السبت، 31 أكتوبر 2020

نزع السحر عن العالم

نزع السحر عن العالَم" بالنسبة لماكس فيبر ومارسيل غوشيه، أو نهاية "اللاهوتي-السياسي" بتعبير كارل شميت، أو "عَصر علماني" بتعبير تشارلز تايلور، أو "تدهير ودَهرنة" بتعبير طه عبد الرحمن

  تفريغ المَجال العامَ من القِيَم المُقدّسة

من هُنا، فإنّ الإنسان بطبيعة الحال لا يستطيع إلّا أن يتمركز حول مُقدَّس ما، كما يذهب إلى ذلك باحثون كُثُر منهم رودولف أوتو في تشريحه لفكرة المُقدَّس باعتباره بُنية أساسية كامنة في النفس البشريّة، حتّى وإن لَم يَبدُ للإنسان أنّه يختبر تجربة الانتشاء بالمُقدَّس عن طريق الانخراط بأنشطة حياتية لا تبدو ظاهريا وكأنّها مُقدَّسة، لكنّها تُحقِّق الانفعال الوجدانيّ نفسه، ذلكَ أنّ التجربة الوجدانية للمُقدَّس هي تجربة محفوفة بالخَوف والهَيبة والحُبّ والشغف في الوقت نفسه(6).

نتيجة لتطلُّع الإنسان الوجدانيّ نحو المُقدَّس، ونحو ما هو علوي أو مُطلَق، يحدث كثيرا أن يؤمن الأفراد بقضايا عديدة تمنحهم الشعور الميتافيزيقي (أو الغيبي بالتعبير الديني) ذاته الذي كانت تمنحه الأديان، لكنّ الشرط الأساسي لهذه القضايا أو المُعتقدات هو أنّها لا يجب أن تُملِي وصاية أخلاقية، وهو ما يُسمّيه الراحل عبد الوهاب المسيري بميتافيزيقيا بلا أخلاق، مثل الإيمان بوجود فضائيين أو إيمانه بتعاليم بوذا التأمّلية أو الوجدانية، لكنّها منزوعة الأخلاق السلوكية، أي إنّه لا يجب أن يُملي عليّ كيف أتصرّف بحياتي الخاصّة أو الجنسية أو في أموالي.

 أنماطا فردية، متحرّرة من إلزامات الإيمان الجَماعي أو التقليديّ، وبالتالي فهي لا تتبع لأيّ مذهب أو مدرسة دينية خاصّة، بقدر ما تُفضِّل أن تنتمي للدّين بوصفه العامّ، وهذا ما تُطلق عليه الباحثة غرايس ديف "إيمان بلا انتماء"(8)، أي إنّه إيمان ذاتي وخاصّ، لكنّه ليس هُويّة أنتمي إليها وأُعرِّف نفسي بها بشكل صارم. وهذا بالطبع يمنح الأفراد أريحية سلوكية، وقدرة على التكيُّف مع المتغيّرات المُعاصرة، بدل الإقصاء أو الانعزال على أساس انتمائه لجَماعة مُختلفة عن باقي الجَمَاعات البشرية.

مواجهة أزمة المَعنى والشعور باللا جدوى الذي يجتاح أفراد هذا العالَم، تتنامى تجارب الانسحاب من الواقع بما تشمله من تعاطي المخدرات أو أقراص "DMT" أو الفطر السحري، بوصفها تجارب مُهلوسة وحالمة ومنفصلة عن الواقع، لتخفيف وَطأة إدراكنا.

في مواجهة أزمة المَعنى وغياب الأفق الوجودي الذي يمنحه الدّين وممارساته للحياة، ينهج النّاس في سلوكهم اليوم أحد ثلاث مَسَارات: إمّا الانهماك الكثيف بأنشطة جسدية وإرباك مُكثّف للحواس لتخفيف إدراكهم بأزمة المَعنى، وإما محاولات للانخراط بممارسات بديلة عن الممارسات الدينية تمنحهم الشعور نفسه بالمقدَّس والجَمَاعة، وإمّا الغرق في فخّ العَدَمية والتدهور السلوكيّ وعدم المبادرة إلى أيّ شيء، وهو شكل من أشكال الاحتجاج على الواقع المَأزوم كما أشار إلى ذلك علي عزّت بيغوفيتش من قبل.

 غياب المَعنى ليسَ أزمة هامشية أو عَرَضية ولكنّها أزمة بُنيوية مرتبطة بطبيعة العالَم العلماني والديمقراطي الذي نوجد به

 طقوسية وروحانية للمُلحدين:

  1. كتاب الفيلسوف الأميركي سام هاريس "الصحوة، دَليلَك نحو روحانية بلا دين" (Waking Up: A Guide to Spirituality Without Religion).
  2. كتاب الفيلسوف الفرنسيّ أندريه كوميت سبونفيل "الكتاب الصغير لروحانية المُلحِد" (The Little Book of Atheist Spirituality).
  3. كتاب الفيسلوف البريطاني آلان دو بوتون "الدّين للمُلحدين، دليل غير المؤمن لاستخدامات الدّين" (Religion for Atheists: A non-believer's guide to the uses of religion).
ممارسة أنماط شعائرية منزوعة المحتوى اللاهوتي، ومن المُلاحَظ أنّ الارتكاز الأهمّ عندهم هو الديانة البوذية والممارسات التأمّلية بعيدا عن الديانات الإبراهيمية، وحساسية ذلك واضحة، خاصّة لدى سام هاريس الذي يُبدي كراهية وحَنَقا شديدَين تجاه المسيحية والإسلام.

"مَهما كان المُجتَمَع الحَداثي علمانيا، فإنّه يحوم حول طقوس مُماثلة للطقوس الدينية في الغايات والنتائج".

(إميل دوركهايم

 دوركهايم إلى أنّ جُزءا كبيرا من الممارسات البشرية في المجتمعات الحديثة ما هي إلّا امتداد أو تطوير شكلي للممارسات الدّينية القديمة، بحيث تُحقِّق الغايات والنتائج التي كانت تُحقِّقها الممارسات الدّينية والشعائرية. وهذا يُعيدنا للفكرة الأساسية التي تقول إنّ الدّين وحاجة الإنسان إلى المُقدَّس لا تنسحق أو تتلاشى، ولكنّها تُعيد استمداد نفسها من بدائل حديثة تُحقِّق للبشر الإشباع الوجداني نفسه.

 دوركهايم الدّين بوصفه نظاما مُوحَّدا من المُعتقدات والمُمارسات التي تدور حول قِيَم المُقدَّس والمُدنَّس، بطريقة تُوحِّد النّاس الذين ينتمون إليه، وبالتالي هناك ما يجب تقديسه وهناك ما يجب احتقاره (الحلال والحرام)، وهناك ممارسات ومُعتقدات تدور حول هذه القِيَم. من هنا ووفقا لتعريف دوركهايم للدّين، يُمكن أن نفهم هتافات مُشجّعي فريق كرة القدم في المَلعب، إنّهم يتجمّعون في مَكان واحد، يهتفون ويصيحون، ويقفزون، ويُهلّلون بعبارات مُوحَّدة، عبارات تُقدِّس الفريق الذي يُشجعونه، وتُدنِّس الخصوم أو الأعداء، وهي بذلك تَمنَح شعورا عاما بالانتماء لجماعة أشبه بالدّينية، ولهذا يحدث كثيرا أن ينخرط هؤلاء بأعمال عُنفية جماعية انتصارا لفريقهم المَهزوم.

الصوابية السياسية: الحلال والحرام الجديد

 "ما يَليق قوله" و"ما لا يليق قوله"

ويكمن الجوهر الأساسي للصوابية السياسية في أنّه يتعامل مع الخِطاب بوصفه عُنفا وأذى لا يجب تمريره، وبالتالي فحرّية التعبير أو حرّية الأفراد بتبنّي قناعاتهم هي مسألة مكانها القُمامة، إذ يجب أن تتبّع قواعد اللعبة الجديدة بصرف النظر عمّا تُؤمن به، لا يجب أن تقول ما تؤمن به، ولكن يجب أن تقول ما تُحدِّده أجندة الصوابية السياسية.

تبدو إذن الصوابية السياسية تحسينا وتقبيحا أخلاقيا قادما من الغَرب، فما يراه الغرب قبيحا فهو قبيح، وما يراه حَسَنا فهو حَسَن، وهذه مساحة جيّدة لفهم الاستلاب الثقافي من جهة. ويُمكِن سحب هذه لفكرة لأقصاها بالحديث عن حركة النباتيين، حيث التحريم يتّخذ صيغة علمانية بديلا من التحريم الدّيني.

الإرشاد المَعيشي والمُحلِّل النفسيّ: رجل الدّين الجديد

كان الوضع الابتدائي للمجتمعات البشرية مُحاطا بفهم دينيّ للوجود، من هنا كان النّاس لا يفهمون أنفسهم ومجتمعاتهم إلّا من خلال رؤية دينية ناظمة أو كُلّية، لذلك كانت المساحة بين "الدّيني" و"الدُنيوي" شبه معدومة تقريبا، وكان رَجُل الدّين يُملي على النّاس أدقّ تفاصيل حياتهم، إذ كان مَلاذا ومُستشارا للفرد حتّى في أكثر شؤون حياته دُنيوية.
أمّا في المجتمعات الحديثة اليوم، ومَع انفصال الشأن الدّيني عن الحياة العامّة للأفراد، فَقَد رجل الدّين -بشكل نسبيّ- قدرته على التوجيه الأخلاقي أو الإرشاد المَعيشيّ للأفراد، وصارَ الأفراد إذا ما واجهتهم مشكلة حياتية ما يلجؤون إلى الطبيب أو المعالج النفسيّ بحثا عن الطمأنينة والإرشاد والتوجيهات الحياتية.
 يُفسِّر الانتشار الواسع لرُوّاد الإرشاد المَعيشي (Life Coaching) ومُدرّبي التنمية البشرية، وكذلك التنامي المُطَّرِد للطبّ النفسيّ وعلم النفس، والفرق بينهم هو فقط مقدار عِلمية كلّ طرف أو استناده إلى الحقائق والبحوث العِلمية في مُقابل بيع الوَهم والعِلم الزائف، ولكنّها جميعها في نهاية المَطاف تؤدّي البديل نفسه، مع فرق الفاعلية بالطبع.

الاحتفالات السنوية الكُبرى: مواسم الحجّ والأعياد الجديدة

فعالية جماعية خاصّة يجتمع بها الأفراد من مختلف أطراف العالَم
على سبيل المثال، يُعَدُّ مهرجان "Donauinselfest" الغنائي الذي يُعقَد سنويا في النمسا واحدا من أكبر الاحتفالات الموسيقية، إذ يبلغ عدد الزُوّار والتذاكر المبيعة خلال ثلاثة أيام ما مقداره ثلاثة ملايين زائر من حول العالَم، وهو رقم يفوق حتّى أعداد الحجّاج المُسلمين سنويا المتوجّهين نحو الكعبة، ومثل ذلك مهرجان "Tomorrowland" المُقام في بلجيكا الذي يستقبل سنويا ما مقداره 400 ألف زائر من 83 مطارا حول العالم.

التأمّل والامتنان: البدائل العلمانية للصلوات الدّينية

 العوامل الكامنة وراء تعزيز الصحّة النفسية للمُتديّنين، وُجِدت عوامل عديدة، منها الدعم النفسي الاجتماعي الذي يتلقّاه الفرد من وجوده ضمن جماعة دينية، ومنها الأمل الدّيني والصبر والعزاء الذي يمنحه لأتباعه.

أهمّ الممارسات الموجودة لدى الأديان، والتي تُؤثِّر إيجابا على الصحّة النفسية لأتباعها، وهي الصلاة وممارسات الحمد والشُّكر، ومن ثمّ استخلصت آليات تأثيرها، لتخلص إلى ممارستين علاجيتين شهيرتَين اليوم في وسط الطب النفسيّ والعلاج النفسي للاكتئاب والقلق وهما: التأمّل الذهنيّ (Mindfulness)، والامتنان (Gratitude).(15)

مدرسة الحياة: المَعابد العلمانية والخطابات الوَعظية

هل سمعتم عن "مَدرسة الحياة" (The School of Life)؟ ربما نعم، لكن لمَن لم يسمع عنها فهي مدرسة استحدثها الفيلسوف آلان دو بوتون منذ 2008، وهي مُؤسّسة تعليمية يعمل من خلالها على عقد محاضرات دَورية في قاعات جَمَاعية ضخمة، مُقدِّما خُطَبا تتّصل بالحياة والفلسفة والأديان، وتتّخذ محاضرات هذه المدرسة أحيانا صِيغة وَعظية مليئة بالتوصيات، إذ قَد تُقدِّم مُرافعة عن اليأس، وأحيانا عن التخفُّف، وأحيانا عن السعادة أو عن الحبّ، ونحو ذلك.

 الخطوة القادمة عبر تحويل الإلحاد إلى مؤسّسة اجتماعية لها خطابها ولقاءاتها الدورية بطريقة تُضاهي الخطاب الدّيني ومُؤسساته.

أوّلا: اقتباس الجانب الشعائريّ من الأديان ومحاكاة الممارسات الطقوسية من الدين، إذ يبدو أنّها حاجة بشرية مُلِحَّة وضرورية بحد وصفه. وبالتالي يقترح بوتون للإلحاد الجديد أن يُنظِّم التجمّعات البشرية بشكل دوري للملحدين لتبادل المواعظ اللا دينية والإلحادية والفلسفية.
ثانيا: التعليم بالموعظة والتكرار، فالعصر العلمانيّ يثق تمام الثقة بالتعليم لجعل العالَم مكانا أفضل، ولهذا يُنفَق بشكل كبير على التعليم
 يُكرِّر المُلحدون مواعظهم الفلسفية كما تفعل الأديان بأتباعها كلّ يوم، إنّ عامل "التكرار" هو العامِل الأهم في خلق الفاعلية والتأثير، فالأديان مبنية على ثقافة التكرار وتدوير الحقائق العظيمة مرارا وتكرارا.
ثالثا: الارتباط الزمانيّ والمَكانيّ، أو صناعة التقويم الزمنيّ المُقدَّس، فهناك تقويم كاثوليكي، وتقويم هجريّ، ففي نهاية الشهر الفلاني ستتذكر هذا الحدث المُقدَّس، وفي بداية الشهر الفلاني ستتذكّر ميلاد هذا النبيّ، وفي هذا الأسبوع من السنة ستحتفل بالعيد، أو ستصوم. وكذلك على مُستوى المَكان، انظر الحَج على سبيل المثال، وانظر كيف تجعل الأديان من السفر فعلا مُقدَّسا بتحديدها لأماكن مُقدَّسة ضمن إطار زماني ومكاني دوري، من هنا يقترح بوتون مُتسائلا: لماذا لا نُسافر في موعد سنوي نحو قبر تشارلز داروين على سبيل المثال في مجموعات من كلّ أنحاء العالَم؟
رابعا: احتراف فن الخطابة، تقوم الأديان في جوهرها على أداء خطابي عاطفي مُؤثِّر بطريقة وثوقية مُقنعة. ومن هُنا يقترح بوتون أنّ أعلام الإلحاد يجب أن يحترفوا فَنّ الخطاب وأن يستخدموا خطابات شاعرية وعاطفية ومُؤثِّرة بأتباعهم أيضا.وده هاشم صالح 
خامسا: التعامل مع الأجساد، نحنُ لسنا عقولا فقط، وهذا ما تعيه الأديان جيّدا، فالأديان لا تُعطي أتباعها مواعظ مَعنوية فقط، لاحظ مثلا مسألة التوبة أو التطهّر من الذنوب، التي تأمر أتباعها بالاستغفار لكنّها تأمرهم أيضا بسلوك فعلي ومادي على مستوى الجسد، مثل الاغتسال أو الوضوء. ولذلك يقترح بوتون أن يستثمر الإلحاد الجديد هذا الفهم لإلزام أتباع الإلحاد بشيء من الممارسات الجسدية.

الفَن المُؤسَّس دينيا، فهو غالبا يقوم على التذكير: أوّلا التذكير بما تُحبّ، وثانيا التذكير بما تخشى وتكره. إنّ الفَن لدى الأديان أشبه بدعاية تُداعب حواسك المادية لتذكيرك بالحقائق الدينية، بالعقاب والثواب أو اليوم الآخر أو قصّة الخَلق. يقترح بوتون تقسيم المتحف إلى قسم للفَن الذي يتحدّث عن الحُب، وآخر يتحدّث عن الكَرَم، وهكذا يُعاد تعزيز وتغذية البشرية بالقِيَم اللا دينية

سابعا: التجمُّع، إنّ الأفراد في العالَم العلمانيّ يميلون نحو العُزلة والتفرّد، وينتهي بهم المطاف معزولين ووحيدين، فلاسفة وكُتّابا ومُخرجين. لكن ما تفعله الأديان التجمّع معا، وإنشاء المُؤسّسات الجماعية، وللتجمّع تأثيراته الإيجابية على مُستوى القُوّة والطاقة والشعور بالمعنى. وهُنا يُوصي بوتون المُلحدين بقوله: الانعزال لن يصنع شيئا، إذا أردنا تغيير العالَم فعلينا كوننا لا دينيين أن نتجمّع معا.

تبدو المقولات الكلاسيكية للتنوير عن إزاحة الدّين نهائيا ضربا من التزييف لحقيقة الواقع، ففكرة القطيعة التامّة مع الدّيني لا يُصدِّقها الواقع، بل على العكس، يبدو أنّ ما نشهده كونه صِيَغا تنويرية حداثية هو امتداد لما هو ديني بالأساس وإعادة تشكيل له أكثر من كونه إحداث قطيعة تامّة معه. لكنّ التيار التنويريّ المعاصر يبدو مُجيدا لفهم هذه المعادلة للاحتياج البشريّ الأصيل إلى المعاني المُقدَّسة والمتسامية. لكن يظلّ السؤال قائما على الجهة المُقابلة للنهر حول قدرة الأديان الكبرى وعلى المُجدِّدين فيها تجاه تشخيص واقعهم واستثمار أصالة وجودهم، وبالتالي حجز مساحة فاعلة في حياة الأفراد وفق صيغة العالم المعاصر كما هو اليوم.

***
الملايين دخلت الإسلام وآمنت به من خلال معاملة المسلمين الحسنة معهم، فتعرفوا على الدين من سلوك المتدينين كما حصل في اكتساح الإسلام لشرق آسيا دون حروب. وكذلك العكس صحيح، فإن انحراف الرموز الدينية عن الإسلام في معاملاتهم المالية أو علاقاتهم الاجتماعية والأخلاقية يصدّ العباد عن الدين والتدين، ولهذا فإن الله تعالى العليم بطبيعة النفس البشرية لم يُغفل الأثر السلبي لهذا المسلك "الصدمة الوجدانية"، فقال سبحانه: "ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا".

أبشع أنواع التنفير من الدين عندما يصبح المشايخ جسورا يمضي عليها الطغاة لنيل شهواتهم، أو يتبرع المشايخ بأن يصنع الجبابرة من فتاواهم أقطاب رحى يطحنون بها الشعوب ويغرقون الأرض بدماء الأبرياء ويملؤون السجون بصفوة المجتمع.

 المؤرخ ويل ديورنت في فصل "أخلاق رجال الدين" من كتابه الكبير "قصة الحضارة" عن أخلاق رجال الكنيسة المنفرة من الدين في إيطاليا بأنها أحط من أخلاق العسكر. ولعلنا اليوم نمر بالمنعطف التاريخي ذاته لأوروبا في حقبة القرون الوسطى وما بعدها في فساد رجال الدين النصراني وتحالفهم مع الإقطاعيين ضد الفلاحين الفقراء، ومع الملوك ضد الشعوب المقهورة، ما تسبّب بكفر الناس برجال دينهم وبكنيستهم وبالرب الذي يدعون إليه.

 التفريق بين "تقديس" علماء الدين، وهو الآفة المرفوضة، وبين "الاحترام
يأتي دورنا في إبراز الصورة المشرقة والمشرّفة لمئات الدعاة والعلماء والأكاديميين الشرعيين المُبَرَّزين الصادقين الممنوعين من الكلام، وعشرات المسجونين من الصادعين بالحق، وغيرهم ممن ثبتوا على ما كانوا عليه أو على الأقل لم يستجيبوا للباطل، فضُيّقت عليهم حركتهم في الحياة وخسروا مصالح كثيرة لكنهم صبروا واحتسبوا وكانوا منارات هدى يستدل بهم الشباب الحائر والجماهير المصدومة إلى سلامة الطريق ويضرب بهم المثل بالثبات على الحق، وبذلك تكون الصورة متكاملة ومتوازنة لتصدق وتصيب أحكام الناس على عالم الأشخاص والأفكار.

 محمد شحرور ودعم تسويقها ومن على شاكلته، وهو المعروف بتحريفاته المكشوفة لمعاني آيات القرآن الكريم، لذلك فليس من المستغرب قفز شحرور إلى الأضواء ليصبح مجتهدا ومجددا للخطاب الديني التنويري، وليس غريبا أن تتبنّاه حكومات، وينال جوائز الدولة، ويُحتفى به عند أعلى القيادات السياسية
 للإلحاد الرغبوي النفسي للأميركي بول فيتر صاحب الكتاب المثير "نفسية الإلحاد.. إيمان فاقد الأب"، وقد ترجمه مركز دلائل، فبعد أن درس فيتر حياة عشرات الأسماء من فلاسفة ومفكري وسياسيي الغرب وفتش عن أثر البُعد الوجداني في إلحادهم، مثل نيتشه، هيوم، راسل، هوبز، فولتير، فرويد، فيورباخ، هتلر، سارتر، سيمون دو بوفوار، إلخ، عقد فصلا تحت عنوان "الإلحاد السطحي: قصتي الشخصية" سرد فيه تجربته مع الإيمان بأريحية بالغة وقال صراحة: "العوامل الأساسية التي جعلتني ملحدا لم تكن فكرية، وإنما اجتماعية ونفسية".





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق