صحيح أن "الدولة العميقة" استعادت زمام الأمور في بعض الدول، كما في مصر، في حين تصارع أخرى، كما تونس، للحفاظ على تجربتها الديمقراطية الهشّة، وتغرق ليبيا واليمن في فوضى وصراعات يؤجّجها محور الثورات المضادّة. أما سورية، فقد تحوّلت إلى ساحة صراع دولي وإقليمي، بشكل سمح للنظام بالبقاء، ولكن رهينة لروسيا وإيران والمليشيات المسلحة، الأجنبية الطائفية، والمحلية. لكن لا ينبغي لذلك أن يحجب عنا رؤية الواقع الآسن كما هو. إن جُلَّ الدول العربية ليست بأحسن حال اليوم ممَّا كانت عليه قبل عقد. القمع زاد وتضاعف مرّات ومرّات، والفساد أصبح يمارس جهاراً نهاراً من دون خشية أو رادع، والمديونية في تصاعد، والفقر يتسع ويتعمق، والناس عاجزةٌ عن توفير احتياجاتها، والمستقبل أمام الشباب يتلاشى، والدولة العربية القُطرية لا تملك رؤيةً ولا مشروعاً لتحيا به الحاضر، ولتعبر من خلاله إلى المستقبل. انظر إلى نماذج كما في مصر والأردن ولبنان والجزائر والسودان.. إلخ، أين لا تملك الأنظمة غير الحلول الأمنية لمشكلاتها التي هي من صنع أيديها. وإذا كانت جائحة كورونا قد زلزلت أركان اقتصادات كبرى كما في الولايات المتحدة وأوروبا وبقية العالم، فلك أن تتخيّل حجم الأضرار التي سببتها لدول فقيرة، كغالب الدول العربية. إن طوابير العاطلين من العمل التي تضاعفت بالملايين، في غياب بصيص أمل وأفق مستقبلي وعلو القبضة الأمنية الخشنة، لن تبقى هامدة إلى الأبد. الانفجار مسألة وقت، ولكن بأي اتجاه وبأي كيفية؟ هذا ما لا يمكن الجزم به بعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق