واقعة قطع الرأس التي شهدتها باريس قبل أيام، تعد الجريمة الثانية ردا على الرسوم المسيئة، بعد عملية الطعن التي أسقطت ضحيتين أصيبتا بجروح خطيرة، وذلك بالقرب من المقر السابق لمجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية الناشرة للصور المسيئة.
هاتان الواقعتان اللتان حصلتا خلال أقلّ من شهرين، وبسبب الرسوم المسيئة نفسها، تطرحان تساؤلات حول من الأولى بالتعرف الى أخلاق النبي: المسلمون أم الغربيون؟
باحثون وسياسيون أن الحجج التي يستند إليها المتشدّدون تعتمد على ما جاء في كتب التراث الإسلامي، وكذلك القناعات التي ترسخت لدى قطاع من المسلمين بأن "شاتم الرسول يقتل"، زمنبعها الكتب التراثية التي ألفها أئمة يحظون بتقدير كبير لدى المسلمين ومؤسساتهم الدينية الرسمية وفي مقدمتها الأزهر.
شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب طالب مرات عدة بعدم المساس بكتب التراث، ووصفها بأنها تتضمن "ثلاثة أرباع الدين"، وذلك خلال كلمته في احتفالية المولد النبوي في العام 2018.
نسبة كبيرة من تشوه صورة الإسلام، خرجت في الأساس من الخطاب الديني الذي يقدمه رجال الأزهر، وهو ما يؤكد أنهم أولى الناس بالتوعية
داعش خرج من بين المسلمين ولم يخرج من أوروبا، وأيمن الظواهري (زعيم تنظيم القاعدة) خرج من مصر، وكذلك عاصم عبد الماجد (القيادي في تنظيم الجماعة الإسلامية الجهادي) خرج من صعيد مصر، وأسامة بن لادن (مؤسس القاعدة)، خرج من السعودية، وتالياً اعتقد أن الفهم الخاطئ للدين، ولشخصية النبي، هو ما أفرز هؤلاء، لذا فإن المسلمين هم الأولى بالتوعية وبتصحيح صورتهم وتصوراتهم".
التراث ليس هو الدين، لكنّه هو فهم الأولين للنصوص الدينية، وفقا لزمانهم هم
في عصرنا الحالي استجدّ العديد من القضايا والأمور التي لا يمكن التعاطي معها وفقا لفهم ورؤية الأولين وبحسب حدود معارفهم
الأزمة الحقيقية لا تكمن في كتب التراث، ولكنّها في خطاب الكراهية"، ويقول: "إذا كنّا نبذل جهوداً لضمان حرية الاعتقاد، فعلينا أن نبذل جهودا مضاعفة لاحترام هذا الاعتقاد، وتجريم السخرية منه".
خطاب الكراهية أو السخرية- تؤثر سلباً في قطاع واسع من المسلمين المعتدلين، وهو ما يخدم خطاب التطرف، ويساعده على استقطاب المزيد من المراهقين والشباب".
هذا هو ما يجعل الأزهر يركّز على أنه من الواجب أن يكون هناك احترام للمعتقدات كافة" يقول الصاوي، "لذا تحدث شيخ الأزهر عن ضرورة أن يكون هناك اتفاق أو تشريع دولي حول فكرة احترام المعتقدات ورموز الأديان، لأن السخرية ليست مواجهة للإرهاب، ولا تصب في مصلحة المواجهة معه، بل إنها تأتي بنتائج عكسية".
حرية التعبير في الغرب ليس لها حدود: "من يقول بذلك عليه أن يعود إلى محاكمة روجيه غارودي التي أكدت أن هناك سقفا لحرية التعبير، وأن الأمر يتعلق بالإرادة السياسية لتحديد هذا السقف".
يستند التيار السلفي، على سبيل المثال الى نصوص تراثية باعتبارها لا تقبل الجدال، ويجب تطبيقها من دون أدنى شعور بالشك في صحتها، ومن بين تلك الأقوال أو الفتاوى أن "شاتم الرسول يجب أن يقتل حتى وإن تاب"، ويُعدّ كتاب "الصارم المسلول على شاتم الرسول" للإمام ابن تيمية أحد الأعمدة التي يستند اليها هذا التيار في فتواه هذه.
وبينما يتّفق كثيرون على أن المسلمين هم أولى الناس بالتوعية بدينهم وبشخصية النبي محمد وأخلاقه، لا يزال الخلاف كامناً في نقطة الانطلاق، وفي أصل المشكلة. فهل تلك النقطة تبدأ من فهم الأوّلين واجتهاداتهم، أم يجب إعادة بناء الفهم والتصورات وفقا لمعطيات العصر الحالي ومعارفه الحديثة؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق