الجمعة، 1 يوليو 2022

كريم الصياد: آن الأوان لتجاوز مشروعات الفكر العربي ***********

Mar 26, 2021

 والانطلاق من الأسئلة المُلحة التي يفرضها الواقع الراهن.

من أسباب ضعف أثر المشروعات الفكرية العربية ضعف علاقة المثقف بالجمهور في الدول العربية، إذا ما قورن الحال بالغرب، فالمثقف العربي شبه منعزل، ومندمج في مونولوج طويل؛ العلماني مع العلماني والإسلامي مع الإسلامي، وتفضي المحادثة الثنائية بين طرفين مختلفين عادةً إلى تكفير أو تجهيل أو تخوين، وكثيرا ما يُستعمَل الجمهور فيها كسلاح ديماغوجي لمواجهة الخصم، هذا كله يرجع إلى انخفاض مستوى التعليم وأن الجمهور لا يفهم في الحقيقة هذا ولا ذاك، لكنه ينحاز مسبقًا إلى أحدهما، عادة ما يكون طرفًا دينيًا”.

“مع انخفاض مستوى التعليم انخفضت فاعلية العلم والموضوعية، وسادت الأطروحة الدينية التقليدية والذاتية. كيف يمكن في هذا الوضع خلق حوار يسمح بإدماج الجمهور ولو جزئيًا في قضايا فلسفية على هذا القدر من العمق والتركيب؟ لهذا تحدثتُ عن الفكر العربي اللانهائي، أي الذي يشخص المشكلة الواقعية بسبب مثالي، ثم يحاول حل هذه العلة المثالية بعلاج مثالي، وهذا غير ممكن؛ ليس باستطاعة المفكر العربي أن يُحدِّث التعليم، فهذا دور المؤسسة. لهذا يجب عليه أن يعترف بحدوده، ويطالب بتغيير اجتماعي”.

ويوضح الصياد في كتابه أنه ثمة إشكاليات مثارة في المرحلة الراهنة، مثل سؤال الهوية والإصلاح الديني والإرهاب والتخلف، وهي إشكاليات حضرت في المشاريع الفكرية العربية على مدار القرنين بدرجة ما فيما توارت إشكاليات أخرى كانت مثارة في المشاريع الفكرية العربية.

 إشكاليات الفكر العربي المعاصر منذ قرنين مازالت حية إلى اليوم، وبعضها لم يعد بالأهمية نفسها كسؤال الاستعمار والتحرير مثلاً، كما استجدت بعض الإشكاليات مثل ثقافة الواقع الافتراضي ومجتمع المعلومات المفتوح الذي سيكون له أثر بالغ بما لا يكاد يقاس على المدى المتوسط.

فلسفة الواقع الافتراضي في العالم كله لا تزال في مرحلة الطفولة، فالمجتمع لم يستوعب بعد كل آثارها وهي آخذة في التبلور حاليًا.

“الفكرة إذا أردنا إنجاز فلسفة عربية معاصرة أصيلة علينا أن نستوعب المتغيرات الثقافية والاجتماعية بالسرعة المناسبة، ونضيف إلى التراث المعرفي البشري وليس المحلي فحسب؛ أي أن إنجاز فلسفة عربية لا يبدأ من الهوية بل من متابعة الظواهر الثقافية والاجتماعية المستجدة، ومعاصرتها”.

ويشدد على ضرورة الانتباه إلى الأسئلة المعاصرة، مع إعادة النظر في المناهج المستخدمة، مبينا أن المناهج لا تزال هي نفسها منذ أدونيس إلى نصر حامد أبوزيد، وأهمها منهج الحفر الأيديولوجي الذي حاول تحديد خطواته، وضرب أمثلة عديدة من أعمال أصحاب المشروعات البحثية في قراءة التراث في السنوات الخمسين الأخيرة، وأنه آن الأوان لتجاوزها فقد أدت ما عليها، على حد قوله.

الإبداع والهدم


يعتبر الصياد أن منهج الحفر الأيديولوجي كانت له نتائج مهمة، فقد كشف عن بعض الدوافع فيما وراء الأنساق والمذاهب في العلوم والفلسفة الإسلامية، لكنه في الغالب يقوم بتكييف التاريخ ليخدم أيديولوجيا الباحث، وهو ما وصفه بـ”الأيديولوجيا السلبية”، أي أن الباحث يفترض أيديولوجيا معينة لدى الخصم ويستعمل المعلومات التاريخية المنقوصة عن هذا العصر للبرهنة على ذلك، بينما يؤكد على علمية معالجته.

تزييف التاريخ والإسقاط الأيديولوجي، وهو منهج غير علمي ولا يسمح ببناء معرفة جيدة بالتاريخ وبالفلسفة في النهاية، “ما أراه بديلاً هو الدرس العلمي الممنهج للتراث الإسلامي، وهو الدرس القادر على كشف مفاهيمه وتناقضاته ومناهجه ونظرياته، ويبدأ من الألفاظ ثم المفاهيم صعودًا إلى النظرية، وفي النهاية النسق”.

الأسئلة التي كانت موضع اهتمام في مشاريع الفكر العربي وما زالت حاضرة بعد تنامي تيار الإسلام السياسي ووصوله إلى الحكم أحيانا، سؤال الإصلاح الديني. وفي ظل تلك الوضعية القائمة يصير الحل العقلاني كليا صعب التحقق، ومن ثم يطرح الباحث فكرة الاستعاضة عن الأصولية الدينية بالفكر الصوفي معتبرًا إياه وسيلة لإحداث تغيير ثقافي حقيقي.

“مسألة التصوف مسألة إستراتيجية بحتة، أنا لست صوفيًا، ولا أفكر بطريقة الترميز. ولكن لو خيرت بين السلفية والصوفية، كاختيار بين حزبين مثلاً، أختار الصوفية، وقد يقول قائل: ولماذا لا ندعم الفكر العلمي العقلاني؟ طبعًا ندعمه، لكننا نحتاج مرحليًا إلى مجال من حرية التعبير وعدم التكفير، بحيث يمتد هذا المجال إلى المستوى الشعبي”.

نظرًا إلى ضعف التعليم في الكثير من الدول العربية يشدد الصياد على أن الحل العلمي العقلاني رغم كونه الأفضل بإطلاق يبدو بعيدًا جدا من الناحية الاستراتيجية حاليًا، على خلاف الحل الصوفي الذي سيبني أرضية ممكنة أولاً للحوار.

لا توجد تحديات حقيقية تحول دون دعم الثقافة الصوفية في مصر، والأمر يتطلب قرارًا وإستراتيجية واضحة، وضرورتها الحالية مواجهة الإرهاب والتطرف والتعصب، مستدركا “لكن لن يمكن للمفكر أن يغير الواقع بفكره فقط، الفكر نصف الطريق، والعمل المدني والحزبي بقيته”.

تنشغل الأقلام العربية في مرحلة ما بعد الثورات بثيمة الديستوبيا، انطلاقا من استشعار الفقد وتحطيم التراث وتهاوي الحضارات، وهو ما يهدد بموجة من العدمية الهدامة التي لا مناص منها، لكن الباحث المصري يرى أنها “مرحلة من العدمية الخلاقة، ومن المهم عدم التوقف عندها، وأن نتجاوز القيامة إلى التكوين”.

وفي العدمية المعاصرة يتحرر الإنسان من البنى المسبقة التي انهارت إبان الربيع العربي، والحرية خطوة مهمة وضرورية في حد ذاتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق