Aug 21, 2021 Feb 5, 2022 Feb 8, 2022 Mar 2, 2022
الفلسفة التشاؤمية في كتاب (الوجود والعزاء) سعيد ناشيد
الفلسفة نواة العقل التأملي والعلم الذي يرشد البشرية إلى التعايش مع محن الحياة وتقلباتها
ولا أقصد التشاؤم والخيبة من المنظور السلبي والمدمر للإنسان، ولكن هي الرؤية الشاملة للأخلاق التي تسعى إلى مواجهة الواقع المؤلم والتوقعات غير المرغوبة .
إن الأمل يقدم للناس مشاعر التخدير المؤقتة ولكن الخيبة تجعلنا نتقبل المصائر وتدفعنا للعمل والمضي قدمًا.. ينتقل سعيد ناشيد في كتابه المبهر (الوجود والعزاء) متحدثًا عن الأمل: «ليس الأمل سوى نوع من الأوهام التي قد توظفها بعض الأيديولوجيات الغائية لأجل السيطرة على الناس عبر التحكم في آرائهم وانفعالاتهم ورغباتهم، كما أن الحنين ليست سوى فخ حزين قد تستثمره بعض الأيديولوجيات الأصولية من أجل شلِّ قدرة الناس على الحياة والفرح والإبداع
تطرق أيضًا في هذا الكتاب إلى تصنيف حوادث الحياة إلى قسمين، مستندًا لتقسيم فرويد إلى نظرية الغرائز، القسم الأول غريزة الموت (الثاناتوس)، القسم الثاني غريزة الحياة (الإيروس).
الغريزة الأولى وهي غريزة الموت والدمار وفي خضم حوادث التاريخ وحروبه هي تمثل مبدأ الخلاص وأنها تجعل الإنسان يصارع بكل قوته على أمل أنه سينتهي هذا القتال يومًا ما بعد كل هذا الدمار والهدم الذي ستجنيه يديه والذي قد يطول لسنوات وسنوات..
ذلك هو الأمل الذي سيكون هلاكًا محدقًا للبشرية لا محالة.
أما الغريزة الثانية وهي غريزة الحياة يمثلها مبدأ التشاؤم والخيبة الذي بدوره سيكون خطوة بارعة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والنظر إلى اللحظة الحالية وما يمكن العمل عليها.
إن منهج التشاؤم الدفاعي وهو جزء من المذهب الشبنهاوري في الفلسفة الذي يقدم لنا حصانة نفسية لكل ما نمر به من عقبات.. هو نوع مختلف من الإيجابية يزرع في نفوسنا الاستقرار والتقبل.
كتاب (الوجود والعزاء) جعلني أنظر لمفهوم الخيبة بوجهها الآخر «الخيبة لا تعني الاستسلام والخضوع بل تعني عكس ذلك تمامًا الشجاعة والعلم والعمل
*Jul 3, 2021
قد اعتبر شوبنهاور التناسل هو الغرض النهائي لكل كائن عضوي، وهو أقوى الغرائز، كما يعد الوسيلة الوحيدة التي تمكن الإرادة من قهر الموت. ولكي تضمن هذه إرادة الحياة استمرار التناسل تعمدت أن تجعل الغرائز الحيوانية بعيدة عن رقابة العقل. لأنه لو كان للإنسان أن يتحكم في غرائزه ويضبطها بشكل عقلاني لكان هذا أكبر تهديد للنوع البشري إن لم نقل أنه سيؤدي إلى انقراضه بشكل تام.
سبب تشاؤم شوبنهاور فهو يعود إلى اكتشافه لمعنى جديد للجبرية التي لا مفر منها وتتمثل في إرادة الحياة التي تقذف بالإنسان نحو أقدار لا يختارها هو والمعضلة أنه يظن بأن له حرية الاختيار كونه مميزاً بملكة العقل، لكن حسب شوبنهار فالإنسان لا يفعل إلا ما تريده غريزته أي إرادة الحياة.
قد حصر شوبنهاور حياة الإنسان بين ثنائية الألم والملل فقد كان يرى أن الحياة شر لأنه لا يكاد الإنسان يشعر براحة من الألم والحاجة حتى يتملكه شعور بالسآمة والملل مما يدفعه إلى البحث عن شيء يعوضه شعوره بالملل والسآمة، ليبدأ بذلك في مواجهة المزيد من الألم وقد قال شوبنهاور في هذا السياق أن «الحياة بندول يتأرجح بين الألم والملل».
رغم هذا الفكر التشاؤمي كان شوبنهاور يرى الانتحار للتخلص من سجن الحياة وإرادتها هو عبث وسخافة لأن الإرادة لا تموت مع موت شخص واحد بل هي مستمرة وخير دليل على ذلك آلاف المواليد الذين يغذون إرادة الحياة يومياً ولذلك كان يرى شوبنهاور أفضل الحلول هو أن يتحلى الإنسان بنوع من الزهد في الحياة ويبحث عن المعرفة والعلم ليتمكن من تخفيف حدة إرادة الحياة الكامنة داخله، فالإنسان حسبه تغلب عليه الإرادة أكثر من المعرفة أما العبقري فتغلب عليه المعرفة وتقل الإرادة.
*
العالم في حقيقته ما هو إلا إرادة، بمعنى أن يكون متخماً بالعذاب والألم. فالإرادة لا تعني سوى الرغبة، وطالما كانت هي رغبة فإن (عدم الإشباع) صفة من صفاتها،
يتعذر إشباعها (فالرغبات تتوالد)، والإنسان يحمل في داخله إرادة جائعة، إن جاز التعبير، فإن أزاحها (أي حقق مبتغاها) حلّت مكانها على الفور رغبة أخرى... وهكذا إلى ما لا نهاية.
شخصية الإنسان تكمن في إرادته، وليس في عقله، فالدم الذي يجري في الجسم، الإرادة هي التي تدفعه، والعقل قد يتعب، أما الإرادة فإنها تعمل حتى في حالة النوم. فيصور الحياة كأنها شر، لأنه «كلما ازدادت ظاهرة الإرادة كمالاً ازداد العذاب وضوحاً»، فيقول «إن زيادة المعرفة في الإنسان تؤدي إلى زيادة آلامه، كما أن ذاكرة الإنسان وبُعد نظره يزيدان في آلامه، لأن الشطر الأكبر من آلامنا كامن في تأمل الماضي أو في التفكير بما سيقع في المستقبل».
المعضلة تتضح في الوحل المادي الذي غرق البعض منّا فيه، وبات همه السعي خلف الرغبات والشهوات والملذات، كأن الحياة ما هي إلا حلبة لإبراز قدراته النرجسية وفرديته المغالية في الاستحواذ، ناهيك بفئة أخرى احتقرت الدنيا والذات وفقاً لقناعات ليست بالضرورة أن تكون صحيحة، فكانت نهايتها إما التقوقع ورفض المجتمع وإما الانتحار والموت الحزين. يبدو أن الإرادة الإيجابية تدفع باتجاه النجاح والإنجاز في حين أن الإرادة السلبية تقود إلى الفشل والخذلان والسقوط.
يعيش الإنسان صراعاً ذاتياً ما بين طموحه وشهواته... ما بين النجاح والفشل... ما بين رغبة في الصعود والخشية من الانحدار؟ يرى الفيلسوف نيتشه أن كل ظاهرة في العالم هي، على الأقل، علاقة بين قوتين: إحداهما تهاجم والأخرى تقاوم، وكلتاهما تدخل في صراع مع الأخرى. وهذا الصراع يؤثر على بقية القوى الأخرى كافة. فمفاهيم إرادة القوة لا يمكن أن تتشكل إلا من ثنائية وهي الحد الأدنى لها.
نيتشه في هذه الجزئية تحديداً «لا يمكن أن تظهر إرادة القوة إلا من خلال علاقة مقاومة. إنها تبحث عمّن يقاومها... وتبحث عن المواجهات، والصراعات. إنها تبحث إذاً، ونسبياً عن وحدات عليا محددة». والوحدة التي يقصدها هنا يجب فهمها كوحدة تضم علاقة قوى، أي هجوم ومقاومة، فعل ورد فعل.
هناك إرادة الإنجاز والنشاط والتفاعل وتقابلها إرادة معاكسة تتمثل في الكسل والخمول والإهمال. ولو أردنا وصف ما يحصل لكل قوة من خلال إرادة القوة كعلاقة، فإنه يجب القول إن كل قوة تبسط هيمنتها وتسلطها على القوى الأخرى في الوقت نفسه الذي تقوم فيه القوى الأخرى بمقاومة هذه القوة. لذلك فإن عزل أي قوة ليس له معنى يذكر. فكل تنازع داخل ذات الإنسان يجب رؤيته كتعبير عن مباراة بين طرفين أو أكثر وصراع قوى بعضها ضد بعض. والشيء نفسه يصدق على العالم في كليته، فهو ليس إلا عالماً من علاقات القوى حيث يرى أنه: «لا يوجد عالم في ذاته: إنه أساساً عالم علاقة».
الرغبة لها تفسير سببي وتفسير علّي، وثمة فارق بينهما، ولعل في مثال د.عبد المنعم الحفني توضيحاً للفارق بين هاتين المترادفتين في علم الفلسفة، فلو ذهبت إلى السوق لشراء الخبز، فإن سبب ذهابك يكون الخبز أو شراءه، (وهو قصد تريده وتتكلف له)، بينما علة ذهابك هي اعتقادك بأن بيتك يخلو من الخبز، أو إحساسك بالتعاطف مع أسرتك.
*Jan 20, 2022
الوهم أننا ندرك العالم بواسطة مفهوم السببية الفيزيائية والمنطقية والرياضية والأخلاقية، في حين
أن العالم الحق، أي جوهر الموجودات كلها، يختبئ وراء المظاهر الخداعة، لا نبلغه إلا بواسطة حدس عظيم يخترق جدار الأحداث الكثيف. إنه عالم عجيب غريب، لا منطق فيه ولا تسويغ له، تسيره إرادة في الحياة تتجاوز مشيئة الأفراد.
وعلاوة على العبثية المربكة هذه، ينطوي عالمنا على أسباب المأساة والألم، إذ إن الرغبة الإنسانية التي بها تفصح إرادة الحياة عن نفسها إنما تخدع الإنسان خداعاً مروعاً، فتزين له أنه يسعى إلى منفعته الوجودية، في حين أنه ما برح خاضعاً لأقدار الوجود تتقاذفه على إيقاعات الاضطرابات الكيانية والنفسية، وأعظمها اضطراب الرغبة التي لا يشبعها الفوز بمبتغاها.
أفلاطون وأرسطو وكانط وسبينوزا
يظل شوبنهاور في طليعة الثوار الذين ألهموا فلاسفة التشكيك والمخالفة والانتهاك والخلف، وفي مقدمهم نيتشه وماركس وفرويد.
الشيء في ذاته الذي استقصى كانط جوهره، وماهية الكائنات كلها، إنما هو الإرادة الحرة. لذلك يأخذ على كانط اقتصار تحليله على فعل الإرادة الحرة تفعل فعلها في الطبيعة كلها، والوجود كله، والكون كله. فلا يتورع عن انتقاد كانط: "لم يبلغ كانط بفكره الحد الأقصى، فإذا بي أواصل عمله ليس إلا. في إثر ذلك، ما كان يقوله كانط حصراً في الظاهرة الإنسانية، بسطته أنا على كل ظاهرة من الظواهر عموماً". يخالف شوبنهاور ثنائية ديكارت، إذ يرى في الإرادة المبدأ الأصلي الذي يحرك الكائنات، ويحيي الموجودات، وينشط الحياة. ظل على مثالية كانط، ولكنه أجرى عليها بعض التعديلات. فإذا بالعالم يتحول إلى التصور الذي أنحته أنا عليه. العالم هو ما أتصوره.
من الواضح أن شوبنهاور اصطدم اصطداماً حادا بفلاسفة المثالية الألمانية (فيشته وشلينغ وهيغل)، وعاب عليهم إخضاع الفلسفة لمقاصد اللاهوت وعلوم الدين. في الأصل، يرفض شوبنهاور التمييز الكانطي بين العقل والفاهمة، وينسب كل أعمال الفكر إلى التصور، إذ إن المفاهيم العقلانية كلها ليست سوى "تصورات التصورات" تساعدنا على ضبط المعارف المباشرة وتصنيفها، ولكنها لا تنتج معرفة حقيقية على الإطلاق. لذلك ينبغي محاذرتها، كما يحاذر الرجل المرأة: "ثمة أمر أنثوي في طبيعة العقل، فإنه لا يعطي إلا عندما يكتسب".
*
إميل سيوران.. أستاذ "اليأس" و"السوداوية" (1911-1995) *******
Aug 7, 2021 Nov 21, 2021
أشبه بـ"سيزيف سعيد"، كذاك الذي طالبنا ألبير كامو بتخيُّله
"ما أسعد من لم يولدوا أبداً! يحملني مجرد تخيل نفسي في وضعهم إلى سعادة لا نظير لها، يا لها من حرية! وما أرحبه من فضاء! كان من الأحسن لي أن أكون كما لو أنني لم أكن". ولعل ذلك ما دفعه إلى أن يُمنِّن أبناءه الذين لم يرغب في مجيئهم بالسعادة التي يدينون له بها.
"أن لا نولد هي أمثل صيغة وجود على الإطلاق"، إلا أنه يقترح السخرية سبيلاً لمداواة الحياة، والضحك أداةً فعَّالة من أدوات مواجهة العدم.
صاحب "مثالب الولادة" أن "السخرية هي الانتصار الحقيقي والوحيد على الحياة والموت"، وأن "الضحك هو المبرر الكبير للحياة"، مضيفاً: "حتى في أعمق لحظات اليأس، كنت قادراً على الضحك. هذا ما يميز الإنسان عن الحيوان. الضحك حالة عدمية، تماماً كما يمكن للفرح أن يكون حالة مأتمية".
الراغبين في إنهاء حياتهم، بأنهم سيُحرَمون من سعادة السخرية منها. ولعل في ذلك رداً على من يتهمونه باستمرار بأن يُحرِّض على الانتحار، في حين أنه يعتبرها الفكرة الوحيدة التي تتيح للإنسان أن يعيش، فما دام يستطيع بها أن يغادر هذا العالم متى شاء، فإن ذلك، بحسب سيوران، يجعل الحياة محتملة.
لا اختيار لنا سوى بين حقائق قاتلة وخدع شافية"، كما يقول سيوران، فإنه يؤثِر من تلك الخدع الموسيقى، والتي يصفها بأنها "ملجأ الأرواح التي جرَّحتها السعادة"، وبأنه ليس غيرها أصلح لإنشاء شراكة لا تنفصم بين كائنين، ولا سيما أن العاطفة "قابلة للفساد"، وهي تتلف مثل كلّ ما ينتمي إلى الحياة.
من المعروف عن سيوران أنه لم يلتزم بعمل حتى سن الــ 47، حيث عاش قسطاً وفيراً من حياته معتمداً على المنح الدراسية، بما فيها تلك التي جعلته طالب دراسات عليا في جامعة السوربون من أجل بحث فلسفي متقدم، لكنه لم يكمل دراسته، بل آثر أن يُغذّي نسغ روحه وكتاباته من القراءة والمعايشة والتفكير الذي ينطلق من الحياة ويعود إليها.
رغم ما يبدو من أن صاحب "الاعترافات واللعنات" موزع يأسٍ ومثبط عزائم بامتياز، فإن تشاؤمه يبقى من أعذب ما يقرأه قارئ، بل تتحول نظرته السوداوية إلى سعادة أبدية فعلية، وقد يدفع قارئه إلى تفاؤل ما، بحيث تعطي كلماته ضد الحياة المُرّة معنى ما للحياة ذاتها
العدمية تؤدي إلى الجمالية".
*
الأغبياء وحدهم من وجهة نظره هم السعداء.
المرء يحتاج إلى أن يكون غبيا لا من أجل أن يشعر بالسعادة بل من أجل أن يشعر أنه لا يزال يقاوم عبث الحياة.
كل أسباب الحياة تجبرنا على الشعور بسعادة لسنا مسؤولين عنها
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق