الخميس، 25 مارس 2021

ضرورة العلمانية وخطرها

 فضّلوا أن ينفصلوا عن واقعهم الديني والثقافي، ويستمرئوا ترديد المصطلح كما هو، فلم يحاولوا البحث عن مشتركاتٍ مثلا، والتركيز عليها. هناك فعلا مشتركاتٌ كثيرة قدّمت لنا تجارب جيدة: كالنموذج التركي في عهد حزب العدالة والتنمية أو النموذج التونسي في عهد حزب النهضة على سبيل المثال.

كما أن للعلمانية تعريفاتها وتطبيقاتها المختلفة في النماذج المتحققة منها الآن على الأقل، كالنموذج الفرنسي المتطرّف علمانيا، والمتشدّد في تطبيقاتها بالحياة اليومية العامة، والنموذج البريطاني المتصالح علمانيا على اعتبار أن الملكة هي رئيسة الكنيسة. ومثلها النموذج الألماني، حيث نجد الحزب المسيحي الديمقراطي قائدا للائتلاف الحاكم فيها، فإن الأحزاب الإسلامية في الوطن العربي أيضا تتراوح نماذجها وتطبيقاتها ما بين التطرّف الديني المتشدّد من جهة والتصالح مع فكرة الديمقراطية والانفتاح على الآخر المختلف من جهة أخرى، باعتبار أن هذا النوع من الانفتاح من عناصر العلمانية. وهذا يعني أن المقارنة ستكون ملتبسة، وربما صعبة، ما لم نتأكد قبلها من اختيار النماذج المتطابقة منها في طريقة تبنيها أفكارها.

المواجهة بين الفكرتين، على الصعيد العربي، بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي تقريبا. وكانت نتائج تلك المواجهة القائمة على التطرّف وحده للأسف كارثية، كما اتضح لنا على مدى أكثر من نصف قرن. وقد تجلى ذلك في صعود أنظمة ديكتاتورية على أشلاء المعركة المحتدمة فكريا بين الطرفين. والمؤذي هنا أن تلك الأنظمة الديكتاتورية كانت ذكيةً، إلى حد ما، في استغلال ذلك الصراع لصالحها، بتقريب من تراه مناسبا لتنفيذ أجنداتها في قمع الشعوب، وإبعادها عن فكرة المشاركة في القرار، أيا كان، أي عن فكرة الديمقراطية، فتارة تنتصر للأحزاب العلمانية، وتارة أخرى للأحزاب الدينية، وفقا لتحوّلات تلك الأحزاب مرحليا، لكنها لم تنتصر أبدا للفكرة الديمقراطية، والتي يفترض أساسا أنها العامل المشترك الأول بين العلمانيين والدينيين، وهي المطلب الحقيقي لكل الشعوب في كل العالم، سواء عبروا عنها أم لم يعبروا. وهذا يعني أن احترام حقوق الإنسان وحقه في المساواة والمشاركة السياسية، أي في المواطنة الحقيقية، أفكار لا تحتاج إلى لافتة علمانية ولا لافتة دينية، بقدر ما تحتاج إلى من يؤمن بها إلى حد تبنّيها، بغض النظر عن خلفيته الثقافية والفكرية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق