الجمعة، 15 يوليو 2022

الكسل ****************************************

 Oct 21, 2021 Mar 8, 2019
إن الحكمة هى بنت الكسل وإن التأمل يطلق الخيال ويجعلك تعيد اكتشاف نفسك وقدراتك وأولوياتك فى الحياة. روعة الكسل. قال أحدهم إذا أردت أن تنجز عملا بدقة وبشكل أسرع - أوكله إلى شخص كسول حتى تضمن التركيز والإبداع. إن اللهوجة عدوة التجديد والتجويد.نحن فى مفرمة الحياة اليومية منهكون ومستهلكون فى الجرى وراء لقمة العيش (ونعمل سبع صنايع ونشتكى من البخت الضائع).. وللأسف نحن فى زمن يزداد قسوة ولانستطيع أن نلاحقه.

وماذا يفعل البنى آدم الغلبان فى هذا الزمان؟..اعمل أقل تنجح أكثر؟ هكذا ينصحك إيرنى زيلنسكى خبير التنمية البشرية صاحب الكتب الأكثر مبيعا فى العالم.. ويقول لك لكى تكون ناجحا اعمل أقل وفكر أكثر.. ثانيا اختر عملا يناسب شخصيتك ولا يتناقض معها. ثالثا إبداعك هو مايجعلك مليونيرا. رابعا هوس المال يسرق الوقت والعمر. المقصود هنا أن يتوقف الإنسان بين حين وآخر ويعيد تقييم حياته ويرسم خريطة طريق جديدة ويكتشف مواطن عبقريته وتميزه. والفيلسوف نيتشه يقول: ثمة إنسان أرقى فى داخلك من الإنسان المنتج ويسميه المبدع، أما المربوطون فى الساقية والشغيلة الذين يظلون يعملون ثلاثين وأربعين سنة من أجل الحصول على الحرية والرضا والفرح، فهم يموتون غالبا من الإجهاد.. عندنا مثل عملى براجماتى يقول «خبطة بالمرزبة ولا عشرة بالشاكوش» ومعناه أن التخطيط أهم من التنطيط.. وأن اقتناص الفرصة لعمل نقل نوعية فى الحياة هو الحل.
طبعا المشكلة الأساسية هى الخوف من التجريب والخوف من الفشل. ولو أن المرء توقف وفكر خارج الصندوق وبادر، سوف يجد أبواب رزق غير تقليدية. الفكرة جات لى فى ساعة روقان (كسل).. وعموما الرزق يحب الخفية. هذا الرجل فلت من فكر الفقر إلى بحبوحة التفكير خارج الصندوق.(جاى رايدر) مدير منظمة العمل الدولية يقول إن العدالة الاجتماعية غائبة وإن البشرية تحتاج إلى عقد اجتماعى جديد ويقول إن اللعبة انحرفت ضد الناس العاديين ولم يعد مؤكدا أن التعليم والتفانى والكفاح العظيم سوف يجعلونك ترتقى لطبقة أعلى. ولم تعد المكافآت ولا معدلات النمو تسمن أو تغنى من جوع..الخبر السيئ أن الميكنة والذكاء الاصطناعى سوف يحرم الدول النامية من فرصة قدوم الاستثمارات إليها و يجب ألا تراهن على ان رخص العمالة. العالم الجديد سوف يتأسس على الروبوت والنانو تكنولوجى والبلازما..إنها ثورات علمية قادمة كالطوفان.لاتكتفى أن تقول إن الفلوس بح.. فكر فى مخرج للبحبوحة.

الســـقوط مســـــموح.. ِ لكـــن النـهـوض
واجب
*
كتاب الحق في الكسل
Feb 20, 2021

 “وحدهم الفقراء يستيقظون باكرا كي لا يسبقهم إلى الشقاء أحد

هذه البرمجة الأيديولوجية الهادفة إلى الرفع من مردودية العمل والإنتاج إلى الحدّ الأقصى، لصالح الطبقة المسيطرة، مقابل إنهاك قواها الحيوية وحرمانها من كل متع الحياة وأفراحها دون شفقة ولا رحمة، بنظرة ربحية صرفة، تهدف إلى “أن تجعل من العامل مجرّد آلة منتجة تجرده من إنسانيته لمراكمة الخيرات والمنافع حتى تستمتع بها الطبقة الرأسمالية وحدها دون غيرها”

بذل المزيد من الجهد والتفاني في خدمة الصناعيين والإقطاعيين

كتاب “الحق في الكسل”، جاء في هذا الإطار الذي يدافع فيه الكاتب عن حق العمال المشروع في أيام الراحة والعطل والأعياد، في التمتع بنوع من “الكسل المحمود” وليس بالمفهوم الأخلاقي السائد.

“الكسل” مصدر مهمّ للتقدم البشري، وذلك على اعتبار أن الكائن البشري يستحق هذه الراحة التي لا بدّ منها كشرط أساسي للإبداع، ذلك أن الإنسان الذي لا يتمتع بقدر كاف من الراحة، لا يمكن له أن يبدع ويتقدم ضمن خطط إنتاجية تعوّل عليها الدول والمجتمعات.

العمل في نظر لافارغ، يصبح مرضا عضالا، في حالة الإدمان عليه، ويصبح مصدر تعطيل للإنتاج والإنتاجية بدل أن يكون محفزا، ذلك أن النفوس تقنط ساعة بعد ساعة، فكان من الواجب إراحتها كما ورد في الأثر العربي.

 نرى الآثار السلبية التي يتركها الإدمان على العمل في المجتمعات التي تحكمها أنظمة رأسمالية أو اشتراكية على حدّ سواء، وذلك إن كان بالتعبئة العقائدية والأيديولوجية كما تفعل المنظومات الشمولية أو بالإغراءات المالية كما هو الشأن بالنسبة إلى الدول الرأسمالية التي ترفع العمل إلى درجة التقديس.

على الرغم من التركيبة الطبقية للمجتمع، فإن الإغريق اعتبروا العمل أمرا يخصّ العبيد والفئات المستضعفة، وقال هؤلاء بإعلاء شأن التفكير وفنون القول والرسم والنحت، معتبرين ذلك من هبات الآلهة، بينما ازدرى الكثير منهم العمل العضلي واعتبروه ضربا من الشقاء المجاني إن لم تكن تصاحبه غاية سامية وراقية.

 لا يمكن لرجل تزوّج ابنة كارل ماركس، أن يحط من شأن العمل كقيمة مضافة تقدر بالمال وتساهم في تطوير المجتمعات ورقيها، لكنه يلفت الانتباه في هذا الكتاب الإشكالي، إلى أن العمل كحالة شقاء فردي وجماعي ليس غاية من نضالات الطبقة الكادحة، بل على الأخيرة أن تتفطن إلى أن الراحة تصنع التقدم والرفاهية وليس عبادة العمل لأجل العمل.

المواطن الذي يكرس ماهية وجوده بالعمل مقابل مال يحط نفسه إلى رتبة العبيد”

“الكسل يمكن أن يصلح شعارا ضدّ تطرف الاستغلال” ذلك أن الفئات المهيمنة والمتحكمة في رأس المال، يمكن أن تجعل من العمل عقيدة مقدسة في أذهان البسطاء من البروليتاريا الرثة، وتلهيهم عن قضايا أساسية وجوهرية صلب الكائن البشري كتربية الأطفال والعناية بأشياء ذات قيمة جمالية وحياتية.

خبير التربية والأسرة إبراهيم ريحاني، مفهوم الرفاه الاجتماعي، بالعمل على ترسيخ دور الأسرة والمدرسة في التنشئة السليمة، من خلال تقليل ساعات العمل حتى يتسنى للوالدين الاهتمام بأبنائهم بعيدا عن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، ولتكون بذلك العائلة أولى آليات إصلاح منظومة الطفولة.

التقليص في الزمن المدرسي وترسيخ مفهوم المدرسة الصديقة عن طريق التخفيض من ساعات التعلم وإحداث نوادٍ وورشات فاعلة صلب المؤسسات التربوية لتساهم في صقل المهارات الحياتية للناشئة خاصة في السنوات الأولى من العمر”.

كتاب “الحق في الكسل” يندرج في سياقه التاريخي ضمن نضالات سياسيّة مريرة، انتهت بإقرار قانون عطل نهاية الأسبوع المدفوع الأجر، والعطل السنوية والوطنية، وإقرار حق عطلة المرض والتطبيب المدفوع الأجر، وتقليص ساعات أوقات العمل اليومي، وحق تعميم الرفاه ووسائل الراحة في التنقل والسفر على جميع فئات المجتمع.

كونوا كُسالى واستغلّوا كلّ دقيقة من وجودكم لتكونوا أنتم كنز أنفسكم الوحيد”.. ما أعمق هذه المقولة التي تقترب من الشعر في كتاب صهر كارل ماركس، ذي المزاج الفرنسي الذي لم تؤثر فيه الصرامة الألمانية. ويذكّر بشعار مارتن لوثر كينغ “كن سيّد نفسك فلست قيمة مضافة”.

البعد الإنساني هو الذي أكسب الكتاب قيمته المعرفية، وجعله محطّ أنظار العديد من الدارسين، لأنه لم يمجد العمل على غرار تلك الكتب الحمراء التي تقدس قيمة العمل ضمن منشورات دار التقدم السوفييتية السابقة، ولا مساندا لمقولات ثورجية تسوّق لها أنظمة شمولية على شاكلة كوريا الشمالية، لكن الكتاب وقفة تأمل، في صياغة أقرب إلى الشعرية، من مفكر اقترب من روح كارل ماركس الفيلسوف وليس المنظر الأيديولوجي

 أن مصدر الحب السخيف للعمل، إلى حدّ تحويله إلى ديانة تشمل البشرية جمعاء، جاء في الأصل من “رجال الدين والاقتصاديين وصناع الأخلاق”، وهو مجرد غطاء أيديولوجي يهدف إلى رفع الإنتاجية نحو أقصى حدّ على حساب الطبقة العاملة مع إنهاك قواها وحرمانها من متع الحياة وأفراحها وتحويلها دون شفقة ولا رحمة، إلى مجرد آلة للربح يستفيد منها فقط أصحاب رأس المال.

يمضي صاحب “الحق في الكسل” بعيدا في تذوق الزمن، والاستمتاع به قطرة بعد قطرة في تصادم عنيف مع أصحاب الأيديولوجيات المناصرة لاستعباد الكائن البشري، والتعامل معه كآلة لا تكلّ ولا تملّ، ولا تجد راحتها إلا في القبر.

في عالمنا العربي يحاول البعض من المزايدين الادعاء بأنهم يقدسون العمل وفق النموذج الألماني أو الياباني دون أن ينتبهوا إلى خطورة ما يدعون إليه وسط تركيبة اجتماعية تتميز بالركون إلى الروحانيات ومغازلة الطمأنينة الأبدية في دعة وسكون كما هو الشأن في لوحة الفنان الهولندي الشهير فان كوخ، المسماة بـ”لكسل”، والتي نشاهد فيها استرخاء الكائن البشري على طريقته القلقة، بينما تقف حيوانات في الخلفية على قوائمها الأربع وسط مرج أصفر على الطريقة الفانكوخية، لا يوحي إلا بالقلق والتردد

وعالمنا العربي “يعد الكسل من المحظورات في عالمنا الاجتماعي، الكسول رمز وفيّ للتعاسة يحتاج يد المساعدة لانتشاله من الضياع، يكفي أن تقول: أفضلّ ألّا أفعل”.

 على خلفية خنوع الإنسان بطبعه في عالمنا العربي لعقلية الكسل والاتكاء، لكن الموضوع أعقد من ذلك بكثير، ويتناول خفايا العقلية التي تزرع تقديس العمل لدى بسطاء الناس كمحاولة لإنقاذ أنفسهم وفرض السيطرة على بسطاء الفئات الاجتماعية الهشة باسم حمايتهم من الفقر والخصاصة

العمل في نظر لافارغ، يصبح مرضا عضالا، في حالة الإدمان عليه، ويصبح مصدر تعطيل للإنتاج والإنتاجية

ى تقديس الزمن الذي لا ثمن له، ويأخذ بيد القارئ نحو فلسفة أشدّ تعقيدا وعمقا من مجرد الدعوة إلى الامتناع عن العمل، لأنه قد أدرك قبل غيره ـ وهو الماركسي الحاذق انتماء وانتسابا وفلسفة ـ إلى أن العمل بضاعة تُبتاع وتُشترى في الأسواق كما انتبه إليها ابن خلدون قبل قرون.

 العمل لم يعد موجودا أصلا كي نقدسه أو نزدريه،

 طريف المفارقات أنّ هذا الكاتب والصحافي والفيلسوف الماركسي، الذي رثاه لينين أبلغ رثاء، اختار أن ينتحر وزوجته،

*

مخاطر منطقة الراح

Jun 23, 2019

قد تبدو منطقة الراحة أنها مُغْرِيَة، ولا تُقاوَم، و”مألوفة”، لكنها أيضًا تُشَكِّل كارثة حقيقية.
 انحيازنا وميلنا للقيام بما هو سهل، ومُريح، ومألوف، مع عدم وجود نية للتوقُّفِ عن الدوران في حلقاتٍ مٌفرَغَةٍ وغير مُنتجةٍ، أو بدء شيء جديد، أو بدء تحدًّ ما يتطلَّب ضَبْط النَّفْس، وتحفيزها، وإلزامها؛ لِبَذْلِ المزيد من الطاقة التي تُخْرجنَا من حالة القصور الذاتي والخمول.

 أصل كلمة Comfort من الكلمة اللاتينيَّة Cumfortare، التي تعني الأساليب والوسائل المُتَّبَعَة لتخفيف الألم أو الإجهاد. ويصحَب ذلك “حالة نفسيَّة مُمْتِعَة من الانسجام الفسيولوجي، والبَدَنِي، والنَّفْسِي، بين الإنسان والبيئة”. عندما نميل لتجنُّب المخاوف، والقلق، وأي نوعٍ آخر من الأمورِ المُنْهِكَات.وعندما نميل إلى البقاء في منطقةٍ نتمكَّن من خلالها بالتنبُّؤِ، ومُراقبة الأحداث عن بُعْدٍ، على أن تضمنَ لنا أداءً ثابتًا مُستقرًّا، مهما كان محدودًا، مع شعورٍ زائفٍ بالأمانِ. كل هذا للأسف يعني 
وجودنا داخل إطار منطقة الراحة.

 الأسباب الأكثر شيوعًا التي تجعلنا نُفَضِّل البقاء في منطقة الراحة هي:
  • الكسل: وهو عندما يشعُر الفرد بالتعب، أو الافتقار إلى الطاقة، أو اللَّامُبالاة، أو الاكتئاب، أو القلق، أو الشعور بالذَّنْبِ، أو عدم وجود حافز، أو جميعها في آنٍ واحد.
  • الكبرياء: عندما لا تشعر بأي حاجة إلى تعلُّمِ أي شيء أو لتحسين ذاتك وصقلها بعلمٍ نافع، والظنّ بنفسك أنك دومًا على استعداد لأي شيء. الروْعَة والكمال شعوران مُتلازمان في تلك الحالة.
  • الخوف: عندما يخاف المرء من مواجهة مخاوفه، مثل: الخوف من المجهول، أو الخوف من المخاطر والشكوك، أو الخوف من النتائج، أو الخوف من فقدان السيطرة على زمام أمرٍ ما، أو الخوف من أراء الآخرين فيه.
  • قصر النظر: عندما لا نتمكَّن من رؤية الآثار والعواقب لبعضِ المواقفِ والسلوكيات في حياتنا، على المدى المتوسّط أو البعيد.
هل تعلم ما هي العواقب والنتائج المترتّبة على بقائكم في حالة الكسل هذه؟ الإجابة هي العديد مِمَّا يلي…
إهدار وإضاعة المهارات والمواهب: وهي عملية التخريب الذاتي… فعلى الرَّغم من أن لديكَ الكثير من المهارات، إلا أنه لا يمكنك استخدامها، أو تحويلها إلى أداء وإنجازات حقيقية (كأنَّك منجم ذهب مُغلق؛ وبالتالي غير مستكشف وغير مُثْمِر).
الآثار السلبية على مهنتك، وسُمعتك، وفُرَص العمل: فبدلًا من نموّ ونجاح المرء في حياته المهنية، فإنَّه يُعاني من الركود في مهنتِه دون تطوير.
يُمكن أن يتسبب ذلك في مخاطر صحيَّة (مثل قلّة النشاط البدني، والسِّمْنَة، وتعاطي المُخدَّرات والإدمان)، وذهنيَّة (مثل فُقدان الذاكرة، والتّيه وبطء الفهم، والإعاقة الذهنيَّة)، ونَفْسِيَّة (مثل الفجاجة، والتَّبَعِيَّة والاعتماد الجسدي، وإعماء البصيرة)، وروحيَّة (عدم وجود إيثار، وعدم الشعور بهدفٍ أو غاية في الحياة، وعدم القدرة على مُساعدة الآخرين).
بعد الاستعانةٍ بالله تعالى، أنت الوحيد الذي يمكن أن تغيير كل ذلك؛ بأن تستثمر وقتك في تنمية ذاتك، الأمر الذي يرتبط دومًا بتعلُّمِ الجديد والمُفيد، وكل ما يتيح لك تغيير سلوكك النفسي، وتحقيق نجاحك المنشود – وَدَعَكَ مِنَ التُّرّهَاتِ المُستورَدة! -.
مثال على العلوم التافه – المُستَورَدة – المُضيعة للوقت: تعلُّمِ خرائط البشر، وطبائع خصائص الفص الأيمن والأيسر للمخ، وقوانين الجذب، وقوة العقل الباطن، والتنويم، والإيحاء …الخ.
مثال على العلوم الدنيويَّة النافعة: تعلَّم كتابة خطة عمل، وطريقة إنشاء دراسة جدوى ونموذج عمل تجاري، أو كيفية تطوير التطبيقات، …الخ.
 تكامَل مع مَنْ حولك لتصبح جزءًا منه، سواء في منطقتك، أو كليَّتك، أو شركتك، …الخ.
 اتْقِن اللغة العربية والتحدُّث بها – بشكلٍ كامل –، ثم اتقن الإنجليزية بحسب حاجتك لها.
 اهتم بشأن الصورة التي يظهر بها مشروعك أمام الرؤساء، والعُملاء،
نفسيا: من يهزم رغباته أشجع ممن
يهزم أعداءه، لأن أصعب انتصار هو
الانتصار على الذات

طلب العلم طلع صعب جدا أنا
هطلب أكل

*
Jun 10, 2021

في مدح الكسل.. لماذا نحب الاسترخاء على الأريكة؟!

أعتقد أن العمل الذي يُنجَز في العالم يزيد على ما ينبغي إنجازه بكثير، وأن ثمة ضررا جسيما ينجم عن الإيمان بفضيلة العمل".

(برتراند راسل، فيلسوف إنجليزي في مقاله "في مدح الكسل")

نشأت الحضارات الإنسانية قبل اثنتي عشرة ألف سنة تقريبا، وكان الإنسان قبل ذلك التاريخ صيادا جامعا بامتياز، إذ لم يكن هناك طريقة أخرى للحصول على الطعام سوى الخروج يوميا في مجموعات، بعضها تتولّى مهمة الصيد، والأخرى تتولّى جمع الفاكهة والجذور.


تطوَّر الجنس البشري كثيرا منذ ذلك الحين، وبدلا من الخروج للعالم لتأمين طعامك، أصبح العالم يأتي إلى عتبة بابك، حاملا ما لذَّ وطاب من أصناف الطعام دون أن تبذل جهدا يُذكَر. قد يدفعك هذا للظن بأن الراحة لم تَعُدْ ضرورية لبقاء البشر، فلو نفدت طاقتك لأي سبب، ما عليك إلا أن تمد يدك لجارور (درج) مكتبك، وتتناول قطعة الشوكولاتة المخبأة هناك، هكذا ببساطة! هذا الوفر في الطاقة والوقت كان من المفترض أن يدفعنا للحركة أكثر، لكن الواقع كان له رأي آخر.


المخاطر الصحية لنمط الحياة الكسول (Sedentary lifestyle) السائد في عديد من الدول، كزيادة الوزن، والإصابة بأمراض القلب والضغط العالي وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، فإنك قد تجد صعوبة بالغة في مغادرة الأريكة والذهاب للصالة الرياضية، أو حتى صف السيارة أبعد قليلا عن وجهتك، حتى لا تضطر لمشي الأمتار الإضافية، فما السبب وراء هذا السلوك الذي قد لا يبدو منطقيا؟


"مفارقة التمرين"، فبينما تزداد حملات التوعية والدعوة لممارسة الرياضة واتباع أسلوب حياة أكثر نشاطا، تنخفض معدلات النشاط بين الناس، مما دفعهم للاعتقاد أن الإنسان المعاصر ما زال مُبرمَجا على حفظ الطاقة كما كان يفعل أسلافه.


 الفرضية القائلة إن البقاء ليس للأقوى، بل في الواقع للأكسل. ربما تنطبق هذه النظرية على ساكنات الأعماق الصغيرة، ولكن الأمر قد يبدو مختلفا في كائنات أكبر حجما، مثل أسلاف البشر من جنس الإنسان المنتصب.


لعلك لاحظت أن العضلات التي لا تعمل كثيرا تُصاب حتما بالضمور، وكأنما يُغلق جسدك أجهزته التي لا تعمل ليُوفِّر الطاقة للأجهزة الأخرى. تنطبق النظرية نفسها على كفاءة القلب والأوعية الدموية، حيث تتصلَّب الشرايين وتقل كفاءة عضلة القلب، بل ويمتد التأثير على العظام أيضا، إذ يتوقف الكالسيوم عن الترسُّب داخلها وتُصاب بالهشاشة مع نقص النشاط البدني.


ما يحاول ليبرمان قوله هو إن الإنسان مُبرمَج على الكسل بدافع حفظ الطاقة، وهو ما يُعَدُّ الهدف الأسمى لخلايا جسدك حتى تُبقيك حيًّا، وإن أمراض العصر التي تسبَّبت بها الحياة المتراخية قد تكون قابلة للعكس عن طريق زيادة الطلب من جديد، أي عن طريق زيادة النشاط البدني، وأن أفضل طريقة لفعل ذلك هي أن نُحوِّل النشاط البدني الثقيل إلى نشاط اجتماعي مُحبَّب، كما كان أسلافنا يطاردون الفرائس في مجموعات ويحصلون على مكافأة جهودهم معا في شكل وجبة شهية، ثم ينالون قسطا من الراحة بعدها.


كتب راسل أن عدد ساعات العمل اليومية يمكن أن يُقتطع إلى النصف دون أن يؤثِّر ذلك على الإنتاجية أو رخاء المجتمع، كما ثبت أثناء الحرب العالمية الأولى عندما انسحبت نصف العمالة من الوظائف العادية لتعمل في التجسُّس وصناعة السلاح، دون أن يؤثِّر ذلك على توافر الخبز.


لكن بدلا من أن يعمل الجميع قليلا كل يوم، ويعيش الكل في سعادة ورخاء، أصبح نصف المجتمع يعمل لساعات إضافية، بينما النصف الآخر يتراوح بين البطالة وحياة الدعة. ما أراد راسل قوله منذ 90 عاما هو أن الكسل فضيلة فقط إن كانت متاحة للجميع بالتساوي.


في يومنا هذا، ما زالت فضيلة العمل ذات صوت عالٍ، وربما هذا ما يدفعك للشعور بالذنب لبقائك مُستلقيا لا تفعلُ شيئا، أو ما يدفعك لإنهاك نفسك في العمل أو النشاط، وبين هذا وذاك، يمكنك أن تخلق توازنا صحيا، يحميك من الانقراض كأسلافنا الكسالى، ويقيك من أمراض العصر التي تفتك بالكثيرين ممن يعيشون حولك الآن.

*

Jun 14, 2021


العمل مهمة سيزيف السعيد أو لعنة وإكراه

بعض الفلاسفة يرون العمل مفيدا ومنتجا، بفضله يضمن الإنسان حياته، في يرى آخرون مضيعة للوقت، وإهدارا لطاقة الإنسان، وأحد أسباب التعجيل بنهايته.

هل العمل بما فيه من كدّ وجدّ في شتى المجالات ضروري لكسب الرزق وتأمين الحياة، أم هو مضيعة للوقت، ووسيلة لإهدار طاقة البشر، وفرضٌ يلهي الفرد عن ممارسة حياته كما يهوى؟ أم أنه برغم مشقته طريق الفرد لتحقيق ذاته وإنسانيته؟

كم مرة تمنينا لو تكون أيام السنة كلها عطلا، نصحو متى نشاء، ونتمتع بأوقاتنا كما نهوى، ولا نُرغَم على القيام في مواعيد محددة للذهاب إلى عمل روتيني يبعث في النفس الملل، أو شاقّ نعود إثره مجهَدين في آخر النّهار، فنظل نعدّ الأيام والشهور والسنين التي تفصلنا عن التقاعد وكأنه خلاص من محنة سيزيفية، ذلك أن العمل يتبدى لنا مثل قَسْرٍ اجتماعي شاقّ ومنفِّر، نمارسه اضطرارا لكسب رزقنا وتأمين قوت عيالنا، فنُكرَه على الخضوع لقواعد وشروط نأباها في الغالب، لكونها ليست من وضعنا، ولكن لا حيلة لنا في التنصّل منها.

ذلك أن الإنسان شأن كل كائن حيّ مضطر إلى تأمين بقائه في طبيعة معادية أو لامبالية في أحسن الحالات، مرغم على توفير عدد من حاجاته الحيوية التي يواجهه الموت من دونها، ولكنه بخلاف الكائنات الأخرى عارٍ مما يؤهله للبقاء بشكل فطري. فالطبيعة كما بين أفلاطون في بروتاغوراس زوّدت الحيوانات بغرائز مؤكّدة توجّه سلوكها دون خطأ ممكن، وبأعضاء تستعملها كأدوات فطرية كالمخالب والمناقير والكلاّبات والأنياب، أما الإنسان فليس له من ميزة طبيعية غير أصابعه.

كان الإنسان فريسة سهلة منزوعة السلاح، وصيادا بطيئا وغير ماهر تمامًا، وكان يمكن أن يزول بيولوجيا لو لم يكن قادرا على صنع أدوات تحول بينه وبين العالم، وتحويل ما يحيط به بفضل نشاطه التقني، وإخضاع الطبيعة لحاجياته، لأنه الكائن الوحيد الذي لا يتأقلم مع بيئته، بل يؤقلم البيئة لضرورات بقائه، والعمل هو محرك ذلك التأقلم وحامله وناقله. ومن ثَمّ يبدو العمل ضرورة حيوية لإنتاج ما لا تنتجه الطبيعة وحدها، وإلا فإن بقاءه مهدّد بالزوال، ونوعه مهدّد بالانقراض.

 يبدو العمل مفيدا ومنتجا، بفضله يضمن الإنسان حياته، ويقاوم الملل والضجر، ويملأ وقته بما ينفعه وينفع غيره، حتى أن بعض الفلاسفة يعتبرونه ضروريا للفرد والمجتمع. في كتاب “وضع الإنسان العصري” ترى حنّا أرندت في العمل نشاطا ضروريا لحفظ الحياة البيولوجية، لكون الحياة في نظرها مسيرة استهلاك، أي تدمير، والحفاظ عليها يقتضي مداومة العمل الذي ينتج ما نستهلكه.

العمل لا ينحصر في شغل يتقاضى عنه الإنسان راتبا، بل يتعداه إلى صنع ما يولّد سروره وارتياحه

فكيف إذن ننظر إليه كعامل إهدار لطاقة الإنسان ووقته وحياته؟
ماركس في “رأس المال” يتوقف عند النشاط مدفوع المقابل، ويرى أنه يضيع على البروليتاري وقته، لأنه يحرمه من حق استعمال قوّته الحيوية لصالحه، تلك القوة العاملة التي يتملكها الرأسمالي ويشتريها بأثمان بخسة كي يستغلها لمصلحته الخاصة وينمي ربحه على حساب غيره، لاسيما إذا كان الفرد عاملا لا يملك ما يبيع غير قوة العمل.
فالأجير في نظر ماركس، عاملا كان أم موظفا أم كادرا، مضطر أن يتحول إلى بضاعة، وبذلك يصبح وقت العمل زمن استلاب، لأن الأجير يفقد قوة عمله وحقه في التصرف فيها حسب مشيئته، وبالتالي، فإن الوقت الذي يقضيه في عمله هو وقت ضائع ما دام ليس على ملكه. ثمّ إن الوقت الذي يقضّيه في العمل يُفقده قوّته تدريجيّا حدّ الاستنزاف، فإذا هو يتوهّم أنّه يعمل ليعيش، والحال أنه يدمّر بالعمل حياته، وينهك جسده ويقصّر عمره.
ولكن إذا كان العمل مضيعة للوقت، وإهدارا لطاقة الإنسان، وأحد أسباب التعجيل بنهايته، فهل العطالة والبطالة والكسل والخمول هي التي يملأ بها الإنسان أوقاته؟
إن العمل لا ينحصر في شغل يتقاضى عنه الإنسان راتبا، بل يتعداه إلى صنع ما يولّد سروره وارتياحه. وإن كان شاقّا، فمردّ ذلك إلى الجهد الذي يقتضيه أداء مهمة أو تحقيق هدف أو صنع أداة أو آلة، تكون مبعث سعادته إذا أنجزها على أكمل وجه. وبذلك لا يكون الوقت الذي قضاه في العمل وقتا ضائعا، ما دام يتيح له تحقيق ما يرضيه وينفعه، وينفع الناس من حوله.
فالعمل هو الذي يعطي اللهو والترفيه والمتع معنى، لأنه لا يشغل أوقاتنا فقط، بل بفضله ننتج الفنون والعلوم والتقنيات وما إلى ذلك من أنشطة تشكل الثقافة التي نحقق داخلها طبيعتنا ككائنات عاقلة، وبالتالي إنسانيتنا. وفي رأيه أن العمل كجهد منتج هو وحده ما يجعل الوقت مفيدًا، وأن الركون إلى الكسل والراحة هو الذي يمثل مضيعة للوقت.

*

تقديس العمل واستحقار الراحة

"الثور المربوط في الساقية"
 الرأسمالية التي تفرض مزيجا مدمرا من ضغوط العمل وانعدام الأمن الوظيفي، لكن الغريب أن الرأسمالية موجودة أيضا باقي أيام الأسبوع، فلماذا يُثير يوم الأحد بالأخص كل هذا القلق؟

وظيفة بالقرن الحادي والعشرين، يستطيع التفكير بطريقتين: عقل إنتاجي، وعقل يميل إلى أوقات الفراغ والترفيه. عندما يسيطر علينا العقل الأول، نتحول إلى مخلوقات تعمل بأقصى طاقتها للاستفادة من الوقت وتحسين النتائج، مبرهنين للعالم مدى اجتهادنا وعملنا الدؤوب، والأهم من ذلك كله، مبرهنين لأنفسنا قدرتنا على ذلك. أما عندما نكون في حالة من الاسترخاء، حينما يتولى عقل الفراغ زمام الأمور، فإن جميع الأصوات المزعجة تخفت بداخلنا، ونتمكّن بسهولة من مشاهدة فيلم أو إنهاء مشروبنا دون التفكير في كيفية تأثير سلوكنا على سمعتنا وتقييم أدائنا.

شرارة الحرب النفسية بين هذين النمطين من التفكير تبدأ وتستمر لعدة ساعات مساء كل أحد، قبل يوم العمل، فيظهر الشعور بالذنب ويكدرك إن لم تنفض عنك الخمول الآن، تستمر هذه المعركة بداخلك، ومع اقتراب الوقت يُثارالعقل الإنتاجي، ويتزايد الخوف من ضغوط العمل في الوقت الذي يتنازل فيه العقل الترفيهي عن السلطة، وهكذا دواليك كل أسبوع.

 تتساءل: ماذا لو تمكّنا فقط من التنقل بسهولة تامة بين هاتين العقليتين؟ الإجابة المفاجئة عن هذا السؤال هي أن المشكلة ليست إن كان هذا ممكنا أم لا، لكن معظمنا قد لا يريد هذه السهولة من الأساس!

السعادة تعني أن تكون هرولتك في الحياة كافية لتحقيق ما تريده".
أسعد الناس كانت المجموعة التي أفادت بكلمة "أبدا"، أولئك الذين أقرّوا بأنهم نادرا ما شعروا بالعجلة وقت الإنتاجية، أو بالملل وقت الفراغ، وهذا لا يعني أنهم كانوا مسترخين تماما، بل يعني أن جداولهم تناسبت مع مستوى طاقتهم، وأن العمل استحوذ على انتباههم دون استنفاده.

الاستياء الذي أبداه الأميركيون من أوقات الفراغ. ربما نشكو باستمرار من جداول أعمالنا المزدحمة، لكن يبدو أن القاتل الحقيقي للسعادة هو عدم التخطيط لأي جدول زمني على الإطلاق، وقد رأى روبنسون في بحثه أن الأشخاص الذين امتلكوا الكثير من وقت الفراغ، كانوا أتعس بكثير من أولئك الذين ازدحمتْ جداولهم (المهرولون لتحقيق الإنتاجية).
في رأي الشخصي هو ده البحث عن المعني علم نفس 

الناس يجتاحهم قلق شديد عندما لا تُوكَل إليهم المهام، سواء كانت مدفوعة الأجر أو غير مدفوعة، بل إن هؤلاء وُجِدوا في أسفل تصنيفات البحث مسجلين "مستوى غير مسبوق من التعاسة". وعلى الرغم من شعورهم الدائم بأنهم ليسوا مقيّدين بجدول زمني معين، فإن الغريب حقا هو إحساسهم الدائم بالاندفاع (الهرولة) نحو شيء ما. هذا هو البؤس النفسي الذي يعاني منه شخص بلا وجهة معينة، فتتحول رغبته المُلحّة في التغلب على الكسل إلى مصدر للتوتر. لطالما أدهشني هذا الوضع باعتباره أكثر أنواع القلق الحديث غرابة، إنه نفسه الرعب الذي يتملّكنا بحلول يوم الأحد ويستمر معنا طوال الأسبوع.

لحل هذا الوضع الغريب، يحتاج المرء إلى أن يشعر بالانشغال، أو أن وقته منظم، حتى وإن كان ممددا على الأريكة بعد الظهيرة في عطلة نهاية الأسبوع. وقد تتساءل: من أين يأتي ذلك التفسير؟ هل هو مدرج في حمضنا النووي "DNA"، أم أنه اختراع من اختراعات الثقافة الصناعية؟ للإجابة عن هذا السؤال، يتعيّن علينا أولا فهم تركيبة الحياة البشرية لمعظم تاريخنا قبل أن تشق الحضارة وأسابيع العمل المرهقة طريقها إلى الصورة، لذا سنحتاج للعودة بالزمن قليلا والعيش بين الصيادين في المجتمعات البدائية ومراقبتهم، واختبار العلاقات التي تربطهم بالعمل والوقت والمتعة.

عالم الأنثروبولوجيا (علم دراسة الإنسان)

 كتابه الجديد بعنوان "العمل.. تاريخ عميق بداية من العصر الحجري إلى عصر الروبوتات (Work: A Deep History From the Stone Age to the Age of Robots)"، يصف سوزمان أفراد قبائل جو/هانسي بأنهم شعب يتمتع بصحة جيدة ومبتهج دائما وراض تماما بأقل قدر ممكن من العمل، ولم يكن من قبيل الصدفة أن يظهر ذلك في ابتكار العادات التي تُثبِّط المنافسة والسعي إلى المكانة. كتاب قلق السعي للمكانة 

من خلال الجمع بين البحث الأنثروبولوجي الدقيق والرحلات الاستكشافية في علم الاجتماع وعلم النفس، يتساءل سوزمان كيف وجدنا أنفسنا أكثر اضطرابا وقلقا -وبَدَونَا أكثر تعاسة- من المجتمعات البدائية الصغيرة التي نشأت منها الحضارة؟ فإن كانت هناك طريقة أفضل للتعامل مع ما سببته الحداثة من ضغوط -تتناقض مع ما منحته من وعود- فربما يمكن لقبائل الجو/هانسي أن تنير لنا الطريق.

يرى سوزمان أن ما يميز الكائنات الحية -وعلى رأسها الإنسان طبعا- عن المواد الخاملة هو العمل والحركة، فيقول: "إن الكائنات الحية فقط هي التي تسعى بنشاط وتحصل على الطاقة للعيش والنمو والتكاثر". ومع ذلك، هناك تاريخ مقداره مليون سنة من العمل وأوقات الفراغ، يحمل مفتاحَ استثنائية البشر عن بقية الكائنات الحية، حققنا خلاله تقدما ملحوظا، لكن هذا التقدم أحيط بجانب من الاستياء والسخط.

جاءت النار، وبقدومها تغير كل شيء،
المثير للدهشة أن قبائل الجو/هانسي ظلت متحررة على مدى قرون من الرغبة في ملء أوقات فراغها بأي نوع من الأنشطة التي نصنفها على أنها مُنتِجة (وهي في الحقيقة مدمرة لأعصابنا)،

ماذا حدث للبشر 
الأنشطة الحالية التي نمارسها في أوقات الفراغ (مثل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي) باتت مكتظة بمعايير الأداء والتفوق، ناهيك بألعاب الطفولة (كالانضمام للفرق الرياضية) التي أصبحتْ مدعاة للتفاخر وتعزيزا للسيرة الذاتية فقط، والتي بدورها ترتبط بالعمل.

ظاهرة أن الحياة الحديثة صعّبت على البشر نسيان عملهم، كذلك فإنه يلفت انتباهنا إلى الطبيعة المتغيرة للعمل، معتمدا في ذلك على كتابات الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم الذي أشار إلى اختلاف جوهري بين المجتمعات البدائية والمجتمعات المعقدة، وأسماه "قابلية التبادل"، بمعنى قدرة المرء على امتهان وظيفتين مختلفتين كليا، فنجد مثلا أن زعماء القبائل والشامان (سحرة دينيون يدّعون أن لديهم قوة تتغلب على النيران) في المجتمعات البدائية تمكّنوا -بجانب وظيفتهم هذه- من الخروج أيضا للصيد وجمع الثمار. حافظتْ المهام المتداخلة المسندة إلى الأفراد على الحس القوي بالترابط المجتمعي الذي تعززه العادات والأديان التي قلصت جميع الفروق الفردية في القوة والمهارة والطموح لصالح الإيمان بالعمل المشترك والقيم المشتركة.

إذا نظرنا إلى مجتمعاتنا الحالية التي تعتمد على الاقتصادات الصناعية، فسنجد أن الأمور مختلفة كليا، فلا يُجرِي المحامون جراحات الدماغ، ولا يحصد رقباء التدريب العسكري القمح، فالوظائف المختلفة باتت تتطلب مهارات مختلفة، وغالبا ما ترتبط بأجور مختلفة إلى حد كبير. ومع انتشار التخصصات والمكافأة التي تُمنَح للأداء المتفوق، ظهرت عبادة المنافسة، اعتقد المتفوقون أنهم قادرون دائما على المحاولة باستماتة وبذل المزيد من الجهد، بل ويجب عليهم ذلك للحصول على زيادة أعلى، أو منزل أكبر، أو شرف أعلى، أو تحقيق تقدم باهر في مسيرتهم.

 الراحة التي كان يتمتع بها أسلافنا في يوم من الأيام تحولت إلى قلق الآن. لا يختلف أحد على ازدهار وضع الإنتاجية في وقتنا الحاضر، وربما ننسب الفضل (بجانب الحظ) إلى التقدم العلمي والإبداع التكنولوجي، لكن هذا لا ينفي حقيقة أن هذا نفسه كان السبب فيما أسماه عالم الاجتماع الفرنسي دوركايم "مرض الطموح اللامتناهي"، والذي اكتشفنا الآن أنه مرض مزمن.

سر السعادة، كانت الإجابة المشتركة لمعظم الأميركيين من جميع الأعمار هي حصولهم على "وظيفة أو مهنة يستمتعون بها". وكما هو واضح، فإن هذه الرغبة تفوقت على رغبة الزواج أو إنجاب أطفال أو أي علاقة أخرى جادة بها التزامات، توضح النتائج أن المهنة -لا المجتمع- هي الحجر الأساسي الذي تقوم عليه الحياة.

العقل الذي يميل لأوقات الفراغ لم يحظَ بفرصة كافية للاستمتاع. 
علاقتنا بالوقت، تحديدا بالمستقبل. يرى سوزمان أنه نادرا ما تجد في المجتمعات البدائية ذات المناخات الاستوائية فكرة تخزين الطعام لأكثر من بضعة أيام، فمثلا ثقة قبائل الجو/هانسي في وفرة بيئتهم جعلتهم يخصصون ساعات محددة للعمل تفي احتياجاتهم المطلقة (الأساسية)، ثم يتعيّن عليهم بعد ذلك التوقف فورا للراحة بدلا من التخطيط للمستقبل.

بالمقارنة، نجد أن الحضارة الحديثة هي مثوى أو ضريح للمستقبل. يرجع هذا التحول إلى الثورة الزراعية التي أخضعت البشر لدورات زراعية (وهي تناوب محاصيل مختلفة على قطعة أرض واحدة)، حيث ألزمتهم بالانتظار لعدة أشهر بين زراعة المحاصيل وحصادها، واستمرت هذه الدورات مع ارتفاع التمويل، لكن التركيز على المستقبل الآن يمضي إلى ما هو أبعد بكثير من مجرد دورات للمحاصيل أو الاعتماد على قروض طويلة الأجل، وإنما يُعدّ التركيز على المستقبل جوهر مفهومنا للتعليم، والذي يفترض أن الطلاب والعاملين الشباب سيقضون بكل سرور عقودا في صقل مهاراتهم التي سيُكَافَؤون عليها بسخاء بعد عدة سنوات.

التفكير المفرض في المستقبل 

تتمحور معظم القيم الحالية حول أهمية العزيمة والأمل في إحراز التقدم والتطلع إلى الترقي الاجتماعي، وتفترض هذه القيم أن المستقبل دائم التغيير، وأن رغبتنا الدائمة ستكون التطلع إلى الأفضل. في الوقت ذاته، نجد أن التفكير السلبي المفرط تجاه المستقبل هو السمة الأكثر شيوعا لاضطرابات القلق التي تُصيب ما يقرب من 20% من الأميركيين.

 الحضارة الحديثة أنتجت الكثير لنكون ممتنين له، مثل الطاهي البطيء 
(Slow Cooker)، وهو جهاز كهربائي يُستخدم في طهي الطعام بطريقة صحية لفترة طويلة من الوقت، وتطبيق "الفينمو" على الهواتف الذكية الذي يُتيح للمستخدمين إرسال الأموال واستلامها، واللقاحات والأسبرين والمصابيح الحرارية والقفازات، هناك أيضا شركة أمازون، وصابون اليدين، ومكيفات الهواء، كل هذه الأشياء وغيرها، لكن على المستوى الفردي يُقدِّم سوزمان الوعد المحيّر بأن يكون لدى قبيلة الجو/هانسي شيء ما لتعليمه لأولئك الذين أصاب دوار الحضارة أدمغتهم بالاضطرابات.

 المجتمعات البدائية المركزة على الحاضر، تعيّن عليها تطوير إستراتيجيات مجتمعية لسحق الدوافع وراء العمل الزائد، والتخلص من حسد المكانة الاجتماعية، وإسقاط الحرمان والتفاوتات بين الطبقات، فمثلا عندما يعود أحد الصيادين من قبائل جو/هانسي بغنيمة كبيرة، سرعان ما تتنبأ القبيلة فورا بخطر أن هذا الصياد قد يعتقد أن براعته رفعته منزلة أعلى من الآخرين، فيفسر أحد رجال القبيلة هذا الوضع بقوله: "لا يمكننا قبول تصرف كهذا، لذا نقول له دائما إن لحم فريسته لا قيمة له، وبهذه الطريقة نبرِّد قلبه من الغرور، فيصبح لطيفا خاليا من أي كبر". أصبحت هذه العادة معروفة بين الباحثين باسم "إهانة لحوم فريسة الصياد".

لم تكن هذه هي العادة الوحيدة التي تهدف إلى تثبيط روح المنَافَسة على المكانة المُزعزِعة للاستقرار الداخلي للقبيلة، وإنما ابتكروا عادات أخرى كتب عنها سوزمان: "أصرّتْ القبيلة أيضا على أن المالك الحقيقي للفريسة والمسؤول عن توزيعها ليس الصياد، بل صاحب السهم الذي قُتلت به الفريسة". ولأن القبيلة وضعت مكافأة أيضا للمساهم شبه العشوائي في الغنيمة (أي المالك الأصلي للسهم)، توجب عليها أن تُبقي صياديها الموهوبين تحت المراقبة، بهدف السيطرة على أي نزاعات، وتحقيق المساواة بين أفراد القبيلة، وكانت النتيجة سارّة بالنسبة إلى "كبار السن، ومن يعانون من قصر نظر، ومن لديهم اعوجاج في القدم، والكسالى الذين حظوا بفرصة ليكونوا محور الاهتمام بين أبناء القبيلة من وقتٍ لآخر".

أدهشني إبداعهم، وأذهلتني فكرة الاستهانة بالإنجازات الاستثنائية، لكن على الجانب الآخر، أصابني القلق لعدم قدرتي على تخيل أنه بإمكاني تحمل تبعات مماثلة للانسجام تدريجيا مع المجتمع، وهذا أكدّ لي أن السنوات العديدة التي كنت بها سجينا للتفكير الزائد في الإنتاجية، والعديد من أمسيات الآحاد المضطربة، أفسدت عقلي.

أولئك الذين لا يستطيعون التوقف عن التخطيط للمستقبل محكوم عليهم بالعمل من أجل توفير حياة لن يجدوا الوقت الكافي ليعيشوها أبدا.

*
Aug 15, 2021

الكسل المعرفي 

يسهل عليه تقديم معلومات خاطئة معينة أو قَبولها. وهذا ما يجعله أكثر عرضة للتلاعب، خاصة عندما يتعلق الأمر بما تبثه وسائل الإعلام الرئيسية.
الأكاذيب والإشاعات والأخبار العالمية الجاهزة.
مثل استخدام القوالب النمطية أو التحيزات أو المعتقدات الراسخة. وهذا هو ما يفعله دماغنا بالضبط، تبسيط المعلومات التي نتلقاها لتَوفير الوقت والطاقة. ويترجم ذلك إلى التصديق بالحقائق الشائعة والخطيرة جدا.
فنحن تقريبا بشكل يومي نتلقى معلومات وصورًا جديدة، ناهيك أنه لا يوجد وقت لمعالجة كل شيء بدقة.
عندما نفتح الهاتف المحمول، نريد فقط إلهاء أنفسنا أو البحث عن بعض الراحة أو الاستمتاع… نحن نشاهد ونقرأ بدون تفكير وهذا يجعلنا نصدق حقائق تم التلاعب بها بالكامل.
فيجب علينا تنشيط التفكير القابل لعكس كل ما نراه ونقد كل ما نقرأه
*

. تحرّر من شتى الالتزامات التي يفحمكَ بها الوضع الاجتماعي، فتحس بأنكَ حر، لا شيء يضغط عليك بأمر معين، يلزمكَ التقيد به: أنت كسول، فأنت بالضرورة حر.
تخلصكَ من ثِقل الزمان وأعبائه، بحيث تمتثل من الآن فصاعدا لزمنكَ الذاتي، تحدد متوالياته بالكيفية التي تريد وتتوخى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق