الاثنين، 25 يناير 2021

ذكرى 25 يناير

فمنذ التعديلات الدستورية التي تم تمريرها في إبريل/نيسان من العام الماضي، ثم اندلاع تظاهرات 20 سبتمبر/أيلول الأكبر ضد السيسي والأشد خطورة، برز تصدع واضح داخل تحالف الأجهزة، القائم بين المخابرات والجيش والشرطة والقضاء والإعلام، بسبب الخلافات بين بعضها البعض تارة، وبسبب الآثار السلبية التي عادت على بعضها، جراء استئثار السيسي ودائرته المخابراتية الرقابية بأدوات الإدارة والمنح والمنع تارة أخرى. 

ويمكن اعتبار 2019 "عام الشك"، ارتباطاً بحالة محسوسة في كواليس الأجهزة السيادية والحكومية بالشك في نوايا كل جهاز آخر، أو دائرة مختلفة، والشك أيضاً في قدرة النظام ككل على الاستمرار، في ظل الهشاشة التي بدا عليها منذ ظهور المقاول والممثل محمد علي ودعوته للتظاهر، مروراً بفشل المخابرات والأمن الوطني في إنتاج وجه جديد للنظام للحفاظ على لحمته وقوته في نظر العامة، بعد ترويج واسع لفكرة الانفراجة السياسية، وانتهاء بالعودة إلى استخدام الأدوات السلطوية لمنع تحويل الذكرى التاسعة للثورة إلى ثورة جديدة.

 السيسي ودائرته يحكمون حالياً بواسطة الجيش، وتحت ستاره، ويحاولون إرضاءه بتوسيع مجالات استفادته الاقتصادية مقابل استخدام قوته وقدراته في إنجاز المشاريع وحماية النظام، وليس أن الجيش نفسه هو الذي يحكم. فقد سيطرت حالة من عدم الرضا والتوتر بين السيسي والجيش بعد ظهور محمد علي وإثارة مسألة فساد بعض القيادات العليا وانتفاعها من المشاريع، ثم خروج السيسي للرد عليه بلهجة حادة، اعتبرها البعض ازدراء للجيش والأجهزة، عبر قوله "باسوا إيدي عشان ماتكلمش بس قلت هتكلم"، وإصراره على وضع الجيش في معادلة غير متكافئة في وجه الشعب الذي ينتمي له أفراده، غير مكترث بأثر ذلك على الروح المعنوية سواء للمواطنين أو الجنود.

بعد ظهور محمد علي، جاءت كيفية التعامل مع آثار التظاهرات، حيث سيطرت على قيادة الجيش حالة من الغضب بسبب التدخلات المستمرة في عمله من قبل المخابرات العامة، ممثلة في مدير مكتب السيسي السابق اللواء عباس كامل، ومساعده أحمد شعبان ونجل الرئيس محمود. وجميعهم سبق أن كانوا ضباطاً في الجيش، لكنهم تعاملوا في الفترة الأخيرة معه باعتباره تابعاً للمخابرات، في إطار رغبة الثلاثة في السيطرة المطلقة على جميع الأجهزة، وقطع العلاقات بينها وبين الرئاسة إلا من خلال المخابرات العامة، التي كانت المتحكم الوحيد، وما زالت المتحكم الرئيسي، في المشهد السياسي، منذ انتقال كامل لإدارتها خلفاً لخالد فوزي بعد أزمة ظهور المرشح الرئاسي الأسبق أحمد شفيق وإعادته لمصر من الإمارات، وتبين تلقيه مساعدات من ضباط كبار بالمخابرات.

محاولات رأب الصدع مع الجيش

وساءت العلاقة بين قيادة الجيش والمخابرات إلى حد بعيد، على خلفية استئثار الجهاز، وتحديداً محمود السيسي، باتخاذ القرار الأمني في الأيام الأولى من أزمة سبتمبر، وإصداره بعض التعليمات لوزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، الذي لم ينفذها إلا بعد الرجوع للسيسي، والتنسيق مع مستشاره الأمني أحمد جمال الدين ووزارة الداخلية، الأمر الذي أدى إلى انتشار بعض الأقاويل، منسوبة لقيادات عسكرية رفيعة، تنتقد أسلوب إدارة شؤون البلاد، الأمر الذي أزعج السيسي بشدة، بعدما نقلها له مدير مكتبه محسن عبدالنبي، الذي بات منافساً قوياً لعباس كامل أخيراً، وينازعه سلطاته.

كان لافتاً توالي ابتعاد نجل السيسي وشعبان عن صدارة المشهد السياسي، ومواراتهما عن الأنظار، وتوزيع بعض صلاحياتهما على ضباط آخرين كانوا معروفين بعلاقتهم الوثيقة بهما، مع اتخاذ السيسي عدة قرارات سبق أن وصفتها مصادر عسكرية وحكومية، لـ"العربي الجديد"، بأنها تهدف إلى إعادة اللحمة للجيش، وتهدئة الضباط الصغار والمجندين، ومنع تضخم الشائعات عن الذمة المالية للقيادات العسكرية، بمن فيهم رئيس أركان الجيش الأسبق الفريق سامي عنان، الذي تم الإفراج عنه بعد نحو عامين من الاعتقال والمحاكمة العسكرية. كما أعاد السيسي الفريق أسامة عسكر إلى العمل العسكري مرة أخرى، بتوليه رئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة، بعدما كان مجمداً في مناصب ذات صبغة إدارية لمدة عامين تقريباً، من بينها مستشار وزير الدفاع لشؤون تنمية سيناء، ومسؤول مشاريع الجيش في المنطقة المركزية، وذلك بعدما تم إبعاده من منصب قائد منطقة سيناء العسكرية ومكافحة الإرهاب بادعاءات تتعلق بفساد مالي بملايين الجنيهات نهاية 2016.

بحسب المصادر فإن الاستياء المنتشر داخل الجيش كان ينصب على 3 مستويات، أولها استئثار قيادات بعينها والعاملين في الهيئة الهندسية تحديداً بأرباح استثنائية، نتيجة عملهم المرتبط بالمشاريع الاقتصادية وتفضيلها على الأسلحة التي تمارس العمل العسكري الحقيقي. والمستوى الثاني توريط السيسي للجيش بشكل عام في أعمال تحط من شأنه وتجعله عرضة للقيل والقال. والمستوى الثالث أن النظام هو من بدأ حملة التشكيك في ذمم القيادات، خصوصاً عندما تم التحقيق مع عسكر في تورطه بوقائع فساد، وعدم رد اعتباره بعد ثبوت عدم صحتها، بحسب المصادر العسكرية والحكومية، بعد تحقيقات موسعة فتحت بواسطة رئيس الأركان السابق وصهر السيسي الفريق محمود حجازي، وكذلك عند البطش بعنان بعد إعلان نيته الترشح للرئاسة، والتجاهل المستمر للوساطات والمساعي للإفراج عنه، والتخلص من عشرات القيادات الوسطى من الدفاع الجوي بعد ترشحه للرئاسة، والقبض على نحو 24 ضابطاً في الجيش خلال فبراير/شباط 2018، بسبب تأييدهم لترشحه، أو لارتباطهم بعلاقة به.

"تململ متصاعد في أبو ظبي ودبي بسبب سوء تصرف الجيش وشركاته في العديد من المساعدات التي تلقتها الدولة"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق