Jan 29, 2019 Jun 16, 2021
تتسلط على لساننا فى المحادثات اليومية تعبيرات وكليشيهات دينية ثابتة صارت جزءًا أصيلًا من بنية الكلام لا يمكننا الإقلاع عنها مهما حاولنا كأنها وسواس قهرى جماعى، أبرزها كثرة بالغة فى «الحلفان» والدعاء وتقديم المشيئة
تتسلط على لساننا فى المحادثات اليومية تعبيرات وكليشيهات دينية ثابتة صارت جزءًا أصيلًا من بنية الكلام لا يمكننا الإقلاع عنها مهما حاولنا كأنها وسواس قهرى جماعى، أبرزها كثرة بالغة فى «الحلفان» والدعاء وتقديم المشيئة، وفى هذا المقال نتأمل ما وراء مبالغتنا فى القول: «إن شاء الله».
من أساسيات العقل الرجعى الاعتقاد فى شرط يتحكم فى الواقع من خارجه، هذا الشرط يتجلى فى مقولة مثل «المكتوب ع الجبين»، ويقال لوفاة طبيعية أو فى حادثة لشخص ما: «عمره كده»، و«النصيب»، و«ربنا عايز كده»، هذا وذاك قد يسمى فى التفكير غير الدينى الحظ والمصادفة، وربما نُسب الشر إلى الحسد والسحر والجن، وقد يطلق عليه كلمات مثل القضاء والقدر والمشيئة الإلهية.
وحين يُصاب شخص بمرض فكان التفسير هو بالسحر أو الحسد وما إليه مما هو تغييب للعقل وتغليب للخيال والخرافة، ولولا أن هناك مَن لم يستسلموا لتلك الرؤى لما اكتُشِفت الجراثيم مثلًا كبعض أسباب المرض، حيث القابلية للعدوى مشروطة بعوامل مختلفة فى جسم الشخص وبيئته، وقد يلتقط العدوى من غيره فى مكان جمعهما بعوامل أخرى، وهكذا بالمثل، إن قلّ محصول القطن عما ينبغى فهذا نتيجة عوامل هنا فى الأرض لعلها فى نوع التربة، فى التقاوى، فى طريقة الرى، فى دودة القطن، فى تغيُّرات مناخية احتمالية، كلها شروط قد نجهل بعضها، ووراء كل منها مجموعة عوامل أخرى، نحن دائمًا فى شبكة شروط تنتج الواقع وينبغى بحثُها بدلًا عن استغلال جهلنا بها ضمن متاجرة الرجعية الدينية بكل شىء حتى آلام الإنسان وإشكالات وجوده، حيث لا يزال العقل الرجعى متجمدًا عند تصوراته القديمة رغم تطور العقل البشرى وكشف العلم عن علل ظواهر كثيرة.
تتسلط على لساننا فى المحادثات اليومية تعبيرات وكليشيهات دينية ثابتة صارت جزءًا أصيلًا من بنية الكلام لا يمكننا الإقلاع عنها مهما حاولنا كأنها وسواس قهرى جماعى، أبرزها كثرة بالغة فى «الحلفان» والدعاء وتقديم المشيئة، وفى هذا المقال نتأمل ما وراء مبالغتنا فى القول: «إن شاء الله».
وتؤدى التصورات الرجعية حول المشيئة إلى التبرير بمثل القول الابتلاء أو تخليص الذنوب، والقول: لا تدرى لعل الله يريد الخير مما نراه شرًّا بعقلنا «القاصر المحدود» حسب الرؤية الرجعية لمثل قوله تعالى: «وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم». والله تعالى هو العادل، مثلًا حين تخطط لشىء وتفشل، فالسبب فى الواقع، لا يمكن تصور تدخُّل مشيئة الله بالشر من خارج الواقع، أو بما يجعل الحياة غير عادلة، فإن يكن التصور الرجعى فى ذلك وفى ما يُقال له فلسفيًّا معضلة الشر إن الفقر ابتلاء والغنى ابتلاء والمرض ابتلاء، والحياة كلها ابتلاء، فماذا عن معاناة طفل من مرض عضال أو تشوه خلقى؟ ما الذنوب التى يخلصها؟ وما العدل فى أن يسقط عاملًا من فوق سقالة فيصير قعيدًا وهو العائل الوحيد لأسرته؟ مثل هذه الأطروحات ليست غير مسبوقة، قدَّم لها الفكر والفلسفة مقترحات مختلفة فى التاريخ البشرى عمومًا والإسلامى خصوصًا، من ذلك نفى غيلان الدمشقى للجبرية وقوله بحرية الإنسان ومسؤوليته عن اختياراته، ربما كالوجودية.
وواقعًا يحدث التمزُّق بين التأسيس الرجعى للعقل من جهة وما تمليه اللحظة وإرادة الحياة من جهة أخرى، لهذا مثلًا الأطباء المصريون يدرسون الطب ويعالجون الناس بالعقل المستعار من الحضارة الغربية، طبقًا لشروط الواقع، لكنهم إن فشلوا قالوا: «إرادة الله»، والمريض بالعقل الرجعى ذاته يقول: «الشفاء ليس بالطب ولكن من عند الله»، وظنه أن ذلك الشفاء كالمرض تدخل من المشيئة دون اعتبار لشروط الواقع، فلا تنتظر الإتقان والإبداع من مثل هذا الطبيب، ولا تتوقع من ذلك المريض الالتزام الجدى والدقيق بالعلاج والتعليمات، بالمثل يضعف التزام العمال بتعليمات الأمن الصناعى، والتزام السائقين باشتراطات القيادة الآمنة كحزام الأمان، ومثل هذا الموقف من عمال المزلقانات وسائقى القطارات ينتج حوادث السكك الحديدية.
تتسلط على لساننا فى المحادثات اليومية تعبيرات وكليشيهات دينية ثابتة صارت جزءًا أصيلًا من بنية الكلام لا يمكننا الإقلاع عنها مهما حاولنا كأنها وسواس قهرى جماعى، أبرزها كثرة بالغة فى «الحلفان» والدعاء وتقديم المشيئة، وفى هذا المقال نتأمل ما وراء مبالغتنا فى القول: «إن شاء الله».
من أساسيات العقل الرجعى الاعتقاد فى شرط يتحكم فى الواقع من خارجه، هذا الشرط يتجلى فى مقولة مثل «المكتوب ع الجبين»، ويقال لوفاة طبيعية أو فى حادثة لشخص ما: «عمره كده»، و«النصيب»، و«ربنا عايز كده»، هذا وذاك قد يسمى فى التفكير غير الدينى الحظ والمصادفة، وربما نُسب الشر إلى الحسد والسحر والجن، وقد يطلق عليه كلمات مثل القضاء والقدر والمشيئة الإلهية.
وحين يُصاب شخص بمرض فكان التفسير هو بالسحر أو الحسد وما إليه مما هو تغييب للعقل وتغليب للخيال والخرافة، ولولا أن هناك مَن لم يستسلموا لتلك الرؤى لما اكتُشِفت الجراثيم مثلًا كبعض أسباب المرض، حيث القابلية للعدوى مشروطة بعوامل مختلفة فى جسم الشخص وبيئته، وقد يلتقط العدوى من غيره فى مكان جمعهما بعوامل أخرى، وهكذا بالمثل، إن قلّ محصول القطن عما ينبغى فهذا نتيجة عوامل هنا فى الأرض لعلها فى نوع التربة، فى التقاوى، فى طريقة الرى، فى دودة القطن، فى تغيُّرات مناخية احتمالية، كلها شروط قد نجهل بعضها، ووراء كل منها مجموعة عوامل أخرى، نحن دائمًا فى شبكة شروط تنتج الواقع وينبغى بحثُها بدلًا عن استغلال جهلنا بها ضمن متاجرة الرجعية الدينية بكل شىء حتى آلام الإنسان وإشكالات وجوده، حيث لا يزال العقل الرجعى متجمدًا عند تصوراته القديمة رغم تطور العقل البشرى وكشف العلم عن علل ظواهر كثيرة.
وتؤدى التصورات الرجعية حول المشيئة إلى التبرير بمثل القول الابتلاء أو تخليص الذنوب، والقول: لا تدرى لعل الله يريد الخير مما نراه شرًّا بعقلنا «القاصر المحدود» حسب الرؤية الرجعية لمثل قوله تعالى: «وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم». والله تعالى هو العادل، مثلًا حين تخطط لشىء وتفشل، فالسبب فى الواقع، لا يمكن تصور تدخُّل مشيئة الله بالشر من خارج الواقع، أو بما يجعل الحياة غير عادلة، فإن يكن التصور الرجعى فى ذلك وفى ما يُقال له فلسفيًّا معضلة الشر إن الفقر ابتلاء والغنى ابتلاء والمرض ابتلاء، والحياة كلها ابتلاء، فماذا عن معاناة طفل من مرض عضال أو تشوه خلقى؟ ما الذنوب التى يخلصها؟ وما العدل فى أن يسقط عاملًا من فوق سقالة فيصير قعيدًا وهو العائل الوحيد لأسرته؟ مثل هذه الأطروحات ليست غير مسبوقة، قدَّم لها الفكر والفلسفة مقترحات مختلفة فى التاريخ البشرى عمومًا والإسلامى خصوصًا، من ذلك نفى غيلان الدمشقى للجبرية وقوله بحرية الإنسان ومسؤوليته عن اختياراته، ربما كالوجودية.
وواقعًا يحدث التمزُّق بين التأسيس الرجعى للعقل من جهة وما تمليه اللحظة وإرادة الحياة من جهة أخرى، لهذا مثلًا الأطباء المصريون يدرسون الطب ويعالجون الناس بالعقل المستعار من الحضارة الغربية، طبقًا لشروط الواقع، لكنهم إن فشلوا قالوا: «إرادة الله»، والمريض بالعقل الرجعى ذاته يقول: «الشفاء ليس بالطب ولكن من عند الله»، وظنه أن ذلك الشفاء كالمرض تدخل من المشيئة دون اعتبار لشروط الواقع، فلا تنتظر الإتقان والإبداع من مثل هذا الطبيب، ولا تتوقع من ذلك المريض الالتزام الجدى والدقيق بالعلاج والتعليمات، بالمثل يضعف التزام العمال بتعليمات الأمن الصناعى، والتزام السائقين باشتراطات القيادة الآمنة كحزام الأمان، ومثل هذا الموقف من عمال المزلقانات وسائقى القطارات ينتج حوادث السكك الحديدية.
وهكذا، ما دمنا بالعقل الرجعى منتهى الصلاحية، ويدافع عنه البعض جهلًا، وغفلةً، وغرضًا، وجمودًا دينيًّا، فنحن متخلفون. تلك هى خطورة الرؤى الرجعية التى تحبط العقل وتقعد به عن بحث شروط الواقع، وتيسر له الهرب من المسؤولية، حتى ظهور السيارات تحمل مقولات، مثل: «ليس لك من الأمر شىء»، «مش هيصيبك إلا نصيبك»، «وتجرى يا ابن آدم جرى الوحوش غير رزقك لم تحوش»، وما أكثر ما يماثل ذلك من نصوص تراثية خاطبت الناس على قدر عقولهم وقت ظهورها، وأهدر الخطاب الدينى الرجعى تاريخيتها متوقفًا بتطور العقل عند مرحلة إنتاجها.
هناك قواعد للعملية الجراحية مثلًا، وإن فشلت فلا يصح للجراح أن يقول لغير نفسه: «هذا أجل المريض المكتوب عند الله» أو «تلك إرادة الله»، مهما آمن الجميع بذلك، ينبغى أن لا يقال خارج الذوات الفردية وفى ما بين الناس تعبير دينى، أى إيمانى غيبى، أى ذاتى، يجب أن لا يتداولوا فى ما بينهم يعنى خارج ذات كل منهم إلا شروط الواقع، يعنى ينبغى تحديد سبب الفشل، فإن لم نستطع فلا نردد مقولات دينية، بل نقول: «لم نتوصل إلى السبب». كذلك حادثة السيارة لابد لها من علَّة أو أكثر، وعلى مَن يعبر الطريق أن يأخذ السيارات فى اعتباره، ومَن يُشَيِّد عمارة لابد أن يلتزم بالشروط الهندسية.
تتسلط على لساننا فى المحادثات اليومية تعبيرات وكليشيهات دينية ثابتة صارت جزءًا أصيلًا من بنية الكلام لا يمكننا الإقلاع عنها مهما حاولنا كأنها وسواس قهرى جماعى، أبرزها كثرة بالغة فى «الحلفان» والدعاء وتقديم المشيئة، وفى هذا المقال نتأمل ما وراء مبالغتنا فى القول: «إن شاء الله».
من أساسيات العقل الرجعى الاعتقاد فى شرط يتحكم فى الواقع من خارجه، هذا الشرط يتجلى فى مقولة مثل «المكتوب ع الجبين»، ويقال لوفاة طبيعية أو فى حادثة لشخص ما: «عمره كده»، و«النصيب»، و«ربنا عايز كده»، هذا وذاك قد يسمى فى التفكير غير الدينى الحظ والمصادفة، وربما نُسب الشر إلى الحسد والسحر والجن، وقد يطلق عليه كلمات مثل القضاء والقدر والمشيئة الإلهية.
وحين يُصاب شخص بمرض فكان التفسير هو بالسحر أو الحسد وما إليه مما هو تغييب للعقل وتغليب للخيال والخرافة، ولولا أن هناك مَن لم يستسلموا لتلك الرؤى لما اكتُشِفت الجراثيم مثلًا كبعض أسباب المرض، حيث القابلية للعدوى مشروطة بعوامل مختلفة فى جسم الشخص وبيئته، وقد يلتقط العدوى من غيره فى مكان جمعهما بعوامل أخرى، وهكذا بالمثل، إن قلّ محصول القطن عما ينبغى فهذا نتيجة عوامل هنا فى الأرض لعلها فى نوع التربة، فى التقاوى، فى طريقة الرى، فى دودة القطن، فى تغيُّرات مناخية احتمالية، كلها شروط قد نجهل بعضها، ووراء كل منها مجموعة عوامل أخرى، نحن دائمًا فى شبكة شروط تنتج الواقع وينبغى بحثُها بدلًا عن استغلال جهلنا بها ضمن متاجرة الرجعية الدينية بكل شىء حتى آلام الإنسان وإشكالات وجوده، حيث لا يزال العقل الرجعى متجمدًا عند تصوراته القديمة رغم تطور العقل البشرى وكشف العلم عن علل ظواهر كثيرة.
وتؤدى التصورات الرجعية حول المشيئة إلى التبرير بمثل القول الابتلاء أو تخليص الذنوب، والقول: لا تدرى لعل الله يريد الخير مما نراه شرًّا بعقلنا «القاصر المحدود» حسب الرؤية الرجعية لمثل قوله تعالى: «وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم». والله تعالى هو العادل، مثلًا حين تخطط لشىء وتفشل، فالسبب فى الواقع، لا يمكن تصور تدخُّل مشيئة الله بالشر من خارج الواقع، أو بما يجعل الحياة غير عادلة، فإن يكن التصور الرجعى فى ذلك وفى ما يُقال له فلسفيًّا معضلة الشر إن الفقر ابتلاء والغنى ابتلاء والمرض ابتلاء، والحياة كلها ابتلاء، فماذا عن معاناة طفل من مرض عضال أو تشوه خلقى؟ ما الذنوب التى يخلصها؟ وما العدل فى أن يسقط عاملًا من فوق سقالة فيصير قعيدًا وهو العائل الوحيد لأسرته؟ مثل هذه الأطروحات ليست غير مسبوقة، قدَّم لها الفكر والفلسفة مقترحات مختلفة فى التاريخ البشرى عمومًا والإسلامى خصوصًا، من ذلك نفى غيلان الدمشقى للجبرية وقوله بحرية الإنسان ومسؤوليته عن اختياراته، ربما كالوجودية.
وواقعًا يحدث التمزُّق بين التأسيس الرجعى للعقل من جهة وما تمليه اللحظة وإرادة الحياة من جهة أخرى، لهذا مثلًا الأطباء المصريون يدرسون الطب ويعالجون الناس بالعقل المستعار من الحضارة الغربية، طبقًا لشروط الواقع، لكنهم إن فشلوا قالوا: «إرادة الله»، والمريض بالعقل الرجعى ذاته يقول: «الشفاء ليس بالطب ولكن من عند الله»، وظنه أن ذلك الشفاء كالمرض تدخل من المشيئة دون اعتبار لشروط الواقع، فلا تنتظر الإتقان والإبداع من مثل هذا الطبيب، ولا تتوقع من ذلك المريض الالتزام الجدى والدقيق بالعلاج والتعليمات، بالمثل يضعف التزام العمال بتعليمات الأمن الصناعى، والتزام السائقين باشتراطات القيادة الآمنة كحزام الأمان، ومثل هذا الموقف من عمال المزلقانات وسائقى القطارات ينتج حوادث السكك الحديدية.
وهكذا، ما دمنا بالعقل الرجعى منتهى الصلاحية، ويدافع عنه البعض جهلًا، وغفلةً، وغرضًا، وجمودًا دينيًّا، فنحن متخلفون. تلك هى خطورة الرؤى الرجعية التى تحبط العقل وتقعد به عن بحث شروط الواقع، وتيسر له الهرب من المسؤولية، حتى ظهور السيارات تحمل مقولات، مثل: «ليس لك من الأمر شىء»، «مش هيصيبك إلا نصيبك»، «وتجرى يا ابن آدم جرى الوحوش غير رزقك لم تحوش»، وما أكثر ما يماثل ذلك من نصوص تراثية خاطبت الناس على قدر عقولهم وقت ظهورها، وأهدر الخطاب الدينى الرجعى تاريخيتها متوقفًا بتطور العقل عند مرحلة إنتاجها.
هناك قواعد للعملية الجراحية مثلًا، وإن فشلت فلا يصح للجراح أن يقول لغير نفسه: «هذا أجل المريض المكتوب عند الله» أو «تلك إرادة الله»، مهما آمن الجميع بذلك، ينبغى أن لا يقال خارج الذوات الفردية وفى ما بين الناس تعبير دينى، أى إيمانى غيبى، أى ذاتى، يجب أن لا يتداولوا فى ما بينهم يعنى خارج ذات كل منهم إلا شروط الواقع، يعنى ينبغى تحديد سبب الفشل، فإن لم نستطع فلا نردد مقولات دينية، بل نقول: «لم نتوصل إلى السبب». كذلك حادثة السيارة لابد لها من علَّة أو أكثر، وعلى مَن يعبر الطريق أن يأخذ السيارات فى اعتباره، ومَن يُشَيِّد عمارة لابد أن يلتزم بالشروط الهندسية.
ومن الفصامية المميزة للرجعية الدينية وآليات تحصينها الزعم بالجمع بين تصوراتها عن المشيئة وما يُقال له رجعيًّا أيضًا «الأخذ بالأسباب»، والتشدق بالحديث «اعقلها وتوكل» الذى أنتجه العقل المصرى فى مقولات، مثل «اسعَ يا عبد وأنا أسعى معاك". المتحقق واقعًا وراء كل النصوص والمقولات الرجعية بهذا الشأن جملة مفاهيم محصلتها الفاعلة هى التسليم بتدخل المشيئة الإلهية من خارج الواقع، لفرض مسارات لا تبالى بشروطه. ولا يجدينا انتظار جودو تجديد الخطاب الدينى ليشيع بين الناس الاقتناع مثلًا بأن الله وضع القوانين الكونية والواقعية، وأن كل ما تجرى به قوانين الواقع هو مشيئته من داخل ذلك الواقع لا تدخل من خارجه وضد شروطه، الوقت لا ينتظر، وفى كل حال لن ينجح طالب فى الامتحان أو يرسب إلا حسب تلك الشروط، ولو كان منها احتمالات ظرفية كتعرضه لحادث طريق، أو التهاب فى الزائدة يوم الامتحان، إن كان المهندس قد راعى الاعتبارات الهندسية وسقطت العمارة التى بناها، فهناك مشكلة، هناك شرط أو أكثر فى الواقع، وعلينا تشغيل العقل لمنع تكرار سقوط العمارات مستقبلًا، بدلًا من الاستغلال الرجعى لمشيئة الله فى تبرير الجهل والخطأ والتقصير والإهمال.
سنا هنا بالأرض فى مكان ولا مكانة يسمحان لنا بإدراك مشيئة الله، كأن يقول أحدهم: «شاء الله لزواجى الفشل» هذا الشخص فوق أنه يكف عقله عن بحث أسباب الفشل، يتوهم العلم بما لا يمكن إدراكه، ينبغى أن لا ندَّعى الإحاطة بالما وراء، نحن فى هذا الشأن بحاجة إلى التواضع والإقلاع عن تداول الغيبيات الإيمانية، كتلك التى تعتقد بتدخل المشيئة الإلهية فى الواقع من خارجه وضد شروطه، علينا أن لا نحملها مساوئنا وأن لا نجعلها وسيلة لإحباط عمل العقل، هذا يعنى أن نقلع عن الخضوع للرؤى الرجعية لمثل قوله تعالى: «ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدًا إلا أن يشاء الله»، «وإن من شىء إلا بإذنه»، «وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين». علينا الكف عن استغلال «المشيئة الإلهية» فى أغراض منحازة إلى الذات أو الجماعة، كالقول إن المشيئة هى التى جعلت الفريق الفلانى يخسر مباراة كرة قدم وكان هو الأفضل فيها، وقد علمنا أن من شروط واقع كرة القدم احتمالات إصابة الهدف من هجمة وحيدة على المرمى أو أن تخطئه هجمات عديدة، والذى يحدث على مدى بعيد أن الفريق الأفضل، الأكثر توافقًا مع شروط الواقع، يفوز بالبطولة.
المبالغات المهووسة كالوسواس القهرى فى القول المنطوق «إن شاء الله» بين كل جملة وأخرى تليق بمجتمع بدوى قديم قائم على الخرافة يجهل العوامل المؤدية إلى كل شىء تقريبًا فى الطبيعة، هذا زمن انقضى، تلك طبيعة مرحلة فى العقل علينا تجاوزها، وبمثل ما قد صار قولنا «إن شاء الله» تحصيلَ حاصل، فقد صار طريقة للتسويف وتمييع الأمور، حتى إن مَن ينوى التهرب من وعوده يقول: «إن شاء الله». تبلغ الوسوسة حد القول «إن شاء الله» على أشياء حدثت بالفعل، واخترع السلفيون القول: «بإذن الله» للماضى، وقد تسأل أحدهم عن اسمه فيقول: فلان إن شاء الله. وفى هذا خضوع مرضى لسلطة الرجعية الدينية المطلقة المحبطة للعقل والتفكير، المهدرة لقيم العمل والوقت، والجالبة للتخلُّف.
**********************
انا لا اخاف الله
كم من مرات عديدة نردد على لساننا كلمة: «إن شاء الله» أو « بإذن الله». ولكن فى الواقع نريد من الله أن ينفّذ مشيئتنا. كم من مرة فى حياتنا تمنينا لو أن الله لم يسمح لنا ببعض الظروف اليومية التى تُحيط بنا، أو يبدّلها بأخرى، أو أن يستشيرنا قبل أن يتمم إرادته؟!
ويعود سبب ذلك إلى ضعف إيماننا بإبوّة الله وحبِّه الساهر دائماً أبداً. فالله لا يسمح بأى شيء إلا لخيرنا، وكما يقول بولس الرسول: «كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبوّن الله».
ولا يسمح بما هو فوق طاقتنا، ولكنه يضع مخرجاً للظروف التى نمر بها. يؤمن بكل هذا من يفكر بحكمة وثقة ويشعر بأن الله أب لنا جميعاً.
إذاً.. لماذا يسمح الله بكل هذه الأمور؟ لنضجنا الشخصى واكتساب الخبرة والمهارة فى الحياة، والصمود أمام الصعوبات حتى تكتمل شخصيتنا.
الله خلقنا لأنه يحبّنا، إذاً لماذا نتخيل أو نشك ولو للحظة بأنه يهملنا؟!
لماذا نخاف وكل الخلائق والأمور بيده؟ نحن لا نخاف شيئاً فى الحياة، مادام الله موجوداً.
فإذا كانت الحلول بيد الله، فهل يستطيع أى كائن أن يضع العُقَد؟ لنتّكل إذاً على الله ومعونته حتى يحلو المرّ ويسهل الصعب ويتحقق المستحيل.
فالإيمان بحب الله هو شمس الروح التى تختفى أمامها حشرات الشكوك.
ويردد داود النبى فى المزمور: «معونتنا باسم الرب صانع السماوات والأرض».
معظمنا يبحث عن الله فى الكتب المقدسة والمراسم الدينية فقط، ويدّعى بأنه لم يشعر بقربه فى حياته الشخصية. فما هو السبب؟
لأن الله موجود أيضاً بين البشر الذين نتقابل معهم كل يوم وفى كل مكان خاصةً الأكثر فقراً وتواضعاً. نراه فى شخص المحكوم عليه بالسجن. نراه بين الفقراء الذين يستعطون خبزاً يسدّون به جوعهم. نراه بين الذين يركضون حيث تُوَزّع الحسنات والمعونات. نراه فى المريض الذى يتألم على فراش المرض. نراه فى الشخص الذى ينتظر فرصة عمل.
إذاً من يريد أن يلتقى بالله، عليه أن يمد يد العون للفقير الواقف على بابه. وأن يزوره فى المستشفيات والسجون كما يود الذهاب للمسجد أو الكنيسة. يقوم بكل هذا ليخفف عنهم آلامهم ويأسهم وحزنهم. مَنْ يفعل هذا سيتقابل مع الله فى المسجد والكنيسة والكتب المقدسة.
لأن الفقير هو الذى يمدّ يده، ولكن الذى يأخذ الحسنة هو الله.
للأسف نجد فى يومنا هذا أشخاصاً يعبدون إلها آخر وهو المال ويسعون إليه بكل وسيلة حتى ولو كانت غير مشروعة ويعبدون هذا الإله ليل نهار. آخرين عندهم إله الأنانية والمصلحة والذى يعمى بصائرهم فلا يلتفتون إلى غيرهم واحتياجاتهم، ويصمّون آذانهم عن شكوى المسكين، وتصبح قلوبهم كالحجارة بدون أى عاطفة إنسانية.
كل هذه الآلهة المزيّفة تتحكم فى إنسان اليوم، ولكن الإله الوحيد الحقيقى هو الذى خلقنا وأحبنا ويعتنى بنا ليل نهار.
نطلب من الله تعالى أن يهبنا فهم إرادته وتذكّر إحساناته، العامة منها والخاصة، بخشوع عظيم، حتى نستطيع أن نرفع له عنها ما يليق به من الشكر والتسبيح.
اب لنا الله وكفي
*****************************************
قراءة نقدية للنص المقدّس - القضاء والقدر
ما يميز الإنسان على هذه الأرض أنه يملك العقل
العقل قابل للإعداد والبرمجة بالقيم والأفكار التي نريد. وهو بكل مخزونه يعطي صورة حقيقية عن الشخص, فكل إنسان هو صورة ثقافته وعلمه ومعتقده. فالعقل يعبر عن الذات الإنسانية وبكل تفاصيلها, وذاتنا هي نحن, هي عقولنا, هي سلوكنا وأعمالنا وإبداعنا ومحبتنا .. هي كمّ من الأفكار استقرت في دماغنا تقودنا في هذه الحياة..
هي أفكار وجهت وما زالت توجه سلوك البشر. أفكار تقول لنا أن ما قُضي وقُدر من قبل الخالق محتوم, ولا يمكن تجاوز حدود المقدّر
عندما نؤمن بالمقدّر المكتوب نستكين لهذا المكتوب ونقبل بكل ما نحصل عليه ونناله لأنه هو المكتوب لنا...
الاستكانة هي السقوط الحقيقي أمام الحياة. وهي استجابة لأوامر عقلية رسخت في الذهن وبدأت تفعل فعلها فينا.. لكن لماذا رسّخ القرآن هذا المبدأ وطلب من المؤمنين أن يستسلموا للمقدّر والمكتوب؟؟
هل لينقل الحقيقة الإلهية بأن الله قدّر وكتب فعلاً؟؟ أم أن هذا المبدأ يسهّل السيطرة على البشر, فلا يوجد احتجاج ولا تمرد ولا عصيان. لأنّ كل ما يصيب الناس هو من الله وليس من الحاكم أو رجل الدين..
وبما أن الله أعلم وأعرف وأدرى فهو رأى كل شيء, وبعدها كتب لكلّ شخص ما يصيبه. فكيف لإنسانٍ ضعيفٍ أن يعترضَ مشيئة الله ,وهو عاجز أن يرى المستقبل أو حتى يتذكر الماضي؟؟ ..
حتى غدت عبارة ( إن شاء الله ) لاحقة لكل جملة نقولها, وأصبحنا نقولها لا شعورياً, لأنه لدينا قناعة بأن مشيئة الله موجودة وحقيقية وهي مدونة لكل شخص.. فكلّ رغبة فينا تتحقق لأن الله قدّرها مسبقاً وكلّ رغبة لا تتحقق فلأنّ الله لم يسجلها لنا في كتابنا الخاص..
هذه الفكرة انتشرت انتشار النار في الهشيم لأنّها كانت من أبدع الأفكار التي طرحها القرآن. فبها تمّ إحكام السيطرة على العقول لتقبل وتطيع وتنال رضا الله..
فعندما نموت فنحن راضون ومهما كانت الأسباب لأنّه قدر الله علينا.والقبول بمشيئة الله مسلّمة لا نقاش فيها.
وعندما نجوع فنحن نقبل,لأنه لو شاء لشبعنا وعندما نخسر ونحزن ونُضرب ونتألم ونعاني ونزني ونسرق ونخدع ونقتل ونتزوج وو.. كلها مقدرة . وكلها مكتوبة في صحيفتنا..
فالزنا مقدّر لنا باليوم والساعة والثانية قبل أن نُخلق. فلماذا نحاسب عليه؟؟.
ولماذا نعمل بجدٍ وإخلاصٍ وإتقان ؟؟ فمهما فعلنا فلن ننال أكثرَ مما قدّر الله لنا..
لذلك نحن متخلفون نعيش خارج الحضارة والتاريخ. نحن متخلفون لأننا سمحنا لهذه النصوص أن تعشش في عقولنا وتسيطر عليها. العالم كله يقضي أوقاته في العمل والجدّ والمثابرة يسابق الزمن كي يبني المنشآت ويبتكر المعدات والأدوية ويطوّر العلوم والمكتشفات ويصرف المليارات على التعليم والتحديث ونحن نقضي كلّ أوقاتنا في الصلاة والاستغفار وطلب القتل للآخرين.. ولم نسأل أنفسنا إذا كنا خير أمة لماذا لم يضعنا الله في المقدمة؟؟. بل تركنا ليس في ذيل القائمة بل ذيلاً لها..
في النصوص القرآنية الكثير من الآيات التي تؤكد فكرة القدر, وأن الله لو شاء لقدّر . وليس لنا أن نعمل عملاً إلاّ أن يشاء الله...
يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ .
خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمِْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهْوَ المُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ .
وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ .
وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ .
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الذِينَ لاَ يَعْقِلُون ..
وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ
- سورة الأنعام6: 148 – 149 سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ {6/148} قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ {6/149}
- سورةالنحل16: 93 وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {16/93}
- سورة الكهف18: 23 – 24 وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا {18/23} إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا..
إذا القضاء والقدر هي فكرة دينية انبثقت من رحم النصوص المقدسة لتساعد السياسي على فرض سلطته وسلطانه على البشر, فيقبلون ويطيعون برغبة ورضا.
ففي القرآن مبدأ الثواب والعقاب. والعقاب يكون لمن عمل باختياره ورأيه ولا يمكن معاقبة الشخص المسيّر. فعندما يقدر الله لي أن أقتل فأنا غير مسئول عن القتل لأنه قدرٌ من الله وتنفيذٌ لمشيئته.
إذا كان الله قد قدر فلماذا فرض الحدود على أعمال البشر؟؟
حد السرقة، وحد القذف، وحد الزنا، وحد شرب الخمر
- قتل المرتد.
جاء في سورة البقرة 2: 217 وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُ هُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
*** لماذا أرسل الله الأنبياء والرسل ما دام كل شيء مقدّر؟؟؟ .
فالرسالات تقتضي أن تحمل شريعة العقاب للمخالف والثواب للمؤمن العابد. وفي حالة القدر المكتوب ينتفي دور الرسل والأنبياء. ونصبح جميعا أمام المصير المحتوم المنزل من السماء..
وكيف نفهم أن الحسنات تذهب السيئات ما دام كلّ شيء مقدّر؟؟؟ ***
فإذا كانت السيئات مقدرة فكيف للحسنات أن تذهبها وتعدّل من ترتيب وتقدير الله؟
جاء في سورة هود 11: 114 وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ .
*** وكيف نوفق بين فكرة الناسخ والمنسوخ والمقدّر؟؟؟
والتي تعني تبديل رأي بآخر أفضل منه ,وهل يغير الله شيئاً سبق أن حدده وكتبه؟؟؟
طبعا كل المؤمنين يقولون: نحن لا نعلم مشيئة الله ولا نملك العقل الذي يخولنا فهم تفكير الله ولماذا فعل هذا أو ذاك. لذلك علينا الإيمان بكل ما يقوله الله ويأمرنا به.. ومن نحن لنناقش الله في أعماله وتفكيره؟؟
ولكن نحن لا نناقش الله في أعماله وتفكيره بل نتأكد من أن هذه الأعمال والأفعال تطابق صفات خالق الكون المفترض؟.وهل هي فعلاً كلام الله؟؟ نحن لا نرى الله ولكن نستدل عليه من أعماله وأقواله. وهذا حسب قول واعتراف المؤمنين, فإذا كانت أقواله متناقضة فيما بينها ومتناقضة مع العقل وإذا كانت أفعاله المنسوبة له في النصوص تأمر بالقتل والنهب والغزو وتفضّل إنسانا على آخر. وفي ذات الوقت يقولون عنه الرحيم العليم.. كيف يكون رحيماً وقاتلاً؟؟.كيف يكون كاملاً وعارفا ومتناقضاً؟؟..كيف يكون خيّراً وشريراً في آن معاً؟؟؟
++++++++++++++++++++++
التخلص من "المماطلة"
قوة الإرادة تمثل أحد أنواع الدوافع، لكنها ليست أفضلها. فإذا تصورت أن الدافع يشبه الوقود الذي يوصلك إلى النتيجة التي تنشدها، فعليك إدراك أن بعض أنواع الوقود ذات جودة عالية، بينما تتسم الأنواع الأخرى بتدني الجودة
إذا كنت تحجم عن أداء المهمة الموكلة إليك، لأنك تخشى من الفشل أم لا. هنا يمكننا الاستعانة برأي فوشيا سيرويس، باحثة في جامعة شيفيلد، والتي عكفت لمدة 15 عاما على إجراء دراسات بشأن التسويف والمماطلة. ووجدت سيرويس من خلال أبحاثها تلك، أن المشكلة في هذا الشأن لا ترتبط ببساطة، بالكسل أو الفشل في الاستفادة من الوقت، وإنما يتعلق بمشكلات في تنظيم المشاعر والعواطف
فإذا كنت تخشى الفشل في إنجاز مهمة ما، ربما سيدفعك ذلك للبحث عن ذرائع لإرجاء القيام بها، كي تتجنب أن تراودك مثل هذه الأحاسيس المزعجة. ورغم أن هذا التسويف قد يُشعرك بتحسن مؤقتا، فستتمثل المشكلة في أن ذلك سيُدخلك في حلقة مفرغة سيئة. إذ أن إرجاءك إنجاز المهمة سيقلص الوقت المتاح لك لذلك، ما يزيد فرص الفشل، ويجعلك تشعر بقلق أكبر حيال ما هو موكل إليك، مما قد يقلل احتمالات شروعك في القيام به من الأصل.
ويمكن أن يساعدك التركيز على الإيجابيات الكامنة في المهمة المنوط بك إنجازها، على التعامل مع مثل هذه المشاعر.وإنما في شيء إيجابي تحصل عليه خلال قيامك بالمهمة. فربما ستتعلم أثناء ذلك شيئا ما، أو قد تشعر بأنك منغمس في المهمة وراضٍ بها أكثر مما كنت تتوقع في السابق.
الاستراتيجية باسم "ماذا لو"، وتقوم على تحضيرك مسبقا، لبدائل يمكنك اللجوء إليها لمواجهة هذه الأسباب والإغراءات المحتملة.
تُسهّل على نفسك - بقدر ما تستطيع - مسألة الشروع في أداء مهمة ما.
تُبعد عنك كل عوامل الإلهاء وتشتيت الانتباه، عبر خطوات من قبيل تعطيل خاصية ظهور الإشعارات المختلفة على شاشة هاتفك، وتحويله إلى الوضع الصامت أيضا. أما إذا كنت غير قادر على مقاومة إغراء تصفح وسائل التواصل الاجتماعي؛ فبمقدورك تعطيل خاصية الولوج التلقائي إلى حساباتك عليها
تبنَ رؤية أكثر واقعية لشخصيتك في المستقبل
إذا كان يتسكع على الإنترنت لنصف يومه، في الوقت الذي يتعين عليه فيه الانهماك في العمل.
دراسة أُجريت على الطلاب الذين لم يراجعوا دروسهم قبل خوض الاختبارات، أن من صفحوا عن أنفسهم لتسويفهم في هذا الصدد، كانوا أكثر إقبالا على مراجعة الدروس في المرة التالية، مُقارنة بأولئك الذين شعروا بأنهم عاجزون عن الصفح وتجاوز الموقف.
وتقول سيرويس في هذا الصدد، إن المرء منّا لا يكون صارما وقاسيا مع أصدقائه بالقدر الذي يتسم به غالبا، عندما يتعامل مع نفسه ويحاسبها على زلاتها
تحدث عن نفسك بالطريقة الصحيحة
من جهة أخرى، من المهم إيضاح أنه حتى التفاصيل الصغيرة، يمكن أن تُحدِثُ فارقا، مثل اللغة التي يستخدمها كل منّا في الحديث عن نفسه.
لذا، فلتصف نفسك على أنك "عداء أو راكض، لا أن تقول إنك ستعدو أو ستركض"، إذ أن ذلك يزيد من فرص نجاحك في الإقدام على هذا التصرف بالفعل. ويقول إيان تايلور إن ذلك يعود إلى أن استخدام الاسم يخلق صلة بينك وبين السلوك الذي ترغب في القيام به،
++++++++++++++++++++
كتب الإدارة لتساعدك على هزيمة التسويف، كأن تقسم هدفك لأجزاء صغيرة يسهل إنجازها، وتنظم وقتك جيدا لتمنح وقتا مناسبا لكل خطوة، وتستريح كل فترة، وتكافئ نفسك على كل خطوة...
علماء النفس مؤخرا أن أسباب التسويف ليست فقط العجز عن إدارة الوقت وترتيب الأولويات، ولكن لسبب سيكولوجي. لذا ينبغي التعامل مع الأمر من جذوره النفسية لا قشوره ومظاهره فقط.
ملاحظة أننا نؤجل الأشياء غير الممتعة أو غير المسلية ، لأنها لو كانت كذلك لما قمنا بتأجيلها أصلا. نحن نؤجل المهام المزعجة أو المملة التي نعتقد أنها تثير فينا شعورا سلبيا ما. ويقوم عقلنا الباطن بالتعامل معها بشكل بدائي جدا، وهو، ببساطة، تجنيبك ما يسبب لك الألم، ودفعك للقيام بأي شيء ممتع مسل آخر! لذلك تجد أن تصفح الإنترنت يصبح مغريا بشكل لا يصدق وقت المذاكرة أو خلال العمل!
فكيف نتصرف إذا؟
ما هي «الحيل النفسية» التي يمكننا القيام بها للتغلب على التأجيل؟
1- لا تقلق!
وجد العلماء أن الشعور بالقلق في الحياة العادية، يزيد فرص تعرض الإنسان للتسويف.
2- كن مستقبليا!
يقول الباحثون أن الاحتراف في أي مجال لا يعتمد على الموهبة بشكل أساسي.. بل على المواظبة على التدريب و الممارسة المستمرة لما تريد الاحتراف فيه (لـ 10 آلاف ساعة تقريبا!) وهو ما ليس ممتعا ومسليا بل قد يكون مملا وشاقا ومرهِقا. فما الذي يجعل شخصا يقدم طواعية على القيام بنشاط متعب بهذا الإصرار؟ السبب هو أن البعض «مستقبليون».. أي أنهم يتطلعون دوما للمستقبل ويعتبرون أن حياتهم ما هي إلا رحلة يجتازونها للوصول إلى أهداف بعيدة وحياة لم يعيشوها بعد (كالمدفوع بهدف ما أو بتطوير نفسه باستمرار)، بينما بعض الناس «يعيشون في الحاضر» أي لا تتجاوز تطلعاتهم حدود لحظتهم الحالية، يعيشون اليوم بيومه و سعيدون بهذا، لذا يكونون أكثر قابلية للانجذاب لما يمتعهم، و تجنب المهام غير المسلية.
وجد العلماء أن الذين «يعيشون في الحاضر» هم الأكثر عرضة للتسويف.. فهم ضعفاء أمام المغريات عموما. لذلك حاول أن تكون مستقبليا. فكر في المستقبل بشكل أكبر.. فالمتعلقون بهدف مستقبلي يملأ وجدانهم، يقدمون على فعل ما ينبغي فعله مهما كان مملا أو شاقا، مادام يقربهم إلي ما يحبون.
اغمض عينيك و تخيل نفسك بعد 10 أعوام.. ما هي الصورة المثالية التي تريد أن تكون عليها؟ أين ستكون وماذا ستفعل ومن سيكون معك؟ من يعيشون في الحاضر لا يشغلهم المستقبل كثيرا.. لذا تخيل هذا الأمر بالتفصيل، ينصح علماء بكتابته، وتأمل هذه الصورة.. كرر هذا التدريب من حين لآخر لتجبر نفسك علي التفكير وتكوين صورة واضحة للمستقبل، كي تتعلق به ويكون دافعا لك، للتخلص من التسويف الذي يؤجل سعيك نحو أحلامك!
3- أحب ما تقوم بتأجيله!
يحاول المخ ابعادك عما يسبب لك الألم؟ حسنا.. اقنع نفسك أن النشاط الذي تؤجله، ممتع و جميل و لطيف! المخ بدائي وتنطلي عليه خدع كهذه ببساطة! فكر معي في الأمر،. هذا الشيء الذي تؤجله، هناك من يحب و يستمتع بالقيام به، قد تكون مذاكرة الفيزياء مملة، لكن هناك من يقومون بها في أوقات فراغهم، فكيف يفكرون؟ تقمص طريقة تفكيرهم و تخيل أنك واحد منهم، تصور أن الموضوع مغامرة ممتعة مسلية، أو لعبة تحاول فيها تسجيل أكبر عدد من الأهداف أو النقاط ممكنة، المهم أن تحاول النظر لما تقوم بتأجيله من زاوية أكثر طرافة، تخفف من وطأته و تقنع عقلك الباطن أن الأمر ممتع و مسل!
4- أحب نفسك!
5- ابدأ فورا!
+++++++++++++++++
كيف تتخلص من التسويف في حياتك من خلال إدارة مشاعرك قبل إدارة وقتك؟
فما أن يكون عليّ الانتهاء من مهمة ما في وقت بعينه، حتى أجد نفسي منهمكا في مشاهدة مقابلات سياسية لا معنى لها، أو متابعة مقاطع مصورة تتضمن أبرز لحظات بعض مباريات الملاكمة.
وإذا اتبعنا أسلوب التفكير التقليدي، الذي لا تزال تتبناه الكثير من الجامعات والمراكز البحثية في مختلف أنحاء العالم في التعامل مع مسألة المماطلة والتسويف، سنجد أن تفسير حدوث ذلك، يتمثل في أنني - وغيري ممن يماطلون - نعاني من مشكلة في إدارة الوقت. وأنني - من هذا المنظور - أعجز عن أن أُقّدر بدقة الفترة التي يتطلبها إنجازي للمهمة المنوطة بي، وأنني لا أولي كذلك اهتماما كافيا، للوقت الذي أهدره في تصفح الإنترنت لأغراض لا تتعلق البتة بالعمل.
ووفقا لتلك الطريقة في التفكير أيضا، لا يحتاج الكف عن المماطلة، إلا إلى وضع جدول زمني أكثر إحكاما لأداء المهام المنوطة بالمرء، وكذلك التحكم بشكل أكبر في الوقت المتاح له لإنجاز ذلك.
لكن علماء النفس باتوا يرون الآن - وعلى نحو متزايد - أن هذه النظرية خاطئة. من بين هؤلاء تيم بايتشيل من جامعة كارلتون الكندية ومساعدته في أنشطته البحثية فيوشيا سيرويس من جامعة شفيلد البريطانية. إذ يقول الاثنان إن المماطلة ترتبط بعدم القدرة على التحكم في مشاعرنا والسيطرة عليها، لا بكيفية إدارتنا للوقت. فربما تكون المهمة التي نُرجئ إنجازها مزعجة بالنسبة لنا، كأن تكون مملة أو شديدة الصعوبة. أو قد تتمثل المشكلة، في أننا نشعر بالقلق من إمكانية أن نُمنى بالفشل فيها. ولكي نبدد هذا الشعور بالانزعاج - ولو لفترة مؤقتة - نُؤْثِر الشروع في القيام بشيء آخر، مثل مشاهدة مقاطع الفيديو.
: خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الخلف
تدني الحالة المزاجية، يزيد النزوع للمماطلة حال وجود شرطين، أولهما توافر أنشطة ممتعة يمكن لأفراد العينة الانخراط فيها للتلهي بها عن القيام بالمهام الأصلية الموكولة إليهم. أما الشرط الثاني، فهو أن يعتقد أفراد عينة البحث أن من شأن القيام بهذه الأنشطة، تحسين حالتهم المزاجية.
لم أختر الوقت المناسب لمشاهدة مقاطع الفيديو، التي أدت لتأخير إنهائي لعملي. إذ أنني لا أريد مشاهدتها في واقع الأمر، بل انجذبت إليها بهدف تجنب الشعور بالانزعاج، الذي سيترتب على شروعي في الانهماك في العمل.
وإذا استخدمنا هنا مصطلحات علماء النفس، يمكننا القول إنني أماطل لكي أحقق "تحولا ينطوي على الشعور بمتعة" على المدى القصير، على حساب تحقيق أهدافي بعيدة المدى.
الهوس بمشاهدة المقاطع المصورة للقطط على شبكة الإنترنت، والتي حظيت بمليارات المشاهدات على الـ "يوتيوب".
فقد أظهرت دراسة استقصائية أجرتها الباحثة جيسكا مايريك من كلية الإعلام بجامعة إنديانا، أن المماطلة تشكل أحد الدوافع الشائعة لمشاهدة تلك الفيديوهات، وأن القيام بذلك يعزز الحالة المزاجية الإيجابية. وأشارت الدراسة إلى أن المتصفحين شاهدوا تلك المقاطع لكي يشعروا بأنهم في حالة مزاجية أفضل، وذلك عندما يكون من الواجب عليهم فعل شيء آخر، أقل إمتاعا.
الكثير من أفراد عينة هذا البحث، قالوا إنهم شعروا بالذنب بعدما شاهدوا فيديوهات القطط تلك. ويوضح ذلك كم يمكن أن تصبح المماطلة استراتيجية عاطفية مُضللة، فهي قد تفضي إلى الشعور بالراحة على المدى القصير، بينما تقود في واقع الأمر إلى إرجاء المشكلات ومراكمتها، كي يواجهها المرء فيما بعد.
ففي حالتي مثلا، يؤدي تأجيلي للقيام بعملي، إلى أن أشعر بمزيد من الضغوط والتوترات في نهاية المطاف، ناهيك عن تراكم مشاعر الذنب وخيبة الأمل بداخلي.
يقول الباحثون إن المماطلة تساعد على تحسين حالتنا النفسية، وذلك عندما تراودنا مشاعر سلبية، بسبب تكليفنا بمهمة معينة؛ مملة أو صعبة للغاية مثلا
من وجود ارتباط بين المماطلة المزمنة، والتي تتمثل في النزوع للمماطلة والتسويف بشكل منتظم وبشكل بعيد المدى، وحدوث عواقب سلبية على صعيديْ الصحة البدنية والنفسية، بما يتضمن الشعور بالقلق والاكتئاب، والإصابة بحالات مرضية، من قبيل نزلات البرد والإنفلونزا، بل وربما يصل الأمر إلى المعاناة من أمراض أكثر خطورة، مثل تلك التي تصيب القلب والأوعية الدموية.
وترى سيرويس أن العواقب السلبية التي تترتب على المماطلة تنجم عن عاملين؛ أولهما يتمثل في التوترات النفسية التي يشعر بها المرء بسبب إصراره على إرجاء إنجاز المهام والأعمال المهمة وبفعل فشله في تحقيق الأهداف المطلوبة. أما العامل الثاني، فيرتبط بأن التسويف يشمل في أغلب الأحيان، تأجيل القيام بأمور حيوية ذات صلة بالصحة، مثل أداء تدريبات رياضية، أو الذهاب إلى الطبيب عند الحاجة.
وتقول الباحثة في هذا الشأن: "من المعروف جيدا أن للضغوط المرتفعة والسلوكيات السلبية ذات الصلة بالصحة تأثيرا تراكميا على الحالة الصحية للمرء؛ من شأنه زيادة خطر التعرض لعدد من الأمراض المزمنة والخطيرة، مثل أمراض القلب والسكري والتهاب المفاصل، وحتى السرطان".
ويعني كل ذلك، أن التخلص من عادة مثل المماطلة قد يُخلّف تأثيرا إيجابيا كبيرا على حياة كل منّا. وتقول سيرويس إن الدراسة التي أجرتها تفيد بأن "تقليل النزعة إلى المماطلة المزمنة بدرجة واحدة (على مقياس للمماطلة يتألف من خمس نقاط) ينطوي كذلك على إمكانية تقلص خطر معاناتك من متاعب صحية في القلب بنسبة 63 في المئة".
ولعل من الإيجابيات المترتبة على النظر إلى المماطلة باعتبارها مشكلة يمكن حلها عبر التحكم بشكل أفضل في المشاعر والعواطف، أن ذلك يوفر لنا مفاتيح مهمة، تساعدنا على معالجة هذا الأمر بأقصى قدر ممكن من الفاعلية.
نظرية في الطب النفسي تُعرف باسم
"العلاج بالقبول والالتزام". ويُعلِّم هذا الأسلوب من يلجؤون إليه، فوائد تحليهم بـ "المرونة النفسية"، ما يعني جعلهم أكثر قدرة على التعامل بكفاءة مع الأفكار والمشاعر المزعجة وغير المريحة، دون السعي لتجنبها عبر الهروب من اللحظة الراهنة.
كما يؤكد ذلك الأسلوب أهمية أن يرتب المرء خياراته وأفعاله، بحيث يعطي الأولوية لتلك الخيارات والأفعال، التي تساعده على الاقتراب من الأشياء، التي يراها أكثر قيمة من غيرها في الحياة.
الطلاب الذين يماطلون بشكل أكبر في إنجاز ما يُناط بهم من مهام، يحصلون على نقاط أعلى، في الاختبارات الخاصة بالكشف عن مدى الاتصاف بـ "المرونة النفسية". ويعني ذلك أن تصرفات أشخاص مثل هؤلاء، تكون محكومة بمشاعرهم وردود فعلهم النفسية - مثل شعورهم بالقلق أو خيبة الأمل - لا بسعيهم لتحقيق القيم التي يتطلعون إليها في الحياة.
يتصفون بـ"عدم المرونة النفسية"، أبدوا موافقتهم - خلال البحوث التي خضعوا لها - على عبارات من قبيل "أخشى من مشاعري" و"تجاربي وذكرياتي المؤلمة تجعل من العسير عليّ أن أعيش حياة أشعر بأنها ذات قيمة"
ويؤدي خضوع المرء لأسلوب "العلاج بالقبول والالتزام"، إلى تدريبه على تعزيز مرونته النفسية (عبر جعله في حالة تنبه ويقظة كاملتيْن وتأمل واعٍ مثلا)، كما يقود إلى زيادة الأفعال التي ينخرط فيها بجدية ودون تهاون (من خلال إيجاد طرق مبتكرة تُمَكِنّه من الوصول إلى أهدافه المرتبطة بقيمه العليا في الحياة). وقد كانت الدراسات الأوليّة، التي أُجريت على عينة من الطلاب في هذا الإطار، واعدة. إذ أثبت استخدام أسلوب "العلاج بالقبول والالتزام" - في إحدى التجارب - أنه أكثر فاعلية على المدى البعيد، من اللجوء إلى أساليب العلاج المعرفي السلوكي.
الآن كيف يمكن لنا تطبيق هذه الدروس المستفادة، للتخلص من المماطلة في حياتنا اليومية،
لا يتعلق بالمعاناة من مشكلة في إدارة الوقت، وإنما مسألة ترتبط بتنظيم المشاعر والعواطف والتحكم فيها
وهكذا ففي المرة المقبلة، التي تجد نفسك فيها تميل إلى المماطلة والتسويف، يجدر بك أن تنصت إلى ما ينصحك به بايتشيل، بأن تركز تفكيرك على أمور بسيطة مرتبطة بالعمل الذي كُلِفت به، من قبيل "ما هي الخطوة التالية التي يتعين عليّ القيام بها على صعيد هذه المهمة، إذا كنت بصدد الشروع في إنجازها الآن؟". فمن شأن فعل ذلك - كما يقول بايتشيل - إبعاد ذهنك عن التفكير في مشاعرك - التي قد تكون سلبية - والتركيز على الأفعال سهلة التنفيذ.
ويختتم الرجل حديثه قائلا: "تُظهر دراساتنا، وكذلك مجريات حياتنا اليومية، بوضوح شديد، أننا نصبح عادة قادرين على مواصلة القيام بمهمة ما، بمجرد شروعنا في تنفيذها. ما يعني أن الإقدام على البدء في العمل الفعلي هو كل شيء".
+++++++++++++++++++++++++++
كيف تؤدي مهام مؤجلة لا ترغب في القيام بها؟
المماطلة هي حالة بشرية عامة ورد فعل عاطفي ونفسي تماما، نتخذه تجاه عمل لا نود القيام به. وربما يكون هذا العمل هو حلمنا لكننا نخشى مواجهته، ولكن ما زالت أمامنا طرق لتجاوز ذلك.
لماذا تؤجل مهام العمل؟قد يكون سبب هروبك من أداء عملك هو أنك تخشى ألا تتقنه، ولحسن الحظ هناك طريقتان لتجاوز تلك العطلة.
تقدم الطبيبة النفسية والباحثة في علم الدوافع، هايدي غرانت، الطريقة الأولى للنظر في أية مهمة باعتبارها وسيلة للوصول لوضع أفضل حالا مما أنت عليه الآن. مثل أن تنوي الذهاب لصالة الرياضة للحصول على جسد أفضل، أو ستنهي مشروع روايتك لتشارك الناس أفكارك وتحصد الجوائز. وتلك الطريقة للتفكير في المكاسب من العمل ستدفعك بالحماس والتفاؤل.
الطريقة الثانية لحل أزمة الخوف من العمل ربما ليست الأفضل، لكنها فعالة عندما لا تتنبأ بواقع أحسن، لكنك تتشبث بما لديك وتتجنب خسارته. وتنصح غرانت بتصور أنك تكمل مشروعك لكي لا يغضب مديرك أو حتى لا تفقد وظيفتك، وفي تلك الحالة ستكون مدفوعا بالقلق فقط، وكلما زاد قلقك زادت سرعتك في تأدية عملك.
لا تخدع نفسك
تخدعنا مشاعرنا كثيرا، فلا تقوى على القيام من الفراش مبكرا رغم أنك حر، ولا يمكنك الانتظام في لعب الرياضة رغم ملاحظتك تحسن مزاجك بعد كل تمرين، وتفكر في تأجيل كل مهامك حتى ترغب فيها، لكنك لا تفكر في تغيير مشاعرك.
نحن لا نحتاج مشاعرنا لتسليم المشاريع ما دامت لا تدفعنا للأمام، وكل ما نحتاجه هو الالتزام بما نقوم به، ورؤية المشروع قيد التنفيذ، أو الحصول على صحة أفضل، أو نشر كتاب، حتى المبدعون لم يتركوا أنفسهم في انتظار الإلهام، واتبعوا نظاما يوميا للكتابة والرسم.
هل عملك ممل ومعقد؟لست وحدك الذي يرى أن مهام العمل مملة ومعقدة، لكن ربما هي حيلة تلعبها مشاعرك تجاه العمل. أما إذا كان عملك مملا حقا فإن تأجيله هو حيلة منك لإثبات قوة إرادتك في فعل ما تريده وترك ما لا تريد.
نحن نبالغ في قدراتنا على عمل ما نريد، في حين أن أفضل ما تقدمه لنفسك في عمل ممل هو ألا تؤجله. وحمل نفسك على عمل ما تراه مملا وصعبا وبلا جدوى فقط لإنجازه، وأفضل وسائلك في تلك الحالة هو التخطيط على أن تشمل خطتك الخطوات التي عليك إنجازها تفصيلا حتى إتمام المشروع، بالإضافة إلى أين ومتى ستنجزها بالتحديد.
واجه قدراتكيقول تيم بيشيل، مؤلف كتاب "حل لغز التسويف" أن التسويف فعل سلبي غير منطقي، وهو نتيجة الجزء العاطفي في دماغك، ويتوقف في اللحظة التي تختار فيها أداء العمل، ولكن كيف تصل لتلك اللحظة؟
حول مهمتك إلى لعبة تحد، فكم عدد الكلمات التي يمكنك كتابتها في 20 دقيقة؟ أو هل يمكنك الاستمرار في القراءة لمدة ساعة؟ إذا كانت الإجابة لا، وهذا الجهد أكبر من قدراتك، فهل يمكنك الاستمرار في القراءة حتى 30 دقيقة؟
قلل الوقت حتى لا تشعر بمقاومة، ثم ابدأ. افعل أي شيء للبدء، فمن السهل الاستمرار في المهمة بعد البدء فيها، سواء بالتنفيذ أو مجرد التخطيط والتفصيل، لأنك تعتقد أن المهام المؤجلة صعبة، لكن البدء بها يقلل هذا الشعور الزائف.
سجل مهامك المتراكمةقد تجد نفسك متحمسا لكتابة ما تريد تحقيقه، وسيخفف ذلك من الضغط الملقى على عاتقك، بمجرد رؤية قائمة المهام أمامك، فهي ضخمة فقط في مخيلتك.
اكتب ذلك على ورقة أمامك، ووزع المهام على أيام وأسابيع وشهور، وضع الورقة على مكتبك، وشجع نفسك على ألا يقل جهدك عن 70% من خطتك.
بجانب التكاليف التي سجلتها، يمكن تدوين كل الطرق التي يؤثر بها التسويف على حياتك المهنية وراتبك وصحتك وسعادتك. فوضع قائمة بالمهام المهنية والشخصية وعواقب تركها سيعرفك تكلفة التسويف.
أغلق هاتفك فيسبوك وتويتر هما مهربنا من العمل لكي لا نواجه أنفسنا، لذا عندما تمسك هاتفك خلال الساعة التي حددتها بنفسك افصل الإنترنت عنه وأغلقه. يمكن أيضا استخدام تطبيقات مثل فوكوس Focus لإغلاق هاتفك عدد ساعات تحددها للعمل.
يمكنك حذف تطبيقات فيسبوك وتويتر وإنستغرام وإشعاراتها من هاتفك لضمان عدم التشتت، والبحث عما تقضي فيه أوقاتا طويلة من يومك دون داع، فتوقف عنه الآن لصالح العمل.
*
التحفيز الزمني
أربعة أسباب متشابكة وراء المماطلة.
أولا "التوقع"، فنحن نسيء تقدير فرصنا في إتمام المهمة بنجاح، وهذا يضعف عزيمتنا. والسبب الثاني هو "إدراك التأخير"، إذ يعجز الكثيرون عن إدراك مدى تأثير أساليب الإرجاء والمماطلة التي يمارسونها على فرصهم في إنجاز المهمة في الموعد المحدد.
ثالثا، الإخفاق في تقدير "أهمية" المهمة التي بين أيدينا ومزايا إنجازها في الوقت المحدد، بمعنى أننا نهتم بالمتعة الآنية وتغيب عن بالنا العواقب طويلة الأمد للتأخير.
نفتقد لمهارة أساسية وهي "التفكير فوق المعرفي"، أي الوعي الذاتي بالأفكار التي تدور في رأسنا والقدرة على تحليلها. وهذه المهارة تساعدنا في مقاومة الرغبة في التسويف والتأجيل والتركيز مرة أخرى على أهدافنا.
دور الوقت، وخاصة اقتراب موعد التسليم، في التحفيز على إنجاز المهام، أو ما يسمى "بنظرية التحفيز الزمني"،
أربعة أسئلة بسيطة لتحفيز الناس على التفكير في دوافع التسويف:
•كيف ينجز شخص ناجح هذا الهدف؟
•كيف سيكون شعورك في حال لم تنجز المهمة المطلوبة منك؟
•ما هي الخطوة التالية التي ينبغي أن تتخذها فورا؟
•إذا كان هناك شيء واحد يمكنك أن تفعله لتحقق الهدف في الموعد المحدد، فما هو؟
*
لماذا نماطل حتى في أداء أبسط المهام؟
قد لا تتجاوز المهمة المنوطة بك، مجرد إرسال رسالة قصيرة بالبريد الإلكتروني إلى زميل لا يروق لك كثيرا، أو إتمام بعض الأعمال الورقية البسيطة للغاية؛ من قبيل إجراء تعديل على أحد جداول البيانات أو إكمال إحدى الفواتير. بل إن الأمر ربما لا يتعدى إجراء اتصال هاتفي مقتضب مع مديرك، وهو ما لن يستغرق منك أكثر من دقيقة. لكن برغم ذلك، ولسبب ما، تجد نفسك، تُرجئ الإقدام على إنجاز مثل هذه المهام مرارا وتكرارا.
فإهدارك وقتا لا يُستهان به في التفكير في مدى الازعاج الذي تنطوي عليه هذه المهمة أو تلك،
وتتحول من مجرد بند بسيط على قائمة الأشياء المطلوب إنجازها، إلى مصدر ضيق مستمر، لا يتناسب قدر الإزعاج الكبير الذي يتسبب فيه، مع محدودية الجهود اللازمة لإتمامه.
تعديل النهج الذي نتبناه في التعامل مع مثل هذه المهام، وتغيير استجاباتنا العاطفية في هذا الشأن، وكذلك إبداء التعاطف مع النفس بقدر ما.
تتطلب أن يتحلى المرء بالاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرار. وعلى صعيد الصحة العقلية، يُربط بين النزوع للمماطلة والمعاناة من القلق والاكتئاب. ويمكن أن يقود انغماسك في التسويف، إلى تقويض علاقاتك مع من حولك، نظرا إلى أنه يؤدي في نهاية المطاف، إلى عدم وفائك بالتزاماتك حيال الآخرين.
وبينما يمكن للمرء تفهم السبب الذي يحدو بنا للمماطلة في أداء مهام كبيرة ومعقدة، قد تكون شاقة بدنيا أو تتطلب مجهودا ذهنيا هائلا، ويستلزم إنجازها الكثير من الوقت والطاقة والالتزام، فإن تكليف المرء بإتمام مهام بسيطة، قد يقود إلى ظهور شكل مزعج على نحو خاص، من المماطلة.
تحول انتباهك، إلى التركيز على التصرفات العملية التي يمكنك القيام بها، لا مشاعرك.
مؤلف كتاب "حل لغز المماطلة"، بالقول: "في المرة المقبلة، التي تشعر فيها بأن جسدك يصرخ قائلا `لا أريد فعل ذلك ولا أشعر بأنه يروق لي` عليك أن تسأل نفسك: ما هو الإجراء التالي الذي أحتاج لفعله بشأن هذه المهمة البسيطة إذا كنت بصدد إنجازها بالفعل". إذ أن ذلك سيجعلك تحول انتباهك، إلى التركيز على التصرفات العملية التي يمكنك القيام بها، لا مشاعرك.
"قاعدة الدقيقتين"، التي تقول إنه إذا كان إنجاز مهمة ما سيتطلب أقل من دقيقتين، فإن الوقت الذي ستستغرقه إضافتها إلى قائمة المهام المطلوب القيام بها، سيفوق الفترة التي يمكن فيها إتمامها. لذا فبدلا من جدولة هذه المهام، فلتنغمس في أدائها دون إبطاء.
شروع طلبته في إنجاز مهمة ما، يجعلهم يرونها أقل صعوبة وإرهاقا، مما كانت تبدو لهم، حينما كانوا يماطلون في أدائها. ويوضح ذلك بالقول: "يتعلق الأمر هنا، بإدراك أن حالتك العاطفية والشعورية، تلقي بظلالها على الأشياء، وتصبغها بصبغتها".
يعتبر بايتشيل أن سعيك لتقليص حجم ردود فعلك العاطفية، إزاء مواقف مثل هذه، سيساعدك على التعامل مع المهام البسيطة وإنجازها، قائلا إننا "نُرجئ الكثير من الأشياء البسيطة، ما يجعلها تكبر في أذهاننا، لأننا نمر بحالة `اختطاف اللوزتين الدماغيتين`"، وهو مصطلح يشير إلى مشاعر غريزية فورية قد تنتاب المرء، وتفوق في حجمها مقدار الشيء الذي أثارها لديه في الأساس. ففي اللحظة التي نفكر فيها في المهمة التي يُناط بنا القيام بها، "يتكون لدينا رد فعل سلبي، وهو شعور ينزع إلى أن يغذي نفسه بنفسه".
ومن بين الحيل التي يمكن اللجوء إليها للتعامل بكفاءة مع المهام البسيطة، إدماجها في مهام أكثر أهمية وأكبر حجما.
أما إذا بدت المهمة لك مملة ومثيرة للضجر، فبوسعك في هذه الحالة - كما تقول سيرويس - أن "تبدل العدسات التي تنظر بها إليها" وأن تغير منظورك العاطفي الذي تتعامل به معها منذ البداية، لكي يساعدك ذلك على تخفيف المشاعر السلبية، التي قد تساورك في هذه الحالة. وتُعقّب الباحثة على هذا الأمر بالقول: "يبدو ذلك سخيفا بعض الشيء، لكنه فعال للغاية، في واقع الأمر".
بألا نقسو على أنفسنا كثيرا بالنقد المفرط في هذا الشأن، خاصة في ضوء الضغوط الإضافية الواقعة على كواهلنا،
هكذا فإذا ضبطت نفسك منخرطا في المماطلة، فربما يكون إبداؤك القليل من التعاطف مع النفس، هو مفتاح عودتك إلى المسار الصحيح، كما يقول بايتشيل وسيرويس معا. وقد أعد بايتشيل في السابق دراسة، أظهرت نتائجها أن من صفحوا عن أنفسهم بعدما ماطلوا في أداء مهمة ما، أصبحوا في المستقبل أقل تسويفا بصددها. كما أعدت سيرويس بدورها دراسة أخرى، تناولت كيف يمكن أن يكون إبداء تعاطف أكبر مع النفس مفيدا بشكل خاص، على صعيد تقليل مشاعر التوتر المرتبطة بتأخير إنجاز هذه المهمة أو تلك.
Mar 27, 2021*
تنظيم وقتك الضائع.
حيث نبني جداولنا مرة أخرى مُحاولين ألا نُضيّع أية دقيقة، لكننا بذلك نُفوِّت ما قد يكون السبب
في مشكلاتنا حقا، وهو تأمُّل ما نفعله في الوقت الضائع نفسه، لأنه دائما ما سيكون هناك وقت
ضائع شئنا أم أبينا، والمشكلة ليست في تنحيته، بل ربما في العمل على فهمه وتنظيمه
"ثمن أي شيء عندي هو مقدار الوقت الذي أقضيه في ممارسته، حاليا أو
على المدى الطويل".
لا تتمحور وجهة نظر ثورو حول ضرورة أن ينصبَّ تركيز الجميع على العمل دون مُتنفِّس للهو أو اللعب، بل على العكس من ذلك، إذ يُعَدُّ ثورو أحد أبرز منتقدي هذه النظرية، لكنه يقول إننا نُهدِر الكثير من حياتنا في أشياء لا نُقدِّرها في الحقيقة، وبدون التروي للتفكير في هذا الأمر يصبح الفشل الذريع حليفنا حينما يُختبر مدى تقديرنا لتكلفة الأشياء والعائد النفعي منها مقارنة بما نُنفقه، ولم يكن المال هو مقياس الاختبار هنا، بل كان الوقت؛ وهو العامل الأهم.
حقيقة تقول إن العديد من وسائل التسلية التي نقضي وقتا طويلا من حياتنا فيها تبعث فينا فقط شعورا بالرضا المؤقت، ولكننا سرعان ما نسقط تحت أنقاض القلق ونعض أصابعنا ندما بعدما ننجح في انتشال أنفسنا بعيدا عن هذه الوسائل.
المواطن الأميركي العادي يقضي ثلاث ساعات و43 دقيقة يوميا في مشاهدة البث التلفزيوني المباشر، وعلى الرغم من أن هذا يُعَدُّ إهدارا لعدد ساعات كبير، فإنه لا يزال أقل من ثلاث ساعات و46 دقيقة يقضيها هؤلاء مُحدِّقين في هواتفهم الذكية.
الأنشطة خارج العمل ليست بالضرورة مضيعة للوقت، وإنما على العكس من ذلك، إذ تُفيد كثير من الأدلة البحثية أن قضاء الوقت في أحلام اليقظة والاستمتاع بالهوايات البعيدة عن العمل لا تقتصر فوائده فقط على تحقيق السعادة، وإنما يساعد أيضا في تحسين أداء العمل، والوصول إلى مستويات أعلى من الإبداع.
طريقتان لا ثالث لهما لإهدار الوقت فعليا؛ إما أن تنغمس تماما في شيء يصرفك عن الأنشطة الأكثر إنتاجية، وإما أن تغوص عمدا داخل شيء لا يسترعي في الواقع حبك أو اهتمامك من الأساس. قد نسقط أسرى للقلق والندم تحت وطأة هاتين الحالتين من إضاعة الوقت، أما إن تجنَّبناهما، فبوسعنا تحرير أنفسنا، حيث سنُفاجأ بمخزون جديد من الوقت يمكننا استغلاله بطرق مُبهجة ومُثمرة.
لقد فعلنا ذلك جميعا، أهدرنا أوقاتنا على شيء ما، وأعطيناه الأولوية على حساب شيء آخر أكثر قيمة، ثم جلدنا أنفسنا بسياط الندم فيما بعد. في إحدى المرات، بقيتُ مستيقظا حتى الثالثة فجرا أشاهد فيلم "Howard the Duck"، الذي صُنِّف أحد أسوأ الأفلام في التاريخ، وحدث ذلك في الليلة التي سبقت مقابلة عمل صباحية مهمة (ولزيادة الطين بلَّة، ما زالت حبكة الفيلم تقبع في ذاكرتي).
اعتمد إهدار ذلك الوقت على خطئي في تقدير ثمن الفرصة البديلة لمشاهدة الفيلم، فلم أَزِن بدقة قيمة كل شيء آخر كان بوسعي القيام به بدلا من ذلك، كالنوم مثلا. لو كان البشر مخلوقات عقلانية تماما، لتمكَّنَّا حينها من دراسة تكاليف وفوائد كل نشاط دراسة كافية لتجنُّب مثل هذه الأخطاء، أو على الأقل عدم تكرارها، لكن تجاربنا جميعا في الحياة ساعدتنا على إدراك أن الأمور لا تسير على هذا النحو.
خبراء اقتصاديين، فشل ما يقرب من 80% من المشاركين في تقدير تكلفة الفرصة البديلة تقديرا صحيحا (الفرصة البديلة هي فائدة كان من الممكن أن يحصل عليها الشخص، ولكنه تخلَّى عن ذلك لتحقيق أمر آخر).
لكننا نحن البشر -وعلى نحو مُحيِّر- نُهدِر الكثير من الوقت للقيام بأشياء نعلم سابقا عدم رغبتنا في تأديتها!
"الإدمان الرقمي"، الذي بدوره قد يُؤجِّج فينا الشعور بالوحدة والقلق والاكتئاب.
الاستخدام المفرط لهواتفنا بتحفيزه نظام المكافأة داخل أدمغتنا، يمنحنا هذا شعورا بالإشباع
الفوري، ولكنه شعور قصير المدى يتلاشى سريعا ويتركنا فريسة ندم يأكلنا، لكننا سرعان ما نتلهَّف مجددا للحصول على جرعة أخرى.
يجب أن ندير وقتنا وفقًا لأولوياتنا، من خلال التمييز بين مضيعات الوقت التي نحبها والتي لا نحبها، وتخليص أنفسنا من الأخيرة.
جدولة وقت فراغك أو راحتك، ومنح عاداتك السيئة قيمة نقدية.
مشكلة "تكلفة الفرصة البديلة" هي عدم تأجيل قرارات الاستفادة بالوقت إلى اللحظة التي نبدأ فيها نشاطا ما، لأن السعي وراء الراحة قصيرة المدى قد يُشوِّش تلك القرارات لحظيا،
الحياة قد امتزجت بالعمل بشكل أصابهم بالإحباط، وذلك نتيجة لعدم وجود هيكل زمني يفرضه مكان العمل الرسمي.
تخصيص الوقت يشمل كل شيء، بما في ذلك الهوايات وأوقات الفراغ وحتى أحلام اليقظة، فبإمكانك على سبيل المثال ترك خانة في مخططك من الساعة 1:30 إلى 2 ظهرا مُخصَّصة "للوقت الضائع".
أمام هذا التنظيم لن يسعك إلا أن تتفاجأ حينما يصبح "تضييع الوقت" ضيفا مدعوا في جدولك الزمني، ولم يعد مجرد دخيل رغما عنك، بالتالي لم تعد له صلاحية إفساد وتيرة يومك كما اعتاد أن يفعل، في تلك الحالة ستزداد احتمالية عودتك إلى العمل عند الثانية ظهرا إلى حدٍّ كبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق