Mar 3, 2019 Dec 5, 2021
قوى الشر العالمي التي تنسب نفسها تارة إلى الحداثة والتنوير، وتارة أخرى إلى الأديان
الأرضية والسماوية، والتي يتحكم فيها النظام الرأسمالي العالمي، ومنذ بداية تشكيل المجتمعات البشرية، باستهداف العقل الإنساني الذي يمثل حقيقة الإنسان، ومظهر الكرامة الإنسانية؛ من أجل استعباد الشعوب، والهيمنة على مقدراتها، لتحقيق أطماعها، ومصالحها غير المشروعة.
"عندما نعلم الناس التفكير، فإننا نحررهم، وعندما نلقنهم، فإننا نضمهم للقطيع"
الاساليب العامة التي تلجأ إليها قوى الشر العالمي بنحو ممنهج ومدروس، للقضاء على العقل الإنساني، عن طريق منع الناس من التفكير العقلي المنطقي المستقل، وتنويم العقل الواعي؛ من أجل السيطرة على الشعوب، ونهب ثرواتها الطبيعية:
1. الإلهاء: وهو من أشهر وأقوى الأساليب التي تعتمدها هذه القوى؛ للحيلولة بين الناس وبين التفكير العقلي المستقل، وهو يتضمن أسلوبين:
• الأول إلهاء الناس بلقمة الخبز، وتحصيل أرزاقهم، بحيث أصبح أغلب الناس يعملون من الصباح إلى المساء لتأمين حاجاتهم الضرورية، ولم يعد لديهم وقت للتأمل والتفكير العقلي المستقل، أو الحوار الفكري البنّاء، حيث يعودون في كل ليلة إلى منازلهم متعبين مرهقين، ليتناولوا طعام العشاء، ويتحدثون قليلا مع أهليهم، ليخلدوا بعدها للنوم، ليستيقظوا في الصباح المبكرلاستئناف أعمالهم إلى المساء، وهكذا في كل يوم.
• الثاني ملأ أوقات فراغ الناس القليلة سواء في آخر الليل، أو في عطلة نهاية الأسبوع، أو التعطيلات الصيفية بشتى أنواع الملهيات والتسالي(ENTERTAINMENT)، والبرامج التافهة، والبرمجيات السخيفة، التي تقتل وقت الإنسان، وروحه، وتعطل عقله بلا أي فائدة أو ثمرة نافعة، بدلا من الترفيه النافع والمفيد، الذي يُروّح عن النفس، ويكملها
ويندر أن نجد الإنسان الذي يملأ وقت فراغه بشيء مفيد لعقله وروحه، وكأنّ فلسفة الحياة قد اختزلناها في العمل الشاق ليل نهار، من أجل تحصيل أرزاقنا، لكي نأكل ونشرب، ونلعب وننام لاغير، وليس لدينا الوقت لكي نتأمل ونفكر، ونراجع حساباتنا، ونسأل أنفسنا، لماذا نحيا هذه الحياة بهذا الشكل، ولماذا لانملك وقتنا، ولماذا يتحكم فينا غيرنا بهذا الشكل الظالم، بحيث أصبحنا نشعر دائما بالقلق والخوف على مستقبلنا ، ومستقبل أولادنا ؟!!
2. إيهام صعوبة التفكير العقلي المستقل: تحاول قوى الشر العالمي دائما الإيحاء للناس، بأنهم غير قادرين على التفكير العقلي المستقل، وأنه نحو من التفلسف المعقد، وأنه من الأولى لهم أن يلجؤوا في تشكيل رؤيتهم عن الحياة، وفي تعيين قضاياهم المصيرية إلى غيرهم من الأكابر، وأصحاب المشاريع الكبرى؛ ليفكروا بالنيابة عنهم، وأن يأخذوا ما يتلقفونه من وسائل الإعلام، على أنه شيء مفروض الصحة، ويعكس لهم الواقع كما هو، فلا داع لهم أن يتعبوا أنفسهم في التفكير المستقل، حتى لو تيسر لهم الوقت لذلك.
3. التشكيك في صلاحية القوانين المنطقية للعقل الواعي: فهم يسعون دائما، لاسيما في المراكز الأكاديمية التابعة لهم، بالتشكيك في قدرة العقل الإنساني على االخوض في الأمور الغيبية الميتافيزيقية، وأنّ صلاحية العقل منحصرة في الأمور المادية الملموسة لاغير، فالأولى بالإنسان ألا يفكر إلا في أموره المادية الجزئية اليومية الخاصة به ، ولايضيّع وقته فيما لاينفع من التأملات االعقلية الميتافيزيقية الفارغة، حيث لن يصل إلى شيء هناك، وسيضيع عليه ماهنا.
4. التهديد والتخويف: إذا استطاع بعض الناس من الأحرارالشرفاء، أن يتجاوزوا كل هذه التحديات السابقة، وأن يبني رؤية جديد واقعية على أساس التفكير العقلي المستقل، ويسعى لترويجها بين الناس؛ من أجل توعيتهم، وتحريرهم، واستنقاذهم من براثن قوى الشر العالمي، تصدت لهم هذه القوى الشريرة بمؤسساتها الإعلامية المختلفة، واتهمتهم تارة بالكفر والزندقة، وتارة بالمروق والتمرد على القوانين والأعراف الاجتماعية، وتهديد الأمن القومي والاجتماعي، وصبت على رؤوسهم اللعنات، وتوعدتهم بأشد العقوبات الدنيوية والأخروية، وأنهم سوف يدفعون ثمنا باهظا عندما يسبحون خلاف التيار، أو يحاولون الانقلاب على هذه الرؤية العامة المشهورة داخل المجتمع، أو يدعون الناس للتمرد عليها.
" قيد الأغلال أهون من قيد العقول بالأوهام" – جمال الدين الأفغانى
كتاب (حروب العقل): للكاتبة الأمريكية "ماري جونز" ، والأمريكي "لاري فلاكسيمان"، ويتحدث عن تاريخ سيطرة الحكومات والإعلام والجمعيات السرية على العقل ومراقبته وإدارة شؤون الناس: نطالع في مقدمة الكتاب هذه العبارة:
"منذ بدء الخليقة ظلّت الرغبة في السيطرة على أفكار الآخرين، وسلوكهم وأفعالهم، واسعة الانتشار، انطلاقًا من الإقناع القهري الذي مارسه قدماء المصريين وفرسان الهيكل، إلى ما نشاهده اليوم من غارات إلكترونية وقذائف موجهة بالموجات الكهرومغناطيسية، ما جعلنا نعيش دومًا تحت رحمة أولئك الراغبين في إعادة برمجة أفكارنا، وتشكيل معتقداتنا وفق مشيئتهم".
ويتضمن الكتاب المحاور التالية:
• المحاولات القديمة للسيطرة على العقل باستخدام السحر، والعقاقير الطبية، والطقوس والشعائر.
• أدلجة المعتقدات الدينية وتوظيفها لإعادة برمجة العقل.
• التقنيات الحديثة للسيطرة على العقل، من التنويم المغناطيسي، والمخدرات، والصدمات الكهربائية، إلى الإشعاع والطب النفسي.
• التحقيق في (مرشح منشوريا)(MANCHURIAN CANDIDATE) للمخابرات الأمريكية، للسيطرة على العقول، وعلاقة وكالة المخابرات الأمريكية المركزية بمشروع حرب النجوم.
• عالم الهجمات الإلكترونية الجديد الشجاع، تقنية السيطرة على العقل من خلال الصوت والمراقبة الشاملة.
وسنكتفي بالإشارة إلى عبارتين من الكتاب تكشف عن طبيعة هذه الحرب وشراستها:
1. "إن ممارسة شركات الدعاية والإعلام، التي تقوم على التأثير على اللاوعي، وممارسات القساوسة والكهنة والسياسيين، التي تعتمد البرمجة اللغوية العصبية، كل ذلك يؤكد أن السيطرة على العقل ليست قاصرة فقط على القواعد العسكرية السرية، أو قبو أشهر جامعات العالم، وإنما هي أمريحدث لكل منا بصورة يومية".
وهو يشير هنا إلى ماتقوم بهم الأنظمة السياسية، وما يدعمها من المؤسسات الدينية، للسيطرة على العقول في كل زمان ومكان.
2. "فعقل الإنسان آخر معاقل خصوصيته، حيث نكون على حقيقتنا وسليقتنا التي فطرنا عليها خالقنا، فنفكر كما نشاء، وفق مانؤمن به من قيم ومعتقدات، ولكن وياللأسف الشديد، فإنّ الحضور الدائم في حياتنا لنزعة السيطرة على العقل، والتلاعب بالفكر، يمثل تهديدا خطيرا لمصادرة هذا الحق الآدمي الأساسي، حق الإنسان في امتلاكه عقله، الذي وهبه إياه خالقه، ليفكر كما يشاء ، لا كما يريد له الاخرون".
وهو يشير إلى سعى قوى الشر العالمي، لمنع الإنسان من التفكير العقلي المستقل، لكي يتمكنوا بعدها من أن يفكروا بالنيابة عنه، ويرسموا له طريقه، بما يتناسب مع مصالحهم غير المشروعة.
o الثاني كتاب"بروتوكولات حكماء صهيون" وقد اكتشفت المخابرات الروسية هذه الوثيقة السرية في مطلع القرن العشرين، وقامت بنشره بعد ذلك، وعلى إثر ذلك انتفضت المحافل، والمؤسسات الصهيونية في العالم، واتهمت المخابرات الروسية بتلفيقه، وتزويره.
ولكن هناك قرائن متعددة تشير إلى مصداقية هذا الكتاب، منها:
أن الكثير من فقراته موجودة في التلمود، وهو الكتاب المقدس عند الصهيونيةالعالمية
إنّ الكثير من هذه البروتوكولات قد تحققت نتائجها بالفعل بعد ذلك
ردود الفعل العصبية الشديدة، والمتشنجة ضد هذا الكتاب من جانب المحافل الصهيونية، وسعيهم لاغتيال كل من كان يحاول طبعه أو نشره.
على أي حال، يشتمل هذا الكتاب، المنسوب إلى مجموعة من العقول الاستراتيجية المدبرة للحركة الصهيونية، إلى سياسات في غاية الخطورة، تهدف كلها للقضاء على الشعوب، والإنسانيةـ، عن طريق القضاء على العقل الإنساني، وترويج الأفكار اللاعقلانية الشاذة والمنحرفة، تحت أي شعار من الشعارات المزيفة.
جاء في البروتوكول الثالث عشر مايلي: “علينا أن نلهي الجماهير بشتى الوسائل ، وحينها يفقد الشعب تدريجيا نعمة التفكير المستقل بنفسه ، وسيهتف الجميع معنا، لسبب واحد هو أننا سنكون أعضاء المجتمع الوحيدين اللذين يكونون أهلا لتقديم خطوط تفكير جديدة”
وهي دلالة صريحة تؤكد على اعتماد استراتيجية الإلهاء من أجل منع الناس من التفكير العقلي المستقل، والتفكير بالنيابة عنهم، لكي يسيروا وراءهم مغمضي العيون، كقطعان الماشية.
كما جاء في البروتوكول التاسع: “لقد أفسدنا الجيل الحاضر من غير اليهود و لقناه الأفكار و النظريات الفاسدة”
وهي تشير إلى هذه النظريات الفكرية اللاعقلانية التي تطلع علينا كل يوم من الغرب والشرق، تحمل أفكارا تشكيكية شاذة ومبعثرة، بعيدة كل البعد عن المنطق والموضوعية، وليس لها أول ولااخر، ولاهدف منها إلا إحداث نوع من الفوضى الفكرية، وإيقاع الناس- لاسيما طبقةالشباب – في مستنقع التيه والحيرة، لكي ييأسوا من التفكير المستقل، ويوكلوا عقولهم للاخرين من الانتهازيين، ليفكروا بالنيابة عنهم، وليصبحو مجرد أداة في أيديهم، لتحقيق أغراضهم الفاسدة.
"أكبر مشكلة هي ألا تشعر بوجود المشكلة، وأعلى درجات العبودية، هو أن تشعر بالحرية، وأنت مقيد بالأغلال"
كتاب الفيلسوف الأمريكي المعاصر "نعوم تشومسكي"، والمسمى "عشر استراتيجيات للتحكم بالشعوب".
هذا الكتاب كتبه تشومسكي كدراسة تحليلية موجزة حول وثيقة سرية استراتيجية مسربة في غاية الخطورة، تسمى (silent weapons for quite war)، أي "أسلحة صامتة لحرب هادئة"، وهي تُعد الأخت اللاشرعية لبروتوكولات حكماء صهيون، التي تحدثنا عنها في المقالة السابقة.
وأنا بدوري سأقتبس بعض المقتطفات من الكتاب التي تتعلق بمحاربة العقل، لنكون واقفين جميعا على ماتحيكه قوى الشر الرأسمالي العالمي ضد العقل والإنسانية.
ينقل لنا تشومسكي عن هذه الوثيقة السرية المذكورة، أخطر الاستراتيجيات التى ورد ذكرها في سائر الوثائق السرية الأخرى، وهي استرتيجية "الإلهاء"، والتي تهدف إلى منع الناس من التفكير المنطقي العقلي المستقل، تقول الوثيقة:
" حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، ألهوه بمسائل تافهة لا أهمية لها. أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا، دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى"
فلنتأمل معا ماورد في هذه العبارة، من معان تحقيرية خطيرة، على الإنسانية والمجتمعات البشرية، والتي تؤكد على ماسبق وأن أشرنا إليه من إلهاء الناس بتحصيل لقمة الخبز الضرورية، وإشغالهم بالبرامج التافهة والسخيفة في أوقات فراغهم القليلة، من أجل منعهم من التفكير العقلي المستقل، وإعادة حساباتهم من جديد، وتشكيل رؤية جديدة لفلسفة الحياة؛ لأنّ مثل هذا التفكيرالمستقل، قد يؤدي بالشعوب إلى التمرد على هذا النظام الرأسمالي المستبد الجديد، والذي حلّ في الغرب محل الاستبداد الديني والسياسي القديم، تحت شعارات مزيفة جديدة كالحرية والحداثة والتنوير، ليخدع بها الشعوب، كما خدعتهم الأنظمة الدينية السياسية في الماضي.
فهم يريدون الناس أن ينقادوا إليهم كالقطيع....يعملون لهم طوال النهار، ويعودون إلى بيوتهم (المزرعة)، ليأكلوا، ويناموا بعدها، ويستيقظوا بعدها في اليوم الثاني على نفس الوتيرة، ليعزفوا نفس السيمفونية، ويكرروا نفس السيناريو، سيناريو يزداد فيه الغني غنى، والفقير فقرا.
ثم يشير تشومسكي إلى ظاهرة خطيرة أخرى على مستوى الدعاية في وسائل الإعلام المختلفة، وهو سعى هذه القوى الشريرة إلى تسفيه الناس، ومخاطبتهم كأنهم أطفال، وذلك باستعمال سائر أساليب البرمجة العصبية من الترددات الموسيقية الخاصة، والتصاوير الجذابة، وهو ماسبق وأن أشارت إليه الكاتبة الأمريكية"ماري جونز" في كتابها "حروب العقل، فيقول :
" دائما ما تستخدم معظم الإعلانات الدعائية الموجَّهة لعامة الشعب خطبا وحججا وشخصيات نبرةً طفولية ضحلة وسطحية، كما لو كان المشاهدَ طفلًا صغير أو معاقًا ذهني"
وهذا واضح جدا لاسيما في الدعاية للمواد الغذائية، واللوازم المنزلية، والملابس، ومستحضرات التجميل، وغيرها...بنحو يجعلون فيه الناس يفقدون عقولهم، ويلهثون دائما وراء المظاهر، والكماليات، والتجملات التي لانهاية لها؛ من أجل ترويج ثقافتهم الاستهلاكية، وتسويق بضاعتهم المادية.
ولايخفى على عاقل إنّ مثل هذا التوجه المادي الاستهلاكي، يؤجج الغرائز الشهوانية الحيوانية، ويُشعل دوافع الحرص والشراهة، ويعطل العقول، وبالتالي يرسخ نزعات الأنانية، والتفكرات الفردانية، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعية لشتى أنواع الظلم والفساد، وضياع العدالة الاجتماعية.
ثم يتعرض تشومسكي لاستراتيجية أخرى، نعيشها ونلمسها بأنفسنا في حياتنا اليومية، وهو التركيز على االخطاب العاطفي الذي يعطل العقل النقدي، ويحرك المشاعر والأحاسيس، من أجل التأثير على العقل اللاواعي عند الناس، ودفعهم إلى التفاعل معهم، والسير ورائهم، فيقول:
" استخدام الجانب العاطفي هو أسلوب كلاسيكي للقفز على التحليل المنطقي والحس النقدي للأفراد بشكل عام، فاستخدام الجانب العاطفي يفتح المجال للعقل الباطني اللاواعي لغرس الأفكار والرغبات والمخاوف والقلق والحض على القيام بسلوكيات معينة".
وهو نفس ماسبق، وأشرنا إليه سابقا عن سعي هذه القوى الشريرة في تخدير العقل الواعي، وبرمجة العقل الباطن.
وهذا الخطاب العاطفي غالبا مايصدرعن الساسة الانتهازيين، ومن هم على شاكلتهم من رجال الدين الرجعيين، والمتطرفين.، من الساعيين للسيطرة على الناس، والهيمنة على الشعوب.
ومن السياسات الشريرة الأخرى للقضاء على العقول، والتحكم بالشعوب، التي ينقلها لنا "نعوم تشومسكي" في كتابه، عن هذه الوثيقة السرية، هو سياسة تجهيل الناس، لاسيما الطبقة الفقيرة المسحوقة، التي تمثل الغالبية العظمى من الشعوب، فينقل عن الوثيقة هذه العبارة.
" يجب أن تكون جودة التعليم المقدم للطبقات الدّنيا، رديئة بشكل يعمق الفجوة بين تلك الطبقات والطبقات الراقية التي تمثل صفوة المجتمع، ويصبح من المستحيل على تلك الطبقات الدّنيا معرفة أسرار تلك الفجوة، وبذلك يصبح المجتمع عاجزًا عن فهم التقنيات والأساليب المُستخدمة للسيطرة عليه واستعباده من قبل من هم في السلطة".
فمن أهم طرق تجهيل الناس، هو تضعيف النظام التعليمي، لاسيما في المدارس والجامعات الحكومية العامة، والتي غالبا ماتتبع أسلوب التلقين والتحفيظ، الذي يؤدي في النهاية إلى ضمور القدرة العقلية التحليلية، وإضعاف المناعة الفكرية، وتغييب الوعي والبصيرة العقلية، ومن ناحية أخرى يسعون للارتقاء بالمستوى التعليمي في المدارس الأجنبية الخاصة، المتعلقة بالنخب الخاصة من أبناء العوائل البرجوازية الثرية، والتي غالبا ماتكون موالية للنظام الرأسمالي، ومن أدواته المستقبلية في التأثير على المجتمع.
فبعد إيجاد الفجوة الاقتصادية الكبيرة، والتفاوت الطبقي، بين أفراد المجتمع الواحد، يسعون أيضاً لإيجاد التفاوت الطبقي العلمي والفكري بينهم، حتى لاتكون الغالبية المسحوقة من الناس على وعي بما يًدبّر لها في الخفاء؛ من أجل استعبادها، وتسخيرها لتحقيق المصالح غير المشروعة للقوى الكبرى.
ونكتفي بهذا المقدار من الكتب والوثائق السرية التي تكشف عن تلك المؤمرات الكبرى على العقل الإنساني، وما خفي كان أعظم، والغاية هي أن تكون عبرة لنا جميعا، نتعرف من خلالها على المحور الأصلي للصراع بين قوى الخير والشرفي هذا العالم.
قوة تأثير وسائل الإعلام
دورها الخطير فى تربية الأجيال الصاعدة
١- الحضور المكثف: فهى حاضرة بكميات هائلة، من الصحف والقنوات والإذاعات ومواقع شبكة الاتصالات والتواصل الاجتماعى والمعلومات، وذلك - كما ذكرنا - كل ساعات الليل والنهار، وفى تنوع هائل، ولا تستطيع ساعات اليوم أن تستوعب هذا الكم الهائل والمتنوع من البرامج والأفلام والمنوعات والمقالات والأحاديث.
٢- استخدام أكثر من حاسة: استخدام الوسائل: البصرية والسمعية والحركية، فالعين تنظر، والأذن تسمع، والأصابع تلمس الأزرار، مما يجعل هذه الوسائل أكثر تأثيرًا، وهذا مبدأ تربوى معروف أن استخدام أكثر من حاسة فى التعامل مع جهاز أو معلومة يجعلها أكثر ثباتًا وتأثيرًا.
٣- المشاهدة العريضة: فالناس يستغنون عن ضروريات الحياة الهامة، من أجل اقتناء التليفزيون والمحمول. ولذلك فعدد مستخدمى هذه الوسائل بالملايين، إن لم يكن بالمليارات، على اتساع الكرة الأرضية (٧ ونصف مليار إنسان)، وقد يخلو بيت الفقير من أساسيات الحياة والمعيشة، ولكنه لا يخلو من التليفزيون والمحمول، وبأكثر من جهاز.
وقد نشرت «الأهرام» مرة صورة لكوخ بسيط فى قرية، يرتفع فوقه «الدشّ» ويقف على بابه اثنان من الفلاحين، كل يتحدث فى «محموله»!.
٤- المشاهدة الرخيصة: إذ يمكن أن يتابع الإنسان عددًا كبيرًا من المواقع أو القنوات أو الصحف والإذاعات بمبالغ زهيدة للغاية، مجرد ساعات كهرباء أو حساب تليفون!.
٥- الحركة والتجديد المستمر: كما يبدو فى الإبهار التكنولوجى فى التصوير والإخراج، والتغيير فى المشاهد كل ثانية أو ثانيتين، مما يشدّ انتَباه المشاهدين، ويربطهم أمام الشاشة لساعات طويلة، وهم يتنقلون من قناة إلى قناة أو من موقع إلى موقع، دون ملل أو كلل!.
٦- مخاطبة كل الأعمار: فكل مرحلة عمرية تجد نفسها على الشاشة بأساليب ومفردات وبرامج وأفلام ورسومات تناسبها، من الطفل الرضيع، تبهره الألوان والحركة والتغيير المستمر فى المشاهد، إلى الفتى والشاب والكبير.. فكل يجد ما يناسبه.. مع كثافة وتنوع وقدرة جذب فائقة.
كما أن البرامج تتنوع للمرحلة العمرية الواحدة، من مباريات كرة القدم التى تناسب الشبان، إلى الأفلام الرومانسية التى تحبها الشابات.. إلى التحليلات الإخبارية التى تناسب الكبار... إلخ.
٧- التأثير الوجدانى: لما للدراما والكوميديا وأفلام العنف من تحريك للمشاعر الإنسانية فى اتجاهات الضحك أو الحزن أو رغبة الانتقام... إلخ، والدليل على ذلك تفاعل المشاهدين مع بطل أو بطلة المسلسل، وكأنها حقائق واقعية.. ومع التفاعل يأتى الانفعال، والتأثير الوجدانى والنفسى والجسدى.
٨- اللغة البسيطة: فهذه الوسائل لا تحتاج إلى ثقافة رفيعة، ولا حتى إجادة للقراءة والكتابة، ولهذا فمن الممكن أن تحرك هذه الوسائل وتخاطب الجماهير على اتساعها العريض، أكثر من الصحافة التى تحتاج إلى متعلمين. لهذا تجد البسطاء يتحولون أمام الشاشة فى استسلام واندماج، يستقبلون تأثيراتها فى حياتهم وحياة أبنائهم وبلادهم.
ورغم هذه التأثيرات كلها.. وأمام هذه التأثيرات كلها.. يجب أن يهتم الإنسان بالإضافة إلى ذلك بنمو حياته، وتحقيق نجاحات، سواء فى حياته الدراسية أو العملية، أو فى مجال عمله وخدمة إخوته، ويعلى المستوى الفردى والاجتماعى، كذلك يهتم بخلاص نفسه وأبديته، وإلا فقد معنى وجوده، وهدف مسيرته، ورسالته فى الحياة.. فالإنسان العاقل والحكيم، يجب ألا يتأثر بما حوله فقط، بل عليه أن يمتلك عقلاً واعيًا، ونضجًا يساعده على الإفراز والتوازن والتمييز بين ما تقدمه وسائل الإعلام من مادة مقروءة أو مسموعة أو مرئية. ولذلك يجب أن نعرف كيف نتعامل مع وسائل الإعلام؟..
Mar 18, 2021
ذرية إبليس
أنفقت ذرية إبليس على الإعلام ما لم ينفقه البشر على الطعام والتعليم والدواء، وتحكمت به فى عقول وغرائز الجميع وصدرت ذرية إبليس لبنى آدم نجوما صنعتهم ليكون لهم المصداقية لدى الجمهور فيما يفترونه ويكذبونه كل يوم، فما زال الإعلامى المغرض يتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا وتم تأجير ألسنتهم وأقلامهم لحساب الغير،
*
نظرية الإلهاء عند «تشومسكي»
الاستراتيجيات التي تتبعها الحكومات في العالم للتحكم بالشعوب ومن أبرز هذه الاستراتيجيات ما يعرف باستراتيجيّة الإلهاء وتعد هذه الاستراتيجيّة عنصرا أساسيا في التحكّم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرّأي العام عن المشاكل الهامّة والتغييرات التي تقرّرها النّخب السياسية والإقتصاديّة، ويتمّ ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة. استراتيجيّة الإلهاء ضروريّة أيضا لمنع العامة من الإهتمام بالمعارف الضروريّة في ميادين مثل العلوم، الاقتصاد، علم النفس، بيولوجيا الأعصاب وعلم الحواسيب. «حافظ على تشتّت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقيّة.
اجعل الشعب منشغلا منشغلا، منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير، وحتى يعود للضيعة مع بقيّة الحيوانات.» (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة).
في الأول نبتكر مشكلا أو «موقفا» متوقــَعا لنثير ردّة فعل معيّنة من قبل الشعب، وحتى يطالب هذا الأخير بالإجراءات التي نريده أن يقبل بها. مثلا: ترك العنف الحضري يتنامى، أو تنظيم تفجيرات دامية، حتى يطالب الشعب بقوانين أمنية على حساب حرّيته، أو: ابتكار أزمة مالية حتى يتمّ تقبّل التراجع على مستوى الحقوق الاجتماعية وتردّي الخدمات العمومية كشرّ لا بدّ منه.
المبدأ الثالث في هذه الاستراتيجيّة وتعرف بالتدرّج: لكي يتم قبول اجراء غير مقبول، يكفي أن يتمّ تطبيقه بصفة تدريجيّة، مثل أطياف اللون الواحد (من الفاتح إلى الغامق)، على فترة محددة زمنيا . وقد تم اعتماد هذه الطريقة لفرض الظروف السوسيو-اقتصاديّة الجديدة بين الثمانينات والتسعينات من القرن السابق: بطالة شاملة، هشاشة، مرونة، تعاقد خارجي ورواتب لا تضمن العيش الكريم، وهي تغييرات كانت ستؤدّي إلى ثورة لو تمّ تطبيقها دفعة واحدة.
استراتيجيّة المؤجّــَـل: وهي طريقة أخرى يتم الالتجاء إليها من أجل اكساب القرارات المكروهة القبول وحتّى يتمّ تقديمها كدواء «مؤلم ولكنّه ضروري»، ويكون ذلك بكسب موافقة الشعب في الحاضر على تطبيق شيء ما في المستقبل. قبول تضحية مستقبلية يكون دائما أسهل من قبول تضحية حينيّة. أوّلا لأن المجهود لن يتم بذله في الحين، وثانيا لأن الشعب له دائما ميل لأن يأمل بسذاجة أن «كل شيء سيكون أفضل في الغد»، وأنّه سيكون بإمكانه تفادي التّضحية المطلوبة في المستقبل. وأخيرا، يترك كلّ هذا الوقت للشعب حتى يتعوّد على فكرة التغيير ويقبلها باستسلام عندما يحين أوانها.
*
"استراتيجيّة الإلهاء" عبر تحطيم المجتمعات العربيّة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق