«رأس المال الاجتماعي هو ما يراكمه المجتمع من قيم مشتركة، وثقة متبادلة، وروابط وشبكات اجتماعية بين أفراده وجماعاته، مؤثرة ومتأثرة بالمؤسّسات الناظمة للحياة العامة». ويضيف محشي إن «رأس المال الاجتماعي يرسّخ أسس التماسك والاندماج الاجتماعي، وتُعدّ القيم والأخلاق المشتركة جوهره، بما تُرسّخه من حرّيات عامة وخاصة تحفظ كرامة الإنسان واستقلاله، وتدفع باتجاه خدمة المصلحة العامة». وبذلك، فهو يتكوّن من ثلاثة مكوّنات أساسية: القيم والتوجّهات المشتركة، الثقة المجتمعية والشبكات والمشاركة المجتمعية.
رأس المال الاجتماعي، هو حدوث «تراجع كبير في مكوّن الثقة المجتمعية في سوريا خلال الأزمة بنسبة بلغت 47%، ليُحقّق بذلك أدنى مستوى له، بفعل انهيار الشعور بالأمان ــــ بالدرجة الأولى ــــ، والذي شهد انخفاضاً كبيراً على مستوى البلاد بلغ حوالى 60%، في نتيجة طبيعية لانتشار الظواهر السلبية في المجتمع، فضلاً عن تراجع الثقة بين الأفراد بحوالى 31%». ومن هنا، يأتي التخوّف من خطر تفكّك الأسرة السورية تحت ضغط تأثيرات الحرب السابق ذكرها، والانتشار المتزايد لتقنيات العصر وشبكات التواصل الاجتماعي.
الخطر الذي يتهدّد المجتمع السوري لم يعد يتوقّف على تأثيرات الحرب؛ فالرئيس بشار الأسد حذّر، في كلمته أمام رجال الدين، الشهر الماضي، من الخطر الذي باتت تمثّله «النيوليبرالية» على المجتمع السوري، وتحديداً من خلال استهدافها المباشر للأسرة والقيم والعادات والحقوق الوطنية، وهذا ما دفع بالمؤسّسات الحكومية والدينية والأهلية إلى إطلاق ما يشبه «إعلان حرب» على «النيوليبرالية»
«الحرب كشفت أن المجتمع السوري كانت لديه قابلية كبيرة للاستقطاب بل والانفجار، ليس بفعل أوضاع داخلية فحسب، وإنما بفعل تأثيرات خارجية أيضاً، وهي قابلية أو بالأحرى قابليات، ربّما لم تكن منظورة. ومع تراجع المواجهات العسكرية، يقرأ النظام السياسي والدولة ما يعتقدان أنها جبهة مواجهة لا تقلّ أهمية وخطورة عن سابقاتها، العسكرية أو السياسية، وخاصة أن الاستحقاقات المقبلة تتطلّب العمل على البنى الاجتماعية واتجاهات القيم لديها». ويضيف محفوض، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «يمكن الإشارة إلى أن تغيير نظم القيم الاجتماعية هو أحد رهانات الحرب، ولا بدّ أن ذلك سيتواصل مع أيّ تسوية محتملة، كما أن الإسراع لكسب التأييد الاجتماعي من بوّابة الدفاع عن القيم يُمثّل أحد دوافع النظام السياسي والدولة لفتح هذه المعركة، أي معركة القيم، في مواجهة ما يعدّه ليبرالية حديثة»
جذور الأزمة السورية كان في بعض التحوّلات الثقافية والاجتماعية وسياسات الانفتاح الاقتصادي غير المدروسة التي شهدها المجتمع السوري خلال سنوات ما قبل الحرب، وحملت إليه تأثيرات وعادات وسلوكيات جديدة، أسهمت في تغيّر النظرة العامة لدى شريحة واسعة من المواطنين تجاه الدولة والمجتمع، وهو ما يؤشر إلى أن تهديدات «النيوليبرالية» للمجتمع السوري أكثر من جدّية في هذه المرحلة الحرجة اقتصادياً واجتماعياً.
هل يمكن أن تكون هناك انتقائية في مواجهة «النيوليبرالية»، بمعنى التركيز على جانب دون آخر، وتحديداً الاجتماعي دون الاقتصادي؟
النيوليبرالية هي ترتيبات سياسية واقتصادية واجتماعية في بلدٍ ومجتمع معيّن، تؤدّي إلى تعزيز علاقات السوق، وتفضيل الربحية، وتخفيف دور الدولة لمصلحة الفردانية، وتعزيز التنافسية على مستوى السوق والمجتمع والأفراد»، أي أن مفهوم «النيوليبرالية الاجتماعية» نادراً ما يُستخدم بمعزل عن السياقات الاقتصادية والسياسية. وأكثر من ذلك، فإن «النيوليبرالية»، حسب رأي محشي، «ومن خلال التنافسية والفردية، يمكن أن تُفكّك المجتمع، إلّا أنها في الوقت نفسه يمكن أن تعزّز الشوفينية والعصبية على مستوى الدولة والمنطقة وحتى الأسرة، إذا كانت هناك فائدة من هذه العصبية».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق