نظام الرئيس المصري الراحل حسني مبارك إلى الاعتماد على مجموعة من الدعاة الجدد
“الهاتف الإسلامي” بحيث يقوم بالرد على فتاوى الناس تليفونيا، مقابل مبلغ مالي، وكان ذلك باكورة استثمار الدين في ”البيزنس“.
اعتبر مبارك “زعيمه الوحيد” ومعارضيه هم المتآمرون، وظل يدافع عنه في وسائل الإعلام خلال الأيام الأولى لثورة يناير 2011، ومع شعوره بخطورة الموقف واقتراب رحيل مبارك عن الحكم، انقلب عليه وطالب بعزله، حقنا لدماء الثوار، رغم إدلائه بتصريحات دعم فيها مبارك قبل سقوط نظامه، واصفا إياه بـ”أب كل المصريين، والرجل الذي يهتم بالضعفاء والمساكين والمرضى”
فضائية “دي.إم.سي” ببرنامج ديني هو الأشهر في مصر حاليا (لعلهم يفقهون)، والقناة مملوكة قريبة من الحكومة، وأصبح أشبه بمن يمثل رأي الحكومة دينيا في الإعلام.
وإذا كانت مصداقية أغلب الإعلاميين في مصر على المحك لما عرف عنهم من موالاة للحكومة على طول الخط، فالجندي لا يختلف عنهم كثيرا، ويسير على نفس النهج تقريبا حتى أن البعض يصفونه بـ”مفتي الحكومة”، من شدة فتاواه الغريبة وغير المنطقية التي تضفي شرعية على الكثير من توجهات وقرارات الحكومة، سواء أكانت اجتماعية أو اقتصادية.
أغرب فتاوى الجندي التي تسببت في إثارة موجة من الجدل ما قاله عن أن أركان الإسلام ليست خمسة فقط، وأضاف إليها “الانتماء الوطني”، وهي الفتوى التي اعتبرها كثيرون سياسية بحتة، لأنها تحمل معاني وإشارات توحي بأن الوطنية ودعم النظام القائم ركنا أساسيا في الإسلام، ومن يعارضون ذلك إيمانهم ليس مكتملا.
خطورة الدعاة الجدد من عينة الجندي، أن تصوراتهم الدينية تصبغ على بعض النواحي السياسية، ما يعطي فرصة للتيارات المتشددة أن تتسلل بشكل أكبر إلى المجتمع، لتطعن في توجهات من يصفون أنفسهم بالمعتدلين والمنفتحين ودعاة التجديد، كما أنهم غالبا ما يخسرون معاركهم مع المؤسسات الدينية التي تجيد التشكيك في مواقف المختلفين معها.
كأن يتحدث عن تطابق أهمية الفن وخطبة الجمعة، باعتبار أن الممثل وإمام المسجد كلاهما يؤدي رسالة، وهو الرأي الذي كشفت عنه المخرجة السينمائية إيناس الدغيدي، عندما قالت إن الجندي رفض عرضا منها بالتمثيل، بدعوى أن الممثل والإمام والداعية كلاهما يؤدي نفس الغرض تقريبا.
الحجاب والفنانات
يتحدث عن كونه شخصية منفتحة، مع أنه اعتاد كيل الاتهامات لغير المحجبات والتشكيك في علاقتهن بالله، رغم أن الأزهر نفسه سبق أن تطرق إلى قضية الحجاب، وقال “إن الكذب أكثر وزرا من ترك الحجاب”، وهناك علماء آخرون شككوا في مشروعيته الدينية، وقالوا إن الحجاب عادة وليس فرضا وتركه ليس معصية.
يتباهى الجندي بكونه أحد علماء الأزهر الذين تزوجوا من مسيحية، ويصور ذلك على أنه انعكاس لكونه داعية صادقا في رسالته الداعية لتكريس حرية العقيدة، مع أن زواج المسلم من غير المسلمة من الأمور البديهية التي أباحها الإسلام صراحة، ومجرد الافتخار بالفعل للإيحاء بالانفتاح أحد تجليات التحضر المزعوم، لأن العصرنة تتطلب قدرا من حرية الرأي والتعبير وعدم احتكار وجهة النظر الصحيحة وترك الناس يتعاملون مع بعضهم بأريحية دون وصاية مرتبطة بالجسد والحجاب والتعري، وهي أمور لا يؤمن بها الجندي ولا يسمح لأحد أن يبيح التحرر فيها.
من وجهة نظر الجندي، الخطاب الديني المتطرف سببه تصور بعض رجال الدين امتلاك الحقيقة المطلقة، لكن إذا قال رأيا في قضية بعينها يتعامل وكأن كلامه القول الفصل وما دون ذلك مشكوك في صحته، وهي أزمة أغلب العاملين في المجال الدعوي حتى صار الناس مشتتين بين محتكري الفتوى والمتشددين.
يدرك جيدا مدى اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي بمسألة الطلاق الشفهي، والسعي لإقناع الأزهر بعدم وقوعه لتحجيم معدلات الطلاق بالمجتمع، وهو ما رفضته هيئة كبار العلماء من قبل، لذلك لم يترك مناسبة إلا وتحدث عن أهمية كلام الرئيس وحتمية تحقيقه لأنه الحاكم الأمين على مجتمعه، ومن حينها قرر شن حملة لتحريض الأسر على عدم الاعتراف بالطلاق الشفهي، وقرر التبرع دون مقابل، لإبرام عقود زواج يكون ضمن شروطها الطلاق بالتوثيق فقط.
بلغت درجة سعيه إلى التقرب من السيسي، أنه دعا في إحدى المرات قائلا “اللهم احشرنا مع السيسي في الجنة، فهو نعم القائد والحاكم الشجاع”، ما عرضه لهجوم قاس من البعض، بلغ حد اتهامه بأنه الداعية الديني للنظام، والمتحدث باسم أنصاره، وقال معتدلون إن رجل الدين يفترض أن يكون مستقلا كأساس لمصداقيته.
اعتاد أن يستخدم لغة السب والهجوم اللفظي على من يعارضه أو يظهره على حقيقته كداعية سياسي وليس أزهريا معتدلا، مع أن العالم الديني يفترض ألا يستخدم توصيفات وعبارات تشكك في سماحته وهدوئه ووسطيته باعتباره مثلا أعلى لجمهوره ومتابعيه.
وعندما تمرد على الجلباب والعمامة الأزهرية وقرر الظهور في برنامجه الديني بملابس عادية مثل القبعة والقميص والبنطال، وانتقده البعض، سارع بتوجيه السباب إليهم واصفا إياهم بالسفهاء من السلفيين والجماعة الإرهابية، مع أن هناك أشخاصا عاديين ليسوا منتمين لأي فصيل إسلامي لم تعجبهم الهيئة التي ظهر بها، أو الحجج التي استند عليها.
برر تخليه عن الزي الأزهري بشكل مفاجئ، بأنه “يريد ارتداء ملابس مختلفة لتفريغ الذهنية الإسلامية من الارتباط بزي محدد وضعنا في حرج شديد، فاقترن في ذهن العامة بسبب التيار السلفي أن العمامة البيضاء مع اللحية دليل على التقوى والصلاح، وبهذه العمامة صُنع الإرهاب والتدليس على الناس باسم الأزهر والتحريض على مصر وأمنها”.
“السمع والطاعة من شيوخ السلطان للرئيس واجبة من رجل الدين بأمر من الله”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق