الإنسان المعاصر محشور بين التقدم العلمي والفكر الفلسفي.
عواقب الهوس بالتقدم العلمي، وهل هو فعلا طريق إلى السعادة أو إلى جعل حياة البشر أفضل. نتساءل كذلك إن كان الإنسان فعلا قد سيطر على الطبيعة وعمّا يعانيه الإنسان المعاصر اليوم من اكتئاب وتفكك أخلاقي والأهم من ضبابية وخوف في رؤاه للمستقبل.
يتواصل حضور فكرة التقدم في الخطاب السياسي، وتأخذ في غياب التقدم الفعلي معنى النموّ والتنمية والتحديث، غير أنها كيقين بتحسن شامل، ليس مادّيّا فحسب بل ثقافيا وحضاريا أيضا، لم يبق منها سوى أشكال تكاد تنحصر في المجالين التكنولوجي والاقتصادي، أو في أشكال أخرى مفرطة في الهذيان، مثل “ما بعد الأنسنة” تلك الحركة التي تستند إلى عِلمويّة scientisme عميت عن تبصرّ العواقب الوخيمة لعلوم تقنية ارتضَت التواطؤ مع مقتضيات الإنتاجوية الرأسمالية، لتحمل استيهامات نرجسية بالعظمة والخلود.
بنيت فلسفة التقدم على فكرة مفادها أن الأفضل آتٍ لا ريب فيه، إن لم يكن لنا فسوف يكون حتما لأبنائنا. ومن ثَمّ كان الاعتماد على التنمية التقنية والصناعية بشكل مطّرد حسب زمن موجَّه ومتواصل. وساد الظّنّ بأن الإنسان يقدر، انطلاقا من هذا التصور، أن يعمّم فوائد التقدّم على السياسة والأخلاق، فكانت النتيجة أنّه نداوم الترقّب والانتظار، وأن فكرة التقدم في الواقع تمنح شحوب الحاضر نوعا من المنشّطات وقدرا من الطاقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق