السبت، 10 أكتوبر 2020

التدين الجماعي والتدين الفردي *******

 نقصد بالتدين الجماعي قيام الفرد بالوجبات الفردية بما يعكس تأثيرها على السلوك، والعلاقة بالناس والأشياء، فليس متدينًا من يصلي ويصوم ويحج ويعتمر، وهو يتعامل بالربا أو يغش في البضاعة أو يؤذي جيرانه أو يحرص على الحصول على المال بالطرق غير المشروعة، وليس متدينا من يسكت عن المنكر أو يبرر لأهل الظلم ظلمهم، وأهل الفساد فسادهم.

كثير من عباد الله –كما قلنا- يظن أن مشكلة الأمة، وأدواءها المتعددة تكمن في قلة المصلين والصائمين، وأن دواءها، وعلاجها الناجع هو أن يلتزم الناس بالصلاة والصيام، وهذا سقم في الفهم، وعقم في التفكير، وهذا المنطق لو علم به أبوجهل ما وقف في طريق دعوة الله، ولو كان هو الحل ما وقف الطغاة، والعتاولة في العالم ضد الإسلام، فالأمر ميسور ما الذي يضر الناس أن يلتزم الإنسان فرديًا،وما الذي يؤثر على مجتمع فيه آلاف بل مئات الآلاف بل ملايين المصلين والصائمين هذا تدين فردي، فالمشكلة ليست في التدين الفردي- ونعني بالتدين الفردي التدين الذي لا ينعكس في السلوك - وإنما تكمن المشكلة في غياب التدين الجماعي، التدين المنعكس على المجتمع؛ لأن التدين الفردي لا ينفع صاحبه إلا إذا كان ملتزمًا بالتدين الجماعي، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: عندما ذكرت له امرأة تصوم النهار، وتقوم الليل غير أنها تؤذي جيرانها، فقال:(لا خير فيها هي في النار)، وذكرت له أخرى تصلي الواجبات، وتقوم رمضان، ولكنها لا تؤذي جيرانها قال:(هي في الجنة)،وقال في من لم يؤثر فيه الصيام اجتماعيًا:(من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)، وقال ابن عباس رضي الله عنه عند تفسير قوله تعالى:(إن الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت/45) (من لم تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له) ولم يكتسب المرء الخيرية بكثرة صيام، ولابكثرة صلاة، ولابكثرة بكاء، وإنما اكتسبها لأنه الأنفع للناس، ولم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: خيركم من أكثر من الصلاة، وإنما قال:(خيركم خيركم لأهله).


 نحن بحاجة إلى إعادة صياغة الشخصية الجماعية: الشخصية التي يتطابق سلوكها العبادي بالمفهوم الفقهي مع سلوكها العبادي بالمفهوم الاجتماعي، الشخصية التي لا تعتبر الصلاة نهاية المطاف، وتعتبر أن الفرد بالتزامه بالصلاة والصوم سينال الجنة، فعلى كل فرد أن يدرك أن كلمة فيها إيذاء لجار، أو كلمة زور ضد أحد، أو شهادة لظالم، أو تصفيق لمستبد، أو تصديق لسفيه أو مدح له، أو تأييد لمنحرف تحرق كل حسناته العبادية، ولو كانت مثل الجبال، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)، فنحن بحاجة إلى الشخصية التي تفقه أن حقوق الله من صيام، وصلاة مبنية على المسامحة، بينما حقوق العباد مبينيه على المحاسبة، فمن قطع الصلاة أو ترك الصيام ثم تاب بشروط التوبة المعروفة، فإن الله يقبل توبته، أما من ظلم غيره - بأي شكل من أشكال الظلم - وتاب، فإن توبته لا تقبل حتى يرد مظلمة من ظلمه، أو يصدر من المظلوم مسامحة للظالم.


حساسية العلاقة بالناس، وبالبيئة بكل إشكالها وصورها مرتفعة جدا، وحسن هذه العلاقة أو قبحها معيار الدخول إلى الجنة أو النار، ومفهوم صحة الود مع الله مرتبط بمدى تحقيق ما يصلح الأمة وبمدى مايبعد عما يضر بالمجتمع، وقد ذهب الناس بأفهامهم بعيدا عندما ظنوا أن صحة الود مع الله تكمن في كثرة الصلاة والصيام والذكر في الخلوات


 دون اعتبار لما يصلح الأمة أو يفسدها، وتمثلوا قول الشاعر:


إذا صح منك الود فالكل هين


وكل الذي فوق التراب تراب


وتجلى فيهم الفهم العلماني للدين الذي يفصل التدين عن الحياة، ويجعل من الدين سلوك شخصي،وكثير من الناس نجده يردد قول الشاعر:


مالي وللناس إن مالوا وان عدلوا


ديني لنفسي ودين الناس للناس


شاع في الناس فهما خاطئا لقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) (المائدة/105)، حيث فهموا أن التدين الفردي هو الأساس، وان الإنسان متى كان ملتزما بالصلاة والصيام لايكترث بما عند الناس وأنهم لايهمونه بشيء، وهذا الفهم المغلوط أو الخاطئ تنبه له الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما أحس بوجوده، فشنع على الناس فهمهم هذا.


حقيقة ادين بدين الحب ابن عربي اللذة والاستهلاك والمنفعه الفردية الانانية 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق