السبت، 6 مارس 2021

الشر الأهون ********

 هل يجوز للمرء أن يعمل شراً، لكى يجلب خيراً؟ هل يجوز أن «نلطخ أيدينا» بإثمٍ بهدف تجنب أثمٍ أكبر؟

عبر رحلة الحياة لا نختار فيها بين الخير والشر، بل بين شرين. وقد روى عن عمرو بن العاص قوله: «ليس العاقل الذى يعرف الخير من الشر، بل الذى يعرف خير الشرين»! ولو كان الأمر رهناً بالاختيار بين الخير والشر لهان، ولكن الحياة ليست بهذه البساطة!

 السياسى قد يجد نفسه مضطراً للإضرار بالبعض (وهذا شر)، من أجل مصلحة أعداد أكبر (وهذا خير). وفى كل يوم تقريباً يرتكب السياسى الخير والشر معاً!

مكيافيلى أول من عبّر عن هذه المعضلة بوضوح فى كتاب «الأمير».  فهو رأى أن السياسة مجال خاص، ولا يجوز أن نحاسب السياسى بذات المعيار الأخلاقى الذى نضعه للبشر. ذلك أن السياسة تتعلق بمصالح الدولة، وبحياة ورفاهة أعداد كبيرة من البشر. وخطورة هذا المنطق لا تخفى، إذ ثمة مجال لاستغلال هذه «الرخصة» من قبل سياسيين منعدمى الضمير لتبرير أفعال منعدمة الأخلاق تحت حجة «أهون الشرين». فأين نضع الخط الفاصل إذن؟ وهل نمنح السياسى «شيكاً على بياض» لارتكاب الفظائع بذريعة أن السياسة تحتاج إلى «الأيدى القذرة»؟ ألا يبرر هذه أفظع الفظائع، وأبشع الشرور؟

ألا يجرئ ارتكاب «شرور صغيرة» على ارتكاب كبائر الشرور؟ إن تسامحت فى تعذيب شخص لإنقاذ المئات أو الآلاف، فهل تقبل بتعذيب «ابنه».. وهو بالتأكيد بلا ذنب؟ هل تقبل بتعذيب أعداد أكبر؟ هذه كلها معضلات تتعلق بالحياة العملية وبأسئلة السياسة كما تطرح نفسها على من يمارسونها فى الواقع. فى كتاب الأخلاق والدين، الشر هو الشر، كبر أم صغر. وهو مدان ومرفوض على طول الخط. وفى كتاب الحياة والسياسة.. الأمر أكثر تعقيداً؛ لذلك قيل إنه يجدر بالسياسى أن يكون ذا أخلاق، فلا يفسد أو يرتشى أو يقبل الظلم، ولكن يجدر به كذلك ألا يكون أخلاقياً أكثر من اللازم، وأن يقبل بأن تتسخ «يداه» قليلاً، جلباً لخير أو دفعاً لضرر!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق