Jan 15, 2021
في ثلاثينات القرن العشرين كان صدور كتاب “في الشعر الجاهلي” لعميد الأدب العربي طه حسين، بمثابة زوبعة خلخلت كل الثوابت في الساحة الثقافية العربية، حيث قدم نقدا جريئا للأدب العربي القديم، قوبل بمعارضة شديدة وصلت إلى حد سحب الكتاب، وفصله من الجامعة كرئيس لكلية الآداب. هذا الجدل لم يتوقف مع أبرز أدباء العرب في القرن العشرين، بل استمر مع مواقفه الدينية، التي بلور أهمها في كتاب مجهول له لم ينشر سابقا حاول فيه تفسير القرآن.
كتاب لم ينشر لعميد الأدب العربي طه حسين، وهو كتاب “دنيا القرآن”، الذي اكتشف أخيرا لدى أسرته، ويمثل تفسيرا موضوعيا للقرآن الكريم، بدأه طه حسين ـ وفقا لعزب ـ بمحاضرة سنة 1943 في جمعية الشبان المسلمين في الإسكندرية، ثم وعد بأن يعدّ تفسيرا للقرآن.
هل كان يمثل الرجل المحافظ الذي له ولاؤه للتراث العربي الإسلامي، أم أنه من رجالات الاستشراق وتلامذتهم، وكان مرتميا في أحضان حضارة الغرب متشككا في ثوابت دينه، ومصطدما برجال الدين في الأزهر الشريف؟ مقرّا بأن طه حسين في حقيقة الأمر لم يكن هذا ولا ذاك، إذ كان يعبر عن ذاته ومواقفه وعن رؤيته للإصلاح داخل المؤسسة الأزهرية وإصلاح بلده في ذات الوقت، لذا لم يكن ناقدا للأزهر فقط، ولكنه كان ناقدا للجميع، وكان نقده في عنفوان شبابه نقدا حادا، وحينما رسخ وثبت وتمكن من أدواته بدأ يقدم إنتاجا فكريا أكثر عمقا ودلالة من ذي قبل
فهو يقول في الكتاب: وليعلم من أصابهم الوهن من قادة المسلمين أن الإسلام يرتقي الآن من جديد هضبة الصعود نحو القمة، كما هو حقه الذي ظهرت دلائله وسطعت براهينه وطال انتظاره، والويل لمن وقف منهم في سبيل هذا الصعود واعترض هذا المحتوى المحتوم، وحذري لم يقترف هذا الإثم العظيم من وبال يوم مقسم”.
إن موقفه من الأزهر الشريف أنه قلعة للعلم والعلماء والتراث العربي الإسلامي، ولكنه كان ضد المدرسة التقليدية التلقينية، وكان مع تجديد الفكر وإدخال التحديث في الأزهر، وهو ما حدث لاحقا، كان في تلك الفترة يرتبط ارتباطات وطيدة مع عدد من علماء الأزهر ومشايخه ومنهم الشيخ المراغي الذي تبادل معه الرسائل وغيره”.
*
تهمة الإساءة إلى الدين الإسلامي ونشره كتابا يتضمن “خرافات وتكذيبا للكتب السماوية”. إنه طه حسين الأزهري الدرعمي والسوربوني “سارق النار” والمبصر الوحيد في “جوقة العميان”. أما كتابه فهو “في الشعر الجاهلي”، الكتاب الذي أربك الدارسين وقلب الموازين.
طه حسين كان نموذجا للمثقف الموسوعي والملم بالمفهوم الجاحظي للكلمة، فالمتتبع لجميع مؤلفاته يكتشف أنه كتب في كل شيء، نقدا وتاريخا وتحليلا وتوثيقا، ودراسات استشرافية مذهلة أهمها “مستقبل الثقافة في مصر”، الكتاب الذي سبق عصره.
وفي كل ما كتب لم يحد طه حسين عن منهجه العلمي وسلوكه الليبرالي حتى في المرحلة الناصرية التي غلب عليها طابع الأدلجة والتجييش. يكفي أن تتطلع على كتاب “في الشعر الجاهلي” حتى تكتشف أن طه حسين لا يأخذ بالمسلّمات، ولا يستقر عند يقين في نظر المجموعة.. إنه مختلف، ويتفوق على نفسه في كل ما كتبه. فعلى صعيد الإبداع الأدبي ما زالت قصصه ورواياته تنشر مثل “دعاء الكروان” و”المعذبون في الأرض” و”صوت باريس”، حتى أن نجيب محفوظ اعترف قبل وفاته أنه قد استلهم فكرة ثلاثيته من قصة طه حسين “شجرة البؤس”. ولا ننسى هنا سيرته “الأيام” التي تعد فتحا غير مسبوق في السيرة الذاتية العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق