حيث تتصاعد معركة السّوق والبورصة ضد المواطن، وكأنّنا نعيش اللّحظة التي كتب فيها ماركس وأنجلز "المانفستو" بعد ملاحظتهما تداعيات معركة العامل وصاحب الآلة/ المصنع، وقضية القيمة المضافة التي تتعاظم في حين تتقلّص قيمة العامل وقيمة أجرته التي لا تكفي قوته، في دورةٍ تصنع مشهدا أصبح هو من يحكم العالم وليست صناديق الاقتراع، ولا الديمقراطية وبهرجتها التي قرّر أصحاب الأسهم، المال والمضاربون في البورصة التخلّص منها، في النّهاية، وإلى الأبد. يتّفق الجميع، في الفكر السياسي، على أنّ إشكالية الإنسانية هي التّوفيق بين الاحتياجات والموارد، المعادلة المتناقضة، على الدّوام، وأن السّلطة ورديفها السّلاح أبدعهما الإنسان، للتوصّل إلى الإمساك، وفق أفضل مقاربة، بخيوط تسيير تلك المعادلة، أي الإشراف على عملية تسيير الموارد، كلّ الموارد، أيّا كانت، لإشباع الاحتياجات، كل الاحتياجات.
المسألة السياسية، هي، في الأصل، معادلة اقتصادية، أحسن المال بناء كل تاريخ الإنسانية على أساسها. ويحاول الحكّام، أيّا كانت عناوين الكراسي التي يحكمون من خلالها، ملكيات أو جمهوريات، المزاوجة بين أداة السُّلطة والمال، وصولا إلى بسط السّيطرة والمحافظة عليها، بالمكاسب نفسها، بالنّسبة لهم ولحلفائهم، وعلى حساب الآخرين، المواطنين، الآن، في العصر الحديث.
عملت الدّيمقراطيات الوليدة، في الغرب، على بسط نفوذها في العالم، في أشكال سيطرة، أخذت مُسمّى الاستعمار أو الاستيطان
استمرّت تلك المعادلة وتمّ تغليفها، منذ الثّورة الفرنسية، برمزيات العدالة، حقوق الإنسان والحرّية. لكن، للملاحظة، عملت تلك الدّيمقراطيات الوليدة، في الغرب، على بسط نفوذها في العالم، في أشكال سيطرة، أخذت مُسمّى الاستعمار أو الاستيطان، بل تحاربت، فيما بينها، في حروبٍ مدمّرة، كانت أوجَها الحربان الكونيتان، الأولى والثّانية. ولم تتوقّف عند هذا الحد، بل أخذت أشكالا أخرى بمسلّمةٍ، بقيت هي محور إعمال معادلة التناقض بين الاحتياجات والموارد، وهي مسلّمة السّوق، ليكون، على الدوام، هو القيمة الوحيدة، والبقية قيم تابعة له، بل لا تعيش إلا في ظلّه، إذا قبل بها، وقد تموت إذا حاولت التناقض معه، أو إدارة صراع ما معه. إنها الرّأسمالية وإلهُها الواحد والوحيد السّوق.
السّوق هو القيمة الأعلى والبقية له تابعة، وهو الأمر الذي يوفّره لنا الواقع المعاش، الآن، من خلال ثلاثة أمثلة: بريكسيت البريطاني (الانسحاب من الاتحاد الأوروبي)، الاختلال القيمي للدّيمقراطية الأميركية والثّورة المضادة في العالم العربي ومواقف الغرب "الدّيمقراطي" منها، بما أنّنا نعيش الذّكرى العاشرة لانطلاق الموجة الأولى من الرّبيع العربي.
تردّدت بريطانيا بين تغليب مبادئ السّوق والدّيمقراطية التي، على أساسها، اختار البريطانيون الخروج من الاتّحاد الأوروبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق