الأربعاء، 9 مارس 2022

الفلسفة والعداء للمعرفة **************


Feb 22, 2022 Jun 19, 2021 Apr 20, 2018

إن الغياب الفادح للفلسفة وأدوارها في الثقافة العربية، لهو سبب ونتيجة لانهيار العقلانية، وهيمنة
 الغيبيات على العقل الجمعي

ولكي يجذب عامـــة الناس إلى
الفلســـفة، كان سقراط يقول إنه لا يعرف
ّ إلا القليل، بل هو لا يعرف شـــيئا. لذا
كان يكثر من طرح الأسئلة للحصول على
أجوبة مقنعة ومفيـــدة. وللتأكيد على أن
الفلسفة ليســـت مهنةحفنة من الناس
يعيشـــون في أبراجهم العاجيـــة، أو هم
منشغلون بقضايا يعسر فهمها والإحاطة
بها مـــن قبل عامـــة النـــاس، كان إبيقور
ّ يحرض الناس على ضرورة ّ التدرب علىالتفلســـفانطلاقا من سنوات الشباب.
وعليهـــم ّ ألا يكفوا عن ذلـــك حتى بعد أن
تدركهم الشـــيخوخة لكـــي يظلوا دائمي
اليقظـــة. ولم يكن نيتشـــه يتردد في نزعالمهابةالتي تحيط بالفيلســـوف. وكان
يقول بأن الفيلســـوف الحقيقي هو الذي
يعيـــش حيـــاة غير فلســـفية. بـــل لعله
يعيش حياة موسومة بـالمخاطرلأنه قد
يرتكب أخطاء جسيمة حتى بعد أن يكون
قد أجهد نفســـه في العثـــور على أجوبة
للقضايا التي تشغله
أمـــا الهـــدف الآخر من خـــلال إحياء
الفلســـفةهـــو إقنـــاع عامة النـــاس بأن
الفلاسفة القدماء والمحدثين قادرون على
أن يضيئـــوا لهم الطريـــق ويمدونهم بما
يمكنهـــم مـــن مواجهة القضايـــا الراهنة
المتمثلة في الانتشـــار الســـريع والخطير
لداء الشـــعبوية فـــي كافة بلـــدان العالم،
الفقيـــرة منها والغنيـــة، وفي الصراعات
بين الأديان والثقافات بســـبب الهجرات،
وفـــي المخاطـــر الجســـيمة التـــي تهـــدد
البيئـــة والمحيـــط الطبيعي. كمـــا تتمثل
هـــذه القضايـــا فـــي اســـتفحال الأزمات
الاقتصاديـــة والاجتماعية التي أصبحت
تعصـــف باســـتقرار العديد مـــن البلدان
المتقدمـــة. ولعـــل انتفاضـــة الســـترات
الصفراءالتي تهز فرنسا منذ أشهر عدة
هي أفضل ما ّ يجسد ذلك.

روّج كثيرون لآفة (التكيف) بإعتبارها ميزة اجتماعية، فى حين أنها تعنى التكلس والجمود حتى مع الظواهر(الطبيعية والاجتماعية والسياسة) الضارة بالإنسان، ولم يُخلــّـص البشرية من هذه الآفة إلاّ الفلسفة، بينما تحرص المؤسسات الدينية على تثبيت (التكيف) فالمؤمن بديانة ما يرى أنّ ديانته هى (الصواب المطلق) وباقى الأديان هى (الخطأ المطلق) وداخل الدين الواحد تتصارع المذاهب..وكل فريق يحمل راية (الصواب لنفسه والخطأ لغيره) لذا فإنّ أبناء الديانات والمذاهب المختلفة خلقوا ظاهرة (الجيتوهات النفسية) رغم أنهم يعيشون فى مجتمع واحد، لأنهم يرفضون إعمال العقل الفلسفى المؤسس على رفض الثوابت..وإعادة النظرفى التراث الموروث وإلى أى درجة يتسق هذا التراث مع مفاهيم الحرية التى أشاد أعمدتها الفلاسفة على قاعدة الفصل بين ديانة الإنسان (فهذه حريته الشخصية) وبين فرض ديانته أومذهبه على الآخرين. وأنّ هذا الفصل لوتحقق فسوف تختفى كارثة خلط الدين بالسياسة والاقتصاد والفن والأدب إلخ. 

البداية الحقيقية لنشأة الفلسفة كانت قدرة العقل الإنسانى على استخدام ملكة (الدهشة) التى خرج حب السؤال من رحمها..وبالتالى مهّـدتْ الطريق لهدم التكيف..والسؤال تشعــّـب لأسئلة: إنّ ما حدث بشكل ما، لماذا لم يحدث بشكل مختلف؟ هل نأخذ من الآخرين ما يـُـناسبنا أم ننغلق على أنفسنا؟ لماذا كانت ظاهرة (الغزو) من أجل احتلال الشعوب ونهب مواردها؟ ومتى يتحقق (السلام) بين شعوب العالم؟ هذه الأسئلة (وغيرها) لايملك جرأة طرحها إلاّ العقل الفلسفى (العقل الدينامى) بينما (العقل الاستاتيكى: المتكلس، الثابت، المتجمّـد) لايملك هذه الشجاعة، لأنه يخشى معارضة ثوابته التراثية..وبينما تحرص الفلسفة على ترسيخ دعائم (النسبى) فإنّ أعراف بعض شعوب (ما قبل التدوين) كانت تعمل على ترسيخ المطلق ضد النسبى.
مجتمعات كانت المرأة فيها مُـتساوية مع الرجل فى كافة الحقوق مثل المجتمع المصرى القديم..كما جاء فى كتب علم المصريات. 

وبينما تكون لغة الفلاسفة هى النقد الموضوعى فيما بينهم.. وهوما أدى إلى تطويرالمذاهب الفلسفية من جيل إلى جيل، فإنّ لغة (التكفير) هى سلاح الكاتب (النصوصى) الذى أغلق عقله على النص وحده.

 المفكرالعراقى (عبد الأميرالأعسر: مواليد 1940) فى كتابه (مقاربات فلسفية فى تشريح العقل عند العرب– طبعة هيئة قصورالثقافة المصرية– عام 2016) حيث كتب ((... لم يستطع العرب- طوال القرن العشرين- أنْ يـُـنجبوا فلاسفة بالمعنى الحقيقى للفيلسوف))
 ابن سينا الذى صنــّـفه العرب على أنه فيلسوف..ورغم أنه حاول التوفيق بين الفلسفة والدين، فقد فشل نتيجة محاولته العقيمة..والدليل على ذلك أنّ الكهنوت الدينى اعتبره (زنديقــًا)
العرب تجاهلوا القضايا الكونية التى تتعارض مع النصوص الدينية..وهوالتحدى الذى قام به فلاسفة أوروبا،
ركزعلى أهمية (الملاحظة) لإقامة الدليل العقلى..وكتب المفكرالمصرى د. زكريا إبراهيم أنّ ((التأمل الفلسفى يختلف اختلافـــًـا كبيرًا عن التأمل الدينى. فليس للتأمل الفلسفى أى موضوع للعبادة أو أى مكان مقدس أوأية صورة محددة))

وكتب ديكارت ((إنّ الفلسفة وحدها هى التى تــُـميّزنا عن الأقوام المتوحشين والهمجيين. وحضارة الأمة وثقافتها تـــٌـقاس بمقدارشيوع التفلسف الصحيح فيها..وأنّ الإنسان الذى يحيا دون تفلسف هوكمن يظل مُغمضًا عينيه لايحاول فتحهما)) وأعتقد أنّ إغلاق العين (بالمعنى المجازى) هودرجة عالية من الأنيميا الحادة فى ملكة إثارة (الدهشة) التى يتمتع بها الفيلسوف الحق ومنها تنطلق أسئلة الوجود وصدق أرسطوعندما قال ((إنما الدهشة هى الأم التى أنجبتْ الفلسفة)) 

يذهب ظنى أنه لولا التراكم المعرفى، من خلال كتابات الفلاسفة (خاصة فلاسفة التنوير) لظلّ إنسان العصرالحديث مثل إنسان العصورالقديمة، حيث كانت المجتمعات الإنسانية تنقسم إلى (عبيد) و(أحرار) لدرجة أنّ الفيلسوف أفلاطون تعرّض للبيع فى سوق العبيد، نظرًا للخلاف بينه وبين الحاكم، لولا أنْ تعرف أحد تلاميذ الفيلسوف عليه فاشتراه وأعتقه.. وبالرغم من أهمية أفلاطون فى تاريخ الفكرالفسفى ((فإنه اعتبرالديمقراطية أحد أنظمة الحكم الفاسدة..وجعل الطغيان نتيجة مباشرة للديمقراطية)) (د. إمام عبد الفتاح إمام: الديمقراطية والوعى السياسى

واقعة إعدام الفيلسوف اليونانى سقراط بداية هذا الموقف العدائى من الفلسفة، خاصة إذا علمنا أنّ التهمة الموجّهة لسقراط هى ((إفساد عقول الشباب والترويج للآلهة الأجنبية)) هذا الإتهام يدل دلالة قاطعة على تحالف مؤسستىْ الحكم والدين، المؤسسة الأولى تحجّجتْ ب ((إفساد عقول الشباب)) لمجرد أنّ سقراط كان يبذرفى عقول مستمعيه أهمية التفكيرالحر، وعدم التسليم بكل ما يقال..ومقاومة تصديق أية ثوابت إلاّبعد إعادة النظرفيها..إلخ، أما تهمة ((الترويج للآلهة الأجنبية)) فهى من صياغة مؤسسة الدين التى تحرص على الأحادية وتــُـعادى التعددية..والنتيجة عدم التعرف على معتقدات الشعوب الأخرى. 

هيباتيا (370- 415) فيلسوفة مصرية وعالمة فى الرياضيات..وهى ابنة (ثيون) أستاذ الرياضيات فى متحف الإسكندرية..وكتب عنها ديورانت فى قصة الحضارة- المجلد الثانى. وجورج سارتون وادوارد جيبون وبرتراند رسل وآخرون..ومن المصريين د. توفيق الطويل ود. زكى نجيب محمود. بخلاف الروائيين والشعراء الأوروبيين..ووصل اهتمام العالم المتحضربهذه الفيلسوفة المصرية أنْ أصدرتْ جامعة الينوى الأمريكية مجلة فلسفية اسمها (هيباتيا) وفى أوروبا وأمريكا عشرات الجمعيات والمجلات العلمية والفلسفية التى تحمل اسم جدتنا (هيباتيا) وأنتجتْ إسبانيا فيلمـًـا سينمائيـًـا عنها حصد عدة جوائزعالمية، بسبب دقة المعلومات وبراعة الإخراج..ومجمل العناصرالإبداعية والفنية. 
كانت هيباتيا ذات جمال أسطورى، وبالرغم من ذلك رفضتْ كل عروض الزواج وفضّلتْ التفرغ للعلم والفلسفة..وكتبتْ عنها دائرة المعارف البريطانية أنها جمعتْ بين التواضع والجمال والقدرة العقلية ((فجذبتْ عددًا هائلا من التلاميذ)) وكان من تلاميذها أساتذة وفلاسفة، كانوا يأتون من أكثرمن دولة ليستمعوا إلى محاضراتها، من بينهم الفيلسوف اليونانى (دمشيوس) والعالم (سينسيوس) الذى اعترف بفضلها عليه فى تثقيفه..وأنها شرحتْ له مؤلفات أرسطو وأفلاطون وبعض العلوم الطبيعية مثل الفلك والميكانيكا والرياضيات..وكانت تــُـكرس دروسها لتعظيم أهمية الحب الروحى لا الجسدى..وقال عنها معاصروها أنها كانت تتربـّـع بشرف ((على قمة الأسرارالفلسفية)) وذكرد.إمام عبد الفتاح إمام أنّ هيباتيا أنجزتْ حسب ما كتب سويداس فى معجمه ثلاثة كتب: شرح على كتاب ديفونطس السكندرى فى علم الحساب. والثانى شرح على كتاب بطليموس (المجموع الرياضى) الثالث شروح على (قطوع المخروط) أبولونيوس البرجى..كما أنها اخترعتْ (البلانسفير) وهى خريطة ذات ثلاثة أبعاد لنصف الكرة السماوية. 
طلعت رضوان

*
الله والكون بين العلم والفلسفة والدين

كيف يكون الله مطلق القدرة والخيرية والمحبة للبشر ورغم ذلك يسمح بوجود الشر
 السؤال الذي يطرحه 
الناس على رجال الدين ولا يحصلون على إجابة وافية ومقنعة أبداً

هل ما ورد في الكتب المقدسة المنزلة من السماء والتي يقال أنها تنقل كلام الله، يتطابق مع الحقائق العلمية التي توصل إليها العلم الحديث في كافة المجالات لا سيما علم الكونيات الكوسمولوجي وعلم الفلك وعلم الفيزياء النظرية وفيزياء الجسيمات الأولية وميكانيك الكموم أو الكوانتوم وعلم الأحياء وعلم الكيمياء الحيوية وعلم التكنولوجيا المتقدمة وتكنولوجيا النانو وعلم الحفريات الأثرية الآركيولوجيا الخ ..؟ المقصود بالنصوص والكتب المقدس هي التوراة والإنجيل والقرآن،

 لا تتطابق مع الحقائق التاريخية فهذا يعني أن مصدرها ليس ربانياً أو إلهياً أي هي ليست كلام الله لأن الله لا يخطيء وفق منطق الأديان ذاته. ولقد أجريت تنقيبات أثرية في مدينة أريحا القديمة في فلسطين ومدينة أور في العراق للتأكد من صحة ما ورد في التوراة بشأن هذين الموقعين وكانت النتائج الأولية سلبية ومخيبة لآمال الثيولوجيين وعدم مطابقته للنصوص التوراتية التي تحدثت عن احتلال يشوع Josué للأولى ومغادرة أبراهام " إبراهيم " للثانية، وهل حقاً أن الله اختار من بين شعوب الأرض العبرانيين باعتبارهم شعب الله المختار وكشف لهم كيف أنه صنع أو خلق الكون والأرض والسموات والبشر من خلال قصة آدم وحواء والشيطان والملائكة الخ..

التوحيديون يقولون " كان هناك الله" والمشركون يقولون " كانت هناك آلهة " والماديون يقولون " كانت هناك المادة" قبل بدء الوجود. أما العلماء فلا يجيبون بهذه الطريقة لأن تجاربهم وأبحاثهم محدودة بالزمن وبالتطورات العلمية والتكنولوجية ونتائج التجارب المختبرة والمشاهدات الرصدية لأن أي رد قاطع من قبل العلماء يعني الخروج من نطاق العلم الدخول في حقل الفلسفة لذلك تتنوع الإجابات وفق القناعات الشخصية والمفاهيم والمدركات الشخصية لكل عالم فهناك من بينهم ربانيون أو إلهيون أو ماديون ، مؤمنون أو ملاحدة وهناك اللا أدريون وهناك من يرفض أصلاً الخوض في هذا الموضوع الشائك وكان هذا هو حال العالم الفيزيائي الشهير ألبرت آينشتين عندما سأله حاخام يهودي سؤال استفزازي : هل تؤمن بوجود الله؟ رد آينشتين إنني أؤمن بإله سبينوزا ، ذلك الذي يعبر عن ذاته في أعلى درجات التناغم في الوجود، وليس الإله الذي يشغل نفسه بمصائر وأعمال الكائنات البشرية فلا يمكنني أن أتصور الله على صورة ذلك الكائن الذي يجزي ويعاقب مخلوقاته ويفرض العقاب والثواب على البشر ويرسم أهدافه وغاياته على ضوء أهداف وغايات البشر ، فالله هنا باختصار ما هو إلا إنعكاس لضعف وهشاشة الإنسان . وإذا كان هناك أمر في أعماقي يمكن أن أطلق عليه مشاعر دينية فإنه يتمثل بالإعجاب اللامتناهي وغير المحدود بهندسة الكون ".

إن موضوع الله والكون موضوعاً حساساً ومسألة عويصة من الناحية الدينية والفلسفية والعلمية لأنها قابلة لمختلف الاجتهادات والتأويلات خاصة عندما يتعامل الباحث ومعه القارئ مع كتب ونصوص مقدسة لا يسمح عادة بمناقشتها أو الطعن في مصداقيتها. فهناك إشكالية تتمثل في عدم العثور على أية براهين عن حقيقة حدوث الوقائع والقصص والحكايات التي وردت في العهد القديم واستنسخها القرآن فيما بعد بطريقته الخاصة وبأسلوبه الفريد المعتمد على السجع النثري 

علماء الكونيات والفيزياء النظرية ممن لا يعتقدون حتى بوجود إله مثل العالم البريطاني ستيفن هوكينغ الذي عرض نظريته ورأيه في كتاب شهير صدر قبل بضعة أعوام باللغة الانجليزية تحت عنوان " التصميم العظيم" وترجمته بالفرنسية كانت" هل هناك مهندس عظيم لهذا الكون؟" حيث وضعنا هوكينغ أمام مشكلة فلسفية عويصة ، فإذا كان الكون قد خلق بفعل الصدفة فمن خلق الصدفة؟ ويقودنا هوكينغ بمهارة عجيبة إلى مسألة نزوع الإنسان لمعرفة سبب وجوده وما إذا كان بمحض الصدفة أم أن هناك خالق له وللأرض التي يعيش فوقها والتي خلقت من أجله ومن أجل سعادته كما تقول الكتب السماوية. يقف المرء مبهوراً أمام قدرة الدين ، أي دين، في تحريك الملايين من الناس حتى في الدول العلمانية المتقدمة والمتطورة فما بالك بالدول النامية أو المحكومة بالفكر الديني والعقل الخرافي؟ وبالتالي فإن الدين ما هو إلا علاقة مع الكائن العلوي، ورغم ذلك بقي الدين عصياً على التعريف بسبب تنوع الثقافات . قبل عشرة أعوام تقريباً من وفاة عالم الفيزياء الفذ البريطاني ستيفن هوكينغ Stephen Hawking نشر هذا الأخير كتابه الذائع الصيت "The Grand Design التصميم العظيم" ومنذ صدوره أحدث الكتاب ضجة في الأوساط العلمية والدينية والجماهيرية، لأنه تناول مسألة الكون والله وقال بالحرف الواحد أن الكون ليس بحاجة إلى إله خالق لكي يوجد. كانت الصراعات الدينية متأججة وفي أوجها،

*
جدليات فكرية.. هل الفلسفة والدين وجهان لعملة واحدة؟

كان من مظاهر التجديد في الفكر الإسلامي منذ بداية القرن العشري، ترديد الفكر الغربي في القرن التاسع عشر.
 "الدين إيحاء خرافي"!
كتاب "خرافة الميتافيزيقا" وهو كتاب منقول من الفكر الأوروبي المادي
إن الوضعية المنطقية تعد محاولة جديدة لهدم الفلسفة المثالية، وهدم الميتافيزيقا بقصد غير صريح وهو محاربة الإيمان بوجود الله وكل ما يتجاوز عالم الحس. ويجزم ابوريدة بأن استخدام التحليل المنطقي على يد الوضعيين المناطقة يؤدي إلى زعزعة الإيمان وأن موقفهم هذا فاسد إلى حد السخف، وأنهم يضيقون نطاق امعرفة إلى أقصى حد

 فالفلسفة لديه صنيعة بشرية، أما الدين وبالأخص الإسلام يعتمد على وحي السماء، ويثبت أن الميتافيزيقا شيء مخترع ويمكن أن تتعدد انبنيته بحسب كل فيلسوف، أما الدين شيء آخر يتميز بالوحدانية تبعا لوحدانية المصدر.

الفيلسوف إذ يبني بناءه الميتافيزيقي، فإنما يقيمه على مبدأ من عنده وأن أي فيلسوف آخر من حقه كذلك أن يقيم بناء آخر على مبدأ من عنده، وبذلك تتعدد البناءات الفلسفية بتعدد أصحابها.

وأما في حالة الدين فالأمر مختلف أشد ما يكون الاختلاف، لأن البناء الديني قائم على وحي مُنزًّل، وليس من حق أحد آخر أن يبني دينا على شيء آخر من عنده هو اللهم إلا إذا كان خارجا على هذا الدين، وعندئذ لا يحسب له حساب، فبينما تتعدد البناءات الفلسفية بتعدد الفلاسفة يظل البناء الديني واحدا لوحدانية الموحي به والموحى إليه، وإذا جعلنا حديثنا هنا مقصورا على الإسلام، قلنا إن شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، تتضمن فيما تتضمنه، وحدانية من أوحى بالدين، ومن نزل عليه الوحي، وذلك يستتبع أن يظل البناء الديني عند المؤمنين به واحدا عند الجميع"

*
الخلاص بالفلسفة في عوالم الخراب والدمار 
 عندما نقلع عن التعلق بآمال عريضة سنتجاوز الغضب واليأس والإحباط

يرى كثيرون أن َ الفلسفة ِعلم جاف، َيهدف إلى التنظير وإعمال العقل. وأما
أصحابها فهم غريبو الأطوار، أو مجانين ثرثارين، فهم ْيم ِلكون ُقدرة كبيرة
علـــــى تأويـــــل العالم غير أنهم عاجزون أبدا عن تغييـــــره، وقد أهيلت عليهم
التهم الكثيرة مثل الهرطقة، والسفسطة وإفساد عقول الناشئة، وغيرها من
التهم، لكن الفلسفة بعيدة عن هذه النظرة ّ الضيقة 

الفلسفة حســـب ليوتار ممارسة تهدف
إلى تغيير وجه العالم مثلها مثل التحليل
النفسي الذي يعتبره فرويد ًّ طبا ًّ سريريا، 

مدرســـة الفلسفة أشبه بعيادة طبيب
على ّ حد قول إبكتيتوس

الفلاسفة هم وحدهم من
ينتشلونك من العذاب
وهم القادرون على
مواساتك والأخذ بيدك
إلى جادة الطريق

 فلا يمكـــن تنمية القدرة علـــى الحياة من
دون تنميـــة القدرة علـــى التفكير. 

عزاءات الفلسفة 
 
فـــي ظل عوالم الخـــراب والدمار التي
تحيط بنا من كل جانـــب، عوالم محكومة
بالاضطراب تـــارة ومحاصـــرة بالإرهاب
تارة ثانية، أضحى الفرد ُمستلبا بوسائل
ّ متعددة، بل أحيانا يأتي الاستلاب بإرادة
ّ حرة، بتسليم نفسه للتكنولوجيا الحديثة.
في ظل هذه العوالم السريالية التي راحت
تشـــكل ذواتنا وواقعنا، قد تكون الفلسفة
هي الحل


التفكيـــر هو أداة تحرير الإنســـان
من الانفعالات الســـلبية والغرائز البدائية
)الغضب، الخـــوف، والكراهية( كما يقول

نيتشـــه الذي وصف التفكير بأنه إعمال
المطرقة
هكذا عادت الفلسفة وأسئلتها، وكأنها
كمـــا قال آلان دو بوتون
أشـــبه بعزاءات
لنا
.
أن تجعلنـــا قادريـــن علـــى الحياةوهـــو الدور الذي نحتاجه اليوم في عصر
إنســـان ما بعـــد الأديان

بســـقراط
الذي كان بمثابة نموذج إيجابي في كسر
نمطية الأفـــكار الســـائدة، وكيفية التمرد
عليهـــا حتى ولو كان المصيـــر الموت. فقد
أشـــاع ســـقراط بين عمـــوم النـــاس، عدم
اليقـــين للأفكار الســـائدة،
ّ وكأن وظيفة الفيلســـوف
هـــي التحريض على عدم
الاقتنـــاع، بـــأن الآخرين
على خطأ وفقط بل يدفع
الناس إلى التفكير.
كمـــا يســـتعرض
للفلســـفة الأبيقورية،
التـــي قوامهـــا فكـــرة
جوهريـــة مفادهـــا:
مـــا الـــذي يجعلني
ســـعيدا؟

وينفي
الكاتـــب أن يكون ما راج عـــن أبيقور من
أنـــه كان ُيولـــي اهتماما بالمتع والشـــبق
الجنســـي، فهـــذا ليـــس مـــن الحقيقة في
شيء. فخلاصة فلسفته هو الزهد في متع
الحياة، حتى أنه كان يوصي بأن ينشـــغل
تفكير المرء قبل النـــوم في من يختار لكي
يتناول طعامه وشرابه معه


*
Mar 11, 2019

عشرة طُرق لفهم الفلسفة


فشرط تناول الفلسفة هو أن تحبها.

 أي نتائج سلبية في حياتنا هي نتيجة (لخطأ في التفكير) ومعناه قصور فلسفي في تصور المشكلة..فالفلسفة تعني التفكير العلمي ومنها اعتمد الإنسان على التجربة لفهم الكون، أي بدون فلسفة لن تفهم الكون..لأنك لم تجرب أصلا، والسبب في كراهيتنا للتجريب أننا نقتنع بموروثات دينية واجتماعية خاطئة..هي التي دفعتنا للتفكير الخاطئ..


الفلسفة ترفض يقينك بأن جميع المشكلات قد حُلّت..هي نفسها لا تؤمن بيقين مطلق وتفتح باب الاحتمال دائما، لأنها ببساطة تعمل خارج إطار الزمان والمكان، يعني اعتقادك أن قضايا الأخلاق مثلا تم حلها منذ قرون..هذا غير صحيح، الفلسفة تؤمن أن لكل زمن ومكان أخلاقه ومعاييره...واصطلح على ذلك حديثا بمفهوم "الأخلاق المعيارية" التي تنطلق من واجبات وثوابت المجتمع ، ولها عدة صنوف ك "الأخلاق البراجماتية والعواقبية والفاضلة" وغيرها..وتعني أن شرط نهوض مجتمع اليابان مثلا هو احترام الكبير نظرا لثقافة اليابانيين..لكنه ليس شرطا في أمريكا فيتم المساواة بين الصغير والكبير وتقييمهم بحجم ما أنجزوه من براجماتية..مع أن حضارة اليابان ليست أقل من حضارة أمريكا..بل تفوقها في بعض الجوانب.

وبالتالي الاعتقاد بأن شرط النهوض هو تقليد واستيراد ثقافة وقوانين أمريكا..غير صحيح وعدم فهم للفلسفة..ففي كل مجتمع قيم ومعايير تساعده على النهوض..ومن يتخلف منهم هو عاجز عن استغلال تلك القيم أصلا..أو يمر بأزمة هوية وتغريب يصبح فيها مقلدا لا يستطيع الابتكار..والحضارة بالأصل هي ابتكار.

مشكلة من يريد تعلم الفلسفة في الغالب أنه لا يعرف من أين يبدأ، هل بكتب وروايات فلسفية أم أفلام ومسرحيات هادفة أو قراءة التاريخ، والسبب في ذلك أنه معتاد على رؤية الفلسفة أمر معقد وعلم غير نافع..فتفكيرك الشخصي وخيالك بالأصل هو (فلسفتك الذاتية) أي الأصل في فهم الفلسفة هو (الثقة بما لديك) وقلتها في كتابي الأخير "لا تحقرن من الأفكار شيئا" أي كلمة أو عظة أو فكرة في خيالك مهما كانت صغيرة هي فلسفة..بالتفكير الدقيق والعميق تربط بينها وبين غيرها، لو فعلت ذلك أقولك مبروك أنت الآن تمارس الفلسفة بأسلوبك الخاص.

كذلك مشكلة الفلسفة غير قاصرة عند من يريد تعلمها..بل يعاني منها الباحثين والفلاسفة أيضا، باختصار تجد الواحد منهم بعد الوصول لنظرية أو شرح أصبح باردا..مع الوقت يشعر بالاكتفاء وأنه بلغ مراتب الحكمة..هذا خطير، فالعلم عدو الاكتفاء ويتطلب دائما البحث دون توقف، وعندي أن أقوى الفلاسفة هو أنشطهم..فعقل الإنسان كموتور السيارة إذا تعطل أو وقف لأي سبب يتلف ولا يعمل إلا ببرنامج تأهيل وإصلاح، الموتور نفسه لا يعمل إلا بتسخين وتهيئة أجزاءه على الحركة..كذلك المخ البشري.

 لو كنت فعلا تريد فهم الفلسفة عليك بعدة أشياء:

أولا: الاعتقاد بأن لكل فكرة ومشكلة حل باطن مخفي يحتاج جهدا للوصول إليه، شبهه سقراط بعميلة الولادة..أنت طبيب تريد إنزال "الجنين" دون مشاكل أو تشوهات..وطالما الجنين يعني الفكرة وأن الجنين حديث..فالفكرة أيضا يجب أن تكون حديثة..غير مقلدة، معظم من يمارس الفلسفة الآن – من العرب - هو مقلد لم يأت بشئ جديد...بل منهم من توصف كل أعماله بالتقليد وترديد ما أنجزه السابقون، وهؤلاء وصفتهم قبل ذلك بسلفية الفلسفة.

ثانيا: لا ترفض أي كتاب أو علم أو مذهب لمجرد أنه لا يناسبك أو لديك فكرة مسبقة عنه، فالفلسفة تتطلب منك البحث والمناقشة الموضوعية ، لذا أصبح لفظ فيلسوف إسلامي أو مسيحي غير علمي، فالأصل أنك باحث لم تبلغ اليقين المطلق بعد..وإذا بلغته يفضل فصل مصطلح الفلسفة عن دينك، أي تقول على نفسك مسيحي- مثلا – لكنك باحث فلسفي ما زلت تنقد وتشك.

ثالثا: كن مرتبا في أفكارك ولا تقفز على نقطة دون أن تعطيها حقها من النقاش ، فالعلم تسلسلي يبدأ من فكرة صغيرة كحبة الرمل ويتضخم حتى يصبح جبلا هائلا..حبة الرمل لا يمكنها أن تصبح جبلا إلا بجمع عدد كبير من حبات الرمل، كذلك فالفكرة الصغيرة بحاجة إلى (جمع) عدد كبير من الأفكار الصغيرة لتصبح نظرية وعلم معترف به، وهذه العملية ليست شاقة ..سهلة جدا معروفة في أصول المنطق ب (الاستقراء) ومع سهولتها إلا أنها تشترط الصدق والحيادية والترتيب ليخرج استقراءك صحيحا.

رابعا: الفلسفة لكي تتعلمها لا تلجأ للطريق الصعب، أحدهم بدأ بكتاب "نقد العقل المحض" لإيمانويل كانط، وآخر ب "علم الأخلاق" لسبينوزا، مستحيل أن تفهم..ستكره الفلسفة لأن هذه الكتب مصاغة علميا بمرحلة متقدمة جدا من التفلسف لا يعيها إلا من بلغ المراحل الأولى، ورأيي لو أحببت قراءة الكتب فعليك بكل ما هو عنوانه "مدخل أو طريق أو شرح" وسابقا رأيت في بعض القراء ميل للأدب والقصص فنصحتهم برواية "عالم صوفي" وفيلم "سقراط" على يوتيوب ، فأنت لا تتعلم الفلسفة غالبا إلا بطريقك وهوايتك الخاصة، كذلك فهناك كتب فلسفية صيغت بأسلوب حكائي أدبي ك "اعترافات" جان جاك روسو، و "هكذا تكلم زرادشت" لفريدريك نيتشة، وبرغم أنها فلسفية لكنها مناسبة لمحبي الأدب والخيال والتهذيب.

خامسا: الأساس في الفلسفة هو النقد والشك..ولكي تفهمها يجب أن تقرأ لمن يشك ويتمرد على السائد، لأن العالم يتطور والسائد اليوم قد لا يصلح للغد، بينما البشر يميلون للسائد على أنه صحيح دينيا واجتماعيا، والشك فضيلة وهبها الله للمصلحين والأنبياء..دورك الفلسفي يجب أن يكون متسق مع أدوار هؤلاء في نقد المجتمع وازدراء أي ظلم وجهل يمس الإنسان وحقوقه وعقله، وفي تاريخ الفلسفة يعتبر "نيتشة" أشهر من تمرد وشك وانتقد، لذا فجمهور هذا الرجل من الفلاسفة والباحثين كبير لما يمتلكه من نزعة نقدية، إضافة لأسلوبه الأدبي الجميل أصبح له جمهور أيضا من الأدباء والشعراء.

وللعلم فنيتشة متأثر بشوبنهاور..فيلسوف آخر نقدي وصف بالتشاؤم، وله كتاب في تقريظه ومدحه، يكفي العلم أن شوبنهاور رغم تشاؤمه لكن أكسب جمهوره حكمة عقلية بليغة ودراية بأغلب شئون الحياه، فالتشاؤم عند شوبنهاور ليس مدعاة للحزن والاكتئاب ولكنه طريقة لفهم الكون على أساس نقدي باعتبار أصالة الشر والصراع على البقاء.

سادسا: الفلسفة أيضا هي سؤال..ولا يمكنك التفلسف بدون طرح الأسئلة حتى مع الظن بعدم إمكانية الجواب، فالسؤال فضيلة الفلسفة العظمى، وهو محور فلسفة الأوائل كسقراط وأفلاطون، ويمكن اعتبار أن أغلب علوم الفلسفة الآن تدور بين أسئلتهم عن المادة والحياة والأخلاق والكون والدين..إلخ، صحيح الفلسفة تطورت كثيرا لكن ما زالت تدين بتأسيسها الأول هؤلاء، ويمكنك العروج قليلا على حوارات أفلاطون..فأسلوبه سهل وسلس بمناقشة قضايا حيوية ، وعندي أن كتب الأوائل المؤسسين أيسر للفهم من رواد الحضارة الغربية وفلاسفة أوروبا خصوصا الألمان والفرنسيين، أما الإنجليز والطليان فأسلوبهم أيسر أشبه بأساليب القدماء رغم تطورها ودقتها.

+++++++++++++++
سابعا: قضايا الفلسفة الرئيسية التي تندرج من تحتها أغلب المفاهيم هما قضيتين (الحقيقة والحرية) شرحتهم بإيجاز في كتابي الأخير " الفلسفة هي الحل" لكن لا مانع من الزيادة وأحيلك إلى كتاب "الهروب من الحرية" لإيريك فروم، ناقش فيه الحرية من أغلب زواياها باعتبار أن البشر يتصارعون ويتخلفون بناء على فهمهم الخاطئ للحرية، أما الحقيقة فأفضل أن تقرأ عنها من "الأدب الفلسفي" كما قلت رواية "عالم صوفي" لجاردر، و 1984 لجورج أرويل وعالم شجاع لألدوس هكسلي، علاوة على أعمال ديستوفيسكي وباولو كويلهو ونجيب محفوظ.

ثامنا: الفلسفة أيضا تعني الحكمة، والقراءة في كتب الحكماء (أمثال ومواعظ قصيرة) مهمة للغاية، كأعمال حكماء الصين والهنود والفرس والمسلمين ، هذه تضيف لك بصيرة عقلية نافذة واطمئنان وانسجام روحي مع الكون، وتعطيك القدرة على قراءة الناس والواقع بدقة، فهي إذن ليست مجرد حِكم قصيرة...هذه مدارس لتعلم فن الحياة.

تاسعا: الحكمة تتطلب ثلاثة أشياء هم التاريخ والفلسفة والسلام الروحي، لكي تصبح مفكرا قادرا على الرؤية يجب أن تتمتع بسلاما روحيا وصفاء داخليا قبل كل شئ، فلو لم تمتلك هذا السلام ستطيش أفكارك لتظهر عدوانيا مهما بلغت من العلم، والتاريخ يسرد لك تاريخ المشاكل بالأساس ثم بالفلسفة تصبح قادرا على تحليلها..وعندي أن الفيلسوف العالم بالتاريخ والمسالم هذا أدق الفلاسفة على الإطلاق، وبإضافة النشاط – كما أوضحت في المقدمة – يصبح الفيلسوف وقتها كنز إنساني لا يُقدّر بثمن..

عاشرا وأخيرا: الفلسفة ليست علم بل وسيلة لبلوغ العلم..طريقة تفكير بشرية تختلف من شخص لآخر أحيانا تخطئ وأحيانا تصيب، وهذا يعني أنه ليس الحصول على لقب فيلسوف نهاية المطاف، هناك من يطلق عليهم فلاسفة وهم أغبياء ناقشوا قضايا بتصورات ومقدمات خاطئة - تبعا لطريقة تفكيرهم – كما قلنا – وطالما الجذر خاطئ فالنتيجة حتما ستكون خاطئة، والفلاسفة اليونان هم أولم انتبهوا لتلك الجذور وقامت طرق تفكيرهم على سؤال واحد: كيف تكون ذكيا؟..فالذكاء يتطلب منك الخروج من الصندوق وعدم الخضوع لطريقة تفكيرك الشخصية، وأن تهتم بوجهات النظر الأخرى بمناقشة موضوعية عن طريق طرح الاحتمالات ولو لم يقلها أحد، لكن تصورك لحجج المعارضين والرد عليها هو ذكاء مطلوب.

أرى أن مسببات الغباء لو تم تلافيها سنفهم الفلسفة من أقصر الطرق، فمن أعراض الغباء التعصب والدوجمائية..أي الاعتقاد بفكرة دون مناقشتها ثم تقديسها لدرجة تعنيف كل المعارضين،وأكثر من يعاني من هذا الغباء هم المتشددين من كل الأديان والنماذج، ذلك لأنهم التزموا بأشهر مسببات الغباء ك (التقليد والنسق الواحد) أي يفكرون بنمط وشكل واحد لا يغيروه، هذا يسبب اغتراب للإنسان عن واقعه، ويبدأ في تبني أوهام وعرضها كحقائق غير قادر على تجاوز هذا النمط..رغم أنه لو فكر قليلا سيدرك أن هناك من يدفعه للتمسك بهذا النمط ويستفيد منه شخصيا كرجال الدين والقادة السياسيين أحيانا.

النفس عموما تنزعج من الجديد ولا تسلم له بسهولة، نحن لم نفارق بعض غرائزنا الحيوانية بعد، فالحيوان لو اعتاد على سماع الجرس قبل طعامه وظل هكذا سنوات ثم عرضت له طعاما دون جرس لن يأكل ويظن أن في الأمر خدعة أو خطرا ما..نفس الشئ نحن لا زلنا نرى أي جديد كخطر أو خداع لمصالح آخرين..ثم إذا اطمأننا له قبلناه كما يقبل الحيوان طعامه بعد ذلك دون جرس 
ولكن بعد جهد ومشقة لإقناعه أن هذا شئ عادي

*
الشك.. في الحضارة الغربية

كان لكلمة «الشك» دور حاسم في تقدُّم البشرية، وفي بناء الحضارة الغربية بالذات، التي وضع التساؤل والشك أسسها ومهّد الطريق لتقدّمها، ودفعها الى عدم الركون الى الغيبيات في تفسير الظواهر الكونية والبشرية.

عاش الإنسان بجوار أنهار ووديان وصحارٍ شاسعة، لا يُتخيّل طولها وعرضها، وشاهد الأمطار والرياح العاتية، وخبر الزلازل وسمع الرعود، ومع هذا بقي لمئات آلاف السنين ينظر لها ببلاهة وعجز تماما في تفسير ماهيتها، أو تجنّب شرورها او الاستفادة من خيراتها. وفي الماضي، ولا يزال الأمر كما هو في دول كثيرة، كان لكل قبيلة أو جماعة ساحر او عالم يعطي تفسيرا لكل ظاهرة أو أمر غريب، وفق تصوّره. ولا تزال عملية استفادة البعض من جهل الدهماء سارية وبفعالية كبيرة، وحقق الكثيرون من ورائها الملايين، ومنهم دعاة ورجال الدين، إضافة الى محترفي النصب والاحتيال.

ثم جاء بشر مختلفون آمنوا بفضيلة التساؤل، و«شكّوا» في كل ما سبق أن سمعوه من الغابرين، وقرروا خوض غمار التجربة، وسعوا في إمعان التفكير في السبب أو السر وراء هذه الظواهر فتتالت الإجابات بعد أن سقطت الخرافات وانقشعت سُحب الجهل وظهرت الحقائق الواحدة، تلو الأخرى، فعرفنا أننا لا نشكّل شيئا في هذا الكون البالغ الاتساع، واننا نتبع مجموعة شمسية، يوجد مثلها في الكون المليارات، واننا نعيش على كرة مستديرة تلف بنا مرة كل 24 ساعة، وان هناك بحارا ومحيطات واسبابا تجعل الأمطار تسقط، والرياح تهب، والزلازل تقع، ولا شيء يحدث عبثا، بل لكل أمر سرّ وخبر، يتطلب الأمر كشفهما ومعرفتهما.. ونشرهما.


ثم تقدّمت البشرية، أو العلم البشري خطوة، واصبحت تتساءل أو تشك حتى في أقوى ما جرى الاتفاق عليه من وقائع أو حقائق، وما أزيل الشك عنه، فطالما شك الفيزيائيون في أن ميكانيكا الكم تسمح لمراقبين اثنين مثلا بتجربة حقائق مختلفة ومتضاربة، وقاموا بإجراء تجارب أثبتت ذلك، وسميت تجربة «وينر وصديقه» نسبة الى عالم الفيزياء وينر، والتي تُبيِّن كيف أن الطبيعة الغريبة للكون تسمح لمراقبين اثنين بتجربة حقائق مختلفة، والتي فتحت المجال لاستكشاف طبيعة القياس وللتجادل حول إمكانية وجود حقائق موضوعية، لكن إذا واجهوا حقائق مختلفة، كما تذهب الحجة، فكيف يمكنهم الاتفاق على ما قد تكونه هذه الحقائق؟

الخلاصة التي نبتغي الوصول إليها من هذا المقال أن المجال يجب أن يبقى مفتوحا، وألا نسلّم بأي أمر، فالبشرية إن سلّمت بكل شيء كما نراه بالعين المجردة فستجمد وتفنى، وما علينا غير طرح أكثر الأسئلة تعقيداً، من دون خوف أو تردد، ومحاولة الإجابة عنها.

*

كلنا فلاسفة

أغلب الظن أنك تعتنق فلسفةً بعينها، أو مزيجاً من فلسفات متنوعة..

مثلاً: لو أنك تعتبر أن هذا العالم هو أفضل العوالم الممكنة، وأن كل ما يقع فيه من أحداث يقع لسبب. وأن علينا تقبل البلاء كما نتقبل النعم.. بتسليم كامل، وبلا مبالاة بهذا أو ذاك، فأنت تتبع نهج «الراوقيين» وفلسفة «زينو» وأبيكتيتيوس.. دون أن تدري!

لو أنك ترى أن ما يحدد مسار الإنسان فى الحياة، والقيم التى يعتنقها والثقافة التى يتبناها هو وضعه الاقتصادى، ومكانه فى منظومة الإنتاج السائدة فى المجتمع.. فأنت تعتنق فكر ماركس.

لو أنك تُقدر أن الحكم على الأفعال والتصرفات يكون بنتائجها، وليس بأى شيء آخر، فأنت من أتباع «بنثام» وأصحاب المدرسة النفعية.

أما لو كنت تؤمن بأن ثمة قواعد أخلاقية مُطلقة يتحتم اتباعها مهما كانت النتائج، ويُحظر خرقها مهما كانت التبعات.. فأنت من أتباع «كانط».

لو أنك ترى الله فى كل شيء فى العالم.. فأنت تعتنق فلسفة «سبينوزا».

لو كنت تؤمن بأن العقل شيءٌ فريد، ويختلف تماماً عن أى شيء آخر فى الكون، وأن الكون مكونٌ من ثنائية العقل والمادة.. أو الروح والجسد.. فأنت من اتباع «ديكارت».

أما لو كنت ترى أن المادة هى كل شيء، وأن العقل ذاته ليس سوى حصيلة تفاعلات مادية تجرى داخل أدمغتنا.. فأنت من أنصار الفلسفة المادية.

جميعنا، والحال هذه، يعتنق فلسفة ما عن العالم، وكيفية حدوث الأشياء فيه، والطريقة المُثلى للعيش. نحن فلاسفة.. حتى رغم أنوفنا!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق