Dec 17, 2021
هل المواهب حكر على الأغنياء من البشر والدول المتقدمة أم موزعة بعدالة بين الفقراء والأغنياء، أبناء الوطن الواحد، والدول المتقدمة والنامية؟!
الدكتورة ستيفانيا جنيني، مساعدة المديرة العامة لشؤون التعليم في منظمة اليونسكو، وزيرة التعليم والجامعات والبحوث السابق في إيطاليا، التقطت عبارتها بالغة الدلالة: "إن المواهب موزعة بعدالة بين الفقراء والأغنياء وبين شعوب الدول المختلفة، هذا ما تأكد منه العلماء، بينما الفرص الضرورية لرعاية تلك المواهب وازدهارها غير عادلة ولا متساوية".
بينما التفاوت في استثمارها، وليد فجوة القدرات بين التنوعات الطبقية والمجتمعية، وقدرات الدول فكريًا وسياسيًا واقتصاديًا.
تتآكل وتتلاشى المواهب، حين لا تجد من يغرس بذورها في بيئة صالحة للنمو، وعندما تفتقر لإرادة سياسية لاكتشافها وريّها بمياه التنمية والتأهيل، وتزدهر عندما تتوافر لديها منظومة الحماية والرعاية، فتثمر مُبدعين قادرين على النهوض بالأمة، وقيادة مسيرة التقدم.
مناهج تعليمية تخلق عقولًا نقدية وبيئة حاضنة، ومفكرين وتربويين مؤهلين، مدارس وجامعات مؤمنة بحتمية بناء قدرات للمستقبل، مجهزة بالإمكانات الضرورية اللازمة لصناعة عباقرة يقودون الوطن للازدهار.
ما هي الموهبة، التي علينا اكتشافها وضمان تنميتها، هي مشتقة من الفعل "وهب"، تقول المعاجم، أي العَطيّةُ بدون مقابل، فالموهبة: الاستعداد الفطري لدى المرءِ للبراعة في مجالات الفن والعلم والعمل المختلفة، وهذا الاستعداد فطري يوهب للأفراد من قبل الله- سبحانه وتعالى- من دون تمييز بين غني أو فقير، ولا بين شعوب دول نامية أو متقدمة، مجانًا من دون تكلفة اقتصادية ولا ثمن.
السؤال: لماذا تنمو المواهب في المجتمعات المتقدمة وتضمحل وتتلاشى غالبيتها في المُجتمعات الفقيرة؟
الإجابة باختصار، تكمن في الاستراتيجية، التي تنطلق من توافر الإرادة السياسية والمجتمعية، مرورًا بالقدرة على تحمل الكلفة الاقتصادية، لاكتشاف المواهب ورعايتها، وتنميتها، في مؤسسات تعليمية وجامعية وبحثية، تلاحق أحدث مستجدات العلم، للوصول بتلك المواهب لمرحلة جني الأمة ثمارها.
تلك الثمار أكسير الحياة والتقدم محليًا وعالميًا، عندما يرتبط العلم باحتياجات المُجتمع، ليكون في خدمة الشعوب، وهو ما نادت به البروفيسور "ستيفانيا"، مستدلة بخدمة العلم للعالم في مواجهة جائحة فيروس كوفيد 19، بجهد بحثي أثمر اللقاحات التي أسهمت في محاصرة الفيروس، والحد من مخاطره وضحاياه.
ستختفي آلاف الوظائف، وتتوالد تخصصات جديدة، في المُستقبل القريب، بفعل الثورة الرقمية والتكنولوجية، متسارعة القفزات، وهو ما يتطلب يقظة الدول النامية، وثورة تطوير في جامعاتها ومؤسساتها العلمية، لتقف مواليد مجالات العمل ووفياتها في السوق العالمية، ومهارات وقدرات المُنتج التعليمي الصالح لشغلها.
دور الأسرة، ولتأدية الأسرة هذا الدور علينا أن نواجه التحدي الأكبر وهو المنظومة الفكرية والثقافية للمجتمع، ذلك الذي ما زال مؤمنًا بـ"إن فاتك الميري تمرغ في ترابه"، وهي ثقافة تحتكر الأمان الوظيفي والمعيشي في الالتحاق بوظيفة في القطاع الحكومي، يتقزم الطموح ويفنى الحلم ويُقتل الإبداع جنينًا قبل مخاضه.
تشجيع الأبناء الطلاب على الحُلم والابتكار والتفكير في ريادة الأعمال، محذرة من الوقوع في خطأ دفع الأبناء لدراسة تخصصات جبرًا، ناصحة بأن يكون دورنا تعريفهم بما سيكون عليه في المُستقبل المتفوقون في دراسة كل تخصص، وتركهم لاختيار ما يخلصون إليهم بقناعاتهم ويرون فيه تحقيق أحلامهم.
اهتمامنا يجب أن يكون منصبًا على جميع الطلاب، وليس فقط الموهوبين، فهناك من نحتاجهم لاستخدام التكنولوجيا وتطبيقاتها، بينما الموهوبون يضيفون للبحث العلمي الإبداع والابتكار".
ستقبل مصر وتقدمها رهن قدرتها على بناء الإنسان، واكتشاف الموهوبين من أبنائنا ورعايتهم، ليقود العلماء المجتمع للتقدم، ويجيد جملة الشعب استثمار منتجات العلم، في التغلب على التحديات وتحقيق المنجزات.
هل مصر جادة في خلق بيئة كاشفة وحاضنة ومؤهلة للمواهب، هل مصر جادة في امتلاك قدرة بناء إنسان مصري مؤهل للقيادة والريادة وملاحقة تطورات مستجدات التكنولوجيا؟!
يبدأ العلاج الناجع، برصد العرض، ودقة تشخيص المرض، ومهارة وصف العلاج، وقد رصدت مصر العرض، وشخصت المرض، ووضعت استراتيجيات العلاج، وهي بذلك قطعت الشوط المهم، ويبقى الأهم وهو القدرة على توفير نفقات العلاج، وإيمان المريض بجدواه، ومن ثم الالتزام بتناول جرعاته، إذا تمكنا بإذن الله، من خلق بيئة تكاملية، وإيمان مجتمعي بحتمية النهضة العليمة، نستعيد الريادة الحضارية، ففي هذا الوطن ملايين العقول الذكية، ومئات الآلاف من المواهب.
البروفيسور مايك ماكيردي، رئيس الكلية الملكية للأطباء والجراحين في إسكتلندا قائلًا: البروفيسور مجدي يعقوب نراه في إسكتلندا وبريطانيا بطلًا، وأعتقد يراه المصريون كذلك".
التكنولوجيا والروبوت سيمكّن أطباء من إرشاد أطباء آخرين عن بُعد، خلال إجراء الجراحات".
مع طوفان المعلومات المتدفق، وسهولة الحصول عليها، لن يكون الحفظ والاستذكار ممكنًا ولا ذا قيمة، بل ستكون القدرة على النقد والتحليل هي المهارة، المطلوب بناء كوادر قادرة على امتلاكها وتوظيفها، يؤكد البروفيسور مايك.
المُستقبل يتطلب إنسانًا من نوع آخر، يمتلك القدرة على التأقلم مع تطور عالمي غير مسبوق، ولا يمكن توقع سرعته، وما ينجبه من تحديات وتطبيقات، وما يتطلبه من مهارات وقدرات للتعايش والتفاعل.
تحقيق ذلك التأقلم، جميعنا شركاء، حكومة، وشعب بداية من الأسرة المصرية والتربويين، مرورًا بالنخبة والمفكرين والأساتذة الجامعيين.
*
لا يحتاج المصريون جمهورية جديدة بقدر ما يحتاجون مدارس جديدة، ولا يحتاجون إلى سجون جديدة بقدر ما يحتاجون مستشفيات جديدة، ولا يحتاجون منتديات للشباب بقدر ما يحتاجون تأهيل الشباب لسوق العمل، ولا يحتاجون مشروعات دعائية بقدر ما يحتاجون توفير فرص عمل حقيقية، ولا يحتاجون إلى ضرائب إضافية، بل يحتاجون إلى رفع دخولهم، ولا يحتاجون إلى إيهامهم بزيادة النمو الاقتصادي بقدر ما يحتاجون إلى العدالة في توزيع الدخل.
حاجة المصريين الحقيقية تكمن في التعليم والصحة، ومعهما الديمقراطية، وهي الأمور التي خرجت من حسابات نظام يوليو 2013، ومشاهد المصريين في المستشفيات وهم لا يجدون أَسِرَّةً، والطلاب وهم متكدّسون داخل الفصول، ونسب الفقر المتزايدة، كل هذه الأمور تكشف بوضوح زيف النظام السياسي في إحداث أي نهضة أو رفاهية للمجتمع الذي يُقهَر بنيران الاستبداد ونيران الجباية. وبينما يطالَب المحكومون بالاقتصاد والتقشّف، يجدون حاكمهم يخرُج بصورة شبه يومية في مؤتمرات تكلّفهم الملايين، ليُحدّثهم عن إنجازاتٍ لا يجدون منها سوى لهيب الأسعار، وطُرُقاً لن تُغنيَهم شيئاً إذا لم يجدوا قوت يومهم، فالحجارة التي يُكدِّسها السيسي لن تكون طعاماً للجائعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق