الخميس، 3 مارس 2022

الفراغ الفكري لشباب . الحروب الثقافية.. والعرب "الأمركة" و"الصيننة"

 Apr 30, 2021May 26, 2018

ضعف المنطلقات الفكرية مفتاح لمن يملك التأثير والقدرة على الإقناع لتحريك الشباب 

الفشـــــل فـــــي الحياة العامـــــة والعجز عن
التطوير والابتكار والاستســـــلام للموروث
السلبي والتقاليد والنمطية الفكرية، كلها
نتائج للفراغ الفكري الذي يعيشه الكثير
من الشـــــباب العربي اليوم، لكن القضية
الأكثر خطورة هي الســـــيطرة على العقول
واستمالتها وإعادة توجيهها نحو الأفكار
المتطرفة

الإلحـــاد عنـــد قضيـــة
واحدة يعانـــي منها أغلب الشـــباب العربي
وهي الفـــراغ الفكري وغيـــاب الهدف، اللذان
يجعلان الشـــباب أكثر ســـهولة وميلا لتبني
آراء ومواقف منحرفة أو ســـلبية، وفقا لقدرة
الطرف الآخر على التأثير والإقناع
ويـــرى العديـــد مـــن الاختصاصيـــين
الاجتماعيين أن الشـــباب بمختلف شرائحهم
وانتماءاتهم يعانون مشـــكلات وأزمات، دون
وجود جهات داعمة تستمع لشكواهم وتتفهم
احتياجاتهـــم ومعاناتهـــم. وهـــذه الخطوة
تجعل من الممكن لمن يمتلكون التأثير والقدرة
على الإقناع أن يصلوا إلى قلوب الشباب وأن
يحركوها كما يريدون 

أهمية العلاج وتحسين أحوالهم
النفســـية بالدرجـــة الأولـــى لتعزيـــز ثقتهم
بأنفسهم وقيمهم

ويذهـــب بعض المختصين إلـــى القول إن
ضعف المنطلقات الفكرية لدى الشباب، تعود
إلى الثورة التكنولوجية المتســـارعة ومواقع
التواصـــل الاجتماعي، خصوصا فيســـبوك،
حيـــث أصبحـــت مرجعيتهـــم الفكريـــة التي
يســـتمدون منهـــا مصـــادر معلوماتهم دون
إمكانيـــة التحقق من صحة تلـــك المعلومات،
إضافـــة إلـــى عدم صلاحيـــة تلك الوســـائل،
تشـــكل مصادر موثوقة يمكن الاعتماد عليها
لتشكيل هوية فكرية لحاملها 

حجم الفراغ
الفكـــري الـــذي يعاني منـــه الجيل الشـــاب،
يعود إلـــى النمط الاســـتهلاكي الذي يعيش
عليه شـــباب اليوم بقضاء معظم أوقاتهم في
اســـتخدام وسائل التواصل الاجتماعي، على
حساب القراءة والاطلاع على العلوم  

 وتترتب علـــى حالة الفـــراغ الفكري لدى
الشـــباب الكثيـــر مـــن الســـلبيات منها عدم
القدرة على المشاركة في صنع القرارات وعدم
القدرة على حل المشـــكلات التي قد تواجههم
والشعور بانعدام الأهمية
  
  الهدف عنصر رئيســـي وأساســـي
في حياة الإنســـان، وعليه يجـــب على الآباء
مســـاعدة الأبناء علـــى تحديـــد أهدافهم في
الحيـــاة تجنبا لجعل الأبناء يعيشـــون فراغا
يخلق عندهم حالة من الارتباك 

وأضاف، للأســـف نرى الجيـــل الجديد
يهتم بمظهره متأثرا بثقافات غربية أكثر من
اهتمامـــه بتحقيق هدف يضعه نصب عينيه،
وهذا نتيجة غياب الثقافة
لدور المؤسســـات التربوية والأســـرة
والمدرســـة فـــي تعليـــم الطلبـــة كيفية وضع
الهدف وتحقيقه وكيف يبنون خارطة طريقهم
نحو هذا الهدف، وكيف يصنعون أولوياتهم
ومتطلباتهـــم لأجـــل تحقيقـــه، وتعليمهـــم
المهـــارات اللازمـــة وصقـــل شـــخصياتهم،
وجميعها تولـــد لديهم تفاعـــلا داخليا يبني
عندهم ثقافة مختلفة 

التذبـــذب الفكـــري والعقـــدي التي يعيشـــها
الكثير من الشباب اليوم، هي نتيجة طبيعية
لحركة التبـــادل المعرفي والثقافي عبر قنوات
التواصل العالمية 

 وأرجعت، حقيقة وجـــود حالة من الفراغ
الفكـــري لـــدى الشـــباب، إلـــى المؤسســـات
الحاضنة؛ كالأسرة والمدرسة.

وشـــددت علـــى أنهـــا تنتقـــل بسلاســـة
وانســـيابية من المربين إلى الأجيال الشـــابة،
فالبيئـــة الحاضنة التي ينشـــأ فيهـــا الأبناء
تتحمـــل وزر الضيـــاع الـــذي يعيشـــه بعض
الشباب

فإن توفير
مساحات حرة للتســـاؤل والاعتراض والنقد
حـــول مختلف الموضوعـــات الحياتية، يخلق
حالة من الوعي والنضج الفكري والســـلوكي
مع مرور الوقت 
وعبـــرت عن أســـفها لاســـتمرارية منهج
التلقـــين لدى بعـــض المناهج والأســـاتذة في
المدارس والجامعات وعدم منح الطالب فرصة
كافية لطرح فكره المختلف، ما يؤثر ســـلبا في
بعض الأحيان على النشاط الذهني والطموح
لدى المتعلمين 

 يصنع فكـــرا نقديا ومنتجـــا يثري
الوسط الشبابي في المجتمع.

وأكدت أن تأســـيس أرضيـــة فكرية ثابتة
لـــدى الأبناء، يعمـــل على تقوية الشـــخصية
والفكر وإيجاد مناعة ضد المؤثرات الســـلبية
التـــي قد تطمس المعالم الإنســـانية الســـوية
والقيمية العاليـــة لدى الفرد، عندها لا حاجة
للخوف على الأبناء من الانفتاح على الثقافات
الأخرى، بـــل إن ذلك قد يفتح لهم آفاقا بعيدة
مليئة بالوعي والنضج

وتطرقت إلى أن دور الإعلام في تســـطيح
الفكـــر وتحجيم مـــدارك العقل لـــدى الأجيال
الشـــابة، يأتـــي نتيجـــة لبســـاطة البرامـــج
وضحالـــة المحتـــوى الفضائـــي بشـــكل عام،
فنســـبة البرامـــج البناءة والهادفـــة لا تقارن
قياســـا بالأعداد الهائلة من البرامج الهابطة
والخاوية من السمو الفكري والأخلاقي، ومع
هذا فـــإن الإعلام الحديث يعد عاملا رئيســـا
في تحريـــك الثقافة والوعـــي بتلاقح الأفكار
وتمـــازج الرؤى وتوفيـــر المصـــادر المتنوعة
والثمينـــة،

من وسائل تطوير نفسك أن تستمر
في التعليم وتأخذ دورات تدريبية
في أي شيء تحبه، ليس بالضرورة
من تخصصك. من بعض ما أخذت:
دروس غناء. كان هدفي أن أقوي
عضلات التنفس بحيث أصبح
أكثر قدرة على التحكم في صوتي
أثناء إلقاء المحاضرات. في ضوء
هذه التجربة أقول إنها من أصعب
المهارات على الإطلاق 

*

ثناءٌ على الجيلِ الجديدِ 

عبد الجبار الرفاعي

يهجو كثيرون الجيلَ الجديد من الشباب بوصفهم “لا يعرفون ماذا يريدون”، لأنهم يعيشون عصرَ تكنولوجيا المعلومات وثورةَ الفيس بك ووسائل التواصل المختلفة التي تضمحل فيه فضائها حدودُ المكان وينبثق فيها عالَمُ مفاهيم مختلف

وأظن أن هذا التوصيفَ يخطئ مرتين، يخطئ في المرة الأولى عندما يصف الجيلَ الجديدَ بالضياع، وبأنه “لا يعرف ماذا يريد”، لأن عقلَ الشباب اليوم أنضجُ ووعيَهم للحياة أعمقُ منا حين كنا في مرحلتهم العمرية، عالمُهم مركّب وعالمنا بسيط، عالمهم متنوّع وعالمنا أُحادي، عالمهم نسيجٌ معقد تتلاقح فيه الهوياتُ وتتفاعل فيه الثقافات، ويتوحّد في موكبٌ واحد. إنه عالَم تتوارى فيه الحدود، أما عالمنا فيزدحم بالحدود. وعلى الرغم من اتساع الفردية وترسخّها في عالمهم، إلّا ان كلّ فرد منهم بوسعه أن يتحدّث إلى الكلّ، بل بوسع الكلّ أن يتحدث إلى الكلّ.

أسئلتُهم صعبةٌ تشبه عالمَهم، أما أسئلتُنا فكانت مبسطةً تشبه عالمَنا، قناعاتُهم لا تولد بسهولة كما كانت قناعاتُنا، وقلما يصدّقون الأوهامَ مثلما كنا نصدّق كلَّ ما يُكتب ويُقال، لا يتشبّثون بالأحلام كما كنا نتشبّث بقشة، ولا يصلون إلى اليقين بسهولة، خلافاً لما كنا عليه من فهمٍ ساذجٍ يسوقنا لتصديق الكثير من الوعود الزائفة والأخبار الكاذبة، وما تنسجه المخيلةُ من أحلام رومانسية. الانتماءُ لمعتقَد أو أيديولوجيا أو فكرة لا يتطلّب منا غيرَ حديث يتكلّمه محامٍ بارعٌ في صناعة الكلام. لفرط رومانسيتِنا ضعنا وضيّعنا الأوطان، ولفرط واقعيتِهم ما زالوا يفتّشون بعناد عن دروبٍ للخلاص لا تكرّر متاهاتِنا.

الكثيرُ من الآباء مولعٌ بعبادةِ الأصنام البشرية، وإن لم يجد بعضُ الآباء صنمًا في الماضي يخضع له ويستعبده، ينحت من أحد رجال السياسة أو الدين أو الفكر أو الأدب صنمًا. الكثيرُ من الأبناء مولع بتحطيمِ الأصنام البشرية، لذلك يصعب ترويضُهم على العبودية.
الجيلُ الجديد من الشباب اكتشف ذاتَه الفردية مبكرًا، وادرك أن نسيانَ الذات ضربٌ من الضياع في أوهام لا تنتمي للواقع، وذلك ما كرّس النزعةَ الفرديةَ في وعيِه وشعورِه وشخصيتِه. فأصبح عصيًا على استعبادِ الأصنام بمختلف صورها.

الكثيرُ من الآباء مولعٌ بالحزن، لذلك يبحث عن كلِّ ما ترتسم فيه ملامحُ الموت، الكثيرُ من الأبناء مولعٌ بالفرح، لذلك يبحث عن كلِّ ما ترتسم فيه ملامحُ الحياة. الآباءُ أشدُّ خوفًا من الموت، وكلُّ من يخاف الموتَ يحسب أن الموتَ لا يرضيه إلا الحزنُ ونظائرُه. الأبناءُ أقلُّ خوفًا من الموت، وكلُّ من يقلُّ خوفُه من الموت لا يخشى الفرح الذي هو ضربٌ من التشبّثِ بالحياة ورفضِ الموت.
رؤيةُ الآباء للعالَم تقوم على مرتكزات ميتافيزيقية لم تعد تُلهم رؤيةَ الأبناء للعالَم، وتستقي من روافد نضبت منابعُها،

عالمان للآباء والأبناء لا عالم واحد، لا يلتقي هذان العالَمان بالكثيرِ من الرؤى والأفكار والأشياء، وأحيانا يتنابذان إذ يقع كلٌّ منهما على الضدّ من الآخر. لكلّ منهما رؤيتُه الخاصة، لكلّ منهما معاييرُه في الثقافة والأدب والفن والجمال والذوق، لكلّ منهما تطلعاتُه للغد، لكلّ منهما مفاهيمُه عن الكون والإنسان والحياة، لكلّ منهما مواهبُه ومهاراتُه وإبداعاتُه وابتكاراتُه، لكلّ منهما منظوماتُ قيمه ومفاهيمُه الأخلاقيةُ وأنماطُ تدينه، متطلباتُ الروح لكلّ منهما غير متطلبات الروح للآخر، مشكلاتُ وأمراضُ كلّ منهما غير الآخر.

جيلُ الأبناء أشدُّ حضورًا في العالَم من جيل الآباء، لأن العالمَ أشدُّ حضورًا في حياتهم، العالَم يحضر في حياتهم بملامحِه وتضاريسِه الجديدة، عبر: اليوتيوب، والفيس بك، وتويتر، والواتس اب، وتطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة. يحضر العالَمُ من خلال العلمِ والتكنولوجيا والذكاءِ الصناعي. في حين كان جيلُ الآباء أشدَّ غياباً عن العالم، لأنهم لا يمتلكون ما يمتلكه الأبناءُ من صلاتٍ نسيجيةٍ ممتدّةٍ بامتداد الجغرافيا السكانية في الأرض. لقد كان العالَمُ 
غائبًا عنهم، وإن حضر فلا تحضر منه إلّا صورٌ باهتةٌ كأنها أشباح.

جيلُ الأبناءِ لا يسيرُ على خارطةٍ مرسومة سلفًا يهتدي بها مثلما كان جيلُ الآباء، ولا يبحثُ عن بوصلةٍ تحدّدُ وجهتَه. لا يرتبك أو يكترث من قرارِه بالتوقّف المفاجئ، ولو قطع منتصفَ الطريق، من دون أن يبررَ قرارَه بالتوقّف أو يلتمس له عذرًا، مهما كانت خساراتُه. لا يملُّ من أن يجترحَ كلَّ مرة طريقًا لم يسلكها من قبل. لا يوحشه تكرارُ البدايات، ولا يتردّد في هجرِ مَواطنَ ألفها إلى ما لم يألفه، وتجريبِ ما لم يُجرّب من قبل، وكأنه مكتشفٌ أبدي، لا يفتقر لشجاعةِ المغامرة، ولا يتردّد في المجازفة، وإن كانت ضريبةُ المجازفة باهظة.

يمتلك الجيلُ الجديدُ مهاراتٍ متنوعةً في توظيف وسائلِ التواصل الاجتماعي واستخداماتِها المتنوعة في تأمين متطلباتِ حياته المختلفة. وهذه الوسائل هي التي تسهم في إنتاجِ أنماطِ وجودِه وطرائقِ عيشِه وطبيعةِ صلاتِه بما حوله. وسائلُ التواصل اليوم تنتج معاييرَها القيمية الخاصة، وتعمل على صياغةِ العلاقات الاجتماعية وإعادة تشكيلها في سياق آفاق حياةِ ورغباتِ وأحلامِ الجيل الجديد. إن ادراكَ الآباء وتفهمَهم لما تفرضه وسائلُ التواصل من سلوكٍ مختلف في تكييف علاقاتهم بالأبناء، ضرورةٌ يفرضها تكييفُ العلاقاتِ المختلفة بين جيلَي الآباء والأبناء، في سياقٍ لا يعاند روحَ العصر، ولا يضحّي بما هو أخلاقي إنساني في إعادة بناءِ هذه العلاقات.
كلُّ شيء يكتسب معناه من نمطِ صلاتِه الوجودية بغيرِه من الأشياء. الجيلُ الجديد أكثرُ قدرةً على إدراكِ المعاني الجديدةِ للأشياء، لأن الأشياءَ في عالمنا اكتسبت معانيَ جديدةً أو أُضيفت لمعانيها أبعادٌ لم نكن نعرفها من قبل، ولم تعد تسمياتُها المتداولةُ من قبل تتسع لدلالاتِها الجديدة اليوم. ذلك أن العالمَ يتغير، والرؤيةُ للعالم تتغير، وطريقةُ التفكير تتغير، ومعاني الأشياء تتغير، وقاموسُ التعبير عنها يتغير.
عالمُنا اليوم عالمٌ شبكيّ متداخلٌ كنسيجٍ متشابك، لم يعد التفوّقُ فيه عبر بناءِ كانتونات ومحميات مغلَقة على نفسها، بل معيارُ التفوّق فيه يقاس بمدى كثافةِ الحضور عبر نسيجِ الشبكاتِ الألكترونيةِ العابرةِ للقارات، والقادرةِ على اختراقِ الحدود الجغرافية والديمغرافية والدينية والثقافية والاقتصادية والسياسية. تتنبأ دراساتُ استشراف المستقبل بأنه حتى سنة 2030 سيختفي ما يقارب المليارين من الوظائف التي كانت تعتمد مهنًا تنتمي لعالم جغرافيات وديمغرافيات الأمس المغلقة، ذلك العالَمُ الذي بدأنا نرى علاماتِ انتهاءِ صلاحيته وانتهاءِ صلاحية تلك المهن والحرف معه، إنهما يغادران معًا العالَم الجديد بالتدريج، العالَم الذي ينخرط في شبكات ألكترونية يحضر فيها كلُّ ما يمتلكه، عالَم ينتجه الذكاءُ الصناعي والروبوتاتُ والطاقةُ البديلةُ وهندسةُ الجينات وتكنولوجيا النانو.
إن كانت هذه صورةُ العالَم غدًا، فكيف يكون حضورُ مجتمعاتنا في مثل هذا العالَم الذي لا يكفُّ عن الصيرورة والتغيّر والانتقال من محطة إلى أخرى بسرعة فائقة. عالَم لم تتخذ هذه المجتمعاتُ حيالَه تدابيرَ تتناسب وحجمَ تحدّياتِه الهائلة.

نحن بحاجة للبحث عن جذورِ هذه المشكلة في بنيةِ التربية والتعليمِ الموروثِ منذ عشرات السنين، الذي ينتمي لعالَم الأمس المختلف عن عالَم اليوم اختلافًا جوهريًا، فلم يعد الكتابُ وحده رافدًا لتلقّي المعرفة، بعد أن تراجع موقعُه فأضحى أحد الروافد – ربما ثانوياً – بموازة روافد متدفقة غزيرة متنوعة، ولم يعد التعليمُ على وفق أساليب وطرائق التدريس الموروثة ملائمًا لعالمنا اليوم، بل لم يعد الصفُّ المدرسي بفضائه وأدواته المتعارفة ملائمًا للتعليم، وقبل كلّ ذلك لم تعد ملائمةً اليوم معظمُ المعلومات والمفاهيم والخبرات والمهارات المكدّسة بعشوائية في المقرّرات المدرسية المتدوالة، لأن أغلبَ مضامينها لا ينتمي لعالَم الأبناء، ولا يشبه أحلامَهم، ولا يلبي احتياجاتِهم؛ لغربتها عنهم وغربتهم عنها، لذلك يشعر الأبناءُ بالاغترابِ والمرارة عندما تُفرض عليهم هذه المقرّرات، ويشمئزون عندما يجدون أنفسَهم ملزمين أن يمضغوا أشياءَ لا تشبه ذائقتَهم ولا يشبهونها، ويتعلمون علومًا ومعارف لا تنتمي لزمانهم، ولا تعرف منطقَ حياتهم، ولا تتحدّث لغةَ عصرهم.
عالَمُ الأبناء وهبَهم الكثيرَ من الامكاناتِ الجديدة لمراكمةِ المعرفة وإنتاجِ وعي بلحظتهم الراهنة تنعكسُ عليه ملامحُ عصرهم، ويحتفلون بكل ألوانه، تلك الملامح والألوان التي كان يجهلها عالَمُ الآباء.
المشكلةُ ليستْ في الأبناء، وإنما في تفكيرِ الآباءِ المتخشّب، وفهمِهم للعالَم الذي لا يعرف إلّا أن يكرّرَ نفسَه باستمرار، ويعجز عن مغادرةِ ما ألفه إلى أفقٍ جديد. الأبناء ليسوا بلداء كما يظن كثيرٌ من الآباء، إذ ليس هناك إنسانٌ بليدٌ بالطبع، لكن الأبناءَ غيرُ قادرين على تمثّل صورة عالَمٍ مضى وانقضى.

*

الشباب فى المجتمعات المعاصرة

الاستهلاك - الأمركة
١- تتحرك البشرية بسرعة كبيرة، من عصر إلى عصر، فمن الزراعة، إلى الصناعة، إلى الذرةّ، إلى الليزر، والهندسة الوراثية، وزراعة الأعضاء، إلى عصر المعلومات الذى يأتى كحصاد جبار، لكل ما أثرى به العلماء البشرية، على مدى تاريخها.
٢- ويقولون إنه إذا كان القرن العشرين هو قرن «تدفق» المعلومات، فإن القرن الواحد والعشرين هو قرن «سيطرة» المعلومات. ففرق بين أربعينات الحرب العالمية، وبين خمسينات الثورة، وستينات الاشتراكية، وسبعينات الانفتاح، وثمانينات التطرف، وتسعينات الإرهاب، والألفية الثانية والفمتوثانية، وما نقابله اليوم من العولمة وتكنولوجيا العصر. العصر يختلف، وظروف الحياة تتغير، ويجب أن نستوعبها مهما تقدمت بنا الأيام.
٣- وألا نعامل الشباب بظروف وتقاليد جيلنا، بل بما يواجهونه اليوم من ملامح عصر جديد، حيث ثورة الاتصالات، والمعلومات، وأطفال الأنابيب، وحرية الاقتصاد والسياسة والاجتماع، والبث بالأقمار الصناعية، وما يتبعه من غزو ثقافى وقيمى، مختلف تمامًا عما عاشه الآباء فى شبابهم، حيث كانت القيم المصرية، والتقاليد الاجتماعية، والعائلية، تحكم تصرفات الناس، بل تحكم حتى اختيارات الشباب فى تعليمهم، وزواجهم، وأشغالهم، وعلاقاتهم.
٤- لابد إذن من أن يستوعب الكبار معالم العصر، وأن يتعاملوا مع أبنائهم، متفهمين هذه المتغيرات فى: المنزل، والمدرسة، والشارع، ووسائل الإعلام، والتيارات السائدة، فكرياً وسياسياً واجتماعياً.
٥- ومن هنا لابد من مراعاة أنه دائمًا فى فترات نهضة أى مجتمع، نجد الشباب يقوم بدور إيجابى يدفع المجتمع إلى الأمام، لكننا أحيانًا ننظر إلى مجتمعنا- مع تغيرات العصر- فنجد أن أغلبية الشباب فى دور «المتفرج»، على كل ما يحدث، حتى وإن بدا عكس ذلك، فالعديد من الظواهر استجدت بين الشباب وصارت من الكثرة والتشابك بحيث يصعب تحليلها مجتمعة.
٦- ولكننا سنحاول هنا التركيز على بعض الظواهر والتى منها: الاستهلاك، الأمركة، والاغتراب والذاتية.
أولاً: الاستهلاك:
١- منذ السبعينات، ومع بداية سياسة الانفتاح الاقتصادى، بدأ ظهور طبقة من الأثرياء المحدثين، ومعهم بدأ تحول المجتمع المصرى إلى مجتمع يستهلك أكثر مما ينتج، وأصبح الاستهلاك الترفى ظاهرة بدأت تتفاقم منذ ذلك الحين، حتى تحولت ظاهرة الاستهلاك إلى دوامة سقط فيها المجتمع المصرى بجميع قطاعاته، حتى إن الفرد المصرى تقريبًا ينفق سنويًا على الاستهلاك ما يساوى دخله السنوى، وهى ظاهرة تزداد باستمرار.
٢- وتزداد حدة ظاهرة الاستهلاك بين الشباب، الذى أصبح أحد أساسيات الحياة، ليس فقط الاستهلاك المادى بل تعداه إلى استهلاك كل شىء حتى الآخرين. وخطورة ظاهرة التسلط الاستهلاكى هذه تكمن فى فقدان الإنسان لقيمته، وأصبح الإنسان «شيئًا» يُستهلَك، وسلعة تقيم حسب مظهرها وقيمتها المادية. وأصبحنا نسمع من يقول: «فى جيبك قرش تساوى قرش»!
٣- وبهذا يقوم الاستهلاك بالقضاء على قدرتهم على التمييز بين ما هو ضرورى وما هو غير ضرورى، بين الأساسيات والكماليات، من خلال سطوة إعلانية، تحرص بطرق مدروسة على إنماء الرغبات غير المهمة أو المهدفة.. وتجاهل أى عنصر جاد فى طبيعة البشر حتى هبطت بالبعض إلى مرتبة أدنى.
٤- انتشار الألعاب الإلكترونية، بين الشباب، وما تسمى بلعبة «الحوت الأزرق» وهو فعلاً كالحوت الذى يبتلع الإنسان، وأزرق بلون البحر، وهذه لعبة الكترونية خطيرة، تهدد حياة الإنسان، وغيرها من الألعاب الإلكترونية الأخرى الضارة والمدمرة!! إنها الاستهلاكية التى تسعى فقط للحصول على كل منتج يعلن عنه على شاشة الإنترنت.
ثانيًا: الأمركة (التغريب):
١- أصبحت أمريكا هى حلم عدد كبير من الشباب، الذى صار يحيا إما بهدف السفر والحياة فى أرض الأحلام الأمريكية، أو صار يحيا النموذج الأمريكى داخل مصر. وهذا النموذج الذى اخترق حياتنا حتى النخاع بداية من المنتجات الأمريكية، والسندوتشات، مرورًا بموضات (الملابس، وتسريحات الشعر)! وليست المشكلة فى هذه المظاهر، ولكن تكمن المشكلة فى «القيم التى تكمن خلفها».. والتى نقبلها ضمنًا بقبولنا للمظاهر، والتى لابد أن نتذكر أنها ظهرت هناك فى ظروف وثقافة، تختلف كل الاختلاف عن ظروفنا وثقافتنا وتقاليدنا. وهذه القيم تتسرب إلينا، ونحن فى حالة من الانبهار الساذج، وتصبح مع الوقت جزءًا من تكويننا.
٢- وتنتج هذه القيم من نظرة مناقضة لنظرتنا للحياة والكون والآخر، من نظرة تقوم على الفردية «Individualism» التى قد تكون حققت قفزة كبيرة للبشرية على كل المستويات: علميًا وفكريًا وفلسفيًا، ولكنها أيضًا تعتبر أحد أسباب المأزق الذى وقع فيه الإنسان المعاصر، والذى يمكننا أن نسميه «التمركز حول الأنا» (The me culture)، مما أدى إلى زيادة قيم المتعة الذاتية، والاستهلاك المكلف.

٣- ولا شك أن طاحونة الإعلام الغربية الضخمة، تدور بكل قوتها، فتحدث فيه غزوًا إعلاميًا وثقافيًا منظمًا، يصور للجميع أن نمط الحياة الغربى (المختلف بالأساس عن كل أنماط الحياة فى الدول صانعة الحضارات والتاريخ مثل مصر) هو النمط الأمثل للحياة. وهذا النمط الذى يفرض بمطاعمه وأفلامه ومواقعه الالكترونية، مؤثرًا قويًا على أجيالنا الصاعدة. لذلك يحتاج شبابنا تأصيلاً ثقافياً، ليعوا الحق، ويميزوا بينه وبين الباطل، ويكون لهم القوام المتماسك، والأساس الراسخ، الذى لا يهتز أمام أعاصير التفرنج، والثقافات السطحية!. وهذا كله يحتاج إلى تدقيق وتأصيل شبابنا فى كل ما هو إيجابى، وتحذيره من كل ما هو سلبى. (وللحديث بقية).

*

الحروب الثقافية.. والعرب

الأصل في هذه الحياة هو الصراع وليس التفاهم، إذ لم يسهم التقدم والحداثة في إيقاف أي نوع من الحروب التي عرفتها البشرية منذ بدء الخليقة، بل إن التطور عمل على خلق ساحات ومجالات جديدة يتصارع عليها البشر، من الحرب النارية التي تستنزف الدماء إلى الحروب العلمية والتجارية والثقافية، وكل الحروب لا تهدف لخدمة البشرية، ولكنها تحقق مصالح فئة محدودة من البشر تسعى للسيطرة على الكون.

والثقافة بمعناها الواسع، صارت ساحة كبيرة وفاعلة للصراعات المعاصرة، باعتبارها حيزاً شاملاً يغطي كافة مناحي حياة الفرد والمجتمع من أنماط التفكير والأفكار الشائعة المنسوجة من التاريخ والأيديولوجيا وتفاعلات الحاضر، إلى أسلوب التعبير عن الذات من مأكل وملبس وأخلاقيات تعامل، وبدراسة الحروب الثقافية سوف ندرك أنها صارت جزءاً أصيلاً من جدلنا اليومي والمصيري أحياناً، وصارت أحد موجهات سلوكنا واتخاذ قراراتنا.

تختزل أغلب الدراسات الحروب الثقافية في أربعة صراعات، الأول: بين دعاة التحرر من الليبراليين وبين المحافظين ودعاة الحشمة القلقين على قيم الأسرة وأخلاقيات المجتمع، والحرب الثانية: تديرها قيم السوق الاستهلاكية التي سلّعت الكماليات وجعلتها ضروريات وسخَّرت ثقافة الصورة والمرأة للترويج لكل ما يصلح ولا يصلح، والحرب الثالثة: تدور رحاها بين مبادئ التعددية وقبول الآخر وبين الشعوبيين ومناهضي الهجرة الذين يدافعون عن السكان الأصليين ومستقبل الإجماع والإرث المشترك، والحرب الأخيرة هي: حروب (الأمركة) التي تخوضها أمريكا ضد كل ما هو ليس أمريكياً سياسياً واقتصادياً وأيديولوجياً.

إن هذه الحروب غير الدموية ذات قدرة فتاكة في التغلغل إلى التفاصيل الدقيقة في حياتنا، وقادرة على خَنْدقَتِنا مع أحد أطرافها وشغلنا بالنقاشات والتحليلات الاجتماعية والإنسانية لأثر كل قضية سلباً وإيجاباً، أحد صور تلك النقاشات الصاخبة تتجلى حول محتوى الأعمال السردية والفنية حين تتعرض للتابوهات، وللقضايا المتستر عليها في مجتمعاتنا، والحرب بين هواتف الآيفون والغلاكسي والهواوي، وإن الناس دخلوا في جدل عقيم وكبير يخيل إليهم أنه منهجي، وأنه كاشف لأبعاد لا يدركها عامة الناس.

ونحن العرب الأكثر تأثراً وتضرراً من هذه الحروب الثقافية، ذلك لأن معالم ثقافتنا آخذة في التفكك والتشتت بين الأفكار الأصولية وبين استنساخ ثقافات الآخرين، فما هي معالم ثقافتنا اليوم التي يجب أن نحافظ عليها؟ في الغالب ستكون الإجابة بعيدة عن تمثلات الواقع، وسنجد أنه من الصعب أن تميز أنفسنا وهويتنا بسمات واضحة تجعلنا صامدين أمام الاستقطابات الثقافية العاتية التي تعصف بنا من كل إقليم في هذا العالم.
صحيفة رؤية 

*

معركة القرن الـ21: "الأمركة" و"الصيننة"


الهم المباشر في الحرب بين واشنطن وبكين هو السيطرة على السردية الكونية


نقطة الانطلاق في اللعبة هي السباق بين نموذجين اقتصاديين: نموذج النمو الاقتصادي مع الديمقراطية في أميركا والغرب، ونموذج النمو الاقتصادي من دون ديمقراطية في الصين.

الأول هو الأكثر جاذبية. والثاني هو الأسرع والأفعل، بدليل أن الاقتصاد الصيني يقترب من تجاوز نظيره الأميركي. ومن الصعب أن يصدق العالم قول رجل الأعمال الصيني اللاجئ إلى مالطا شي نيا نيونغ "إن الاقتصاد الصيني يشبه سفينة عملاقة تتجه نحو كارثة". فما ركّز عليه بلينكن في اجتماع الحلف الأطلسي في بروكسل هو عمل أميركا مع الحلفاء على "تطويق" مشروع "الحزام والطريق" الذي تستثمر فيه الصين تريليون دولار في آسيا وأوروبا وأفريقيا. والمنطق حسابي: "اقتصاد أميركا يمثّل 25 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي، ومع الحلفاء في أوروبا وآسيا يصبح المجموع 60 في المئة من الاقتصاد العالمي".

يرى بلينكن "أن الصين هي الدولة الوحيدة ذات القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية التي من شأنها أن تهدد المنظومة الدولية المستقرة والمفتوحة". ويصف العلاقة مع الصين بأنها "تنافسية عندما ينبغي، ومتعاونة متى تكون ممكنة، ومخاصمة عندما يجب، وسنتحاور معها من موقع قوة".

هذه معادلة سهلة نظرياً، وصعبة عملياً. فالصين تلعبها مزدوجة: قومية في السياسة، كونية في حرية التجارة. متشددة في الداخل بالرقابة والقمع، وحارسة العولمة في الخارج. ليست لديها "قوة ناعمة" على مستوى أميركا، لكنها تستفيد في التعاطف معها من كره أو مواجهة قوى في العالم للسياسة الأميركية.

ويقول هنري كيسينجر في كتاب عن "الصين": "الصينيون ليسوا أليفي تجربة كونهم حلفاء، ولم يكن لديهم وزير خارجية حتى القرن التاسع عشر". فضلاً عن أن في عناصر القوة، بعض عناصر الضعف. ذلك أن الرئيس وزعيم الحزب الشيوعي شي جينبينغ الذي يوصف بأنه "ربان السفينة العظيم" مثل ماو، ثابت في الموقع ويريد عشر سنين أخرى بعد عام 2022. والمعادلة هي تشديد قبضة الحزب على السلطة والمجتمع، وتشديد قبضة شي على الحزب.

فهو ليس ضد الليبرالية الاقتصادية في الخارج. ولا يحاول اللعب في المجتمعات والانتخابات الأوروبية والأميركية كما يفعل حليفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

الهم المباشر في الحرب بين أميركا والصين هو السيطرة على السردية الكونية. والطرف المتفوق هو أميركا، وإن كانت تعاني حالياً مشكلة في السردية الوطنية التي تمتلكها الصين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق