الأربعاء، 2 مارس 2022

العرب مجتمعات تعيش بلا أسئلة *********** كاهنة عباس تونسية . الفن العربي هش أمام المنظومة الدينية الفقهية

  تساهم الأسئلة في النموّ الفكريّ للأشخاص، فإنّها تساهم أيضا في تطوّر الثقافات ونموّها لتحدث في مرحلة ما قطيعة معرفيّة، فالسّؤال هو الذي يفتح أفق البحث في ميدان معيّن.

Mar 7, 2021 Aug 8, 2021

إذا ما سلّمنا جدلا بأن لا وجود لمعرفة مكتملة، أثبتت تطابقها التّام مع الواقع، سننتهي إلى القول إنّ كلّ معرفة مهما كان الحقل الذي تنتمي إليه علميّا أو فلسفيّا أو أدبيّا هي قابلة للمساءلة، أي لإعادة النّظر في ما وصلت إليه بطرح أسئلة جديدة.

لذلك، كانت الأسئلة هي المفتاح الأصليّ لكلّ بحث واكتشاف، إذ تكمن مهمّتها في زعزعة المسلّمات وتفكيك شبكة المعلومات السّائدة في عصر ما، قصدَ فهمها واكتشاف أسسها.

معنى ذلك، فإن التّفكير يبدأ بطرح سؤال أو عدّة أسئلة كنقطة بداية لكي يبني تصّوره للواقع، فليس من باب الصّدفة أن يكون سقراط أبًا للفلسفة اليونانيّة، وذلك لتوخّيه منهج طرح الأسئلة واستنباطه لطريقة من طرق البحث عن الحقيقة سميّت بتوليد الأفكار.

تحتاج العلوم في شتّى الاختصاصات صحيحة كانت أم إنسانيّة إلى طرح جملة من الأسئلة، فعلى سبيل المثال، لا يمكن للطبيب أن يشخّص مرضا إذا لم يطرح على المريض جملة من الأسئلة، ولا للمؤرّخ أو عالم الاجتماع أو الطبيب النفسيّ أن يتحقّق من فرضيّة أو أن يصل إلى استنتاج أو أن يحيط بظاهرة نظريّة كانت أم واقعيّة في غياب طرح الأسئلة، وهي نفس الوسيلة التي يعتمدها الصحافيّ للتقصّي في واقعة ما، أو القاضي في مجال عمله للبتّ في نزاع أو الحكم بإدانة الجاني عند ارتكابه لجريمة.

 للأسئلة غايات مختلفة، فالسّؤال الّذي يرمي إلى فهم موضوع ما، ليس بسؤال الاستفسار ولا هو بسؤال الشّك ولا بسؤال الاستنكار، أما الفرق بينها جميعا فيكمن في مدى إعادة النّظر في الموضوع المطروح وكيفيّة تلقيه وقراءته.

 المنهج الديكارتي الذي اعتمد الشّك إلى اكتشاف الذّات المفكّرة أي الذّات التي مارست “فعل التّساؤل”، عندما أعاد ديكارت النّظر في كل المعارف والآراء الّتي تلقّاها وفي المعلومات التي كان يتقبّلها بواسطة حواسّه، بل وحتّى في وجوده الشخصيّ ليستنتج ما جاء بقولته الشهيرة “أنا أفكّر فأنا موجود” كي يقرّ بوجود “الكوجيتو”، المفهوم المؤسس للفرد مع ما أنتجه في مراحل تاريخيّة لاحقة من ظهور قيم وحقوق تعترف بذلك الفرد سياسيّا واجتماعيّا كذات مستقلّة عن العائلة والدولة والجماعة.

تُؤسس مناهج التربية على التلقين والنّقل لا على التساؤل والبحث، لأنّ الهدف منها ليس تنمية ملكة الخلق والإبداع لدى الفرد بل تغليب الاتّباع والتقليد والخضوع للنّظام القائم وللسّلطة في جميع مظاهرها.

لذلك تهدر جميع قدرات الفرد وإمكانياته الفكريّة في أيّ بيئة كان، سواء في العائلة أو المدرسة أو الفضاء العموميّ وتقيّم رغبته في المعرفة الّتي يعبر عنها بواسطة التّساؤل على أنّها علامة عجزه عن الفهم والاستيعاب، لا على أنّها تنبع من حاجته الملّحة إلى الاستطلاع والاكتشاف، ممّا يفقده القدرة على بلورة أبسط الأفكار أو ممارسة الفكر النقديّ بإعمال العقل للتّثبت من صحّة أو زيف ما يتلقّى من معتقدات وآراء ومعلومات.

ففي مجتمعات تقليد السلف التي تغلب فيها النزعات الأبوية، يحاصر السّؤال داخل دائرة المحظورات، لأنّ الحقيقة ليست قيمة في حدّ ذاتها، إذ تدرس العلوم باعتبارها معطيات جاهزة للنّقل والتداول، لا باعتبارها مجموعة من الحقائق النسبيّة القابلة للشّك والتجربة، فالعالم في ثقافتنا معلوم معروف بواسطة النّقل ولا يحتاج إلى أن نكتشف حقائقه.

لسه مقال الفتوي ****** 

وهي من بين الأسباب التي جعلت العالم العربيّ لا ينتج مفاهيم فلسفيّة ولا علوم ولا معرفة رغم تاريخه العريق وإمكانياته الإنسانيّة والماديّة الضّخمة، بل إنّه لم ينتج بعد “حداثته”، لأنّه لم يواجه بعدُ لا تاريخه ولا العالم من حوله بجرأة وشجاعة، لكي يطرح على نفسه جملة من الأسئلة.

فلو رجعنا إلى بدايات القرن العشرين، إلى السّؤال الذي طرحه الكاتب شكيب أرسلان في كتابه بعنوان “لماذا تأخّر المسلمون وتقدّم غيرهم؟” لتبيّنا أن مثل ذلك الطّرح كان له تأثير بالغ في تحديد القضايا الفكريّة الكبرى خلال العقود اللاحقة، إذ تفرّعت عنه مسائل عديدة، منها: الأصالة والحداثة، الهويّة والآخر، علاقة المجتمع العربيّ الإسلاميّ بتراثه وماضيه.

المثال لا الحصر: الدّراسات التي اهتمّت بالفتنة الكبرى في التّاريخ العربيّ الإسلاميّ بوصفها لحظة سياسيّة فارقة ما انفكّت تنتج صراعات عنيفة حول السّلطة، النّقاش الّذي لم ينقطع حول حقوق المرأة ومكانتها في المجتمع والأسرة وخروجها إلى الفضاء العام، على المستوى الأدبيّ: الخلافات التي أثيرت حول قصيدة الشّعر الحرّ ثّم حول قصيدة النّثر، أمّا بالنسبة إلى المستوى الفلسفيّ فملامح الفرد لم تحدد بعدُ، رغم ما يمتلكه من عقل ونفس ووجدان ولم تحسم ضرورة استقلاليته عن الجماعة والعائلة والدولة والطائفة، أي أنّ الإشكال يتعلّق بمسألة الاعتراف بوجوده وبحريته وبقدرته على الخلق والإبداع والتميّز.

إعادة طرح أسئلة أخرى تخصّ علاقة مجتمعاتنا بالتّاريخ، بالإنسان، وبالعالم من وجهة نظر أخرى، فلا تضعنا في مواجهة مع الآخر من خلال تلك المعادلة التي فرضتها الحقبة الاستعماريّة بثنائياتها المتنافرة: نحن/ هم، تأخرنا/ تقدموا… بل في إطار أشمل وأوسع يتعلق بإعادة الاعتبار إلى الإنسان كقيمة في حدّ ذاته، لقدرته على التّغيير والفعل والانخراط في التّاريخ الإنسانيّ والمساهمة في تطوّره.

*

ثقافة متوسطية يمكنها تغيير وجه العالم

انتحار البوعزيزي اتخذ بعدا سياسيا، إذ بات فعلا تحرريا حرّض الشعب بجميع أطيافه على أن يثور ليطالب بالعدالة والمساواة والحرية.

اندلعت الثورة التونسية حين أضرم محمد البوعزيزي النار في جسده للتعبير عن احتجاجه، بعد أن افتكت منه بضاعته ومعداته التي كان ينقلها على متن عربته المتجولة بدعوى مخالفة القانون. حدث ذلك في السابع عشر من شهر ديسمبر ألفين وعشرة.

كان انتحاره إذن ضربا من ضروب الاحتجاج السياسي لوقوعه بالفضاء العام أمام مبنى محافظة سيدي بوزيد التونسية، مما شجع الناس على تجاوز مخاوفهم والخروج إلى الشوارع للإفصاح عن استيائهم من النظام الاستبدادي للرئيس زين العابدين بن علي فاتسعت رقعة المسيرات والاحتجاجات لتشمل جل مناطق البلاد.

 وبعد سقوط النظام اتخذ انتحار البوعزيزي بعدا سياسيا، إذ بات فعلا تحرريا حرّض الشعب بجميع أطيافه على أن يثور ليطالب بالعدالة والمساواة والحرية.

عدم جواز إسناد الانتحار إلى الثقافة العربية الإسلامية التي تحرّمه، 

* Jul 11, 2021

مركزية الدين وهامشية الفن

الثقافة ليست ترفا أو أداة للتسلية أو وسيلة تستعملها السلطة الحاكمة لترسيخ سيطرتها على المجتمع، فلو رجعنا إلى الثقافات القديمة: الفرعونية، اليونانية، الرومانية، لاستنتجنا أن ما بقي منها بعد اضمحلالها هي خصائصها، تلك التي جعلت شعوبها تتميز عن غيرها من الشعوب على امتداد التاريخ.

علاقة الإنسان سواء بغيره أو بالعالم أو بالغيب.

لذلك منحت اليونسكو الثقافة مفهوما شاملا باعتبارها المميزات المعنوية، الروحية، الفكرية والعاطفية التي تميز مجتمع ما أو مجموعة اجتماعية مع ما اشتملت عليه من فنون وآداب، وأنماط الحياة والحقوق الأساسية للإنسان ومنظومة القيم الاجتماعية والتقاليد والمعتقدات
فالثقافة ليست فرعا لنشاط أو لمجال ما، بل هي المرجع بما في ذلك التأسيس للسلطة السياسية والمعنوية والعقائدية والروحية.

 قصور الثقافة العربية الإسلامية عن الانخراط في المسار التاريخي للإنسانية.

فالإحصائيات تثبت أن مجتمعاتنا في العالم العربي لا تقرأ وقلما تهتم بالفنون مثل المسرح والفنون التشكيلية التي مازالت تعتبر نخبوية، أما الإنتاج السينمائي فتارة يميل إلى الاستجابة للذوق العام حتى يحقق أرباحا تجارية وطورا يكون موسميا لارتباطه ببعض التظاهرات الثقافية ولصعوبة إيجاد التمويلات اللازمة، بيد أن الموسيقى استطاعت أن تكون أكثر الفنون انتشارا والتحاما بالمجتمع.

الثقافة بقيت نشاطا هامشيا، لم تزعزع في العمق لا التقاليد ولا العادات ولا المنظومة الدينية الفقهية، فمفهومنا العام للثقافة يعتبرها منفصلة عن الدين خلافا للعلوم الإنسانية التي ترى أنه فرع من فروعها، فكيف لم يساهم السينما والموسيقى والأدب والرسم في إعادة النظر وتطوير المنظومة الدينية الفقهية؟ فحين نقرأ رواية حديثة ثم نسمع خطابا دينيا يتبادر إلى أذهاننا أنهما لا ينتميان إلى نفس العصر، هل من المعقول أن النحت والتصوير مازالا يعتبران من محرمات من منظور فقهي في عصرنا، الذي يعتبر عصر الصورة بامتياز؟

ألا يفسر ذلك الانفصال، هشاشة الفن ودوره في مجتمعاتنا؟ فما هي أسباب تلك الهشاشة، ألأنه ما يزال مرتبطا بالسلطة السياسية، أم لتنكر المجتمع لقيمة الفرد ووجوده وتهميش كل ما هو متصل به، حتى يحافظ على قيم الأمة والجماعة؟

الإجابة عن هذه الأسئلة، تدفعنا إلى تناول مسألة الحداثة باعتبارها اعترافا بالفرد كذات مستقلة وحرة تتمتع بحقوق وواجبات داخل المجتمع والدولة لتصبح هي المرجع الأساسي في تنظيمهما، مع انهيار مفهوم الجماعة وتراجع التقاليد والعادات وترسيخ قيم الحرية والخلق والإبداع والفردانية.

مفهوم الحداثة كما عرفته أوروبا لم يطرح من هذه الزاوية في مجتمعاتنا بل من زاوية أخرى تتعلق بمدى تطابق قيمها مع التعاليم الدينية دون الأخذ بعين الاعتبار القيم الثقافية الأخرى سواء الفنية أو الاجتماعية أو الأنثربولوجية التاريخية أو السياسية ومعنى ذلك، أن الجواب الوحيد والممكن عن مسألة الحياة والموت والوجود الإنساني بقي دينيا لا يمكن للإنسان أن يخوضه إلا من باب تأويل النص الديني وتفسيره، لا من باب الإبداع والابتكار والتجربة الشخصية ولا الجماعية والتراكم المعرفي التاريخي أي من باب العقل المبدع المنتج.

 علاقة الفن بالدين هي علاقة معقدة تتسم بالتواصل والتصادم في نفس الوقت، أما التواصل، فمرده تطرق كليهما إلى مكانة الإنسان في العالم، إذ غالبا ما يعبر الفن عن الجانب الروحي للإنسان فيكون في خدمة الدين، ونلاحظ ذلك في المعمار العربي الإسلامي أو في حضور الفنون بشتى أنواعها داخل الكنائس، أما أسباب التصادم بين الدين والفن فيعود بالأساس إلى مساحة الحرية الممنوحة لكل منهما، فالإنسان في منظور الفن الكائن القادر على الخلق والابتكار، بينما يراه الدين مخلوقا مدينا بواجب الطاعة لخالقه.

علاقة الدين بالفن وبالفكر عموما فتفاعل كل منهما مع الآخر في أيّ ثقافة أو مرحلة تاريخية، سلبا أو إيجابا ما انفك متواصلا، يمكن أن نذكر في هذا المضمار على سبيل المثال: أثر ترجمة الفلسفة اليونانية في العصر العباسي على نشأة علم الكلام وما طرحته من مسائل أدت إلى قراءات “عقلانية” للنص القرآني، أو علاقة الأدب والشعر العربي بالفقه الإسلامي سواء في تشكل المعنى وجماليات الأسلوب وصياغته.

نستنتجه، أن انفصال الدين عن الفن كما نلحظه في حياتنا اليومية وفي طريقة تفكيرنا أو في المناهج تدريس التراث يمكن اعتباره مؤشرا لوجود أزمة حقيقية، لأن الفن في نهاية المطاف ليس إلا تعبيرا عن الإنسان وعن وجوده، بكل ما يحمله من تميز وفردانية، وإذا اعتبرنا أن الإنسان قيمة في حد ذاته، سنعتني بجميع جوانب حياته سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو شخصية، لذلك قامت النهضة الأوروبية في بدايتها على الفنون، بأن جعلت الإنسان هو المركز والقيمة الأساسية في الوجود.

مركزية الدين وهامشية الفن وانفصالهما، تشير إلى أن مشاعرنا وأفكارنا ومشاغلنا منفصلة الانفصال التام عن الأجوبة الوجودية حول الحياة والموت التي يمكن للفقه وللقراءة الدينية عموما أن تقترحانها علينا.

جميع الحلول الاقتصادية والاجتماعية لمجتمعاتنا، لا يمكن حلها إلا بفضل السلطة السياسية، لأنها مصدر التغيير الفعلي في غياب الرؤية العقلانية، علمنا بأن الفكر والإبداع يمثلان دائرة مهمشة ليست مؤهلة لإعادة النظر في علاقة الإنسان لا بحاكمه ولا بخالقه، حتى يبقى متبوعا قاصرا على التفكير بنفسه.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق