الاثنين، 10 يناير 2022

إصلاح النظام التعليمي الأكاديمي ********

Mar 3, 2019

"إن المفكر الحقيقي هو الذي يسستيقظ من النوم قبل الاخرين، فيرى مالايرون، فيستشعر ثقل المسؤولية، فيجعل مشاكل الأمة مشكلته الشخصية"
وبعد الفراغ من تشخيص بعض المشاكل الموجودة في النظام التعليمي الأكاديمي المعاصر، ينفتح أمامنا الباب على مصراعية لعلاج هذه المشاكل التعليمية من جذورها، في ظل مانسميه بعقلنة النظام التعليمي ويمكن الإشارة هنا إلى بعض المعالم الكلية لمنظومة الإصلاح التعليمي:
1. تصحيح النوايا العلمية عند الأستاذ والتلميذ، بما يتناسب مع فلسفة التعليم الحقيقية، التي سبق وأن أشرنا إليها، بحيث يتحرر الطرفان من النظرة المادية السطحية الضيقة لفلسفة التعليم، ويدركان أنّ الغاية الحقيقية من الدراسة هي استكمال الإنسان في إنسانيته، وارتقاؤه في سلم الوجود، وخروجه من ظلمات الجهل إلى نور الوجود؛ ليبني رؤيته الكونية عن الحياة، ومنظومته الأخلاقية السلوكية على أساس واقعي يضمن له الانسجام مع نفسه ومع الاخرين، ويرسم له طريق السعادة والفلاح الحقيقيين. 
2. التقليل من الحصص الدراسية، وأساليب الإجبار التعليمي على قدر المستطاع، وذلك بتشويق الطالب على الحضور بشتى المحفزات المادية والمعنوية، وحسن اختيار المعلم المناسب القادر على إيجاد رابطة المودة والمحبة مع تلاميذه، والاكتفاء بامتحان واحد نهاية العام، لنبعد هاجس وهم الامتحان عن ذهن الطالب؛ لكي يتفرغ للتعليم والتركيز في البحث العلمي الخالص بعيدا عن القلق الامتحاني، ويمكن الاستعاضة عن ذلك، بالاعتماد على المعلم في تقييمه الدائم لتلامذته، وتكليفهم ببحوث تحقيقية، واعتماد المسابقات الدورية بدلا من الامتحانات الفصلية، قال افلاطون في الجمهورية ((إن الأطفال لن يتعلموا إلا إذا كانوا يرغبون في التعلم، وأنّ التعليم الإجباري لايعلق في الذاكرة))( ).
3. اجتناب بيداغوجية الحشو المعلوماتي، بالارتقاء بالكيفية التعليمية، التي تحض على الفهم والتأمل والتفكير المنظم، بدلا عن الحفظ العشوائي، يقول الدكتور المصطفي حميمو ((أما الإنسان الذي نريد بناءه بإصلاح التعليم، فهو ذلك الإنسان الإيجابي الذي كالمهندس، يتلذذ برفع التحديات، وينتشي بالانجازات، ولا يتم بناء ذلك الإنسان المنشود في بلادنا وبحسب نظرنا للأمور إلا:
 بالعودة إلى مدرسة اكتساب المعارف وتنمية المواهب، مع تقوية حب الفضول والاستطلاع، ورفع التحديات وعشق الأمور الجميلة والأخلاق الفاضلة.
 بالكف عن استصغار عقول تلاميذ الابتدائي.
 بالعدول عن بيداغوجية الحشو العقيم، البداغوجية التي تجعل من اكتساب المهارات هدفا في حد ذاتها، في حين ما هي إلا آليات في خدمة الكفايات، واعتماد بيداغوجية التحدي المفرزة لفئتي المتفوقين والمتوسطين، البيداغوجية التي تجعل المتعلم على الدوام في أوضاع تستدعي التفكير لحل المسائل والمشاكل، وهي تؤدي إلى المزيد من التنافس التعليمي، وتولد النشوة واللذة لدي التلاميذ، وتوصل كل فرد لأقصى كماله الممكن له))( ).
4. اعتماد المنهج العقلي البرهاني كمنهج رئيسي حاكم على سائر المناهج الدراسية، وإعادة ترتيب المواد الدراسية بعد إدخال العلوم العقلية فيها ؛ من أجل تحقيق الغاية العقلية المنشودة من التعليم، وهي تكميل العقل النظري.
5. إعادة فرز التلاميذ في نهاية المرحلة الابتدائية، لاستكشاف قابلياتهم واستعداداتهم العلمية والفكرية، ومهاراتهم العملية، بحيث يبدأ تصنيفهم بعد ذلك في المراحل المتوسطة والعليا للدراسات الفكرية والعلمية والتقنية والمهنية، كلٌ بحسب استعدادة.
6. عقلنة العلوم الإنسانية، وإعادة صياغتها على طبق المنهج العقلي البرهاني، بدلا من المنهج الحسيي الاستقرائي الناقص، والذي غالبا مايكون متأثرا بالظروف الثقافية، والاجتماعية النسبية المتغيرة، وينبغي تعميم هذه العلوم الإنسانية، في جميع الكليات الجامعية في مراحلها الأولى (الليسانس)، حيث لاغنى لأي طالب علم عن التعرف عليها؛ لأنها في الواقع تمثل علوم الحياة، على حين يمثل غيرها علوم تقنية وحرفية ومهنية.
هذه هي المعالم الكلية لعقلنة وإصلاح النظام التعليمي، وهو عمل ينبغي أن تقوم به الدولة نفسها، بمؤسساتها التعليمية، والتربوية، ومتخصصيها المثقفين، من أجل وضع برامج تفصيلية، لهذه الاستراتيجيات الكلية، وتطبيقها على شتى المراكز التعليمية، من أجل النهوض بالمجتمع البشري، والتحررمن التبعية العمياء للغرب، ومناهجه الجاهزة، والمعلبة، حيث ينبغي مراعاة الظروف الموضوعية لكل مجتمع، وبما يتناسب مع ثقافاته، ومقدراته الواقعية.

*
مشكلات النظام التعليمي الأكاديمي

Mar 3, 2019

"المدرسة تعلمك ثم تمتحنك، والحياة تمتحنك ثم تعلمك"- اينشتاين
إن أحوالنا الفعلية معلولة لثقافتنا الماضوية، وأحوالنا المستقبلية معلولة لثقافتنا الفعلية، فإن أردنا أن نصلح أحوالنا المستقبلية، فعلينا أن نصلح ثقافتنا الفعلية.
ولاشك أنّ النظام التعليمي يلعب الدور الأساسي في بناء المنظومة الفكرية والثقافية الفردية والمجتمعية، فبداية الإصلاح الفردي والاجتماعي، إنما تبدأ في الحقيقة بإصلاح النظام التعليمي بقسميه الأكاديمي والديني ونحن لانريد هنا أن نتعرض بالتفصيل لبرامج الإصلاح التعليمي، حيث يكون ذلك على عهدة المشرفين والمتخصصين التعليميين، الذين نُكنّ لهم كل التقدير والاحترام، ولكن سنشير فقط إلى الأهداف والسياسات الكلية التي ينبغي أن يكون عليها النظام التعليمي على طبق منهجنا العقلي ورؤيتنا الفلسفية؛ ليكون بمثابة الأساس الذي ترتكز عليه برامج الإصلاح التعليمي ولكن قبل الإشارة إلي هذه المعالم الكلية للإصلاح التعليم، أرى إنه من الضروري أن أشير إلى المشكلات الفعلية الموجودة في النظام التعليمي الحالي؛ لكي يتضح لنا مدي الخلل الجوهري الموجود فيه أولا، من أجل ترشيد عملية الإصلاح بعد ذلك في استئصال هذا الخلل من جذوره، حيث إن العلاج الجذري للمرض يتوقف على التشخيص العميق والدقيق له، فإنّ آفة الإصلاح هو الخطأ في التشخيص، حيث تؤخذ الأعراض مكان الأمراض.
وسوف نبدأ بالبحث أولا عن النظام التعليمي الأكاديمي، ثم ننتقل بعد ذلك إلى البحث حول النظام التعليمي الديني.
النظام التعليمي الأكاديمي هو النظام القائم في المدارس والجامعات الحديثة، التي أنشأها الغرب في القرون الأخيرة على أساس منهجه الحسي ورؤيته المادية في خضم ثورته الصناعية ونهضته التقنية، ثم انتقلت مع مطلع القرن العشرين إلى العالم العربي والإسلامي، مع تفعيل البعثات التعليمية للخارج... ويمكننا أن نلخص المشاكل الموجودة في النظام التعليمي الأكاديمي المعاصر في النقاط التالية:
1. فقدان الرؤية الواقعية الصحيحة لفلسفة التعليم والتعلم عند الأستاذ والتلميذ، الأمر الذي يؤدي إلى انحراف الأسس والمقاصد التى ينبغي أن يبتنى عليها النظام التعليمي.
فنجد الأستاذ يعمل من أجل الأجر والجاه " البريستيج"الاجتماعي، في حين يسعى الطالب منذ نعومة أظافره لتحصيل الشهادات العلمية التي تؤهله لتحصيل العمل المناسب الذي يؤّمن له المال الوفير والمناصب الاجتماعية العالية، فتحول التعليم إلى تجارة متبادلة بين الأستاذ والتلميذ، بعد أن فقد بعده الإنساني العقلي.
2. الإجبار التعليمي، حيث يتم إلزام الطالب بالحضور والغياب لكل الحصص الدراسية المفروضة عليه، ويلاحق بالامتحانات الدورية المتوالية والمرهقة، بحيث أصبح هم الطالب الوحيد في كل مرحلة، هو أن يتعلم ويحفظ من أجل أن يتجاوزها بنجاح، ولينسى بعدها كل ماكان قد حفظه قبلها.
وهذا الإجبار هو الذي أدي إلى نفور الغالبية الساحقة من التلاميذ من التحصيل الدراسي، بحيث أصبحوا يترقبون اليوم الذي يذهبون فيه إلى العطلة، التي يخلعون فيها رداء التعليم والتعلم بالكلية، ويعكفون فيها على اللهو واللعب، ثم يأسفون بعد ذلك على سرعة انقضاء العطلة، ليعودوا بعدها إلى الدراسة وقلوبهم مملؤة بالحسرة والألم.
3. بيداغوجية الحشو التعليمي، حيث يتم حشد عدد هائل من المواد الدراسية المتباينة مع بعضها البعض (حوالي خمس إلى ست حصص دراسية في اليوم الواحد)، بنحو يثقل كاهل الطالب، ولاتدع له وقت للتأمل والتفكير، وبالتالي تقتل فيه روح النقد والإبداع والخلاقية.
يقول الدكتور المصطفى حميمو ((ما لا نريده بالتأكيد، هو إعادة صناعة ذلك الإنسان الفاشل، الذي بعد مروره من كل مراحل التعليم أو بعضها، تجد عقله قد اختُزل في قرص صلب، إما شبه فارغ مما ينفع صاحبه ومجتمعه ، أو مملوء بمعلومات جامدة مع محرك للبحث، بسبب الإفراط في الحفظ من دون ما يكفي من فرص للتفكير))( ).
ويضيف قائلا ((خريجوا المدارس الابتدائية يعانون من الأمية، حيث إنهم قد تعلموا مهارات الكتابة والقراءة والحساب دون كفاءة تطبيقاتها؛ لتحصيل الرصيد المعرفي النافع، فهو يقرأ بلافهم لنصوص جديدة، ويتحدث بلا وعي وابداع لموضوعات جديدة، ويحسب فقط في مسائل جزئية محدودة، ففي الواقع بعد ست سنوات يكون قد رفع أميته فقط في صرف القراءة الكتابة والحساب دون أي رصيد معرفي أو قيمي حقيقي))( ).
4. عدم مراعاة مراتب العلوم في السلم التعليمي بحيث يؤخر مامن حقه التقديم، ويقدّم مامن حقه التأخير، كتأخير دراسة العلوم العقلية إلى نهاية المرحلة الثانوية، مع كون موضعها الطبيعي هو بدايات المرحلة الابتدائية، مما يؤدي إلى اضطراب شديد في ذهن أكثر المتعلمين، وهذا مرجعه إلى الجهل بصناعة البرهان، وارتباط العلوم بعضها ببعض.
5. عدم تصدير العلوم بأي مقدمات تمهيدية تحكي عن طبيعة هذا العلم، وعن موضوعه ومبادئه وغايته ومرتبته، وأهميته في حياة الإنسان ـ كما كان يفعل الحكماء في الماضي ـ الأمر الذي يحرم الطالب من النظرة الكلية الفلسفية للعلم، مما يرسخ فيه نوازع الحشو والحفظ والتقليد الخالي من الفهم والتأمل.
6. غياب العلوم العقلية من المناهج الدراسية، لاسيما في بداية التعليم، ثم عرضها متأخرا بصورة تاريخية مبعثرة فارغة من المضمون العلمي، وحصرها في بعض التخصصات المتعلقة بالبحوث الأدبية والإنسانية، دون سائر التخصصات العلمية، حيث لاتعد تلك العلوم العالية في الرؤية الوضعية الحسية المادية من سنخ العلوم، مع كونها أساس العلم، وركيزته الأولى.
7. هيمنة المنهج الحسي الاستقرائي كما في العلوم الطبيعية، أو الحسي التحليلي كما في العلوم الرياضية، دون المنهج العقلي البرهاني التجريدي، مما يؤصل للذهنية الحسية عند الطالب، والتي تؤدي بدورها إلى ترسيخ الرؤية المادية الغريزية للحياة وللمنظومة الأخلاقية والاجتماعية، كما نشاهده في سلوك أغلب المتعلمين في هذه المراكز الأكاديمية، حيث نراهم يلهثون وراء تحصيل الكمالات المادية لاغير وتصب كل هذه المشاكل التعليمية وغيرها، في تقوية الجانب الحسي المادي في الإنسان المتعلم، وإضعاف الجانب العقلي المعنوي، والذي يؤدي في النهاية إلى أسوأ العواقب الفردية والاجتماعية في المجتمعات البشرية. 
*******************

فساد التعليم العالي العالمي

التَعَلُّم دون تفكير جهدٌ ضائع، والتفكير دون علم محفوف بالمخاطر». قال ذلك الحكيم الصيني «كونفوشيوس» قبل أكثر من ألفي عام، 
ة. كشف ذلك تقرير عنوانه «نداء لمحاربة انتشار الفساد في التعليم العالي على الصعيد العالمي»، صدر هذا الشهر عن «مجلس اعتماد شهادات التعليم العالي» الذي يضم 3 آلاف كلية وجامعة معتمدة في الولايات المتحدة، و60 منظمة تعمل في «هيئات الاعتماد وضمان النوعية» عبر العالم.
 نصيحة «كونفوشيوس» التالية: «علينا أن نشعر بالحزن، لكن دون أن نغرق بالغمِّ». 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق