السبت، 29 يناير 2022

الاستبداد ******************************************************

Jul 6, 2020

فالمستبد مستحوذ على السلطة، مستأثر بالقرار بصورة مطلقة فوق الدستور والقانون، يرى في نفسه الدولة بما فيها ومن فيها، ولا يقبل من كافة طبقات الشعب بغير الخضوع الأعمى له.

 الاستبداد الذي تعاني منه المنطقة العربية هو الغول المتوحش والإرهاب الحقيقي الذي يجب على الجميع -حكاماً ومحكومين- أن يعملوا على مواجهته واصطياده والتخلص منه، حتى تتمكن المنطقة من تحقيق الاستقرار والتنمية وبناء الإنسان القادر على صناعة المستقبل المشرق والمحافظة عليه وتطويره، ولكن يبدو أن هذا حتى الآن يعتبر ضرباً من الخيال، فالجهات الداعمة للاستبداد -خارجياً وداخلياً- تبذل جهوداً حثيثة ومتواصلة لضمان استمرار الاستبداد في بلداننا، والقضاء على أي محاولة لتصحيح مسار الحكم فيها بما يحقق استقلاليتها ويعزز سيادتها ويدعم تماسكها ويضمن تفوقها.

أما خارجياً، فقد كانت الديمقراطية والمدنية الحديثة هي ما وعدت به الدول الاستعمارية قادة المنطقة إذا وقفوا إلى جانبها في الحرب العالمية الأولى، وانتهت الحرب العالمية لتتقاسم الدول الغربية المنتصرة المنطقة العربية وتوزعها إلى دويلات محتلة خاضعة لسيطرتها. ولم تخرج منها إلا بعد أن غرست بذور الاستبداد فيها واطمأنت إلى سلامة غرسها، واستمرت في تغذيته ورعايته إلى يومنا هذا، وكل ما تتشدق به حول دعمها للحرية والديمقراطية هو محض هراء لا أساس له من المصداقية والجدية، إنها ترعى الديمقراطية في بلدانها، وتحافظ عليها لشعوبها، أما بلادنا فلتحترق ولتذهب إلى الجحيم.

وأما داخلياً، -وهو الأشد خطراً والأكثر ألماً- فهو دوائر أصحاب المصلحة الذين يعتقدون أن مصالحهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية أكثر أماناً واستقراراً وضماناً مع الأنظمة المستبدة من غيرها، وأخطر هذه الدوائر ما يأتي:
القوى السياسية التي تقتات على حسنات السلطة المستبدة، وليس لها أي سند سياسي شعبي أو اجتماعي، وتوفر للنظام المستبد غطاء شرعياً داخلياً وخارجياً.
القوى الاقتصادية المتحالفة مع السلطة المستبدة بما توفره لها من ضمانات وتسهيلات وتفضيلات في التجارة والصناعة وحركة مالية داخلية وخارجية.
الأجهزة الأمنية التي تراكمت خبرتها في حماية النظام الاستبدادي، والولاء له، والبطش بخصومه وأعدائه، وتنفيذ جرائمه واعتداءاته والتغطية عليها، فهذه الأجهزة عمود من أعمدة الاستبداد، وجودها من وجوده، وأمنها من أمنه، والعكس صحيح تماماً، لا تفهم أكثر من ذلك، ولا تتقن عملاً أفضل من ذلك.

ماذا لو تحدثت مع الرئيس أن يستوعب "هذه الجماعات الإسلامية" ضمن النسيج الوطني ووفق أحكام القانون والدستور مثل بقية القوى والجماعات في الدولة، فهذا أفضل لتعزيز الاستقرار ومعالجة التوتر الداخلي ودعم التماسك الوطني والاجتماعي، وسد الباب أمام الانتقادات الإقليمية والدولية. فقال الضابط الكبير: إذا تحقق ذلك ماذا سنفعل نحن؟!

النخبة التكنوقراطية التي اندست في فلك النظام المستبد، تدور معه حيثما دار، تروّج له، وتدافع عنه، وتحيل من أخطائه وكوارثه إلى إنجازات وطنية خارقة، وتصوّر جرائمه على أنها عين الحكمة وسيف العدل.

الطبقة البيروقراطية، التي تعج بها مؤسسات الدولة، تستهلك موارد الدولة، ولا يزيد معدل إنتاجها عن ٢٠٪ في أحسن الأحوال، وبأسوأ المعايير والمواصفات. هذه الطبقة الواسعة طبقة متبلّدة، لا يهمها كثيراً من يعتلي السلطة، وما إذا كان مستبداً أم عادلاً، بقدر ما يهمها انتظام تدفق مخصصاتها المالية الشحيحة قبل نهاية الشهر، والتي لا تكفي لسد نفقات الحياة اليومية المتلاحقة. هذه الطبقة تعيش دوماً في الهامش، موجودة وغير موجودة في الوقت ذاته، تملأ الفرغ ولكن دون أي وزن، إذا أرادها النظام المستبد أن تتكلم سارعت بالهتاف له وإعلان الولاء، وإن أرادها أن تصمت غابت عن الأنظار في انضباط ليس له مثيل.

الشعب المضلَّل، الغائب عن الوعي، والمنفوخ بدخان العاطفة وزئير الانفعال، تسحره ابتسامة الحاكم المستبد، ويؤمن بوعوده المراوِغة، يرى في الاستبداد نوعاً من القوة الفريدة والسيطرة المحكمة، يقوده الإعلام والفن، ويخضع سريعاً لعبارات التهديد والوعيد، يهتف لمن يقوده، ويدعو لمن يطعمه، ويصلي لمن يغدق عليه، وهو الأكثر دفاعاً عن الاستبداد بين كافة المدافعين.

 النظام المستبد لا يقتصر على الحاكم الذي يقوده، فهناك الحكومة المستبدة، والوزير المستبد، والوكيل المستبد، والجيش المستبد، والأمن المستبد، والبيروقراطية المستبدة، والإعلام المستبد، والفن المستبد، والأدب المستبد، والنخبة المستبدة، والموظف المستبد، والشعب المستبد.

يتفاقم هذا الوضع حتى يخضع الجميع للاستبداد ويتلونون به، فتبدو الدولة المستبدة مستقرة ومنسجمة، ما يؤكد مشروعيتها، وسلامة ما تقوم به، بعد أن قامت بتغييب الآخر وراء قضبان السجون وخلف جدران الرعب والخوف والتهديد والوعيد التي أحاطت بها كل من تسوّل له نفسه النصح أو الانتقاد فضلاً عن الاعتراض والعصيان.

دعائم الاستبداد 

السيطرة: لا يقبل النظام المستبد بغير السيطرة الكاملة المطلقة على كافة السلطات في الدولة؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية، وعلى كافة مقاليد القوة؛ العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن له عدم حدوث أي اختراق يؤدي إلى سقوطه، فسقوطه يعني له الخاتمة الوخيمة، وبالتالي لا مجال عنده لأي تهاون أو تقصير أو خطأ يؤدي إلى اختراق السلطة أو المشاركة فيها.

القبضة الحديدية: تعتمد الأنظمة الاستبدادية على القمع الشديد والبطش المروع، الذي يجعل المرء يفكر مليون مرة قبل أن تسول له نفسه القيام بأي فعل مخالف أو معارض، وتعمل الأجهزة الأمنية في هذه الأنظمة على نشر ألوان هذا القمع والبطش، لإلقاء الرعب والإذعان في نفوس المؤيدين والمعارضين. ولإحكام القبضة الحديدية، تضع الأجهزة المختصة العديد من الخطط والبرامج والأساليب التي لا مجال للحديث عنها في هذا المقام.

التسليم الأعمى: لا يسمح النظام المستبد بغير الخضوع الكامل والتسليم الأعمى لسلطته، لا من الجيش ولا من الشرطة ولا المخابرات ولا من الحكومة ولا من  النخبة ولا الإعلام، تحت أي مبرر كان، لا في شاردة ولا واردة، لا في حق ولا باطل، فهو معصوم لا يخطئ، وإن أخطأ فقد أصاب.

البطانة: يحيط النظام المستبد نفسه بعناصر منتقاة في مختلف الأدوار والتخصصات، يتم اختيارها بناء على مواصفات محددة على رأسها الولاء التام والاستعداد الكامل للتضحية بالنفس وقتما اقتضت الضرورة ذلك، والقيام بكل ما يطلب منها من أعمال دون مراجعة أو تردد مهما كان نوعها والنتائج المترتبة عليها. ويتم ربط هذه البطانة بمستوى عالٍ من الحوافز والامتيازات.

الإعلام: يعتبر الإعلام الذراع الفكرية الأقوى التي يتسلح بها النظام المستبد، للترويج له وإظهار مآثره وإنجازاته الوهمية، والتغطية على أخطائه وجرائمه، وإيصال رسائل التهديد والوعيد التي يريدها وقتما شاء، وللدفاع عنه وتكريس صورته المثالية محلياً وإقليمياً ودولياً. ولا يسمح النظام المستبد لأي مؤسسة إعلامية مخالفة له ولا لأي إعلامي، فجميع المؤسسات الإعلامية في الدولة هي مؤسساته، وإن اختلفت أسماؤها وتعدد ملاكها، ولا يعمل في هذه المؤسسات من الإعلاميين إلا من جنّد نفسه لمصلحة النظام مقابل الحفاظ على مصلحته ومكتسباته.

الفن: الذراع الثانية التي يستحوذ عليها النظام المستبد إلى جانب الإعلام، وتضم طبقة النجوم العليا، أصحاب السجادة الحمراء، القدوات التي تتطلع إليها أعناق الشعب، وتتأثر بكل ما يصدر عنها من مواقف وتصرفات. وكما هو الحال مع الإعلام، فإن النظام المستبد لا يسمح لأي فنان أو شركة فنية أو إنتاج فني يعمل في غير تمجيد النظام.اغنية السلام 

علماء الدين: وهم الذين يعطون النظام الشرعية الإلهية، ويظهرونه على أنه ظل الله في الأرض، والقائم على أمر دينه وإقامة شريعته. وهم جاهزون دوماً لإصدار الأحكام والفتاوى التي تحلل للنظام المستبد كل ما يقوم به أعمال، مهما بلغ فيها البطش والتنكيل وإراقة الدماء.

التعليم: تمثل مناهج التعليم المدرسي الوسيلة الأكثر نجاحاً في إنتاج أجيال جديدة كاملة ذات ولاء مطلق للنظام، بما تقدمه من شروح تفصيلية للنظام ووطنيته وقادته وإنجازاته، شروح لا تترك مجالاً للنقد أو الشك أو الاختلاف. هذه الأجيال تكون أشد انتماء للنظام، وأسرع اقتناعاً بما يصدر عنه، وأسهل انقياداً له ودفاعاً عنه.

العدو: يعتمد النظام المستبد على اختلاق عدو ما، داخلي أو خارجي، يشغل الشعب به، ويزيده التفافاً حوله، واقتناعاً بما يقدمه له من حجج وذرائع لتبرير فشله في إنجاز وعوده، وما يؤخذ عليه من اعتراضات، وما يوجه ضده من حملات، فتارة محاربة التهديدات الخارجية الإقليمية أو الدولية، وتارة محاربة الأعداء الموجودين داخل الوطن ويعملون على تقويض أركانه وزعزعة استقراره، وتارة محاربة التطرف والإرهاب، وتارة محاربة الفساد،… إلى غير ذلك من الأشكال. فالنظام المستبد لا يستطيع البقاء بدون عدو، فالعدو يعني وجود خطر محدق بالدولة والشعب، والنظام مشغول بهذا الهدف الأعلى ومحاربة العدو والحفاظ على أمن الوطن واستقراره، ويقدم التضحيات الباهظة في سبيل ذلك، وأن على الشعب الالتفاف حول النظام ليتفرغ لمواجهة العدو، ودفع الخطر المحدق.
 
*

ربط السلام بالاستسلام 
ناكازاكي وهيروشيما 1945
وحصار العراق واحتلالها 2003

الاستبداد او الاستعمار 
من 1950 جربنا القومية واليسار والاشتراكية والدينية وطائفية والليبرالية والعلمانية والطائفية 
احزاب برلمانات 
ههههههههه كل السياسين بيزنس ومراكمة الثروات 

الجامعة اصبحت مدرسة فيلم euc
والرسالة الجامعية ترمي في مكتبات الجامعة 

البحث العلمي هو الوضعية 
بس ما بعد الحداثة انهته 

*
Feb 12, 2021

 التخلص من الاستبداد

الأمَّة التي لا يشعر كلُّها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحقُّ الحريّة"
 الاستبداد لا يقاوَم بالشِّدة إنما يُقاوم باللين والتدرُّج". وهو متطلبٌ يتعلق بالأساليب والمناهج القادرة على تحقيق الفاعلية المطلوبة في التخلص من الاستبداد

وقوة المال، وقوة الإلفة على القسوة، وقوّة رجال الدين، وقوّة أهل الثروات، وقوّة الأنصار من الأجانب، فهذه القوات تجعل الاستبداد كالسيف لا يُقابَل بعصا الفكر العام الذي هو في أوَّل نشأته يكون أشبه بغوغاء، ومن طبع الفكر العام أنَّه إذا فار في سنة يغور في سنة، وإذا فار في يوم يغور في يوم. بناءً عليه، يلزم لمقاومة تلك القوات الهائلة مقابلتها بما يفعله الثبات والعناد المصحوبان بالحزم والإقدام". ضمن معادلة الاستبداد والعنف واحتكار السلطة مصادر القوة واستخدامها البطش في غير محلها ضمن استراتيجيات الخضوع والترويع والتفزيع "الاستبداد لا ينبغي أن يُقاوَم بالعنف، كي لا تكون فتنةً تحصد الناس حصداً. نعم؛ الاستبداد قد يبلغ من الشدَّة درجةً تنفجر عندها الفتنة انفجاراً طبيعياً، فإذا كان في الأمَّة عقلاء يتباعدون عنها ابتداءً، حتى إذا سكنت ثورتها نوعاً، وقضت وظيفتها في حصد المنافقين، حينئذٍ يستعملون الحكمة في توجيه الأفكار نحو تأسيس العدالة، وخير ما تؤسَّس يكون بإقامة حكومةٍ لا عهد لرجالها بالاستبداد، ولا علاقة لهم بالفتنة.

"العوامّ لا يثور غضبهم على المستبدِّ غالباً إلا عقب أحوال مخصوصة مهيِّجة فورية، منها: عقب مشهد دموي مؤلم يوقعه المستبدُّ على المظلوم يريد الانتقام لناموسه.

*

الواقع العربي والسبيل للخلاص من براثن الاستبداد

يعيش العالم العربي والإسلامي حالة غير مسبوقة من الانكسار والتبعية لكل مخططات أعدائهم، بدون وعي، وأحيانًا بوعي وتربص، على جميع المسارات (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإعلامية، والثقافية). 

أقول هذا الكلام بسبب حالة الانصياع والهرولة والتطبيع مع المحتل الإسرائيلي بشكل هستيري، وتسليم كل مقدرات أمتنا إلى هؤلاء، بواسطة وسطاء لم يراعوا إلّا ولا ذمة في حاضر الأمة ومستقبلها، بل كل ما يشغلهم هو تمتين العلاقة مع الغرب، للحفاظ على كراسيهم الزائلة.

الواقع المصري وفشل الخيارات

ما حدث في مصر، ولا يزال، يؤكد أننا أمام حالة فجة في السعي بكل السبل لتفكيك الدولة من خلال سيطرة العسكر على كل مقدرات الأمور، فحينما ثار الشعب المصري على النظام السياسي الفاسد المستبد، لم يجد إلا الالتفاف حول مطالبه التي كان يأمل أن تتحقق من حرية، وعيش، وعدالة اجتماعية، وكرامة إنسانية. 

وتم معاقبة كل من قام بالتفكير والسعي لدولة مدنية ديمقراطية باختيار حر ونزيه، ووصل الأمر إلى التخلص من الرئيس المدني الذي اختاره الشعب بعد ثورة يناير، وتم قتل الألاف، وسجن عشرات الألوف في السجون وتطويع مرفق العدالة لخدمة السلطة المنقلبة على النظام الديمقراطي، ناهيكم عن التفريط في مقدرات الدولة من نهر النيل إلى تيران وصنافير، وغاز المتوسط، وإفقار الشعب المصري، وكبت الحريات، وتأميم النقابات المهنية، والجمعيات الخيرية، وتعقّب مؤسسات المجتمع المدني، إلى غير ذلك من تجفيف لكل المساعي التي تريد لمصر أن تكون دولة ذات سيادة ومستقلة في قرارها، بل وصل الأمر إلى تتحكم بعض الدول الصغيرة في قرارات مصر المصيرية.

الدول الخليجية والسعي نحو التطبيع بدون مقابل

من التصريحات غير المفاجئة في هذا السياق الانبطاحي ما قاله وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان يوم السبت الموافق الثالث من أبريل/نيسان 2021 في مقابلة أجرتها معه قناة "سي إن إن" الأمريكية، أن التطبيع مع الاحتلال "سيكون مفيدًا للغاية اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا"، وذلك لعموم المنطقة!

هذا التصريح في غاية الخطورة، لأنه يمثل نقلة نوعية من التطبيع بعد انصياع العديد من الدول العربية لرغبات الرئيس الأمريكي السابق ترامب، الذي هيأ الأجواء لخدمة (إسرائيل)، ودفع بكل الإمكانيات لتسخير تلك الدول لمصلحة أجندة الغرب في المنطقة، وهي التمكين لـ (إسرائيل) على جميع المستويات.

بطبيعة الحال قامت بعض هذه الأنظمة الخليجية، وخصوصًا السعودية والإمارات، بتلبية رغبات الغرب في المنطقة للتمكين للمحتل الإسرائيلي، والتطبيع معه في العديد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية؛ على أمل أن يكون ذلك عاملًا مهمًا في تثبيت سلطتهم والسيطرة الكاملة على نظام الحكم في تلك الدول، وسار على نفس المنوال دول (البحرين والسودان والمغرب)، والبقية تأتي تباعًا.

كل هذا لغياب المشروع الوطني الذي يخدم الشعوب، التي تم استبعادها من المعادلة بشكل كبير، فنجد كل من ينادي بالتحذير من التوغل الصهيوني في المنطقة يتم محاربته، بل وصل الأمر إلى سجن العشرات من العلماء والمصلحين والفاعلين في مجال حقوق الإنسان، في السعودية والإمارات، خشية أن يكون لهم تأثير في تغيير المشهد لصالح الشعوب.

في العموم تم استنزاف مقدرات تلك الدول، وتوجيه إمكانياتها لغير أهلها، وتمكّن أصحاب السلطة من كل شيء، مع تغييب الوعي، وإقناع الشعوب بأن النموذج المتمثل في الغرب هو الأفضل والأمثل، ومن ثمَّ وجب الانصياع له والسير على نهجه!

هل من سبيل ومخرج؟

المسألة شديدة التعقيد؛ لأن الحالة التي عليها المنطقة العربية الآن، تم الترتيب لها منذ فترة طويلة، من خلال تقسيمها تبعًا لاتفاقية (سايكس بيكو)، والتمكين لكل من يسعى لخدمة الغرب وتحقيق أجندته، والسعي بكل السبل لمحاربة وتشويه المصلحين والداعين إلى الاستقلال الوطني، باستخدام أنظمة مستبدة لقهر الشعوب وتطويعها بكل الطرق، ومن ثمّ المسألة تحتاج إلى عدة أمور كبداية لتغيير المعادلة، منها:

أولًا ـ الوعي الدقيق بخطورة ما وصلنا إليه، وهذا دور النخب السياسية والثقافية والإعلامية المخلصة التي تريد تغيير الواقع، لرفع منسوب الوعي لدى الشعوب، ومن ثمّ تكون تلك الشعوب هي الرافعة القوية للأفكار والسياسات التي تنهض بالمنطقة. ولذلك يحرص المستبدون على تغييب وعي الشعوب، ويسعون إلى إلهائهم بالقضايا التافهة من جانب، وشغلهم بالسعي على أرزاقهم طوال الوقت، حتى لا يفكروا في أي شيء يتعلق بمصيرهم، من جانب آخر.

ثانيًا ـ إيجاد مشروع وطني يجمع شتات المصلحين والداعين إلى التمكين الديمقراطي للشعوب، في كل دولة، وهذا الأمر شديد الأهمية، لما له من دور كبير في توحيد الجهود للسعي نحو رؤية جامعة يمكن أن تجد الحلول للمشاكل التي تعاني منها المنطقة، وهذا الأمر لن يكون بين يوم وليلة، بل يحتاج إلى وقت ونفس طويل، لأن المتربصين في الداخل والخارج كُثر، والتحديات كبيرة.

رابعًا ـ على الشعوب أن تعي خطورة السلبية واللامبالاة، وخصوصًا الشباب، نعم الضغوط كثيرة والتحديات كبيرة، ومع ذلك لا بد من انتزاع الحقوق، والقيام بالدور المطلوب كل في مجاله ومكانه، فالحرية لا توهب ولكنها تنتزع، والبداية تكمن في المعرفة التي ينبني عليها العمل الجاد للتخلص من كل القيود التي تكبِّل الشعوب، وأول هذه القيود هو الاستبداد الذي يتحكم في مقدرات الدول، وخيارات الشعوب.

الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) بقوله: "الاستبداد والتسلط بمختلف ألوانه وأشكاله هو شيء أعمى يسير عكس حركة التاريخ والحضارة والحياة الإنسانية الطبيعية... لأنه يقف على طرف نقيض من حرية الإنسان، ومن قدرته على تحقيق الاختيار السليم بل إنه يشلّ طاقة التفكير واستخدام العقل والفطرة الصافية عند الإنسان، ويرهن سعيه للمجهول، ويجعله أسيرًا بيد الجهل والتخلف".

* Apr 11, 2021
2013

المستبد.. الطاغية.. الديكتاتور


طيلة القرون الغابرة والعالم لا يعرف من الحكم إلا المستبد، تارة باسم السماء، وتارة بفعل الوراثة أو العرق والسلالة، وأخرى بالتغلب والقهر سواء بالجند أو العصبة، كما امتد تسويغ الاستبداد إلى ادعاء المستبدين أنهم الأكثر علماً ومعرفة بصالح الجماعة، وأن العوام يفتقرون إلى الشروط الضرورية لممارسة الحكم، وليست لديهم القدرة على فهم الدوافع التى تجعل الحاكم يتخذ القرار على نحو يرونه هم استبداداً بالأمر أو تنكيلاً بهم، وقد يدعى المستبد أن شعبه ليس مؤهلا بعد للديمقراطية، أو أن الظروف التى تمر بها الدولة تفرض هذا النمط من الحكم.

وبناء على هذه المسوغات لم يكن هناك حاكم ومحكومون على مدار قرون طويلة، بل مالك وأقنان، سيد وعبيد، سلطان ورعية، لا حقوق لها إلا ما يجود به من بيده مقاليد الأمر، ولا حريات لها إلا بقدر ما يغفل عنه أو يتركه عفوا أو استهانة

حتى مونتيسكو استخدم العلماء والفلاسفة خلال تلك القرون كلمات أو مصطلحات أخرى للتعبير عن الاستبداد، مثل «الطغيان»، الذى عنى به الحكم القسرى الذى يهضم الحرية، ويخرق الحكومة الدستورية وحكم القانون، وقد اعتبر أرسطو الطغيان حالة مرضية بالنسبة لليونانيين وطبيعية بالنسبة للآسيويين، وربط بينه وبين سعى الملك إلى تحقيق منفعته الشخصية، حتى لو اضطر إلى استخدام العنف، مع تجاهل مصلحة الشعب. أما أفلاطون فعرف «حكومة الطغيان» بأنها سلطة الفرد الظالم، أو الجائر، حيث يسود الجور الكامل بغير خجل.

عرفت الثقافة العربية- الإسلامية مصطلح «الطاغوت»، الذى يعنى مجاوزة القدر والارتفاع والمغالاة فى الكفر، وبذا يصبح الطغيان هو مجاوزة الحد فى العصيان، وبينما اعتبر الإمام مالك أن الطاغوت هو ما عبد دون الله فإن ابن القيم الجوزية توسع فى تبيان مدلول المفهوم فرأى أن الطاغوت هو «كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو طاغوت، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله»، واعتبر الفقهاء واللغويون أن «الطغيان» أشد وأعم من «العتو»، لأن الأول ينطوى على إكراه مع غلبة وقهر، أما الثانى فهو المبالغة فى المكروه فقط.

كما ينطوى الطغيان على نقيصتى «الجبر» و«القهر»

* Jun 20, 2021


في شموليّة التحرّر والاستبداد


 التّحرّر الاجتماعي هو تخلّص الأفراد أو الفئات الاجتماعيّة المختلفة من استبداد واستغلال العلاقات السّلطويّة الطبقيّة في داخل المجتمع، كاستغلال رأس المال الوطني، قمع الحريّات، هيمنة الرّجال على المجتمع، أو اضّطهاد الأقليّات؛ أي أن التحرّر الاجتماعي هو حل التّناقضات الداّخليّة في المجتمع.

تتشكّل المنظومة الاجتماعيّة السّائدة من شبكة سلطويّة وعلاقات قوى تراتبيّة مركّبة، تعتمد في سلطتها على أدوات القمع والاستعباد الجسدي والنّفسي، تقسّم المجتمع وتضبطه وتهيمن عليه، وتنفرد، بمستويات متباينة، بتنظيم أموره وإدارة موارده. تتمظهر هذه السّلطات الجبريّة في الأب، والعائلة، والعمل المأجور، والمجتمع، والدّين، وصولًا إلى الدّولة. تُنتج هذه المنظومة قهرًا نفسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا يصيب كل فئات المجتمع، وإن بمستويات متفاوتة، ما يجعلها مشلولةً ومُضلّلة. أمّا على الصّعيد الخارجي، تنتج هذه المنظومة الأبويّة الرّأسماليّة قضايا الاحتلال، كما هو الحال في فلسطين مثلًا، والهيمنة الخارجيّة التي تسعى لاستغلال موارد الشعوب والسّيطرة على إرادتها بما يخدم مصالحها. لكن، هل هناك علاقة بين التّحرّر الوطني والتّحرّر الاجتماعي؟ وما طبيعتها؟

إذا نظرنا إلى انتفاضات الرّبيع العربي خلال العقد الماضي، نرى أنّ الشرارة التي أخرجت النّاس للاحتجاج كانت حادثة تجسّد استبداد السّلطة السّياسيّة، كحادثة البوعزيزي في تونس، التي فجّرت مظاهرات ضد تعدّي أجهزة الدّولة على حقوق وكرامة النّاس. تطوّرت هذه الاحتجاجات سريعًا لتحمل مطالب معيشيّة لفئات المجتمع المختلفة، ثم سياسيّة عامّة متمثّلة بإسقاط النّظام والتحوّل الدّيمقراطي. كما لوحظ حضور علم فلسطين والهتاف لها، يعني ذلك أن الثّوار أظهروا قدراتهم على تحديد بوصلة وطنيّة واضحة ترفض الاستعمار والهيمنة الخارجيّة، في الوقت الذي يناضلون فيه من أجل حقوقهم الاجتماعية. طوّرَ المنتفضون هذا الرّبط في حسّهم الجمعي خلال الثّورة، بعكس الكثير من النّخب التي لا تزال تميل إلى الفصل بين القضايا، فلم تستوعب الثّورة.

نحن لا نعيش في فقاعات منفصلة عن الواقع كما يحلو للكثيرين أن يعتقدوا، فحياتنا اليوميّة وظروف معيشتنا وعلاقاتنا كلها خاضعة لمنظومة واحدة: كلّ مجال ومستوى فيها يؤثّر ويرتبط بالآخر. كما أنّ الحريّة مفهومٌ لا يُجزّأ، فلا حريّة للفرد وهو يعيش تحت منظومة رأسماليّة تستعبده، أو تحت سلطة أب يستبدّها، أو في مجتمع يفرض عليه وعليها كيف تفكّر وتلبس وتتحرّك، أو من ومتى وكيف يحب. كما لا يمكن أن أقاوم المُحتل بفعاليّة وأنا مُضطّهَد ومُفقَر، وخاضع لاستبداد سلطة داخليّة ما. لا يمكن تحقيق الحريّة الاجتماعيّة أو الوطنيّة بمعزل عن الأخرى.

*

"كيف تصبح طاغية": الكلّ دكتاتور إلى أن يثبت العكس


بثت شبكة "نتفليكس" أخيراً، سلسلة "كيف تصبح طاغية" الوثائقيّة، التي تستند إلى كتاب " دليل الدكتاتور". السلسلة التي تُلقى بصوت بيتر دينكليغ، المعروف بشخصية تايرون لانستر في مسلسل "لعبة العروش"، تفترض وجود كتاب يحوي الخدع والاستراتيجيات والممارسات التي يتبناها الطغاة من أجل الوصول للحكم، ثم ترسيخ حكمهم؛ إذ نشاهد هتلر، والقذافي، وصدام حسين، وعيدي أمين، وماو تسي تونغ، وسلالة سونغ في كوريا الشمالية. يعرّفنا المسلسل على الاستراتيجيات التي اختبرها كثير من قرّاء العربيّة، كيفية وصول الدكتاتور إلى السلطة، واغتيال الخصوم، ونشر الرعب، والتسلح بالنووي والكيميائي، والسعي إلى الحكم إلى الأبد عبر تغيير شكل المجتمع وتحطيم طبقاته. لكن ما يثير الاهتمام بداية، هو وجهة نظر المسلسل الأميركيّة؛ فالنموذج الأول والمثال الدكتاتوري يتمثل بالنازيّة الهتلرية، بوصفها الاستثناء التاريخي الذي تقارن عبره باقي الدكتاتوريات المعاصرة، فالنازيّة هي الأشد عداوة، وهذا ليس بالدقيق تاريخياً، خصوصاً أن ألمانيا النازيّة عدو أوروبا وأميركا، لكنها ليست عدوة الجميع أو كل أفراد الشعب.

هذا الاستثناء التاريخي النازيّ، يتجاهل في كثير من الأحيان الظروف وخصوصية كل بلد، والأهم، أنّ سقوط الدكتاتورية النازية كان إثر حرب عالميّة، أما الباقية، كصدام حسين، والقذافي، فكانت نتيجة تدخلات عسكريّة. وهنا، تهضم السلسلة حق الثورات العربيّة، ولا تشير أبداً إلى إمكانية نجاحها، فالطاغية إما يستمر في الحكم للأبد، هو وسلالته، كما في كوريا الشماليّة، أو يسقط بتدخل أجنبي.

المثير للاهتمام، أيضاً، أنّ المسلسل ينتهي بعبارة "أيّ أحد يمكن أن يصبح طاغية". وهنا إشارة ربما إلى جدل غير محسوم في النظرية السياسية، فالتيار الأول يرى أنّ الشرط الاستثنائي يخلق الطاغية، مثل خسارة الحرب العالمية الأولى في ألمانيا، والمجاعات في كوريا الشماليّة، أو العكس؛ الطاغية نفسه هو من يخلق الشرط الاستثنائي من أجل توطيد حكمه، كقتل اليهود في ألمانيا النازيّة، وتهجير الجالية الهندية في كوريا الشمالية. صحيح أنّ هناك كثيراً من العوامل المشتركة بين الطغاة، كالعمل مع جماعة مقربة يتصل بها بالدم، وتصفية كلّ الأعداء من دون رحمة، لكن يستثني المسلسل إرادة الشعوب كلياً، ولا يشير أبداً إلى الأداء الساخر المرتبط بالدكتاتوريات، فالطاعة التي تظهر علناً في المسيرات، أو في الحياة اليومية المحكومة بالخوف، لا تعني الإيمان بالدكتاتور، بل هي أداء ساخر ظاهري لا يصدقه من ينفذه بسبب الخوف والرعب؛ فقدرة الدكتاتور تحكم الأشكال الخارجيّة فقط، لا بواطن النفوس التي تشير إليها كلمة إيمان، وفئة قليلة جداً هي التي تؤمن حقيقة بالخلاص الذي يمثله الطاغية.

لا يتطرق المسلسل إلى الثورات العربية والطغاة المعاصرين، كبشار الأسد أو حسني مبارك، وكيفية الإطاحة بالثاني وحفاظ الأول على حكمه، وهذا ما يثير الحفيظة، كوننا أمام نماذج دكتاتورية تختلف عن الماضي، نماذج توظف استعراض الموت العلني مثلاً، ولا تستطيع في كل الوقت ضبط التحركات ضدها بسبب الإنترنت وما تأمنه من تواصل آمن في أغلب الأحيان.

الأهم، لا يتحدث المسلسل عن أشكال الطغيان الغربيّة، تلك التي استبدلت الأفراد بالمؤسسات وسلطة القانون، عبر تحويله إلى أداة عنصرية، كالحديث عن القوانين التي تستهدف اللاجئين والمهاجرين، ناهيك عن المؤسسات الطبية والسياسات الحيويّة وشبكات المراقبة التي تمارس طغياناً يشابه الأمثلة المذكورة، كونها تتحكم بالأفكار والمعتقدات، وتهدد في بعض الأحيان طبيعتنا كبشر.

وُجهت العديد من الانتقادات للمسلسل بوصفه لا يقدم ما هو جديد، وهذا ما نتفق معه، خصوصاً في ما يتعلق بالنظرية السياسية وأساليب الدكتاتورية، لكن، أيضاً، وُجهت له انتقادات تتعلق بالشكل المتبنى، وأسلوبه في تحويل تاريخ الدكتاتورية الدموي إلى شأن تعليمي مبسط، مليء بالرسوم المتحركة، يمكن نسيانه وتجاهله لاحقاً.

 الأهم أنّ هذا الشكل ربما يُفقد الموضوع جديته ويتركه بعيداً عن المركز، المتمثل بأميركا: ألم يتبع ترامب مثلاً ذات خطوات الطغاة طوال فترة حكمه؟ أم أنّ الأمر لا ينطبق عليه؟

*

المسلسل الوثائقي "كيف تصبح طاغية" أن صناع المسلسل لم يقدّموا عائلة الأسد وسورية من النماذج عن الطغاة في العالم، فالمسلسل الأميركي الذي أنتجته منصّة نتفليكس أخيراً (يبثّ لأول مرة على الشاشة منذ 9 يوليو/ تموز الحالي)

ستة نماذج للطغاة في العالم

متلاك السلطة والقوة يمكنهم أن يستلهموا منه كيف يصبحون طغاة، ويحكمون شعوباً بأكملها سنوات طويلة، وهي ترى فيهم أشباه آلهة، أو على الأقل يجعلها الخوف تشعر بذلك، أو تُبدي ذلك، حيث الخوف المتراكم عبر سنوات طويلة يحوّلها إلى شعوب "باطنية"، تظهر عكس ما تخفي، وهو ما يجعل الانتقام، عندما تأتي اللحظة المناسبة، من الطاغية وجماعته، مهولاً ومروّعاً، سواء من الشعوب نفسها، أو من أعداء الطاغية في الخارج، إذ غالباً ما تكون شبكة التحالفات الخارجية التي ينشئها الطاغية، خلال مسيرة حكمه، واهية وآنيّة، ولا تمتلك الديمومة الصالحة لاستمرار الحكم، مهما طالت مدته، إلا إذا استطاع الطاغية عزل بلاده تماماً عن العالم الخارجي، على طريقة كوريا الشمالية.

المسلسل استطاع تقديم معلومات معروفة بطريقةٍ فيها من التشويق والإثارة والاختزال ما يُنسي المشاهد أنه أمام مسلسل وثائقي تاريخي، حيث الكتاب المفترض، الذي يقدّم وصفات جاهزة لصنع الطغاة، أضفى على المسلسل منحىً قريباً من الكوميديا، بيد أنها الكوميديا السوداء، إن صحّ القول، فلا يوجد ما هو أكثر إيلاماً لمتابعٍ من دول العالم الثالث، أو من دولة بوليسية أمنية، كسورية، أن يرى كيف تتم صناعة الخوف التي ميّزت مجتمعه، بحيث يزول الفاصل بين الوطن والنظام، ويوضع البلد، بكل ما فيه، باسم الزعيم الطاغية.

 مع هتلر (الاستلاء على السلطة)، ويكمل في الحلقة الثانية مع صدّام حسين (سحق المنافسين)، ليصل في الثالثة إلى (الحكم من خلال الإرهاب) وعيدي أمين، ثم ستالين في الرابعة (السيطرة على الحقيقة)، ومعمر القذافي و(بناء مجتمع جديد) في الخامسة، ليختم المسلسل مع الديكتاتورية التي لا مثيل لها في التاريخ البشري، كيم إيل سونغ وورثته في حكم كوريا الشمالية، تحت عنوان (الحكم مدى الحياة). لكننا نكتشف مع الحلقات أن العناوين هي الوصفة الأولى المعتمدة لدى كل طاغيةٍ ليكرّس سلطته، لكن التفاصيل الأخرى تكاد تكون متشابهة، حيث تصلح كل العناوين لتكون عامة للشخصيات الست، ولباقي طغاة العالم ممن ذكرهم صناع المسلسل في المقدّمة، كماو تسي تونغ، مثلاً، وممن أغفل ذكرهم تماماً كآل الأسد.

*

Jul 1, 2021

سيف الدين عبد الفتاح في مواجهة اماني فؤاد 

 الخلافة مستندةً إلى شورى المسلمين. ويُعَدّ تغلب معاوية بن أبي سفيان على منصب الخليفة حدثاً طارئاً على النظام السياسي الإسلامي آنذاك،البيعة السياسية

القبول بإمامة المتغلّب كأمرٍ سياسي واقع لا يمكن التصدّي له آنذاك، ولا يمكن دفعه إلا بوجود فتنةٍ شديدة. إلا أنّ هذا الاتجاه - في واقع الأمر - قد أُسرف فيه عند بعض هؤلاء (وبعضهم من الفقهاء)،

تمرير حال الاستبداد، والتغاضي عن شروط العدالة. من مثل مقولات "ستون سنة بسلطان ظالم خير من ليلة بلا سلطان"، و"سلطان غشوم خير من فتنة تدوم"، و"من اشتدّت وطأته وجبت طاعته". كل تلك المقولات وجدت لها تسويغاً في سياقات درء الفتنة والحفاظ على استقرار الأمة، ولم يكن يعلم هؤلاء أن هذا الاختيار قد يجلب استبداداً، ولا يوقف فتنة، بل صار الاستبداد، في هذا المقام، هو الفتنة الحقيقية في الأمة، حينما فتحت باب القوة والتغلب ذا الطبيعة العسكرية، ليكون مدخلاً للوصول إلى السلطة.

مسؤولية ميراث التغلب في الممارسة السياسية في تاريخ المسلمين عن الإسهام في تراث الظاهرة الاستبدادية وذاكرتها، وهو أمر لا يجوز الالتفاف عليه أو التبرير له. وحين اشتدّت هذه الحيرة أوقعت الفقهاء في "ورطةٍ" كان يصعب الخروج منها بحلّ حاسم للقضاء على التغلب. لذا، رأى الفقهاء الذين أجازوا إمامة المتغلب وإمارته في التغلب ضرورة ملجئة، ولم يروا فيه ضرراً. والواقع أن هذه الرؤية المبرّرة فقهياً لم تكن تتوقع أن يتحوّل التغلب من ضرورة إلى ضرر. ولم يلبث أن تحوّل الأمر من حال الضرورة الاستثنائي إلى الضرر العام الاستبدادي. وقد رأينا مع دائرة التغلب أن القوة لم تتوقف عند المصلحة المرجوّة منها، بل تحوّلت باختلاط ممارساتها وجنوح تطبيقاتها إلى ضررٍ جديد يكرّس الفتنة ويزيد من إراقة الدماء.

أصل الخلافة تكليفٌ بإقامة العدل وصيانة الحقوق، وضبط الأمن، وما يقوم بتدبير الشأن العام والنهوض به

 شهدنا كيف أن بعض الفقهاء تخلوا عن عديد من شروط الإمامة، وكان من بينها شرط العدالة، كما يقول عبد اللطيف المتديّن في رسالته عن "إمارة التغلّب في الفكر السياسي الإٍسلامي"، التي كانت تحت إشراف من الكاتب، "وقد ركزوا بالمقابل على مفاهيم أخرى تتناسب مع الظروف المستجدة كمفهومي الفتنة والفسق"، و"وصلت اجتهاداتهم إلى تجويز أشكال جديدة للسلطة، والدعوة إلى القبول بها، فمررت هذه الاجتهادات في بداية الأمر قبول التغلب ومنحه الشرعية إلى مرحلة أخرى قبول الإمام الفاسق ومنحه العفو". وقد كان الأصل عند الفقهاء أن الفاسق أو الظالم لا يتولّى على المسلمين ولا تستمر إمامته، لكن الخروج عليه، إذا كان سيجرّ فتنة، فمن الأولى إعمال قواعد ارتكاب أخفّ الضررين، والضرورات تبيح المحظورات، فقد رافقت هذه القواعد مختلف مراحل تشكل نظرية الخلافة، وأشرفت على تحوّلها من مستوى التماسك النسبي في عهد الخلافة الراشدة إلى مستوى التفكّك المطلق في عهود التغلب. فليس من السهل التنبؤ بالشكل الذي كانت ستأخذه النظرية، إذا استمرّت حالة الضرورة في الازدياد، واستمر الفقهاء في الاجتهاد على هذا الطريق. ومن المؤسف حقاً أن هذا الذي ابتدأ جوازاً واستثناءً، صار قاعدة وعرفاً مقبولاً، ولم يلحظ هؤلاء أن هذا لم يكن إلا خروجاً عن مقتضى النظرية التعاقدية للبيعة في ولاية المسلمين العامة

 تمكين الحالة الاستبدادية، إذ تعدّدت أشكال التغلب في العصر الحديث، التي من أبرزها الاستناد إلى حال القوة في فتح الطريق إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية، الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن التغلّب وإقراره كان من أهم المداخل التي جعلت للانقلابات العسكرية غطاءً في هذا المقام، وهو ما يفرض علينا أن نهتم بهذه القضية والموقف منها في إطار مواجهة الاستبداد والمستبدّين، خصوصاً حكم العسكر المستند إلى حكم القوة، ذلك أن هذه الانقلابات العسكرية لم تكن إلا انقلاباً في عالم المعادلات السياسية، تحاول أن تجعل القوة أساساً للاستيلاء على السلطة، مضحية بأصول الفكرة التعاقدية، والبيعة، والشورى، والرضى، والاختيار، وباتت هذه الانقلابات العسكرية هي التي تهدّد الاستقرار في النظم السياسية المعاصرة.

التقسيم للتغلّب الأصغر، والتغلّب الأكبر؛ فالتغلب الأصغر يشير إلى تعلقه بفساد الأداء السياسي والإخلال بوظائف السلطة، فيما يشير الآخر إلى فساد أخلاق الذين أسندت إليهم السلطة في غياب شرط العدالة، وأين كان هذا التغلّب، أصغر أو أكبر، فإن ذلك كان منافياً للقواعد التأسيسية في الفقه الإسلامي، ذلك أن التولي على الرعية منوطٌ بتحقيق المصلحة، أو ما يمكن التعبير عنه بواجبات الإمام وحقوق الأمة، وأن المصالح العامة لا يمكن أن تقوم على قاعدةٍ من الظلم والاستبداد، فأصل الخلافة تكليفٌ بإقامة العدل وصيانة الحقوق، وضبط الأمن، وما يقوم بتدبير الشأن العام والنهوض به، وأن المعادلة الحقيقية في هذا المقام هي التي تجمع بين ضرورة السلطة والحاجة الملحّة إلى الاستقرار من جانب، وضرورة الشرعية في الوقت ذاته، القائمة على قاعدة من الرضى وسياسات العدل والشورى من جانب آخر، ولا يمكن دفع ضرورة الشرعية بضرورة السلطة، ولا الاستغناء عن ضرورة السلطة عن ضرورة الشرعية. وهو أمر كفيل بسدّ كل منافذ الاستبداد ومحاولات تسرّب الظاهرة الاستبدادية في حياة الناس، وإقرار الحالات التي تتعلق بالاستيلاء على السلطة بالقوة.

، على الذين يتبنّون هذه المقولات والممارسات ويعيدون إنتاجها في عالمنا المعاصر (رئيس الضرورة)، معتقدين أن ذلك سائغ في التاريخ السياسي للمسلمين، أو التبرير للحاكم باستخدام القوة (اضرب في المليان)، وما ترتب عليها من سياسات طغيانية، عليهم أن يفطنوا إلى أن تلك النماذج التاريخية تؤكّد أن ظاهرة التغلب والاستبداد لم تكن إلا تدشيناً لطريق الظلم، وفتح باب الفتنة واسعاً، وإراقة الدماء، وأنهم في إطار تبنّيهم ضرورة السلطة واستقرارها ضمن أفكار تتعلق بـ"الدولتية" إنما تشكل خطراً كبيراً، حينما تحاول أن تسوّغ كل مظاهر الاستبداد ضمن مقولات غير منضبطة؛ مثل "الدفاع عن هيبة الدولة" و"الحفاظ على استقرارها"، فجوهر الدولة هو القيام بالوظائف الأساسية التي تتعلق بعموم المواطنين وتحقيق الأمن الإنساني والقومي. أما عدم القيام بذلك، بل والقيام بضده، ثم الحديث عن استقرار وضرورة السلطة، فهو أمر خطير لا يحقق، بأي حال، الغرض التأسيسي من ارتباط السلطة بالشرعية، والشرعية، ابتداءً، هي شرعية تنصيب، وممارسة؛ هي شرعية رضى، ومحصلة، هي شرعية إنجاز، ومن غير ذلك لا يمكن بأي حال إلا القبول بالمعنى الحقيقي للدولة، ووظائفها الجوهرية والمصلحة العامة ضمن إنجازات حقيقية.

*

Jul 23, 2021

نحن الذين نصنع الطغاة، نصنعهم بقوة الخوف الذي يسكن في قلوبنا وبالشكوك التي تحتل عقولنا وبالخنوع الذي يمتص وجداننا وبالكسل الذي يشل أطرافنا، والطاغية لا يولد من العدم وإنما يولد من رحم الجهل والفقر والمرض، وكما في قوانين التنمية إن الثراء يولد الثراء والتخلف يولد التخلف والطغيان ليس سوى شكل من إشكال إعادة إنتاج التخلف في النظام السياسي الحاكم المستبد الذي يكرس التخلف بدوره ويزيده رسوخا بقوة الطغيان وهو يستخدم سيطرته المطلقة لوأد مواهب التحرر وامكانات التقدم في شعبه قبل أن تبلغ سن الرشد ضمانا لاستمرار سلطانه.

 فلماذا لا يخطر على البال وجود الطغاة في سويسرا مثلا أو في فرنسا أو إنكلترا والسويد أو غيرها من دول العالم المتقدم ؟!! ليس لهذا من تفسير سوى أن التقدم الذي حصلت عليه تلك الدول لم يكن مقصورا على نخبة قليلة في البلد وإنما كان خيرا عميماً شمل كل الأحياء هناك من بشر وحيوان ونبات، وان الوعي الذي يصاحب التقدم هو الذي قطع الطريق على كل احتمالات تسرب الطغاة إلى سدة الحكم.

يتوهمون بأن الاستبداد يجسد القوة المثلى وإن الديمقراطية تمثل التفكك والتباعد والضعف وإنهم (الطغاة) قادرين على كسب الحروب ضد جميع المعارضين، وهكذا يغرق الطغاة في البلد المتقدم سريعا محكوما بمنطق استحالة سباحة الفرد عكس التيار الجارف السائد.

أما الطغاة في العالم المتخلف فتراهم راسخين على عروشهم فإذا سقط أحدهم خلفه على الفور طاغية آخر أسوء منه، وكأن الطغيان وهو يعيد إنتاج نفسه بهذه السهولة يؤكد ميدانيا إنه هو القانون الأساسي الذي يحكم علاقات الحاكم بالمحكومين.

 نحن الذين نصنع طغاتنا، ولا يحق لنا أن نشتكي منهم وحدهم، فالشكوى يجب أن تكون منا ومنهم أو علينا وعليهم، فنحن لن نتحرر من الطغيان بأن نتمرد ذات يوم على أحد الطغاة وننجح في إسقاطه مادام هناك طاغية آخر مستنفر أبدا لخلافته، وإنما نتحرر إذا ما تمكنا أن نتمرد على أنفسنا أولا وعلى البالي من عاداتنا وعلى الخوف الساكن بقلوبنا والأوهام التي تسوق خداعنا وتعمق قناعاتنا حول قدسية الحاكم ثانيا، ومتى ما تغيرنا حقا واستبدلنا الخوف بالشجاعة والذل بالأنفة والتعصب الأعمى بالتسامح والجهل بالمعرفة فلا سبيل عندئذ للطاغية أن يعيش بيننا.

ولا يعني هذا أن ندع الطغاة وشأنهم من دون احتجاج أو اعتراض حتى تتم عملية التغيير الشاملة في القاعدة فتلك عملية معقدة طويلة النفس، إن العمل ضد الطغيان نشاط بشري شامل يبدأ من كل الجوانب والأطراف في آن واحد، والتمرد على الطغيان في كافة المجتمعات جزء لا يتجزأ من عملية التعود على الشجاعة والحكمة ومراجعة الذات، والتغيير لا يحصل بشكل سهام متباعدة متفاوتة وإنما يحصل بشكل قوس مفتوح مترابط وبقدر ما يكون هذا التغيير عاماً وشاملاً يكون حقيقياً وفعالاً.

 نحن الذين نصنع طغاتنا، ونحن ملوثون بقدر ما نتهم به الطغاة من تلوث، ونحن ظالمون بقدر الحيف الذي نسببه لأنفسنا، فإذا راودنا الشك بعد كل هذا في مسؤوليتنا عما نحن فيه فذلك ليس إلا دليلاً على استحقاقناً لمصيرناً الذي نشكو منه وإن وجود الطغاة بيننا ليس ظاهرة طارئة بل هي صورتنا الحقيقية التي لا تتم إلا بوجوده.

 إذا أردنا أن نتحرر من الطغاة فيجب أن نتغير لأن لا يغير قوم حتى يغيروا أنفسهم

* Aug 5, 2021

الكتاب الصادر حديثا عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، "كيف تعمل الدكتاتوريات؟ السلطة وترسيخها وانهيارها". وهو نتاجُ عملٍ بحثيٍ مشترك لكل من باربرا غيديس وجوزيف رايت، وإيريكا فرانتز، وترجمة متميزة من عبد الرحمن عياش.

لا تنشر الدكتاتوريات بياناتٍ أقل فحسب، ولكن ما تنشره قد يكون غير دقيق بشكل متعمّد

كما أن للانتخابات في الدكتاتوريات وظيفة أخرى غير التي تعرفها الدول الديمقراطية

*

Aug 6, 2021

كيف تصبح دكتاتوراً

هذا الصنف من البشر (الدكتاتوريون) شيء من التميز والخبث وتبلد الإحساس العام والشعور بالنرجسية والأنانية، وهي صفات عامة اجتمعت في كل من موسوليني، هتلر، ستالين، ماو تسي تونغ، كيم إيل سونغ، تشاوشيسكو، منغيستو من إثيوبيا ودوفالييه من هايتي.

لا يمكن لأي دكتاتور أن يحكم من خلال الخوف والعنف وحده. إذ يمكن الاستيلاء على القوة العارية، والاحتفاظ بها مؤقتًا، لكنها لا تكفي أبدًا على المدى الطويل.

الطاغية الذي يستطيع إجبار شعبه على الهتاف له سيستمر فترةً أطول. التناقض في الدكتاتور الحديث أنه يجب أن ينشئ وهم الدعم الشعبي. وهذا الوهم هو ما اعتقد الرئيس التونسي، قيس سعيّد، أنه استحقّه في تونس، وهو ما فتئ يردّد أنه يحظى بالدعم الشعبي منذ 25 يوليو/ تموز الماضي،

*

Sep 21, 2021

Oct 29, 2021

سيف عبد الفتاح 

Nov 26, 2021

Jan 2, 2022

 حقيقة الاستبداد المجتمعي تكون في غياب العلم، وعدم معرفة الواجبات والحقوق، حيث إنه كلما كان الجهل عند العوام وعامة الشعب يولّد عندهم الخوف الذي يقود إلى الاستسلام للمستبد، بعكس إذا ما انتشر العلم والمعرفة، فإن الشعوب تكتسب حينئذ الجرأة على القيام بالثورات والمطالبة بحقوقها، الأمر الذي يكون مصدر قلقٍ وخوفٍ عند السلطة "المستبدّة منها أو غير المستبدّة". وبالتالي، لا يمكن أن يستقر الاستبداد، إن وجد، في هذا النظام أو ذاك، بناء على المعطيات المعرفية، والمطالبة الحقوقية التي اكتسبتها الشعوب علماً ومعرفة.

*



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق