الأربعاء، 24 مارس 2021

المفكر المغربي حسن أوريد العالم يواجه مشكلات البيئة والشعبوية والدكتاتورية الرقمية

 الأدوات الرقمية استُعملت من طرف الأنظمة، ديمقراطية كانت أم استبدادية، للتضييق على الحرية، والإنسان عارٍ في زمن التقنية

 "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب" (2018)،"أفول الغرب" (2019)، "السياسة والدين في المغرب" (2020)، وكذا كتاب "عالم بلا معالم" الصادر سنة 2021 عن "المركز الثقافي العربي" وهو محور هذا الحوار مع المفكر المغربي.

تحدث فوكوياما عن نهاية التاريخ، هل اليوم نعيش مرحلة نهاية الإنسان ومنه نهاية المعنى؟

ي كتاب يحمل عنوان نهاية التاريخ والإنسان الأخير. المقتضى الأول مستقى من هيغل حين قال إن قيم الثورة الفرنسية، المتضمنة لليبرالية، تفضي إلى المرجعية الأخيرة فيما انتهت إليه الإنسانية. أما مقتضى الإنسان الأخير فهو مستقى من نيتشه، بمعنى أن نهاية التاريخ ستقترن بنهاية البطولات وتؤول إلى نوع من التفاهة.

الخطاب الذي كان ساريا قبل سقوط حائط برلين وهو أن الماركسية أفق لا يمكن تجاوزه حسب جملة مأثورة لسارتر. فوكوياما حاول أن يتجاوز المقاربة الماركسية التي كانت طاغية أثناء الحرب الباردة، ويريد أن يربط بما انتهى إليه هيغل.

فوكوياما في كتابه لم يقل إن الأحداث التاريخية ستتوقف. الفكرة المحورية عند فوكوياما هي أن الليبرالية آخر ما انتهت إليه الإنسانية، سواء في شقها الاقتصادي، متمثلة في نظام السوق، أو السياسي متمثلة في الديمقراطية، مع تلازمهما.

خطاب الرئيس الأميركي بايدن أثناء التنصيب أشار إلى ما يكتنف الديمقراطية من مخاطر وهشاشة. وبالتبعية لا يمكن الحديث عن نهاية التاريخ ولا الإنسان الأخير ولا انتهاء المعنى

هل يمكن القول اليوم إن السوق والديمقراطية متلازمتان؟ والحال أن هناك من يتحدث عن الديمقراطية اللاليبرالية، والليبرالية اللاديمقراطية؟ فضلا عن الصين التي مزجت بين نقيضين حسب طرح فوكوياما، نظام السوق اقتصاديا، والشيوعية سياسيا. هل يمكن أن نقول إن الليبرالية أفق غير متجاوز؟ القيم الأساسية التي تقوم عليها الليبرالية في أزمة، سواء في شقها السياسي مع أزمة الديمقراطية أو كسادها، باعتراف الغربيين أنفسهم.

اقتحام الكابتول مؤشر على ذلك، خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن أثناء التنصيب أشار إلى ما يكتنف الدمقراطية من مخاطر بل وهشاشة. وبالتبعية لا يمكن الحديث عن نهاية التاريخ ولا عن الإنسان الأخير ولا انتهاء المعنى، كما ورد في سؤالك. كتابي ليس فلسفيا بقدر ما هو محاولة لقراءة العالم والعلاقات الدولية، في سياق ما بعد سقوط حائط برلين، مع جائحة كرونا، وتهافت نظرية فوكوياما.

القيم التي يحيل إليها فوكوياما هي الرغبة والعقلانية، وهو ما يرتكز عليه نظام السوق، مع الحاجة للاعتراف، كما أورد هيغل، وهو ما تنبني عليه الديمقراطية، لكن فوكوياما لا يقول شيئا عن التضامن، وهو الحاجة التي برزت بعد الأزمة الاقتصادية سنة 2008، وحركات المنددين والسترات الصفراء، وحركات احتجاجية عدة في العالم. جائحة كورونا لم تخلق شيئا جديداً بل قامت بتعرية وضع متأزم أصلا. صحيح أنها أججت منه. في كل الأحوال نحن مقبلون على عالم ما بعد كورونا، وسنؤرخ لما بعد كورونا.

 نهاية الأحادية القطبية التي كانت تقودها الولايات المتحدة، وما كانت تنعته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت بالأمة الضرورة، والليبرالية في أزمة، والعولمة لم تعد سعيدة، خلاف كان يدعو له الفرنسي ألان مينك، والتجارة اللطيفة حسب مصطلح مونتسكيو ليست هي الترياق ضد الحروب، لأننا نعيش حروبا تجارية، ونظرية التدفق (Trickling down) أي خلق الثروة يفضي إلى توزيعها، يُفندها الواقع، وهناك عودة الحمائية الاقتصادية، مما يتنافى والعولة، ونحن أمام مشاكل جديدة، ذات طابع كوني، منها الخطر الذي يتهدد البيئة والاحتباس الحراري، والشعبوية، والدكتاتورية الرقمية والهجرة، التي تظل حسب خبراء ليست ذات اهتمام، ويقتصر التعامل معها إما من منظور أمني أو إنساني. هي أعمق من ذلك.

أشرتم إلى تقلص القوة الناعمة الأميركية هل هذا يعني تمدد القوة الصلبة في عالم العلاقات الدولية؟

 جوزيف ناي هو من صاغ مصطلح القوة الناعمة؛ حيث اعتبر أن أميركا يمكن أن تبلغ مراميها بالقوة الناعمة أو قوة التأثير، لكن ناي تطور وأصبح يتحدث عن القوة الذكية Smart Power (مزاوجة بين الناعمة والصلبة)، الولايات المتحدة فقدت الكثير من تميزها فيما يخص القوة الناعمة، أو قوة الإغراء والتأثير. اللافت للانتباه أن هناك قوة جديدة تحظى بقوة ناعمة وهي الصين، ظهر ما اصطلح عليه بـ "دبلوماسية الكمامات" في خضم الأزمة، و"دبلوماسية اللقاح". العالم المقبل سيكون موسوما بالقوة الذكية، أي مزيج ما بين القوة الناعمة والقوة الصلبة.

الولايات المتحدة فقدت الكثير من تميزها فيما يخص القوة الناعمة، والشعبوية هي سؤال اليوم والغد وهي عرض لمرض الديمقراطية

 إجمالا الشعبوية هي عرَض من أعراض أزمة الديمقراطية، وانتفاء سرد كبير، وضعف الهيئات الوسيطة. القاسم المشترك بين الاتجاهات الشعبوية اليمينية هي رفضها لما تسميه بـ "النخب"؛ وزعم احتكارها تمثيل الشعب، والوله بالزعيم، وتمجيد القوة، ورفض الآخر كما ترفض الأقليات، وهي لذلك وقود الإسلاموفوبيا، ورفضها للأقليات هو ما يهدد العيش المشترك، وهو ما تشهده أوروبا اليوم.

الأخطر أن الشعبوية لم تعد مقتصرة على التنظيمات اليمينية المتطرفة، بل أخذ خطابها يتسلل إلى بنية الدولة. السؤال المُضمر "هل يمكن أن تتطور الشعبوية نحو الفاشية؟"؛ هناك باحثون يتخوفون من إمكانية هذا الانزلاق.

أوروبا عملاق اقتصادي وقزم سياسي تعيش أزمة وجودية وكآبتها مرتبطة بالخوف لا الاقتصاد

هل الكآبة الوجودية في أوروبا عرض لمرض يشي بتفكك الاتحاد الأوروبي؟ أم أنها مجرد أزمة أونطولوجية ؟


 لم أصغ مصطلح "الكآبة الوجودية" (mélancolie existentielle)، بل صاغه الغربيون. اعتبر إيفان كراستيف (ivan krastev) أن أوروبا تعيش أزمة وجودية، وعبر عن هذه الأزمة بأن هذه الكآبة ليست مرتبطة بالاقتصاد بل بالخوف؛ استبداد هذا الشعور هو الذي يحول دون أن تصبح أوروبا قوة.

وبغض النظر عن أي سجال سياسي، هناك أزمة داخل الاتحاد الأوروبي استفحلت مع البريكست. أوروبا عملاق اقتصادي وقزم سياسي. أو ما يعبر عنه بكونها سويسرا كبيرة، فضلا عمّا يسمى وصاية بروكسل، أو حكم التكنوقراط الأوروبيين مع نظرائهم المحليين، مما يعطل السيادة الشعبية. أوروبا تبحر نحو ما سماه كراستيف بـ Perhapsburg "كل شيء ممكن"، لم يكن أحد قبل سقوط جدار برلين يظن بإمكانية سقوط الاتحاد السوفياتي. احتمال تحلل الاتحاد الأوروبي وارد.

النفط جزء من لعنة عامة، ومنها لعنة الجغرافية، أي الجوار مع أوروبا ومخلفات الصراع الأيديولوجي المزمن بين الإسلام والمسيحية. في أول مؤتمر جمع مستضعفي العالم، الذي كان نواة عدم الانحياز، بباندونغ سنة 1955، كان يُنظر إلى 3 قوى حضارية، وهي الصين والهند والعالم العربي.

بعد 60 سنة نجح كل من الصين والهند، أما العالم العربي فلم يشكل قوة بديلة، والوضع الحالي ليس في مستوى التطلعات التي كانت تحملها مرحلة بعد الحرب العالمية الثانية. واقع الحال يجعلنا أمام دول متخلفة وفقيرة، باستثناء دول الخليج بفضل طفرة النفط.

لم يسهم النفط في خروج العالم العربي من التخلف ليكون قوة وازنة. هناك سؤال آخر أعمق من عامل النفط، وهو الوحدة. هل وحدات العالم منسجمة أو قابلة للانسجام أم متباينة؟
هناك تيارات تقول إنه ليس هناك "عالم عربي"، هناك دول عربية وصعب أن نتحدث عن "عالم عربي". في السياسة كما في الحياة، الناجح هو من يفرض تصوره، والذي أخفق يتحمل حكم الناجح عليه. العالم العربي فوت فرصاً تاريخية مهمة ليُخرج نفسه من دائرة التخلف ويتحول لقوة و"مالكاً لزمام أمره"، والحال أن العالم العربي يشكو من لعنة عدم الاستقلالية (Heteronomy). لا شيء يمكن أن يتحقق من دون استقلالية القرار، واستقلالية القرار لا يمكن أن تقوم من دون حد أدنى من القواسم المشتركة. والحدود الدنيا تم الإجهاز عليها، ويتم الإجهاز عليها

عدم وجود علاج أو تصور هو الذي أنجح الثورة المضادة والأسباب الموضوعية التي أدت إلى الانتفاضات قائمة

من الانتفاضات إلى الانتكاسة. 

 الأدوات الرقمية استُعملت من طرف الأنظمة، ديمقراطية كانت أم استبدادية، للتضييق على الحرية.

كتاب"إدوارد سنودن" (Edward Snowden) "السجل الدائم" Permanent Record، يشير إلى خطر تتبع التقنية للجميع، فكل شيء اليوم بات عرضة للتتبع. أن يكون هذا التتبع لمسوغات أمنية مقبول، ولكن أن تستعمل التقنية من أجل تقليص الحريات الفردية هو الأمر المرفوض.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق