السبت، 30 يوليو 2022

اللاوسطية في منتج سعيد ناشيد -الحداثة والقرآن .***********

May 29, 2020 Jul 3, 2021

قد لا يختلف أثنان ان هناك حاجة ملحة لتبني الحداثة في دول المشرق والمغرب العربي لما تعانية هذه الدول من واقع لا يتناسب مع مكانتها الحضارية والتاريخية. من هذا الباب أصدر الاستاذ سعيد ناشيد كتابه الحداثة والقران,

خارطة طريق منطقية لتجاوز ارهاصات الماضي والحاضر.
 مقاربات الفارابي وابن عربي لمفهوم النبوة وكذلك اراء عبد الكريم سورش ومحمد الشبستري ومفاهيم صاغها جورج طرابيشي و شروحات قدمها علماء القران القدماء ليقدم نقدا" غايته ان يعيد علاقة المسلم مع نصه الاول (المصحف). ولكن, لم يوضوح الكاتب, سعيد ناشيد, كيف ستساهم هذه العلاقة الجديدة, ان وجدت, في تبني دولنا لحداثة.

حالة الوحي المتمثلة بالصور الوحيانية التي استشعرها الرسول, حالة القران المحمدي المتمثلة بكلمات الرسول التي تعبر عن بيئة الرسول وفهمه لصور الوحيانية, واخيرا حالة المصحف العثماني المتمثلة ب جهد المسلمين في تحويل القران المحمدي من ايات شفهية متناثرة الى مصحف واحد (مصحف عثمان ابن عفان).

" ان الوحي الألهي بعد أن صيره الرسول عليه السلام قرأنا"محمديا", ثم صيره المسلمون مصحفا" عثمانيا", صار نصا" بشريا" بلغة البشر وعلى قدر افهامهم."

هل هناك نص مقدس
ربما نحن نقف االيوم على أبواب الحداثة, او هكذا يفترض, لكننا نقف عاجزين مترددين, ......., لا نجرؤ على الولوج ولا نستطيع الرجوع. أمامنا عقبة تعيقنا وتمنعنا: النص الديني, بكل تراكماته ومتفرعاته

 المصحف المقدس يقف عائقا" أمام الحداثة لأنه تم انتاجه في مراحل كان فيها المجتمع بلا مؤسسات والسلطة بلا قوانين والمعرفة بلا مناهج وبالتالي لابد من أن يتم إزالة القدسية عنه وبهذا نزيل العائق. وبالتالي يمكننا القول أن منطق كاتب قائم على المنطق الارسطي الأتي:

النصوص المقدسة تقف عائقا" امام الحداثة (مقدمة كبرى)

المصحف نص مقدس ( مقدمة صغرى)

المصحف يقف عائقا امام الحداثة (استنباط)

في محاولة اثبات مقدمته الكبرى في دول تبنت الحداثة منذ عقود مثل الولايات المتحدة والنص الديني فيها ما زال مقدسا

 لماذا هذا التحامل على النص الديني ودوره في ابعاد دولنا عن الحداثة. هل لدينا الجامعات والانظمة السياسية والأقتصادية والادارية التي تتطلبها الحداثة؟ هل ساهم النص الديني أو منع النص ديني أقامة جامعات علمية وبحثيه لنجعله عائقا" أمام الحداثة؟ هل منع النص الديني في المغرب أو تونس أو لبنان او مصر أو العراق من اقامة مؤسسات بحثية متطورة أو أنظمة سياسية أو أدارية لتكون معبرا" لنا الى الحداثة؟ هل فعلا" ان طريقنا نحو الحداثة يمر بالنص المقدس قبل ان يمر بالمؤسسات والجامعات والبنوك والإدارة اليومية لمؤسساتنا؟ هل فعلا" نحتاج ان ندخل في حروب جانبية غير علمية وغير عقلية حول النص والوحي والقدسية ونحن لا نملك مقومات الحداثة من جامعات ومراكز بحثية وأنظمة سياسية واقتصادية وأدارية معتبرة؟ أسئلة كثيرة يجب ان يجيبنا عليها من يدعونا الى الاشتغال بالنص قبل المؤسسات لندخل الحداثة. بأعتقادي, ان الدول التي لا تملك مقومات الحداثة من مؤسسات علمية وأقتصادية وقانونية وأدارية مستقلة وقوية لا يمكنها ان تحكم على دور النص الديني فيها سواء أكان مقدس ام غير مقدس.

الأشكالية المهمة الاخرى نجدها في فصل "القرأن ليس هو الوحي." وهو دعوته للفصل بين الماضي والحاضر بشكل قاطع ونهائي على اعتبار أن الماضي يمثل تفكير امة قد خلت لها ما جنت وعليها ما اسرفت أو قصرت. هذه القطيعة المنشودة انسحبت حتى على المحطات التي يمكن استخدامها كمرتكزات للأنتقال للحداثة مثل مبدأ الشورى والأمر بالعرف. هذه المرتكزات التي يمكن استخدامها للتواصل مع قلوب الجماهير قبل عقولها في سبيل احراز الكتلة المؤثرة. لما يراد لنا أن نقاطعها؟ من جانب اخر, يتم الاشارة بمناسبة او غير مناسبة على مرتكزات بالية انتهت عمليا" مثل أهل الذمة والجزية في نفس الفصل. لماذا نترك ما يخدمنا ونفعل ما لا يخدمنا كطبقة وضيفتها مخاطبة الجماهير؟ وهل اصبحنا بهذا الممثلين الرسمين لحركات التشدد الأسلامي. نقول ما يقولون؟ بكل الاحوال هذه القطيعة المرجوة صعبة المنال وان كانت هي مدخلنا الوحيد الى الحداثة, فعلى الحداثة السلام. أخيرا", يقدم الكاتب الكثير من الفرضيات صعبة الاثبات, منها تأثير يتم الرسول محمد فيما خط المصحف من أيات أحسانية تدعو لأحسان لليتامى. وهنا قد يسأل سائل ما تبرير الاحسان لليتامى والمساكين وفي الرقاب وغيرهم وهل مر الرسول محمد بهذه الاطوار ايضا. ومن الفرضيات ايضا", الدعوة الى القتال وهو ما يعتبره الكاتب امر يعود لعصور العنف وقبل الحداثة وكأن الدول الحداثويه ليس لديها جيوش ولا تحارب في بقاع العالم المختلفة.

لا يجب ان يزاود احد على اهمية الحداثة وأدواتها في تحسين وضع الانسان وحياته اليومية. ولكن كما أن الحداثة تحسن ادواتها بأستمرار وتنتقي الفاعل منها وتهمل ما عداه.من واجبنا نحن اليوم ان نختار ادواتنا بدقة بهدف النجاح لا بهدف المثالية ولا بهدف الشعارات الرنانة حتى لا يستمر مسلسل الخسارة والمعاناة. التركيز على أسؤا مافي التفسير والتأويل والممارسة لغرض أيجاد القطيعة مع النص ليس من الادوات الواعدة التي يؤمل لها ان تنجح في تسيير الجماهير نحو الحداثة. للأسف هذه الدعوة للقطيعة تؤكد ما ذهب أليه علي حرب في كتابه أوهام النخبة, حيث أكد ان المثقفين لا دور حقيقي لهم في التغيير الأجتماعي والسياسي وانهم اثبتوا فشلهم لأنهم ببساطة لا يعرفون كيف تلعب اللعبة. عدم المعرفة بأصول اللعبة قد يكون مرده التفكير بالامور بشكل مثالي بعيدا" عن الواقع كما اشار الدكتور علي الوردي في كتابه منطق ابن خلدون. حيث يذكر الوردي في كتابه قصة طريفه عن جماعة من المفكرين الأوربين في القرون الوسطى كانوا يتناقشون حول اسنان الحصان وبالرغم من أن الحصان كان قريبا منه وأنهم كانوا قادرين على الذهاب أليه وفحص اسنانه, ألا أنهم لم يفعلوا لأنه غمل غير لائق بالمفكرين الذي عليهم التوصل الى الحقائق والحلول عن طريق الفكر المجرد.

علي الوردي, منطق ابن خلدون, ط.3, الوراق للنشر, بيروت, 2003, ص 31

*
* Apr 22, 2021
 عضو "رابطة العقلانيين العرب"، ومن إصداراته: "قلق في العقيدة" 2011، و"الحداثة والقرآن" 2017، و"دليل التدين العاقل" 2017، و"رسائل في التنوير العمومي" 2018، و "التداوي بالفلسفة" 2018، و"الطمأنينة الفلسفية" 2019، و"الوجود والعزاء: الفلسفة في مواجهة خيبات الأمل" 2020.

*
سعيد ناشيد . الخِدع المؤسسة للإسلام السياسي امتداد للحيل "الفقهية"
Feb 7, 2020

يرى الباحث المغربي سعيد ناشيد أن الخدائع المؤسسة للإسلام السياسي هي امتداد لثقافة الحيل الفقهية، حيث يكفي التلاعب ببعض المعاني والألفاظ حتى يصبح الحرام حلالا، والحلال حراما.

وتكفي بعض الشطحات التأويلية حتى يصبح المحظور مباحاً، والمباح محظوراً. يكفي اليوم، على سبيل المثال، تحميل بعض مقتضيات الحداثة بعض الأسماء “الشرعية” حتى نحصل على حداثة حلال على منوال “البنك الإسلامي”، و”المايوه الشرعي”، و”السندويتش الحلال”، و”الطب النبوي”، و”الرقص الحلال”، وهلم جرا.

خداع مفاهيمي

أشار ناشيد إلى أن أسلمة الحداثة ليست سوى خداع مفاهيمي من العيار الثقيل؛ لأنّها تعني إمكانية التحايل على جوانب الحداثة التي لا نستطيع مقاومتها، من قبيل اعتبار الضريبة نوعاً من الزكاة، والانتخابات نوعاً من الشورى، والعمل السياسي نوعاً من الدعوة. وكذلك من قبيل إمكانية أن تسبح المرأة في الشاطئ أو المسبح، بعد أن نُجري على لباس السباحة تعديلاً في مستوى الصورة، فيُستبدلُ بالبيكيني البوركيني.
اليوم، في معركة البوركيني “المايوه الإسلامي” ضد البيكيني “المايوه الحداثي” يصطف جمهور الإسلام السياسي خلف البوركيني، على الرغم من أنّه لم يَردْ في أيّ قاموس من قواميس السلف أو الخلف.
لقد انطلت الحيلة على الذات. وكذلك الحال بخصوص إمكانية شراء السيارة بقرض بالفائدة وفق مستلزمات المعاملات الحديثة، لكن بعد أن نُجري تعديلا طفيفا في لغة الاستقبال، ثمّ نسمّي الفائدة بالمرابحة، أو نستعمل التعبير الرائج بينهم اليوم “الكراء المفضي إلى تملك السيارة”.
اليوم في معركة المرابحة (البنك الإسلامي) ضد الفائدة (البنك الحداثي) يصطف جمهور الإسلام السياسي خلف المرابحة، على الرغم من أنها ليست ضمن قواميس القروض سواء في منظومة الشريعة أم في منظومة الحداثة. يكفي العثور على العبارة المناسبة حتى تنطلي الحيلة على الذات. وفي حقل النوايا متسع لخداع النفس قبل خداع الغير.
ويؤكد ناشيد أن معظم الحجج الفقهية والنظرية لم تكن مقنعة طالما كان يعوزها الحد الأدنى من الوضوح والانسجام، إلا أن الضغط الذي تعرض له الإسلام السياسي بسبب عنف أطيافه الجهادية قد جعل الأتباع يتقبّلون خيار التمييز بين الدعوي والسياسي، وذلك بعد إفراغ محاولة التمييز من أيّ محتوى فكري.
ويتساءل ناشيد؛ أَيمكن لابن تيمية وسيد قطب (ابن تيمية هو الجذع المشترك القديم وسيد قطب هو الجذع المشترك الحديث لأطياف الإسلام السياسي كافةً) أن يشكّلا فرصة لإنتاج إسلام سياسي حداثي ديمقراطي ينتمي إلى روح العصر، أم أنّ الأمر يتعلق بمجرد رهان مفلس؟
لسنا ننكر أنّ العقول تتغيّر، وأنّ الأذهان تتغيّر، وأنّ الوعي يتغيّر، وأن لا شيء ثابتا، فالتغيّر سنّة الحياة. لكن هناك قاعدة مكملة: من لا يتغيّر يموت، ومن غير المعقول أن نتصور أنّ كل الأيديولوجيات تستطيع أن تتغير. والمشكل الباقي أنّ بعض الأفكار تحتاج إلى الموت الرحيم.
ويضيف “فعلاً، لقد سبق للخارجية الأميركية، ومعها معظم الدّوائر الغربية، أن راهنت على الإسلام السياسي قبل ما كان يسمى الربيع العربي وإبانه، وعلى منوالها سارت دول إقليمية محددة على رأسها قطر وتركيا، أملاً في تحقيق ثلاثة أهداف إستراتيجية كانت تبدو حينها رهاناً ممكنا:
أوّلاً: ضمان قدر من الاستقرار: حيث كانت حركات الإسلام السياسي، على رأسها الهيئات الدّولية الممثلة للإخوان المسلمين، تبدو كأنّها الأقدر على إعادة ضبط الأمن والاستقرار داخل مجتمعات ما بعد الثورات، ولاسيما أن الأمر يتعلق بثورات أطلقها الشباب في الشارع بأسلوب عفوي، وباستعمال آليات التواصل الاجتماعي.
لكن بعد إجهاض الثورات وعقب السّقوط المدوي للإخوان المسلمين بين أحضان التغول الجهادي والتكفيري -بصرف النظر عن “مظلوميتهم”- أصبح الاستمرار في الرهان نفسه يفتقد إلى الحد الأدنى من المعقولية.
والواقع أنّ الإسلام السياسي “المعتدل” هو الذي أوجد قواعد اللعبة التي منحت الامتياز لغلاة الانغلاق (الحاكمية، الخلافة، التدافع، التمكين، القوامة، الاستكبار… إلخ).
تلك المفاهيم الفقهية كانت ذخيرته في سنوات الصراع ضد العلمانيين والشيوعيين والليبراليين والحداثيين، وهي ذخيرة لا تصلح اليوم في مجابهة المتشددين التقليديين، بل لعلها تمنحهم الامتياز والتفوق في الحساب الأخير.
لقد قام الإسلام السياسي على أساس تسييس الدين، ما يعني تبذير الإرث الروحي للشعوب المسلمة في معارك الصراع على السلطة. إنّ نجاح الإسلام السياسي في تدمير البعد الروحي للدين ليعني أن خرابا روحيا ينتظر شعوبنا في الأفق القريب؛ إنّه خطر العدمية الشاملة بلغة أخرى. ويتساءل ناشيد: هل نجح الإسلاميون المعتدلون في الحد من مظاهر العنف الديني؟
 لا تضم مرجعية الإخوان المسلمين اليوم أيّ مُنظر إسلامي من حجم علي شريعتي ومالك بن نبي، ولا أيّ مفكر إسلامي من حجم محمد أركون ومحمد عابد الجابري، ولا أيّ مصلح ديني من طينة محمد إقبال وعبدالكريم شروس؛ ذلك أنّهم لا يستلهمون من تراث الإسلام سوى بعض فتاوى ابن تيمية، وبعض أخبار الصحابة، وشيء من أساطير الأولين، أمّا أدمغة التراث الإسلامي ذات الأثر الإنساني الكبير، من قبيل ابن سينا وابن رشد وابن عربي وصدر الدين الشيرازي، فتكفيها الرحمة أحياناً إن هي ذُكرت.
*

 الحيل الفقهية لايمن الجندي
السبت 29-06-2019 00:39

لم أستطع فك الشهادة (لعدم مرور ستة شهور على بدئها كعادة هذه الشهادات) فعرض عليّ البنك أن يعطينى ما أريد بفائدة ١٤٪ والطريف أنها كانت ٩٪ فى البنوك العادية. سألته مستغربا: أليس هذا هو الربا المحرم؟ رد الرجل فى بساطة أذهلتنى: ليست ربا لأنها عندنا (مشاركة) لا (فوائد)! يا سلام! هكذا قلت فى نفسى، أبمجرد التلاعب فى الألفاظ صار الحرام حلالا!؟

 إذا أردت اقتراض مال قالوا إنهم سوف يشترون لك شحنة أرز، ثم يبيعوه فورا على الورق، وتقبض القرض! يقولون إنه أصبح هكذا حلالا

يقسمون اليمين ثم يتراجعون فيبحث المفتى الحريص على رضاء السلطان عن حيلة فقهية.

خذ على سبيل الفكاهة السوداء: الخليفة المنصور استحب جارية لدى أحد أصدقائه، فأخبره أنه أقسم ألا يبيعها ولا يهبها! فنادى السلطان الفقيه الهمام الذى احتال له بأنه لو باع له نصف الجارية ووهبها نصفها، فإنه بذلك يخرج من اليمين- على زعمه

 فتعطيه مالا على أن يرده بزيادة. هذا هو الربا الممقوت الذى توعد الله عز وجل مستحليه بحرب. أما التعامل مع البنوك فنوعية أخرى تماما. لا أنا أقرضه، وإنما هو وسيط يقوم بإنشاء مشروعات أو إقراض النقود لرجال أعمال بعد فحص مدقق لدراسات الجدوى. فلا مكان هنا لمحتاج يبغى قرضا يطعم منه عياله.

أنا نفسى لست واثقا من صحة ما أقول، خصوصا أن الوعيد بالنسبة للربا مرعب، فعلى الأقل عليك الابتعاد عن أخذ فوائد البنوك التى تسمى نفسها إسلامية لأن أحمد مثل الشيخ أحمد.

 ينشئ البنك الأهلى المصرى، باعتباره أكبر البنوك الوطنية وأجلبهم للثقة، فرعا للمعاملات الإسلامية، ولكن دون حيل أو تلاعب. دون أن يقرض مستثمرا، وإنما يشاركه فعلا. وجميعنا يعلم أن التجارة تحقق- بالفعل- أرباحا جيدة

++++++++++++++++
سعيد ناشيد: الإسلام السياسي دمر مفهوم الوطن بشعارات دينية جياشة

يرى المفكر المغربي سعيد ناشيد أنّ معضلة الإسلام السياسي تكمن في أنّه ساهم في تدمير مفهوم الوطن، بدعاوى تدغدغ العواطف الدينية الجياشة، معتبراً أنّ شعار "القرآن دستورنا"، كان لحظة الخطيئة الكبرى، التي أفضت إلى استكمال دائرة أدلجة الإسلام؛ حيث أصبح الإسلام مجرد أداة للتهييج الانفعالي

ففي ظلّ تمدّد مساحة الدين، التي أضحت تستولي على مواقع وقطاعات عديدة، في الحياة، وتعالي نبرة خطابها، تلاشت وتقلّصت مساحة المشترك الإنساني والكوني، تحت ألوية الصراعات الهوياتية والتجزئة الدينية

 عمد ناشيد؛ صاحب "دليل التدين العاقل"، في مؤلفاته، إلى قطع أشواط جريئة ضدّ العقل الأسطوري وإسلام النص، الذي يحول دون مقدرتنا على الوصول لصياغة حقيقية للإصلاح الديني، والانتقال للحداثة العلمية والسياسية، فإنّه لا يكفّ عن التفكير في كلّ المسلمات الموروثة، واقتفاء أثر الدين في حالته الأولى والبدائية، قبل أن يتحول إلى أداة سلطوية تصادر حقّ الإنسان في تعبيره الحرّ عن إيمانه.والارجاء 

ويتصدّى ناشيد إلى محاولات التطبيق القسري للدين واستدعائه، في عالم له شروطه التاريخية المختلفة وقوانينه ومؤسساته، ولم تعد تحكمه قيم الولاء والبراء والطاعة والغلبة، ولا يعترف بالسبايا، وما ملكت أيمانهم والجواري والإماء. فتحوّل "الخطاب القرآني من رسالة تعبدية تنطلق من جوارح المؤمن إلى وصايا أبدية تعطل الإبداع، وتشلّ الإرادة، وحوّلوا القرآن إلى عائق من عوائق التحديث"، كما يؤكد ناشيد في حواره مع "حفريات".

تتنامى ظاهرة التشدّد الديني، الأصولي والسلفي والجهادي، بصورة تتخطى التصورات النمطية التي كانت تفسر الأمر كرد فعل على الفقر والتهميش، كيف ترى الأمر في صورته الكلية بناء على المعطيات والأمثلة الراهنة؟

دعنا نعترف، ابتداء، بأننا ننتمي إلى حضارة مهزومة، في كلّ تفاصيلها (من الشارع إلى الإدارة، والمدرسة، والأسرة، ...إلخ)، وبأن شعوبنا تعاني من وطأة الشعور بالهزيمة الحضارية، وهذا الشّعور قد بدأ يتحول، مؤخراً، إلى عصاب وسواسي جماعي، يفرز ردود فعل عبثية، مجانية ولا عقلانية. يتعلّق الأمر بحالة مرضية تجعل المسلمين يتوجّسون من كلّ شيء، يعدّون أيّ شيء مؤامرة على الإسلام، أو كما جاء في الذكر الحكيم: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}، وللأسف، لا نستطيع أن ننكر الفرح، الذي يظهره عدد من المسلمين بالهجمات الإرهابية في الغرب، وهو دليل على أنّ الشعور بالهزيمة قد أمسى حالة مرضية مزمنة.

في واقع الأمر، ليست الهزيمة العسكرية هي المشكلة؛ فلقد انهزمت اليابان وانهزمت ألمانيا أيضاً، في الحرب العالمية الثانية، ولم تمنعهما الهزيمة من معاودة النهوض، دون صراخ أو عويل، ورغم ذلك؛ فقد كان حجم العدوان الذي واجهته اليابان، لا مثيل له، في تاريخ البشرية؛ حيث تعرّضت لإلقاء القنابل الذرية على هيروشيما وناكازاكي، لكنّ المشكلة عندنا نحن بالذات، تكمن في أنّ الشعور بالهزيمة صادف شعوراً ثقافياً بالعجز والشلل والاتكال، سواء في الأبعاد الغيبية، أو في الأبعاد الاجتماعية، وليس يخفى أنّ من طبائع العاجز، أن يحمّل مسؤولية عجزه للآخرين دائماً السماء، السلطة، الغرب، ...إلخ

الدّاء فينا، والإنكار داء آخر، وطالما أنّ الخطاب الديني هو الأكثر تأثيراً على شعوبنا، فمن الطبيعي أن يكون الخلل كامناً في طريقة بناء الخطاب الديني، التي تكرّس العجز الإنساني والشلل الحضاري. يكفي أن نتفحّص القيم التي يكرّسها الخطاب الديني لدى أطفالنا (الله سيعذبك إن فعلت كذا، الله من يرزقك إن أطعته، يكفي أن يرضى عنك أبواك، خاصة أمك، أمّا رضاك عن نفسك فلا يهم)، لذلك أقول أيضاً: لا يجب أن يقتصر النقد على الإسلام السياسي حصراً، بل يجب أن يطال البيئة الثقافية والأخلاقية المنتجة لقيم العجز وثقافة التخلف.

الاستخدام النفعي للدين
هل الاستخدام النفعي والوظيفي للدين في السياسة، سواء من جانب الأنظمة أو الجماعات الدينية، ساهم في خلق شرعية لتحويل النص الديني إلى أيدولوجيا انبثق عنها العنف والتكفير؟
 نميز ابتداءً، وقبل الإجابة، بين الاستغلال السياسي للدين، والاستعمال الأيديولوجي له. الاستغلال السياسي للدين هو ما تقوم به الغالبية العظمى، من الدول والزعامات في العالم الإسلامي؛ بل قد تستعمله حتى بعض الزعامات في الغرب أحياناً. لا ننسى أنّ الرئيس الأمريكي الأسبق جورج والكر بوش قد استعمل الخطاب الديني، بغية تبرير العديد من قراراته التي يصعب تبريرها بالعقل. أمّا الاستعمال الأيديولوجي للدين فهو ينطلق من اعتبار الدين مرجعاً شمولياً لكلّ المشكلات والمسائل، ويجب أن تخضع له كافة مؤسسات الدولة، مثلما هو الحال اليوم في إيران، على سبيل المثال.
تحويل النص إلى أيديولوجيا، بمعنى أدلجة الدين، هو سيرورة تاريخية طويلة الأمد، انطلقت منذ لحظة التحكيم ورفع المصاحف على السيوف، إبّان الصراع بين علي ومعاوية، وقد أكملها الإسلام السياسي، في القرن العشرين، بعبارة "القرآن دستورنا".
المفارقة؛ أنّ الذين يرفعون اليوم شعار "القرآن دستورنا"، هم أنفسهم من يفتخرون جهاراً نهاراً، بأنّ صحيفة "المدينة" هي دستور دولة الرّسول، وهي أول دستور لدولة المسلمين. فهل يُعقل أن تسمّى صحيفة "المدينة" دستوراً، فيما لو كان الدستور هو القرآن، أم ثمة إمكانية لأكثر من دستور واحد؟!
قديماً، عندما أرسل علي بن أبي طالب ابن مسعود لمحاورة الخوارج، أوصاه بالقول: "لا تجادلهم بالقرآن فإنك تقول فيقولون"، ذلك أنّ من خصائص القرآن أنّه "حمّال أوجه"؛ لذلك فإنّ اعتماد الخطاب القرآني مرجعاً جامعاً، لم يساهم في درء الفتنة بأية حال، وقد نجح عثمان بن عفان في تجميع القرآن ضمن نصّ واحد، جامع وموحَّد، إلّا أنّ وحدة النص، لم تحل دون تفرّق المسلمين واقتتالهم، حول مفاهيم نصّ سيظلّ "حمَّال أوجه" في الأخير.
كيف ترى تلك الإشكالية التي رافقت الدولة الحديثة، في المنطقة العربية، وتأسيس أنظمة الحكم في فترة ما بعد الاستقلال، حيث عمدت إلى احتواء وتأميم المجال الديني، عبر مصادرة أدواته وحشد رأسماله الرمزي، بغية شرعنة سياساتها وتبرير إجراءاتها المختلفة وانحيازاتها المتفاوتة؟
ثمة معطى لا يجب أن ننساه، لقد صادف بناء دولة ما بعد الاستقلال، مناخ الحرب الباردة، وأثناء ذلك لجأ العالم الرأسمالي، بزعامة أمريكا، إلى سلاح الدين، في مواجهة "الإلحاد" الماركسي الستاليني.
لقد بدأ الانتباه إلى سلاح الدين، منذ فترة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، التي صادفت أيضاً، اندلاع الجهاد الأفغاني وقيام الثورة الإيرانية، علماً – للتذكير أيضاً- بأنّ الثورة الإيرانية قد أوحت في بدايتها بأنّها قد تقدّم نموذجاً لدولة دينية وديمقراطية في الآن نفسه، على الطريقة "الإسرائيلية" طبعاً، ولا ننسى كذلك أنّ بناء أنظمة دينية وديمقراطية، وفق نموذج إسرائيل، هو مطلب المحافظين الجدد، حلفاء جورج والكر بوش.
والهدف، كما لا يخفى، أن يكون الشرق الأوسط متناغماً مع النموذج الإسرائيلي: دول دينية طائفية مذهبية بالفعل، لكنّها ديمقراطية أيضاً، بمعنى فيها انتخابات غير مطعون في نزاهتها.
لماذا لم يتحرّر العقل العربي من التفكير البدائي، ويتجاوز المرحلة اللاهوتية، لو استعرنا تعريف أوغست كونت للمراحل التاريخية التي تمرّ بها البشرية، وتنتهي عند المرحلة الوضعية العلمية، وأدوات التحليل النقدي؟
شخصياً، لا أراهن على أن تتخطى البشرية المرحلة اللاهوتية، وفق الرؤية الوضعية، لأوجست كونت؛ بل أراهن على تحوّلات جذرية في حقل الروحانيات والتدين، وفي المستوى العالمي كذلك.
وبكلّ بساطة، لا يمكن تخطّي المرحلة الدينية ما لم تنجح البشرية في القضاء على الموت، على أقل تقدير، فبوجود الموت ستظل البشرية في حاجة إلى نوع من العزاء. صحيح أنّ ثمة ما يسمّى "موت الفلاسفة"، وهو الأسلوب الذي تحدّث عنه جاك ديريدا، في آخر حواراته، لا بل سبق أن تحدّث عنه سينيكا وشيشرون ومونتين، الذي يتعلّق بكيفية تقبّل الفناء كقدر أخير، بكامل الرضا، وبدون عزاء بالضرورة، لكن الناس ليسوا جميعاً فلاسفة، وليسوا جميعاً حكماء.
وفي كل الأحوال، فأنا أميّز بين الخروج عن الدين، الذي هو شأن شخصي، والخروج من الدين، الذي هو صيرورة تاريخية طويلة الأمد.
غير أنّني أظنّ، في المقابل، أنّنا نعيش انتكاسة ليس فقط نحو الاستعمال الأيديولوجي للدين، إنّما نحو الاستعمال السحري للدين. يكفي أن ننظر من حولنا إلى تكاثر مراكز الرقية الشرعية، واستعمال القرآن في العلاج الطبي، وبرامج الإعجاز العلمي التي هي مجرّد عجز علمي، وليست إعجازاً، حتى نتأكد من حجم الانتكاسة إلى أنماط التدين البدائي.
ما هي الشروط المؤدية إلى ذلك الانسداد التاريخي في المجتمعات العربية والإسلامية والمتسببة في انتصار متزايد لأصحاب نظرية الحق الإلهي، واغتيال العقل في الإسلام، منذ هزيمة المعتزلة وتأبيد واقع ونمط ديني محدَّد ومغلق؟
كان الانقلاب المتوكّلي لحظة حاسمة ضمن مسلسل هزيمة العقل، وتغييبه بدعوى شعار يقول: "لا اجتهاد مع النصّ"، وهو الشعار الذي سرعان ما أصبح يعني "لا اجتهاد في النص" أيضاً.
والمفارقة؛ أنّ النص الديني نفسه هو ثمرة اجتهاد المسلمين عقب وفاة الرسول، من حيث الجمع والترتيب والتبويب والتدوين، سواء تعلّق الأمر بالمصحف أو الصحاح، بيد أنّ المعضلة الكبرى تكمن في أنّ مركز ثقل النصّ، قد انتقل من الخطاب القرآني، إلى الخطاب الحديثي.
ولقد صار كلام الرسول، في آخر المطاف، أهم من كلام الله، لا سيما بعد أن انتهى الأمر إلى الإقرار بأنّ "السنة قاضية على القرآن"، كما ردّد الإمام ابن حنبل، وبهذا المعنى، وبصريح العبارة؛ فإنّ الذي سيعطّل العقل ليس النصّ القرآني، إنّما هو النص الحديثي، مضاف إليه النص الصحابي، والنص التابعي، وصولاً إلى شيوخ الفضائيات اليوم.
بخصوص شعار "القرآن دستورنا"
لقد تحوّل النص الديني، في لغته الحسية والتصويرية والمجازية، إلى قوانين ونصوص دستورية ونظريات علمية، يجري توظيفها البراغماتي لبناء المشروعية السياسية.. لماذا تخفق مشروعات التحديث في تصفية ذلك الاتحاد بين السلطتين؛ الدينية والسياسية؟
أعتقد أنّ شعار "القرآن دستورنا"، كان لحظة الخطيئة الكبرى، التي أفضت إلى استكمال دائرة أدلجة الإسلام؛ حيث أصبح الإسلام، لدى بعض الناس، مجرد أداة للتهييج الانفعالي، والمزايدة الغوغائية، طلباً للسلطة أو الغنيمة. لا بأس أن نذكر، مرة أخرى، أنّ القرآن ليس دستوراً؛ لأنّه لم يصف نفسه بأنه دستور، ولأنّ آياته حمّالة أوجه، وفيها محكمات ومتشابهات، وناسخات ومنسوخات..إلخ.
وليس هكذا يكون الدستور، الأدهى من ذلك؛ أنّ الدسترة سوف لن تقتصر على النصّ القرآني حصراً، إنّما ستشمل مدوّنة الحديث بعد تضخّمها، فضلاً عن المتن الصحابي والتابعي، فقد تحوّل النص الديني إلى سلطة ضدّ العقل، والإبداع، وحرية الإنسان، ويكفي أن نسمع في خطب الجمعة نصاً دينياً منسوباً إلى الرسول، يتردد أمام مسامع المؤمنين، ويقول: "كلّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، حتى ندرك أنّنا، باسم النص، نقتل روح الإبداع. وهل تكون الحداثة شيئاً آخر غير القدرة على الإبداع؟!
كيف تصف ذلك المشهد الذي أضحى فيه المصحف بين منزلتين؛ إما وسيلة للحكم والقتل أو أيقونة مقدسة للزينة والتبرك؟
حال القرآن، الآن، محصور بين مآلين: الاستعمال الأيديولوجي في إطار الصراع على السلطة، وهو ما قلت في سؤالك إنّه "وسيلة للحكم". والاستعمال السحري في إطار الرؤية السحرية للعالم، وهو ما قلت في سؤالك إنّه "أيقونة للتبرّك"، أمّا مسألة الزينة، فهي، في وجهة نظري، تبقى إيجابية لو تحرّرت من الاستعمال الإيديولوجي، والاستعمال السحري.
يتعلّق الأمر، في كل الأحوال، بخضوع النص القرآني للأدلجة والأسطرة، أولاً: أدلجة النص القرآني من حيث عدّه مرجعاً شمولياً لكلّ شيء، الدولة والسياسة والاقتصاد والجنس، ...إلخ. وثانياً: أسطرة النص القرآني، من حيث عدّه مفتاحاً سحرياً لكلّ المسائل والمشكلات، من أسواق المال إلى طبّ العيون، ومن الملاحة الجوية إلى أسعار الجبن، وكل هذا مجرّد عبث بالدين.
تواجه مجتمعاتنا، بعد الربيع العربي، ولادة تيارات دينية تقود ما يمكن تسميته بدويلات طائفية، وتستولي على مساحات جغرافية تهدد وحدة الدولة الوطنية، وفي المقابل؛ أصبح لكلّ فئة وكتلة اجتماعية وسياسية، مذهباً له مجالسه العلمية ودور الإفتاء التي تضمن له الشرعية وتكفير خصومه ومنافسيه... كيف ترى مآلات ذلك المشهد ومسبّباته الواقعية؟
يمكننا القول: إنّ الخطر الذي ينتظرنا، يتّصف بالتركيب والتعقيد، فثمّة توجّه عامّ نحو التفكّك والتفتت، في إطار طغيان نوعين من الولاءات: أولاً؛ الولاءات الدينية المحلية (الإمارات الصغرى)، من قبيل تلك المحاولات التي راهنت على تشكيل إمارات، في تومبوكتو أو سيناء أو غرداية، ...إلخ. وثانياً: الولاءات الدينية العابرة للأوطان، والموسومة بالاحتلال والحنين إلى عصر التوسعات الإمبراطورية.
وهنا نلاحظ كيف يحاول السلطان "أردوغان" العثماني، استثمار ولاء فصائل الإسلام السياسي لأجل إعلان عودة الخلافة، وهو يقصد الخلافة العثمانية تحديداً، التي هي، باختصار، الفترة الأكثر غزواً، والأقل إبداعاً، في تاريخ الحضارة الإسلامية. لكن مقابل ذلك؛ ثمّة مشروع مذهبي منافس، يقوم على أساس ولاية الفقيه الإيرانية، وتدعمه إيران هذه المرّة.
وبالنسبة إلى الشرق الأوسط، يتعلق الأمر بولاءات طائفية واستعمارية، سواء كانت عابرة للأوطان، أو دون الأوطان، لكنّها ستشعل مزيداً من الفتن وتدمّر البقية الباقية، من مفهوم الوطن.
والواقع، أنّ الوطن هو خطّ الرجعة الأخير، قبل اشتعال الفتنة التي ستحرق اليابس والأخضر. وهذا تحذيرنا الأخير.
* May 30, 2021

الدرس نفسه ننساه لكنه لا ينسانا.. ماذا بعد الخروج من الاستبداد


المهمة الأكثر ثورية في التاريخ أن نعلم الناس كيف يفكرون


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق