Oct 10, 2018
لو فوجئت بما أقوله لك الآن.. وغضبت أو سخرت وشتمت أو انفعلت وبالغت في رد فعلك.. فسأبقى كما أنا، رافضاً خداعك كما تخدع أنت نفسك أو يسعدك جدا أن يخدعك الآخرون.
فلا مصر أجمل بلد في الدنيا.. ولا نحن الشعب الأقوى والأذكى. وأظن أنه كفانا كلنا خداعا لأنفسنا، فنحن استسلمنا كثيرا وطويلا لهذا الخداع
وإن كنت أنت تعارضني وستبقى كذلك مصدقا أننا أحسن شعب في العالم وأن بلدك حاليا هو أجمل بلاد الدنيا،
نحن في مصر كنا طوال الوقت نريد أن نكون كالأوروبيين أو الأمريكان ولكن لم نكن على استعداد لأن ندفع اي ثمن على الإطلاق. فتلك الشعوب تحملت كثيراً.. صبرت كثيراً.. سددت فواتير الصراعات والدم والحروب الأهلية والخوف والموت حتى تنعم الآن بكل ما هي فيه. أما نحن، فلا أعرف من أين أتينا بهذا التصور الغريب الذي سمح لنا بأن نحلم بالانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية.. ومن دولة الفساد والظلم إلى مجتمع العدل والنور.. ومن زمن العشوائيات والتخلف والفقر إلى أيام الاستقرار والرخاء والبناء.. وكأننا نستقل سيارة أجرة تنقلنا من هنا إلى هناك.. ومن ميدان إلى ميدان.. أو كأننا نستعد للنوم في بلد وسنستيقظ لنجد أنفسنا في بلد آخر. وفي الحقيقة، حتى سيارة الأجرة يجب أن ندفع لها ثمنا. والانتقال من بلد إلى بلد يلزمه تخطيط وأعباء وترتيبات وتضحيات لابد أن نقوم بها أولا قبل الوصول إلى مكاننا الجديد.
الذي يريد أي تغيير في حياته عليه أن يدفع أولا ثمن هذا التغيير
النساء في البيوت يشكين غلاء الأسعار.. أسعار الطعام والتعليم والدواء والثياب وكل خدمات الحياة ولوازمها. والرجال يشكون مظالم العمل ومطبات وعوائق في أي مجال. وكلهم معا يشكون غياب العدل وتضييع الحقوق وإهدار المكانة والكبرياء في أي مكان وأي وقت ولأي سبب. وحين يجري ما هو من شأنه تغيير كل ذلك، تجد هؤلاء النساء والرجال يرفضون هذا التغيير ويخافون منه او يرفضون سداد ثمنه. أي أنهم لا هم راضون عن حياتهم التي كانت، ولا هم يريدون التغيير لحياتهم التي ستكون.
أما أهم دروس حياتنا على الإطلاق، التي تعلمناها بعد كل هذا الذي جرى طيلة السنوات الماضية فهو ألا نمنح أي أحد بعد ذلك مهما يكن مكان هذا الشخص أو مكانته وسيرته وصورته، تأييدنا الكامل وثقتنا المطلقة دون قيد او شرط، ودون حق الحساب والمراجعة والمساءلة.
من اليوم أصبحنا نعرف أننا لا نحتاج إلا إلى موظفين فقط يعملون عندنا ومن أجلنا. موظفون بدرجة رئيس جمهورية ورئيس حكومة ورئيس برلمان ووزراء ونواب ومحافظين ومدراء. يعملون كلهم بصلاحيات محددة وشروط مؤكدة ولفترة معلنة. فلن تخدعنا بعد الآن أي أقنعة زائفة أو وجوه مزورة أو شعارات خادعة. ولن نذهب مرة أخرى الشهر العقاري لتسجيل توكيل عام ومطلق باسمنا لأي أحد من هؤلاء السياسيين والعسكريين والمسؤولين والإعلاميين، ونتحول نحن إلى مجرد كتلة أسماء وأرقام يتاجر بها أو يتفاوض عليها أو يحتفظ بها في جيبه أي من هؤلاء. فقد كنا معظم الوقت من الوداعة والطيبة بحيث سمحنا لكثيرين بخداعنا والمتاجرة بنا والحديث والقرار بالنيابة عنا، سواء أكان هؤلاء الكثيرون كباراً أصحاب خبرة وتجربة أو شبابا أصحاب ثورة وجرأة، أم كانوا شيوخا وقساوسة وأساتذة وعلماء ورجال قانون وسياسة وأفاقين ولصوصا ومهرجين وممثلين.
يكفي جداً التفاتة سريعة وعابرة نقوم بها الآن كلنا إلى الخلف قليلا لندرك كم مرة تعرضنا للخداع من سياسي أو مسؤول أو إعلامي. وقتها، سنكتشف كم مرة كنا مضحوكا علينا
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق