفى الأربعينيات انتقلوا من الخطابة إلى إطلاق الرصاص على المخالفين.. وبعد وصول الضباط إلى السلطة قضوا على الأحزاب السياسية وعلى الديمقراطية فأفسحوا المجال لنمو الجماعات الإرهابية،
إذن..لماذا استجاب الشارع للإخوان رغم أنهم يستغلونه فقط للوصول للسلطة؟
- منذ أن ظهر الإخوان أخذوا يزيفون الأمور عند جمهور المصريين ويحدثونهم عن أمجاد الماضي، فى الوقت الذى كانت الحياة السياسية المصرية تتحرك بشكل عملى فى إنشاء الأحزاب ومفاوضة الإنجليز للحصول على الاستقلال الكامل، لكن الإخوان كانوا يتحدثون عن الماضى وأمجاده واستغلاله لمصلحتهم، دون النظر إلى المستقبل والشروط الحياتية التى تختلف تمامًا عما حدث من قبل.
> إلى أى مدى أسهمت هذه الانغلاقية الإخوانية فى تراجع الدور الثقافى المؤسسي؟
-الحقيقة أن الإخوان والسلطة كانا سببًا فى تراجع الدور الثقافى بالمجتمع، السلطة كانت باستمرار-لا أقول ضد الثقافة- ولكنها كانت تخاف من أن تُتهم بأنها ضد الدين، ولذلك عندما نسأل عن موقف السلطة من طه حسين فى كتابه «فى الشعر الجاهلي» سنجد أنها كانت ضده وفصلته من الجامعة، وهونفسه موقف السلطة من على عبد الرازق وخالد محمد خالد ونصر حامد أبو زيد وفرج فودة والآن إسلام بحيرى وغيرهم.. فأنت تجد موقف الإخوان الذين استطاعوا تحويل الشارع إلى سند لهم وموقف السلطة التى تخاف من الاتهام بأنها ضد الدين واحدًا، والنتيجة هذا الموقف السلبى الدائم من قضية التفكير والتعبير.
-أقول إن ثورات الربيع العربى لم تحقق أهدافها حتى الآن، الأهداف السياسية والأهداف الفكرية، بالطبع هذا جانب سلبي.. لكننا لا نستطيع أن نقول إنها لن تتحقق،
وما الذى حدث وأدى إلى توقف المد؟
بساطة هو عدم وجود قيادة.. وهذا غير ما حدث فى ثورة 1919 مثلًا التى كانت تضم أسماء لامعة:سعد زغلول والنحاس وعبد العزيز فهمى ولطفى السيد وغيرهم.
هناك من يرى أن عدم انفتاح المؤسسات الدينية العربية وعلى رأسها الأزهر على المناهج الحديثة فى قراءة التراث وتفكيك الأفكار القديمة كان سببًا فى تغول التطرف؟
نحن بشكل عام نطالب بتجديد الخطاب الدينى منذ حسن العطار وحتى الآن، ولكننا لا نُجدده،وعلماء الأزهر فى مقدمة القادرين على هذا التجديد، وغيرهم أيضًا قادر على تجديد الخطاب الديني، فلا شك أن فرج فودة كان قادرًا على أن يسهم فى تجديد الخطاب، والمستشار العشماوي، ونصر حامد أبو زيد؛ والأكيد أن تجديد الخطاب الدينى يحتاج إلى ثقافة دينية متوافرة لدى علماء الأزهر.. لكن علماء الأزهر لم يقوموا بما يجب فى هذا المجال، ونحن رأينا موقفهم من الشيخ على عبد الرازق حينما قال رأيه من الخلافة.
أعتقد أن وثيقة جمعت بين الإمام الأكبر وهو رئيس أكبر مؤسسة سنية فى العالم وبابا الفاتيكان كانت خطوة مهمة وجديدة للسلام العالمي.
هل ترى أن هناك عوامل أخرى أسهمت فى انتشار التطرف؟
-هناك الفقر بكل أشكاله ودرجاته، والجهل بكل مستوياته ودرجاته، ونحن لدينا ما يقرب من نصف المصريين لا يقرأون ولا يكتبون، ومن ناحية أخرى فإن الذين يقرأون ويكتبون لا يقرأون ولا يكتبون.. ليس هذا فقط وإنما أستطيع أن أقول إن المؤسسات الثقافية والإعلامية لم تؤد دورها فى تثقيف المصريين.
هل ترى أننا نعيش حالة من انسداد الأفق الشعرى، بحيث لم يعد فن العرب الأول معبرًا عن واقعهم؟
- الشعر لا يجد مكانه الآن.. والحقيقة أن الأفق ليس مفتوحا أمام الشعر، وبشكل عام فالأفق ليس مفتوحا أمام الفكر، ونحن نمر بمرحلة نحتاج فيها إلى معالجة هذه المشاكل لنرى لماذا لا تستطيع هذه الفنون أن تعيش وتزدهر وتؤدى واجبها.
++++++++++++++++++++++
من قتل العلمانية في العقل العربي؟
العلمانية منتج بشرى مرن، يأخذ منه كل مجتمع ما يناسبه. لكن غُلاة العلمانيين حوّلوه لدين يريدون اتباعه حرفيًا. ورحم الله العالم الكبير عبدالوهاب المسيرى ونظريته فى «العلمانية الجزئية». هذه تستحق مقالًا منفردًا.
وأنا من هؤلاء الذين لا يمانعون أن يصبح الدين شأنًا شخصيًا تمامًا لا علاقة له بالدولة. ولا أعتقد بوجود حد ردة ولا برجم الزانى، لسببين: الأول أنه لا يمكن أن يسفك دم بحديث آحاد يفيد العلم الظنى ولا يفيد اليقين. وكلنا نعرف أن هذين الحدين غير موجودين فى القرآن الكريم. والثانى أن حرية المعتقد هى من المبادئ القرآنية المتكررة (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) / (لكم دينكم ولى دين)/ (أفأنت تكون عليه وكيلا)/ (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِى الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) / (لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ)/ (إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء)/ (وما أنا عليكم بحفيظ).
هذه قبضة من الآيات التى تؤكد حرية العقيدة. وهذه هى أفضل مبادئ العلمانية، سبقنا إليها الغرب منذ ١٥ قرنًا.
+++++++++++++++++
محاضرة د.عبده الفيلالي الأنصاري : كيف نفهم الإسلام اليوم ؟
تحالف اليسار الراديكالي مع الإسلام السياسي، تماما كما لم يعد مستغربا أن ترعى الليبرالية الغربية قوى التشدد الديني في منطقتنا وتجعل منها فرس الرهان على تحقيق الديمقراطية، فالمسألة ترتبط أساسا بمحاولة كل طرف الاستفادة من الطرف الثاني ومن مساحات تحركه سواء بين النخب أو في قاع المجتمع.
في تونس اليوم، تتحالف قوى يسارية مع أخرى يمينية دينية في مواجهة التدابير الاستثنائية المتخذة من قبل الرئيس قيس سعيّد، والتي ينعتونها بالانقلاب على الشرعية والدستور، مشهد الحوار الودي بين شيخ اليسار الماركسي عزالدين الحزقي مع زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي أكد بقوة الفصاحة اللغوية وإشارات الحركة البدنية أننا أمام تحالف غير مقدس بين تيارين يفترض أنهما متناقضان في الفكر والعقيدة والرؤية والتوجه والتطلعات السياسية والاقتصادية والثقافية وفي نظرة كل منهما إلى المجتمع، ولاسيما في العلاقة بالحريات العامة والخاصة.
عندما كانت حركة النهضة في قلب السلطة، كانت جيوشها الإلكترونية تقوم حملاتها اليومية لتكفير اليسار التونسي ووصمه بالعمالة لفرنسا واعتباره عدوا للإسلام والعروبة، وملاحقته بكنية “صفر فاصل” التي كانت تطلقها على تياراته وزعاماته بالاعتماد على نتائجها في الانتخابات.
ما حدث في تلك المرحلة لم يكن بعيدا عما عرفته البلاد في أواخر أيام نظام بورقيبة وفي بداية التسعينات ضد نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، يمكن القول إن بوصلة المعارضات التونسية عموما كانت تتحرك في اتجاه واحد وهو العمل ضد النظام، ومن ثمة ضد مؤسسات الدولة ككل، وصولا إلى صراع مع المجتمع، وهو ما انعكس على ما بعد 2011 عندما تبين أن تلك القوى السياسية التي كانت تدعي امتلاك البديل، والقدرة على توفير الحلول الملائمة لكل الأزمات مع حماية المسار الديمقراطي فشلت في كل رهاناتها، وحاولت تبرير ذلك سواء بثقل حجم إرث دولة الاستقلال، أو بفقدانها تجربة التعامل مع إكراهات الحكم، وبتعرضها للتآمر من الداخل والخارج، وغيرها من المسوغات التي لم تدفع بالبلاد إلا نحو المزيد من تفاقم الأزمات على كل الأصعدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق