الأربعاء، 2 مارس 2022

الحقيقة.. المرة والمطلقة والغائبة

Sep 17, 2018
الحقيقة قادرة على قلب الموائد وجلب الفوضى والصدمة، ثم تعود بقدرتها العجيبة وتعيد ترتيب الأشياء والأشخاص فى حياتك!، ولأنها صادمة وصارمة، يخافها البعض ويعتبرونها قاسية، بل لقد تجرأوا عليها وأعطوها لقب «المُرّة»!!، فصارت الحقيقة المُرّة رعباً نهابه ونهرب منه بدلاً من موقعها الطبيعى فى أن تكون ملجأً وهدفاً نسعى للوصول إليه!.
تموت الحقيقة لأنها تحتاج إلى مخلصين فى البحث عنها وإلى مؤمنين يدفعون ثمن مساندتهم لها، ويتحملون جهالات وخصومات وعداوات لأجلها، وهم قليلون!.
تموت الحقيقة فى أوطان عانت كثيراً من صدمات متتالية، ولم يعد لدى مواطنيها القدرة على تصديق كل ما هو رسمى وكل صاحب سلطة أو منصب، ففقد إعلامها مصداقيته حين صار إعلاماً رسمياً.. وفقد الرموز مكانتهم عند الناس عندما تولوا الكراسى.. أصبح الناس فى حالة ترصد وقناعتهم أقرب لتصديق كل ما هو سلبى لأنه يدعم نظريتهم الغاضبة!.
فتصبح الشائعة أقوى من الحقيقة وأكثر عنفواناً، وتصبح مهمة قول الحق الذى لم يعد يعجب كل الناس مهمة ثقيلة على أصحابها تكلفهم الوقت والجهد والسمعة أحياناً!!.
جربت منهجاً مريحاً بعض الشىء طالما ساعدنى فى حياتى، أن أمتحن كل شىء ولا أصدق أمراً لمجرد أنه يوافقنى، ففلان رجل فاسد!!!، أأصدقها لأنى أكرهه، أم لأنى تيقنت من الحقيقة؟
وفلان بطل وضحية، أأصدقها لأنى أحبه، أم لأنى تيقنت من مظلمته؟
الشائعة تنتصر كلما زاد عدد مَن كفّوا عن الأسئلة الخمسة: مَن، متى، أين، كيف، ولماذا!. فى الماضى القريب كان الناس ينكرون ما يقلب عالمهم الآمن، ولذا يميلون إلى تصديق الإيجابيات وتعظيم شأن الأشخاص ومحاولة إيهام أنفسهم بأنهم بخير حتى ولو كانوا عكس ذلك!!!.
والآن انقلب كل شىء، فالميل العام هو إلى تصديق الكوارث وتحقير شأن كل الرموز ومحاولة تثبيت فكرة ضياع الأمل حتى ولو كانت الحقيقة عكس ذلك!.
وما بين أولئك وهؤلاء ضاعت الحقيقة.. وأصبح ترتيب الأشياء ووضعها فى حجمها الحقيقى مشقة ومعاناة لأصحاب المعلومة وأولئك الحمقى- أمثالى- الذين مازالوا يدركون بعض الأمل، ويؤمنون بأن كل مكان فى هذه الأرض يحمل كل أسباب السعادة وكل أسباب الشقاء والناس يختارون الطريق بينهما.
الحقيقة ليست مُرّة كما يروجون.. حقيقة الناس أنهم ليسوا أشراراً ولا ملائكة، حقيقة الأوطان أنها ليست جنة ولا جحيماً.. فعندما تفتح قلبك لكل الاحتمالات وتفتح ذهنك إلى أنه ربما يكون هناك جانب آخر من الصورة غير ما أطلعوك عليه.. تصبح حراً.. فى اختياراتك وعلاقاتك ومواقفك.
الحق حرية والحقيقة حرة.. وأصحابها دائماً أحرار!.

ريهام
********
انا اؤمن بعدم وجود معتقد ثابت يحمل الحقيقة المطلقة ويكفر كل ما يتعارض معه
احترام معتقدات الغير وتقديرها وادعها تظهر علي الساحة

إذا سألت شخصًا: هل أنت مؤمن بأن عاداتك وتقاليدك وحدودك التى وضعتها لنفسك أو وضعها لك مجتمعك هى الوحيدة التى تصلح ليعيش الإنسان حياة صحية؟ ستكون الإجابة بالطبع نعم، بينما أنت من تسأل تعيش بطريقة مختلفة تمامًا تناسب تقاليدك ومن يعيشون حولك وتعتقد أيضًا أنها الوحيدة الصالحة. إذا تبنيت أفكار سياسية معينة، فستعتقد تمامًا أنها الأكثر ملاءمة لتحسين أوضاع بلدك بينما يعتقد آخرون أنها فاشلة.. هل فكرت قبل ذلك بأن كل شىء على وجه الأرض صحيح وخاطئ فى نفس الوقت؟ هل فكرت قبل ذلك أن لا داعى لأن تتطرف لأى فكرة أو معتقد تملكه لعدم وجود ما يجزم مدى صحته مهما اقتنعت به أنت؟ هل فكرت قبل ذلك أن تتفتح قليلًا؟

لكل إنسان اعتقاد دينى أو غير دينى مستند إلى حقائق وأفكار يستند إليها هذا الشخص فى الدفاع عن هذا المعتقد، فطالما يوجد احتمال بطلان هذه الأفكار والمعتقدات بالنسبة إلى شخص آخر يعترض عليها ويسند حقائق أخرى ليثبت مدى صحة معتقداته هو لينفى الآخرين، فلماذا لا يعترف الناس باحتمال أى وجود خطأ فى معتقداتهم الشخصية، لا ليغيروها ولكن ليفتحوا عقولهم على معتقدات أخرى ويتقبلوها لوجودها ولرجاحة عقل من يؤمنوا بها.

أنا لا أؤمن بالتدين ولكنى أؤمن بوجود الله، وأيضا أؤمن أن الله وحده هو من يعرف ما هو صحيح وما هو خاطئ،
 لا يوجد شىء صحيح بإجماع كل من يعيشون على الأرض، ولا يوجد فى المقابل شىء خطأ بالإجماع أيضًا، فالصحيح والخطأ أشياء نسبية اعتمادًا على عقلية وظروف كل شخص حول العالم بغض النظر عن دينه، فليس هذا هو الموضوع، وبهذا نكمل بعضنا البعض فى إعمار الأرض سويًا كل منا فى ما يعرفه وما يؤمن به، وفى حالة احترام كل شخص لغيره من حاملى الأفكار لن يتعدى أحد أو يتطاول على ما يعتقده خطأ، ولن يشعر أحد بعدم الأمان لفكرة هيمنة معتقد واحد على مجتمع بأكمله، فكل منا يعمل فى تعاون هادفين إلى التوصل إلى الحقيقة المطلقة بتكوين صورة كاملة مجمعة لكل الأفكار وليس التمسك والتعصب إلى واحدة، إيمانًا بأن هذا هو الشىء الصحيح الوحيد على وجه الأرض!
ولهذا يجب على كل شخص احترام وتقدير معتقدات غيره مهما كانت مختلفة عنه إيجابًا أو سلبًا، فلن يظهر إنسان على وجه الأرض يحمل معتقدًا صحيحًا لأنه ليس الإله، هو ليس إلا إنسان يفكر ويؤمن بما توصل إليه من أفكار، فبحكمة الله لم يخلق لنا حقيقة مطلقة سوى وجوده، ولكنه خلق لنا عقلا يفكر لنتوصل به إلى حقائق نسبية، فإذا تركنا مجالا لعقولنا -التى جعلتنا نؤمن بالكامل بأشياء نعتقد فى صوابها رغم اختلاف الأغلبية عليها- لتنمو سوف نؤمن جميعًا باحتمال صحة وجود ما تختلف معه أفكارنا الشخصية واحتمال وجود الخطأ فى ما نعتقده نحن الحقيقة المطلقة! 
هذا هو رأيى الشخصى الذى أيضًا كغيره يحتمل الصواب والخطأ....
**************
البحث عنها أكثر قيمة من امتلاكها
عندما تغيب الحقيقة يحل محلها الزيف، ومن ثم يغيب الجمال ويسود القبح والابتذال ويكثر المزيفون والمخادعون، لذا تعد الحقيقة هى الضمانة الوحيدة التى تعطى الفن والثقافة المكانة الرفيعة التى حظيت بها منذ أن عرف الإنسان الفن والإبداع وليس غريبًا أن تلصق الحقيقة بالفن والجمال «الجمال هو الحقيقة والحقيقة هى الجمال».

أخطر من أولئك الذين ينخدعون، هم أولئك الذين يخدعون: «المزيفون». ولكى يتمكنوا على نحو أفضل من إقناع المشاهدين أو المستمعين أو القراء، يلجأون إلى حجج، هم أنفسهم لا يصدقونها، قد يؤمنون بقضية لكنهم يعمدون إلى وسائل غير شريفة للدفاع عنها. إنهم إذن «مزيفون» يصنعون عملة ثقافية مزورة من أجل ضمان انتصارهم فى سوق المعتقدات الراسخة.
هناك من هم أسوأ: «المرتزقة» هؤلاء لا يؤمنون بشيء، سوى أنفسهم، ينتسبون (أو بالأحرى يتظاهرون بالانتساب) إلى قضايا ليس لقناعتهم بصحتها، بل لأنها فى تقديرهم واعدة ولها مردود مهم وتسير فى اتجاه الرياح السائدة.
ومن شدة تكرار الحجج نفسها، قد ينتهى الأمر بالـ«مرتزقة» إلى إقناع أنفسهم بصحة التزامهم. الفاصل بين «مزيفون» و«مرتزقة» ليس حادًا. فجميعهم يدركون، فى كل الأحوال، مخالفتهم للأمانة الفكرية، وجميعهم لا يعبأون بها، لسببين:
الأول: هو أن الغاية تبرر الوسيلة، ويرون أن الجمهور العريض ليس ناضجًا بما يكفى لكى يتحسب للطوارئ وأنه من المناسب توجيهه ولو بوسائل لا تنطبق عليها كثيرًا معايير الأمانة.
الثانى هو انطلاقه من دفاعهم عن الطروحات السائدة، لن تتعرض وسائلهم الملامة قط للعقاب، لماذا يربكون أنفسهم بالتدقيق والتمحيص؟ يحتاج قول الحقيقة إلى مجهود إضافى للإثبات، بينما الكذب لا يحتاج، كما أنه لم يعد سببًا لفقدان الأهلية، ومن الحماقة عدم الاستفادة من ذلك.
«خيانة المثقفين» تكون فى الصمت وعدم الالتزام وعدم الاكتراث بقضايا المجتمع وبالحياة الحقيقية.
المثقفون مطالبون بوضع موهبتهم وشهرتهم فى خدمة قضايا أكثر عمومية وبالالتزام بالنضال ضد المظالم 
آن الأوان لكى يتم وضعهم أسفل الجدار لكى يتم سؤالهم عن رأيهم بالحرب، بالاستعمار، بترشيد المصانع، بالحب، بمختلف أنواع الموت، بالبطالة، بالسياسة، بالانتحار، بأجهزة الشرطة، بالإجهاض، بكل العناصر التى تشغل الأرض حقًا لقد آن الأوان لكى يتم سؤالهم عن موقفهم».. 
*****************************************************
قُتل عثمان.. بأيدى مسلمين.
تم قُتل علي.. بأيدى مسلمين.
ثم قتل الحسين وقطعت رأسه.. بأيدى مسلمين.
وقتل الحسن مسمومًا مغدورًا.. بأيدى مسلمين.
وقُتل اثنين من المبشرين بالجنة «طلحة والزبير».. بأيدى مسلمين
فى معركة كان طرفاها سيدنا «علي» وستنا «عائشة» (موقعة الجمل).. قُتل مسلمين بيد مسلمين.

فى معركة كان طرفاها سيدنا «علي» وسيدنا «معاوية» (موقعة صفين).. قُتل مسلمين بيد مسلمين.

فى معركة كان طرفاها «علي» و«أتباعه» (موقعة نهروان).. قُتل مسلمين بيد مسلمين
فى معركة كان طرفاها «الحسين» و«يزيد».. ذُبح ٧٣ من عائلة رسول الله بيد مسلمين.
فى (معركة الحرة) التى قاد جيش الأمويين فيها «مسلم بن عقبة» جاءه صديقه الصحابى معقل بن سنان الأشجعى (شهد فتح مكة وروى أحاديث وكان فاضلًا تقيًا) فأسمعه كلامًا غليظًا فى «يزيد بن معاوية» بعدما قتل الحسين... فغضب منه... وقتله.
لم يتجرأ «أبولهب» و«أبوجهل» على ضرب «الكعبة» بالمنجنيق وهدم أجزاء منها.. لكن فعلها «الحصين بن نمير» قائد جيش عبد الملك بن مروان أثناء حصارهم لمكة.
لم يتجرأ «اليهود» أو «الكفار» على الإساءة لمسجد رسول الله يومًا.. لكن فعلها قائد جيش يزيد بن معاوية عندما حول المسجد لثلاثة ليال إلى إسطبل، تبول فيه الخيول.
فى خلافة عبدالملك بن مروان: قُتل عبدالله بن الزبير (ابن أسماء ذات النطاقين) بيد مسلمين.
فى خلافة هشام بن عبدالملك: لم يُقتل زيد بن زين العابدين بن الحسين (من نسل النبي) فحسب.. بل صلبوه عاريًا على باب دمشق.. لأربعة سنوات.. ثم أحرقوه.
معاوية بن يزيد (ثالث خلفاء بنى أمية) لما حضرته الوفاة، قالوا له: اعهد إلى من رأيت من أبيتك؟، فقال: والله ما ذقت حلاوة خلافتكم فكيف أتقلد وزرها!! اللهم إنى بريء منها متخل عنها.
فلما سمعت أمه (زوجة يزيد بن معاوية اللى قتل الحسين) كلماته، قالت: ليتنى خرقة حيضة ولم أسمع منك هذا الكلام.
تقول بعض الروايات إن عائلته هم من دسوا له السم ليموت لرفضه قتال المسلمين، بعد أن تقلد الخلافة لثلاثة أشهر فقط وكان عمره ٢٢ سنة.
ثم صَلّى عليه «الوليد بن عتبه بن أبى سفيان» وكانوا قد اختاروه خليفة له، لكنه طُعن بعد التكبيرة الثانية.. وسقط ميتًا قبل إتمام صلاة الجنازة.
فقدموا «عثمان بن عتبة بن أبى سفيان» ليكون الخليفة، فقالوا: نبايعك؟ قال: على ألا أحارب ولا أباشر قتالًا.. فرفضوا.. فسار إلى مكة وانضم لعبدالله بن الزبير.. وقتلوه.
وقتل الأمويون بعضهم البعض:
قُتل أمير المؤمنين «مروان بن الحكم».. بيد مسلمين.
ثم قُتل أمير المؤمنين «عمر بن عبدالعزيز».. بيد مسلمين.
ثم قُتل أمير المؤمنين «الوليد بن يزيد».. بيد مسلمين.
ثم قُتل أمير المؤمنين «إبراهيم بن الوليد».. بيد مسلمين.
ثم قُتل آخر الخلفاء الأمويين.. بيد «أبومسلم الخرساني».
بعدها قَتل «أبوالعباس» - الخليفة العباسى الأول- كل من تبقى من نسل بنى أمية من أولاد الخلفاء، فلم يتبق منهم إلا من كان رضيعًا أو هرب للأندلس.
وأعطى أوامره لجنوده بنبش قبور بنى أمية فى «دمشق» فنبش قبر معاوية بن أبى سفيان فلم يجدوا فيه إلا خيطًا، ونبش قبر يزيد بن معاوية فوجدوا فيه حطامًا كالرماد، ونبش قبر عبدالملك فوجده صحيحًا لم يتلف منه إلا أرنبة أنفه، فضربه بالسياط.. وصلبه.. وحرقه.. وذراه فى الريح.
لما مات «أبوالعباس».. وخلفه «أخوه أبوجعفر المنصور».. خاف من شعبية صديقه «أبومسلم الخرساني» أن تطمعه بالملك.. فاستشار أصحابه فأشاروا عليه بقتله. فدبَّر لصديقه مكيدة.. وقتله.. وعمره ٣٧ عامًا فى معركة كان طرفاها «أنصار أبومسلم» و«جيش العباسيين».. وقُتل فيها آلاف المسلمين.
بعد وفاة «أرطوغرول» نشب خلاف بين «أخيه» دوندار و«ابنه» عثمان، انتهى بأن قتل عثمان «عمه» واستولى على الحكم، وهكذا قامت الدولة العثمانية.
حفيده «مراد الأول» عندما أصبح سلطانًا.. قتل أيضًا «شقيقيه» إبراهيم وخليل خوفًا من مطامعهما.
ثم عندما كان على فراش الموت فى معركة كوسوفو عام ١٣٨٩ أصدر تعليماته بخنق «ابنه» يعقوب حتى لا ينافس «شقيقه» فى خلافته.
السلطان محمد الثانى (الذى فتح إسطنبول) أصدر فتوى شرعية حلل فيها قتل السلطان لشقيقه من أجل وحدة الدولة ومصالحها العليا.
السلطان مراد الثالث قتل أشقاءه الخمسة فور تنصيبه سلطانًا خلفًا لأبيه.
ابنه محمد الثالث لم يكن أقل إجرامًا فقتل أشقاءه التسعة عشر فور تسلمه السلطة ليصبح صاحب الرقم القياسى فى هذا المجال.
عندما أرادت «الدولة العثمانية» بسط نفوذها على القاهرة قتلوا خمسين ألف مصري مسلم.
فى كل ماسبق:
اللى «قتلوا» كانوا عاوزين خلافة إسلامية.
واللى «اتقتلوا» كانوا عاوزين خلافة إسلامية.
اللى «قتلوا» كانوا بيرددوا.. الله أكبر.
واللى «اتقتلوا» كانوا بيرددوا.. الشهادتين.
مسلسل قديم.. لكننا لم نقرأ ونتدبر من التاريخ إلا ما أُريد لنا أن نقرأه ونتدبره.....................
زرقاء اليمامة د. فرج فودة #الحقيقة_الغائبة
+++++++++++++++++++++

كلما ازداد ابتعاد المجتمع عن
الحقيقة كلما ازدادت كراهيته لمن
يتحدثون بالحقيقة.

++++++++++++++++++++
 الحقيقة بين الإخفاء والإلهاء!

فى السبعينيات تصورت واهما أن الصحافة ستكون طريقى للحقيقة بالبحث والحياد والمثابرة لكنها لم تكن كذلك بل صارت لعنة ونقمة مؤخرا.. مهنتى تعتمد على الأسئلة.. لكن كيف تسأل والإجابات محرمة أو معلبة.. الأسبوع الماضى عشت فى حيرة من أمرى بين ما تتداوله الصحف والمواقع وما أعلمه عن حقيقة الأمر..
. الإخفاء فسر على أنه إلهاء وتضخيم لدور الإخوان والمصريون يعرفون خطر الجماعة أكثر من أى مسؤول..

الصحافة لا يتولى أمرها الآن محترفون.. وبالتالى يبذلون جهداً فائقاً فى تشويه خصوم وهميين مع أن هناك من هم أكثر خطورة.

ليس هناك عقل يبحث وراء الحقيقة وهكذا تظل غائبة سواء للإخفاء أو للإلهاء،.. قلنا إن الصحافة الناضجة الحرة قادرة على كشف الأخطاء.. لكننا نؤذن فى مالطا.. لو كان هناك إعلام حقيقى لعرف كيف يتعامل مع فيديو المقاول الممثل بما ينبغى بدلا من تسويقه على القنوات المشبوهة.. الكتائب الإلكترونية والإعلام الأمنى لا يصلح فى إدارة أزمة كهذه.. لو كان برنامج باسم يوسف- مثلا- موجودا لعرف كيف يجنب الدولة حرجا.. خصوصا أن من طبلوا بغباء بأنه إخوان أو عميل أساءوا للدولة لأنه يعمل مشروعات القوات المسلحة والرئاسة وخضع لفحوص أمنية متعددة.. يا حبذا لو نفكر صح مرة، وبالتالى سنرد صح..
مفيش مانع نشتغل فى الإعلام بدراسات جدوى وفن إدارة الأزمات، لأنه اتضح أن العشوائية فى الاختيار ينتج عنها ضحالة فى رد الفعل..!

+++++++++++++++++++++++++++++++

وصف العميان...الحقيقة الناقصة


هناك حكاية هندية قديمة تروى عن أن ستة عميان عرفوا أن فيلاً ضخما سوف يؤتى به إلى بلدتهم بمناسبة الاحتفال السنوى، فذهبوا إلى الحاكم وطلبوا منه أن يسمح لهم بلمس الفيل، فهم دائماً ما يسمعون عن الفيل وضخامته لكنهم لم يتصورا شكله قط. لم يمانع الحاكم لكن وضع شرطا واحدا، أن يصف كل منهم الفيل فى جملة واحدة. وفى يوم الاحتفال وبحضور أهل البلدة أحاط الستة رجال بالفيل وبدأ كل واحد فيهم بلمسه، وبعدما انتهوا من معاينة الفيل قام كل واحد بوصف الفيل، وصف الأول الفيل قائلا: الفيل أقرب ما يكون إلى الحبل، فعلق الثانى متعجباً: أين الفيل؟ وأين الحبل؟ بل هو مثل الحائط تماماً، ضحك الثالث، وقال: ما هذه السخافة؟ حبل وحائط، الفيل ليس إلا خنجرا كبيرًا، فقال الرابع متهكماً: ما تقولونه هراء وما يقوله الناس عن ضخامة الفيل هراء أيضاً، فقد كنت أشتاق لمعرفة الفيل، وصدمت حينما وجدته مجرد ثعبان بدين غير سام، فسخر الخامس من وصف سابقيه، وقال: الفيل مروحة يدوية مصنوعة من الجلد، أما السادس فقال مقهقهاً: يا للهول هل بكم مس شيطانى؟! يبدو أنكم لمستم شيئا آخر غير الفيل، فالفيل ما هو إلا جذع شجرة.



أثناء وصف كل شخص من الستة للفيل، كان كل من فى المكان يقهقه بصوت عال ساخراً من الأوصاف العجيبة للفيل إلا الحاكم فقد كان يسمع بإصغاء كامل ووقار شديد وبعد أن انتهى الستة من وصفهم للفيل، وقف الحاكم وأشار لجموع الحاضرين بأن يكفوا عن الضحك، وبعد أن هدأوا جميعا قال الحاكم موجهاً كلامه للجميع: لماذا تسخرون من العميان الستة؟ كلهم صادق فى وصفه للجزء الذى لمسه من الفيل، الأول قال إن الفيل يشبه الحبل لأنه لمس الذيل فقط، والثانى قال إن الفيل كالحائط، لأنه لمس الجسم فقط، والثالث قال إن الفيل كالخنجر لأنه لمس الناب، والرابع قال إن الفيل كالثعبان؛ لأنه لمس الخرطوم، والخامس قال إن الفيل يشبه المروحة؛ لأنه لمس إحدى الأذنين، والأخير قال إن الفيل كجذع الشجرة لأنه لمس الساق. بذلك فقد أصاب كل شخص من الستة جزءًا من الحقيقة والخطأ الوحيد الذى ارتكبوه هو أنهم لم يتريثوا ليعرفوا الحقيقة كاملة، ونحن أيضاً بلا استثناء نقع فى هذا الخطأ كثيراً، نتحدث عن جزء من الحقيقة ونعتقد أن هذا الجزء هو الحقيقة كاملة، فنتمسك به، ونتعصب من أجله، نهاجم من يعارضه، ونحارب الآراء الأخرى، وذلك ببساطة، لأننا لم نحِط بالحقيقة من جميع جوانبها.


العميان الذين يحاولون أن يصفوا فيلا، ظاهرة تتكرر فى كثير من مجتمعات المبصرين التى تتصارع من أجل وجهة نظرها على اعتبار أنها الحقيقة المطلقة، مفتقدة الرؤية الكاملة وشغف الوصول للحقيقة بغض النظر عن انحيازاتها السابقة.
وهذا يحدث فى مصر، النظام يروّج لرؤيته للإصلاح الاقتصادى والمجتمعى ومحاربة الإرهاب، والتى يجدها خبراء مخالفة لرؤيتهم، كل طرف يروّج لرؤيته على اعتبار أنها الحقيقة الكاملة والوحيدة، غير مدرك لقصوره أو مستوعب أن الصورة الكاملة محصلة رؤى متعددة، وأن هذا ليس تقليلًا من صدق رؤية أى طرف ولكنه استكمال لها.
(٣)
أخطر ما يواجه مصر هو الرؤية الناقصة، نتابع ذلك فى الخلاف بين أولياء الأمور ووزير التعليم، والصحفيين والمجلس الأعلى للإعلام، ورجال الأعمال ومؤسسات الدولة التى تنافسهم.
كل مجموعة تروّج للجزء الذى لمسته من الفيل، على اعتبار أنه الوصف الكامل له، وهذا وضع خطر ومعوق لأى مجتمع.
السؤال الذى يشغلنى: كيف يمكن توجيه المجتمع نحو إدراك الصورة الكاملة؟ والتى تتحقق بالشفافية وحرية تعبير والصدق والإخلاص، وماهى الجهة التى يمكن أن تقوم بذلك؟!

**************

الحقيقة بين الثبات والتحول

عادة ما نسمع أن هذا المعطى أو ذاك حقيقة لا غبار عليها، ثم يأتي من يفنّده بحجج وبراهين، تستوي في ذلك الحقائق الفكرية والعلمية والتاريخية، حتى ليحار المرء في معرفة الثابت من الحقائق والمتحول منها.
الحقيقة ليست واحدة
 الحقيقة الشكلانية، المقبولة منطقيا، والحقيقة المادية،
ولو سلمنا جدَلا أن الحقيقة غير ثابتة، فهل يصح أن نواصل الحديث عن حقيقة منفلتة؟
 كثير منهم يعتقد أن بعض الحقائق لا يمكن الطعن فيها من حيث المبدأ، مثل الحقائق المنزَّلة التي تنبني عليها المعتقدات الدينية، لأنها ليست نتاج بحث، بل هي من وحي العناية الإلهية. هذه الحقائق تزرع الإيمان في من يتلقاها، فلا يرضى لها صدّا حتى وإن كانت ضدّ مشيئته، كمثل سيّدنا إبراهيم حين أمره الله بذبح ابنه تضحية وقربانا. ذلك أن الكلامَ المنزَّل بالنسبة إلى المؤمن هو نهائي وحاسم لا جدال فيه. وهو ما يؤكده نيتشه في قوله “عندما نؤمن يمكن أن نستغني عن الحقيقة”، فالإيمان هنا ينوب عن الحقيقة.

كذلك الأحداث التاريخية، التي يعتبرها بعضهم حقائق ثابتة، لاسيما ما خضع منها لمواثيق ومعاهدات، حتى وإن اختلف معاصروها في شهاداتهم حولها
الحقيقة التاريخية هي في الغالب خرافة تمّ الإجماع عليها

نوع ثالث من الحقائق التي توسم بالنهائية، يخص المكتسبات العلمية التي أثبتت التجارب صحّتها على مرّ العصور، مثل مبدأ أرخميدس، ومركزية الشمس التي اهتدى إليها كوبرنيكوس، وكلتاهما تؤكد أن من خصائص العلم إقامة قوانين نهائية؛ غير أن بعضها الآخر مثل نظرية المكان الطبيعي لأرسطو وقع مراجعته على ضوء التقنيات الحديثة.

الحقيقة تستدعي إعمال النظر النقدي فيها، دون الوقوع في النسبوية، ولا في شك مطلق ينكر الحقيقة

الحقائق العقدية هي وحدها التي تتسم بالثبات وتكتسي شكلا نهائيا، بينما تظل الحقائق التاريخية والعلمية تتطور بتطور العلم والمعرفة والتكنولوجيا، فلا يستقر حولها رأي إلا لآماد قد تطول وقد تقصر
ولو سلمنا أن هذه المسألة أو تلك باتت حقيقة ثابتة، فمعنى ذلك أننا أقلعنا عن إخضاعها للمساءلة، وحوّلناها إلى ما يشبه العقيدة، وبالتالي جعلناها غير قابلة للنقد، ما يعطل الفكر عن بلوغ الحقيقة، وإدراك مغازيها بالعقل، لا بالتسليم بما قاله الأولون. ولو نظرنا إلى الحقائق الدينية، لوجدنا أن صبغتها المقدسة انطبعت على المؤسسات التي تحفظ تراثها وتنقل تعاليمها بشكل أكسبها قوة القانون، فصارت مقدسة، لها ما للكلمة الأصلية من تقديس. وما ثورة البروتستانت على الكاثوليك إبان القرن السادس عشر إلا دليل على نبذها للتقاليد إذ رأى المصلحون، مثل مارتن لوثر، أنها حلت محل العقيدة، وحوّرت معنى الكتاب المقدس أو حجبت عن المؤمنين جوهره.

نفس التقاليد يواجهها المؤرخ في اشتغاله على الشهادات المتصلة بأحداث تاريخية، فلئن جاز أن يقبل بوقوع حدث معين في زمن ما، كما تداولته كتب التاريخ، فكيف السبيل إلى تبين وصوله إليه كما هو على مرّ الأزمنة، ما دامت مهمة المؤرخ، كما بيّن والتر بنيامين، تتعلق بربط الأحداث بعضها ببعض، ومنح المنهزمين حقهم في تأويل ما حدث. لذلك كانت الحقائق النهائية دائما محل شك لدى المؤرخين، ما دفع بكثير منهم إلى إعادة كتابة سير القادة والعظماء، وتقديم قراءة تخالف ما استقر في الأذهان حول حقبة من الحقب، كما بينّا في مقالة هذا الشهر بمجلة “الجديد” عن كذبة دور الأنوار في الثورة الفرنسية.

ولا تشذّ العلوم عن هذا الشكّ، فهي أيضا محلّ بحث ونظر، لأن الأفكار كما يقول باشلار في “تشكل الفكر العلمي” تكتسي بالمراس حقيقة غير مستحقة. فالمكسب العلمي يمكن أن يتحول إلى “عائق أبستيمولوجي” يقف حجر عثرة أمام تطور البحث، لاسيما إذا منعنا أنفسنا من إثارة فرضيات بديلة عن تلك التي نرى أنها فقدت خصوبتها. من ذلك مثلا أن الهندسات اللاإقليدية التي ظهرت في القرن التاسع عشر وجدت صعوبة في تحدّي مُسلّمة إقليدس الخامسة.

أي أن الحقيقة تستدعي إعمال النظر النقدي فيها، دون الوقوع في النسبوية، ولا في شك مطلق ينكر الحقيقة التي يمكن أن يدركها الإنسان من أساسها. شأن ديكارت، الذي أكد، بعد اكتشاف الكوجيتو، أننا لا يمكن أن نشك في كل شيء، لأن الكوجيتو (أنا أفكر، إذن أنا موجود) يعطي أرضية لمشروع البحث عن الحقيقة، فما دام الإنسان يفكر، ويدرك أنه موجود، لا تكون بحوثه الموفَّقة محض أوهام. كذلك كارل بوبر الذي جعل من معيار قابلية التدليس فيصلا لإقامة الحجة على صواب حقيقة علمية. وفي رأيه أن الفرويدية والماركسية لا يمكن أن تكونا علميتين لأنهما لا تلبيان شرط هذا الاختبار.

والخلاصة أنه لا وجود لحقيقة نهائية ثابتة، بل هي نسبية، أو “بصدد التشكل” كما قال الفيلسوف البراغماتي الأميركي وليم جيمس، حتى أن العلماء يضيفون عند ذكرها “في وضع المعرفة حاليا”، غايتهم ليست تثبيتها بل استعمالها في ما يفيد.

يقول جلال الدين الرومي “الحقيقة كانت مرآة بيد الله وقعت وتشظّت، كل فرد أخذ قطعة منها، نظر إليها وخال أنه يملكها كاملة”.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق