Feb 6, 2020 Dec 12, 2021 May 17, 2022
بداية القرن العشرين ب “أزمة ألإنسان المعاصر”, وكان الفلاسفة الوجوديون تحديدا هم أكثرهم شعورا وإدراكا بفداحة المأساة التى يعيشها انسان هذا العصر,
على الرغم من الجهد النقدى المبذول تجاه الحضارة العلمية الحديثة ومثالب التقدم التكنولوجي وآثاره على الحياة الإنسانية, ورغم حرص الفلسفة الوجودية وإصرارها على جعل الإنسان هو “الحاضر الأبدى” فى كل تفلسف,
“موت الإنسان”, هذا القول الذي فسره بعض المفكرين “أن موت الإنسان ليس مجرد تعبير عن أيديولوجية تحرص على دقة المقال العلمى وإنما هو تعبير أيديولوجى عن نزوع الإنسان المعاصر نحو التخلي عن النشاط الفعلى فى مجتمع تكنوقراطى أصبح يخطط له كل شئ”.
وكان من الطبيعى أن يتبع “موت الأنسان”..“موت التاريخ”.. وتوقف الجدل وإعلان “موت الفلسفة”.. وهكذا بدأ القرن الواحد والعشرون ليس فيه غير “موات” لنبدأ مرحلة جديدة على حد تعبير البعض “موت ماهو حى وحياة ماهو ميت”.
عندما سألوا مفكرا المانيا كان مصاحبا ل “جى ديبور” كيف يشخص المجتمع الحالى قال “نحن نعيش فى عصر الاستعراض … كل شخص يود أن يصير بطلا, الكل يريد أن يستعرض ما يعرفه ليحقق به شهرة ونجاحا …. هكذا نتكلم ولا نعرف من يسمعنا, نكتب ولا نعرف إذا كان ثمة من يقرأ, كى يكون هناك استعراض لابد أن يكون هناك متفرجون وهكذا .. فإن كل هؤلاء المولعين بعرض أنفسهم ليخلقوا استعراضا ما, إنما يعتمدون على فرضية متخيلة أن ثمة أحد هناك ” ورأيه أن “جى ديبور” وهو المحلل الألمع لثقافة الاستعراض كان المتفرج اليقظ الوحيد ولكنه للأسف.. انتحر .
قبل أن تفيق الشعوب وتعبر مرحلة الأبطال إلى مرحلة البشر نجحت الإيديلوجية المنتصرة الممثلة فى النيوليبرالية أن تستثمر (مكر التاريخ) لنبدأ عصر (مكر العولمة) فليصبح كل إنسان بطلا فى أحلامه ولتقتل الأحلام الفردية بمحض ذاتها كل حلم وليد بالالتقاء.
وهكذا ساقنا ( الاغتراب عن الذات) الذي هو اغتراب عن ذواتنا كبشر بعد أن تسلح بالقوة الناعمة لأجهزة إدارة العقول الممثلة في وسائل الاتصال والإعلام لنسقط بإرادتنا في فخ العولمة, من الاغتراب إلى الاستعراض, من الإنسان المقهور إلى الإنسان المهدور.
دراسة مفهوم الإستعراض يمثل توسيع لمجال دراسة (الإغتراب الإنساني)
من “روسو”, و“فيورباخ”, و“ماركس”, وصولا إلى الفكر الوجودى, امتدادا إلى أصحاب “النظرية النقدية” مثل “هربرت ماركيوز” و“ايريك فروم” وأدورنو“ و”هابرماس“ المنظرين لحركات اليسار الجديد المناهض للعولمة,
استشراف أزمة الإنسان المعاصر فى عالم” النيوليبرالية الجديدة“ والذي وصفه الباحثون ب”مجتمع الاستعراض“, بهدف تفقد ملامح الأفق الجديد للصراع وآلياته لدى من تابعوا التقاط الأثر وكانوا أكثر قربا و معاصرة من إنسان القرن الواحد والعشرين. وتنحاز هذه الدراسة لرأي البعض فى أن كل من” الماركسية “ والوجودية ”أسيء فهمهما وتم توظيف مفاهيم وإهمال أخرى بطريقة تسمح برسم “أفق زائف” للصراع بين “الفردية والجماعية” وكأنهما قطبان متعارضان لا يمكن لهما أن يلتقيا, مما ساهم فى تعميق الاغتراب الإنسانى وصولا الى أزمته المعاصرة, بتعبير “شاخت” أن عوامل تشكيل الاغتراب تكمن فى قوى غريبة تتحكم بمصير المرء وتزيف تطلعاته الاصلية وتسلب إنسانيته, وتنزع منه مقومات وجوده ليكون فى النهاية “انسانا اعتباطيا” يكتنفه الاغتراب وفقدان التوازن , مؤكدا أن الاغتراب الراهن سبيل إلى ترد يشمل كل مظاهر الحياة.
وفى ظل المتغيرات المذهلة والسريعة التى تسبب كل صنوف القلق وانفصام الذات أصبح “التكيف الانقيادي ” هو معيارالصحه النفسيه فى حين “أن من يبلغ حد الكمال فى التأقلم ينسى فقدانه لنفسه”, حتى أصبح “الفراغ الوجودى” يمثل الجانب الأساسى للعصاب فى زماننا وأصبحت الحضارة الغربية تمدنا بوسائل لا تنتهى لتحديد الذات فى إطار تطلق عليه “كارن هورنى” “الحياه السطحية” وما ينشأ عنها من تخل عن حاجات عريقة والاستعاضة عنها بحاجات زائفة ورغبة محمومة من أجل التملك .
يلفت النظر وصف سارتر للوجود الانسانى ب“الورطة: ”فمتى يستشعر الانسان هذه الورطة؟ ولماذا هى ورطة؟ وماذاهو فاعل بها؟ ليس من مهمة المفكر تقديم الإجابات الجاهزة وإنما فقط مهمته إضاءة ماهو محتجب كشرط أولى للممارسة الحقيقية.
*
أفراد افتراضيون يدمنون الاستعراض بحثا عن الاعتراف
تفاعلات الـ"لايك" على فيسبوك قد تنقذ الفرد من شعور الإهانة والإساءة والإذلال.
أدب يكتبه أو فن يبدعه أو رأي فكري أو بضاعة ما، ولآخرين استعراض أكثر سطحية للجسد ولأشياء أخرى تحقق المتابعة، كل هؤلاء يبحثون عن الاعتراف الذي لا يجدونه في الواقع، لكن البحث عن الاعتراف يتحول إلى حالة يومية فيما يشبه الإدمان.
مجتمع افتراضي مرقمن أضحى يمثل بدوره بديلا عن المجتمع الواقعي، وإن كانت واقعيتنا بل وعقلانيتنا في بعض الأحيان، ترفض رفضا مطلقا إمكانية إحلال الافتراضي محل الواقعي،
الدافع بل والحافز على الاستعراض في تصوّرنا هو الحاجة النفسية والاجتماعية إلى تحقيق الاعتراف الاجتماعي، تلك الحاجة نفسها التي تبعث على التشيؤ. فبعدما كان التشيؤ نسيانا للاعتراف مع الفيلسوف الاجتماعي أكسيل هونيث، غدا السعي إلى الاعتراف في ظل هذه التحولات يبعث على التشيؤ.
حاجة نفسية واجتماعية تخول للأفراد أن يتحولوا إلى ذوات وأفراد مستقلين.
ننظر للسلوكيات الغربية (كالعلاقات الجنسية الرضائية خارج إطار الزواج، شرب الرجل والمرأة الخمر، المثلية الجنسية، التعري في اللباس بالنسبة للمرأة… وغيرها) بعيون عربية مسلمة لا تعير أيّ اهتمام للفروقات بين السياقات الثقافية، باعتبارها سلوكيات مخالفة ومعارضة لما هو سائد ومقبول ومباح دينيا وأخلاقيا واجتماعيا، حيث ينبغي على كل قول أو فعل أو سلوك، أن يكون متّفقا مع ما يوحي به الشرع والدين وما يقرّه المجتمع، وإذا جاء معارضا لمنظومة الأحكام الشرعية الدينية، وللنظم القيمية للمجتمع، يعتبر كفرا وعصيانا لأوامر الله وضربا من ضروب التمرد على القانون الاجتماعي العام الذي سرعان ما يصير مرجعا أخلاقيا لحياة الأفراد داخل المجتمع؛ لأن الديني نجده منصهرا داخل المنوال الثقافي للمجتمعات العربية، ومرتبطا بتصوّراتها عن الدين وعن المجتمع نفسه. وهو ما يحيل عليه المؤرخ المغربي” أحمد الناصري بقوله إن “هذه الحرية التي أحدثها الفرنج في هذه السنين هي من وضع الزنادقة قطعا لأنها تستلزم إسقاط حقوق الله وحقوق الوالدين وحقوق الإنسانية رأسا… وأعلم أن الحرية الشرعية هي التي ذكرها الله في كتابه وبينها رسول الله لأمته وحررها الفقهاء في باب الحجر من كتبهم”.
السعي جاهدا وراء تلك الشحنات الانفعالية الايجابية التي تجود بها مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات اليوتيوب والتي تعطي بكرم وسخاء من الجيمات واللايكات والآدوغات والتعليقات المستغرقة في المجاملة ما لا يقدر المرء التكرم به على أخيه العربي على مستوى الواقع، شحنات تحمل في طياتها معاني مستحدثة للاعتراف. فأن تحصد صورتك الشخصية عددا مهما من التعليقات والتفاعلات وإن كانت تفاعلات رمزية، فإنّ شحنتها العاطفية والإيجابية قد تتجاوز مستوى الرمزي لتشبع تلك الحاجة النفسية والاجتماعية الملحة التي ترفع من شعور الذات بالثقة والتميز فَيُزاح عنها شعور الإهانة والاساءة والاذلال باعتبارها أشكال من الاحتقار أو عدم الاعتراف.
إذا كان قارئا نهما، استعرض بحصيلة قراءته في السنة بعدد لا يحصى من الكتب، وإذا كان فنانا يستعرض بفنه وبموهبته، وإذا كان بائعا أو تاجرا استعرض ببضاعته وبجودة سلعته… والأمثلة كثيرة. أما عندما يغيب هذا النمط الرأسمالي، يحضر رأسمال آخر، “رأسمال لَحْمي” وآخر “عَضَلي”: أما الأول فيتحدد في الكشف عن جغرافية الجسد وخيراته عند الإناث، وأما الثاني فيتجلى في التباهي بعضلات الجسد البرانية عند الذكور، ذلك كله بغية تحقيق اعتراف متبادل من خلال التعليقات والتفاعلات البينذاتية الافتراضية.
ما الصراع والقلق إلا مظهرا من مظاهر الاساءة والإذلال والإهانة والاحتقار الذي لا يعدو أن يكون إلا شكلا من أشكال عدم الاعتراف على حد تعبير أكسيل هونيث.
في حين اليوم أصبحنا نرى قنوات اليوتيوب بيوتا للأسرار المكشوفة في سبيل تحقيق الفرجة، فلم يعد التلصص في سياق هذا التحول الاجتماعي فعلا مرفوضا – قلب على مستوى القيم – وإنما أصبح فعلا مطلوبا لضرورة الاعتراف باسم «follow me» ليصلك أيّ جديد، ولا تنس أن تفعل جرس التلصص، وقم بمشاركة محتوى القناة مع دائرة معارفك وأصدقائك حتى يعم الاعتراف. إن التلصص بهذا المعنى أصبح مطلبا ملحا لتحقيق التقدير الاجتماعي من خلال “التضامن” الذي يعتبره هونيث نموذجا معياريا للاعتراف،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق