ما تكون صورة العالم، غداً؟
Jun 24, 2020 Dec 14, 2021
لماذا لم تنتج «ثقافاتها» مفكراً واحداً في مستوى هيراقليطس أو أفلاطون أو أرسطو؟ ولماذا قتلت «مؤسساتها» أو نبذت أولئك الذين عاشوا في عهودها، بمصادفة أو أخرى، كمثل غاليليو وماركس وسبينوزا وفرويد ونيتشه وابن رشد والرازي وابن عربي، تمثيلاً لا حصراً؟
ولماذا هي الآن جميعاً «فِرَقٌ» و«مذاهبُ» و«نبوات» و«مِللٌ» و«نِحَلٌ»، وكلٌ منها يدّعي أنه هو الذي يمثّل وحدانية الحقّ المطلق؟
«المَصالِحَ» مهما كانت صغيرة اليوم، هي التي تُهَيمِنُ على «القضايا» مهما كانت كبيرة. وهي مَصالِح ترتبط عمَلِيّاً بالسّلطة والمال، وتبالِغ في بَسْطِ هَيمَنتها حتّى أنّها تكادُ أن تطمسَ الحضورَ الإنسانيَّ نفسَه، وتُحِلُّ محلَّه الحضورَ الآليّ.
الليبراليّة الجديدة في صورتها الأميركيّة هي قائدةُ الأوركسترا في جوقاتِ هذه الهيمنة «الثقافية»، بتجلّياتها جميعاً، مَوْضوعةً في «الكيس» الإعلاميّ الذي تسهر عليه هذه الليبراليّة، باسم العَوْلَمة. وهي، كما تؤكّد التجربة، عَوْلَمَةُ الابتذال الذي يقوم على تمجيد السّوق والكَمّ، وعلى تمجيد الآلة والشّيء.
تمجيد الآلة، تمجيد السّوق والكمّ والشّيء، آخِذٌ في إيغالِه الفتّاك: تدمير الأرض ـــ رَحِماً وولادةً، في مختلف الحقول، وتدمير العلاقات، تبعاً لذلك، بين الإنسان والطّبيعة، فضاءً ونوراً، غذاءً وكساءً، ماءً وهواءً. وها هي الأرض، الكوكَبُ الأجمل، تكاد أن يمسخَها أبناؤها في مَعازِلَ ومَحاجِرَ وكهوفٍ:
مستودَعاتٍ للتقنية وآلاتها، معسكَراتٍ للغَزْو والنّهْب، حاويات للنّفاياتِ من كلِّ نوعٍ، بدءاً بالنِّفايات الذّرّيّة. وليس هذا كلّه إلاّ تدميراً للإنسان نفسِه، وتدْميراً لهذه الليبراليّة وقادَتِها: لعلّهم يُدرِكون آنذاك، وإنْ بعدَ فَواتِ الأوان، أنّ السيِّدَ «هنا» ليس في «جوهرِهِ» إلّا عَبْداً.
ويمكن وصف حالةِ الشعوب العربيّة، اليوم، بأنّها لا تزال، منذ أربعة عشرَ قرناً، حالةَ «أطفالٍ» يعيشون في بلدانٍ ليست إلّا «دورَ حضانةٍ» تسهرُ عليها السياسةُ الدّينيّة، تربيةً وتعليماً.
*
يلتقي المفكران أدونيس والجابري، فكلاهما يعتبر أن الثقافة العربية مبنية على النص، ولا يجوز الخروج عليه، بتعبير أدونيس، فهي إذن ثقافة فقهية بتعبيرالجابري
*
لماذا لا يزال الجمهور الإسلامي العربي يتقبَّلُ عالم الجِنِّ والسّحر، أكثر مما يتقبّل عالم ابن رشد أو ابن عربي أو المعرّي أو الرّازيّ، تمثيلاً لا حصراً، لكي لا نقول ديكارت وفرويد وماركس واينشتاين، تمثيلاً لا حصراً؟
يتواصَل بروز الأفراد العرَب في جميع الميادين المعرفيّة الخلاّقة، خارجَ بلدانهم العربيّة التي وُلِدوا فيها؟ وهو سؤالٌ ضروري للتّذكير بأنّ القُصورَ ليس في الفرد العربي كطبيعة، وإنّما هو في السّلطة ومؤسّساتها. ولماذا إذن يُتابِع العربُ بناءَ سلطاتٍ لا ترى إلى الثّقافة، في مختلف تجلّياتها، إلا بوصفها وظيفة وأداة في خدمتها، إدارياً وسياسياً، ولا ترى المثقّفين إلا بوصفهم موَظَّفين؟
ليست الثّقافة معرفة للكشف عن أسرار الطبيعة، وإنّما هي وظيفة من وظائف السّلطة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق