من قال إن المال هو كل شيء؟ هذا غير صحيح، الحب هو أهم ما في الحياة، ولذلك فأنا أحب المال"
يحتل حيّزاً كبيراً من خريطته النفسيّة والاجتماعية، ويعود ذلك لصميم فطرتنا في حب تملك الأشياء وحيازتها، وأيضاً لأن الإنسان صاحب رغبات متعددة وحاجات مختلفة تُلحُّ عليه فمنها ماديّة كالمطعم والمشرب والمسكن، ومنها معنويّة كالسلطة والمكانة الاجتماعية وتحقيق الذات وكثير غيرها، والمال كفيل في تسهيل تحصيل تلك الرغبات والحاجات، إلى هنا الأمر طبيعي وليس فيه مشكلة بتاتاً، لكن المشاكل تحدث حينما يتجاوز الإنسان إنسانيّته ويصبح "المال هو كل شيء في الوجود" أو "أن يزهد فيه كلية ويقلل من شأنه"، وبين ذلك وذلك تكون الاضطرابات والمشاكل التي تتعلق بالمال والتي يطلق عليها "أمراض المال".
من شأننا كبشر ونفوس بشرية أن يعترينا الضعف والنقص، وأن ينتابنا بين الحين والآخر مشاعر الإحباط والقلق والخوف، وكل ذلك أعراض له أسبابها، وكبشر نتخذ آلاف الحيل والأنشطة لتفادي تلك المشاعر، ومن غير الطبيعي أن يكون هنالك دواء واحد لكل تلك المشاعر هو المال وحده، واعتقاد ذلك هو ما يجرّ البعض اضطراب هوس المال وتحصيل الثروة دون أي اعتبارات لنفسه ومتطلباتها الأخرى، وهذا الشخص في طريقه لـ"تحصيل الثروة" يفقد الكثير من إنسانيته، فيصبح بلا مشاعر ولا أحساس إلا ما تعلق بالمال ربحاً وخسارة، فلا يتألم إلا بمقدار ما ينقص من رصيده ولا يتلذذ إلا بمقدار ما يزيد في رصيده، فالمال وحده من يحدّد أفعاله وسلوكياته، فيصبح حينها عبارة عن آلة لجمع المال فقط، وقد أصبح جمع المال هو الغاية من وجوده وليس وسيلة لتسهيل وجوده.
وبالتأكيد هكذا إنسان لن يعطي أي أهمية للعلاقات الإنسانية حتى للمقربين من حوله، ويبدأ تدريجياً يفقد الإحساس بروح الأشياء من حوله وكل ما يتعلق بالقيم والمبادئ أو المعاني المجردة مثل الحب الإخلاص وغيرها وستظهر عليه بعض المشاعر المريضة مثل الأنانية والنرجسية، وهوسه بالمال سيجعله يلجأ لكل استراتيجية من شأنها الاستسهال في الكسب وذلك لحاجته للإشباع الفوري، لأن لديه رغبته جامحة للربح وجمع المال فهو فاقد للصبر بطبيعة الحال، وسيظل الهوس بالمال هو هاويته نحو الشقاء المستمر.
من ادعى بغض الدنيا أو المال فهو عندي كذّاب، إلا أن يثبت صدقه فإذا ثبت صدقه فهو مجنون
الكثير من الناس المتزهّدين والرّافضين للدّنيا ومباهِجها بشكل مبالغ فيه بينما تراهم غير قانعين بحياتهم ومتجهّمين طوال الوقت، إذن ما الأمر؟ إنهم يعيشون حالة تسمى "فوبيا المال" أو "الخوف من المال"، وهو نتيجة لخبرات سلبيّة حدثت معه في صغره تتعلق بالمال، فهو يرتبك عند تحصيله أو صرفه، فيجد راحته بالابتعاد عن الأمر كلية، ووجد الباحثون أن "فوبيا المال" ليست كراهية للمال في الحقيقة بل هي حُبّ شديدٌ له فانقلبت به الأمور رأساً على عقب وتحول حُبّ المال المبالغ فيه إلى كراهية،
ووجدوا أن هذه الكراهية ليست موجهة للمال نفسه وإنما موجهة للأجواء والأدوار التي يعيشها وهو مالك للمال ومنها أخذ القرارات والتعامل مع الحسّاد والطامعين وغيرها من المواقف التي يشعر إزاءها بعد الاتزان والقلق، فترسخ في ذهنه أن المال هو أصل الشرور كلّها، فتجد دأبهم إهدار الفرص التي من شأنها تحسين وضعهم المالي، من هنا نعلم أن زهد أولئك غير حقيقي ويتنافى مع المنطق إذ كيف أزهد في شيء لم أحصل عليه ابتداءا، ولو كان الزهد هو نمطهم المفضّل في العيش لما أبغضوا الذين ليس على شاكلتهم ممن يملكون شيء من الدنيا ويعيشون شيئاً من الرخاء، وبغضهم هذا دليل على حُبّهم للمال والدنيا، ولكن ما يمنعهم اضطراباتهم وعقدهم التي تحتاج إلى جلسات علاج عند متخصص.
وقد يتخذ كل من "المهوس بالمال" و"الخائف من المال" حيلاً كثيرة ودفاعات لتَحُوْل دون حقيقة ما هو عليه من اضطرابات نفسية وحياة غير سوية، فالمهووس حين تحدّثه عن هوسه يقول لك: أنا إنسان عملي وواقعي ولا أؤمن بالمُثل والشعارات الفارغة، والخائف من المال حين تحدّثه عن زهده غير المنطقي يقول لك: "الاخرة هي المبتغى"، "الدنيا إلى زوال" وغيرها،
*
المال لا علاقة له بالخير والشر
عليك أن تكون مدركًا لحقيقة أن المال ليس سوى وسيلة لشراء السلع والخدمات، ومجرد أرقام على شاشة الكمبيوتر، كما أنه أداة محايدة أخلاقيا وتمثل أداة للتبادل
ما نفعله بالمال هو الذي يخلق المعنى. وتقرّ جين سنسيرو، مؤلفة كتاب "أنت سيئ في جني المال، اكتسب عقلية الثراء"، بأن الاعتقاد أنها غير قادرة على جني المال جعلها تشعر بالسوء من نفسها.
السبب الحقيقي وراء ما تشعر به حيال راتبك الشهري، تقترح سنسيرو كتابة رسالة إلى المال. مع أن هذه الممارسة قد تبدو غريبة بعض الشيء، إلا أنها قد تسمح لك بالتعبير بصدق عن حقيقة مشاعرك تجاه المال.
معرفة متخصصة، أي أنه يمكنك توظيف محاسب أو حتى مدرب محترف أو قراءة كتب من تأليف خبراء بشأن هذا الموضوع. كل ذلك سيسمح لك بالحصول على دعم شخص آخر ومساندته.
يروا كيف تأثر موقفهم المالي "بتاريخ عائلاتهم وثقافتهم ودينهم، فقط من خلال التجارب المختلفة التي مروا بها في حياتهم. وأن ينظروا إلى ما ينفقونه، ليس فقط أموالهم… بل وقتهم وطاقتهم أيضا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق