الخميس، 15 أكتوبر 2020

العجز الديمقراطى


الثقافة النيوليبرالية الرأسمالية، التى مجدت الفردانية المتطرفة المنغلقة على الذات والمتعة والاستهلاك النهم، قد قادت إلى هبوط حاد فى نسبة المواطنين المشاركين فى الانتخابات، وإن استبعاد كلمات وتعابير السياسة الكلاسيكية، من مثل المساواة والعدالة الاجتماعية والنضال المدنى وحقوق الفقراء والمهمشين وغيرها، فى مجالات السياسة والإعلام والتعليم على الأخص، وإحلال تعابير رأسمالية السوق، من مثل المنافسة والاستهلاك المظهرى العبثى والمكانة المالية وتعابير الموضة والإعلان والعيب فى الفشل وغيرها، قد أزاح السياسة، ومعها الالتزامات نحو المجتمع والناس، وأحل مكانها الاقتصاد كحاكم ومهيمن على كل مجالات الحياة، وأن صعود اليمين الشعبوى المتطرف فى أوروبا وأمريكا سينقل الديمقراطية من كونها وسيلة أخذ وعطاء وحلول تأخذ بعين الاعتبار مصالح كل فئات المجتمع إلى كونها وسيلة استقطابات حادة لا تتورع عن الاستعمالات الانتهازية للتنوع الدينى أو العرقى أو الثقافى فى صراعات مميتة، كما هو الحال فى المشهد الأمريكى الانتخابى الحالى وتصرفات الرئيس دونالد ترامب.

موت الديمقراطية فى الغرب.

 الانكفاء نحو الوطنية القطرية الضيقة والابتعاد عن القومى المشترك، أو دعم المؤسسات العربية القائمة أو إضعافها، أو الأمر بالدخول الإعلامى القطرى فى مماحكات وولائم شتم بذىء وإيقاظ العداوات المصطنعة بين هذا الشعب العربى أو ذاك وإشعال النيران الجنونية فى وسائل التواصل الاجتماعى، أو دعوة الاستعمار للعودة إلى أرض العرب فى شكل معسكرات وموانئ ومعاهدات واتفاقات سرية.. جميع ذلك يتم بقرارات من قبل مجموعات صغيرة متحكمة، بعيدا عن السلطات التشريعية إن وجدت وعن المداولات فى مجالس الوزراء وعن المداولات الحرة الاستطلاعية من قبل الرأى العام، وبمعنى آخر يتم كل ذلك، وأكثر من ذلك فى أمور من مثل الاقتصاد والمديونيات والثقافة والتعليم والصحة وتوزيع الثروة وكل مناحى حياة المواطن المهمش، بسبب غياب المؤسسات الديمقراطية المراقبة والمحاسبة والمعاقبة، أى العاجزة المشلولة.

 غياب المؤسسات الديمقراطية فى بلاد العرب سببه ظاهرة العجز الديمقراطى فى هذا الوطن العربى كله، بصور متفاوتة.

 الأسباب التالية وراء ذلك العجز الديمقراطى.


أولا: وجود نفوذ استعمارى دولى وإقليمى راغب فى حكم بلاد العرب قبل أنظمة أوتوقراطية استبدادية غير مراقبة وغير خاضعة لمجتمع مدنى فاعل.
هذا النفوذ كان ولا يزال داعما لأنظمة غير ديمقراطية طالما أنها تخدم أو لا تتعارض مع مصالحه الاقتصادية والأمنية. هذا النفوذ الاستعمارى لا يهمه بقاء هذا النظام العربى أو ذاك طالما أن الجدد هم من صنف القدماء فى تسلطهم وفسادهم.
يخطئ من يعتقد أن معركة مقارعة الاستعمار انتهت باستقلال البلاد العربية. الاستعمار لا يزال موجودا والمعركة ضده ودحره لا تزال مستمرة.


ثانيا: إصرار الدولة العربية الحديثة على أن تبقى دولة ريعية فى الاقتصاد؛ حيث تستولى أقلية على مصادر الثروات، وعلى الأخص الطبيعية منها، كالثروة النفطية والغازية والمعدنية، لتوزع دخل تلك الثروة الريعية حسب الولاءات الزبونية من جهة وإجراء مقايضة بين توزيع الثروة الريعية واستعمال جزء منها فى تقديم خدمات اجتماعية كالصحة والتعليم والإسكان، وبين القبول العام لغياب الديمقراطية.
هنا أيضا ما لم تنجح قوى المجتمعات المدنية فى تغيير طبيعة الدولة العربية الريعية لتصبح دولة اقتصاد إنتاجى غير زبونى فإن الديمقراطية لن تأتى. فالتاريخ والعادات والسلوكيات التى بناها ذلك التاريخ ستكون عقبات أمام أى تحول ديمقراطى.

https://www.youtube.com/watch?v=4iBGr1G34OI

حرب الافكار 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق