السبت، 30 يناير 2021

الاشتراكية للأثرياء والرأسمالية للبقية ******

توماس فريدمان - «نيويورك تايمز» - 

  شعور الديموقراطيين بالغضب. لقد أوصل دونالد ترامب عجز الميزانية في سنواته الثلاث الأولى إلى مستويات لم نشهدها في تاريخنا إلا خلال الحروب الكبرى والأزمات المالية، وذلك بفضل التخفيضات الضريبية والإنفاق العسكري والقليل من الانضباط المالي. وقد فعل ذلك عندما كان الاقتصاد يتوسع بالفعل وكانت البطالة منخفضة. ولكن الآن، بعد أن أراد جو بايدن إنفاق المزيد على الإغاثة من الوباء ومنع حدوث المزيد من الانهيار الاقتصادي، يواجه معارضة من بعض الجمهوريين.

ما هذا الاحتيال؟

نحن بحاجة إلى القيام بكل ما يلزم لمساعدة الأميركيين الأكثر ضعفًا، الذين فقدوا وظائفهم أو منازلهم أو شركاتهم بسبب كورونا، ولدعم المدن التي فتك بها الفيروس. وبعد الانتهاء من هذا الفيروس، نحتاج جميعًا إلى التحدث

كان هناك الكثير من التركيز في السنوات الأخيرة على سلبيات العولمة السريعة و«الفكر الجماعي للسوق الحرة النيوليبرالية»، الذي يؤثر على كل من الديموقراطيين والجمهوريين، لدرجة أننا تجاهلنا إجماعاً آخر أقوى استحوذ على كلا الطرفين: نحن في حقبة جديدة من أسعار الفائدة المنخفضة بشكل دائم، لذا فإن العجوزات لا تهم طالما يمكننا سدها، وبالتالي يمكن لدور الحكومة في البلدان المتقدمة الاستمرار في التوسع - وهو ما تقوم به من خلال عمليات الإنقاذ، والإنفاق، وضخ الأموال بشكل متزايد من البنوك المركزية لتمويل كل ذلك.

روشير شارما، كبير الإستراتيجيين العالميين في «مورغان ستانلي»، ومؤلف كتاب «القواعد العشر للأمم الناجحة» وأحد المفكرين الاقتصاديين المعارضين المفضلين لدي.

 «الاشتراكية للأثرياء والرأسمالية من أجل البقية»، وهو اختلاف في موضوع شاع في الستينيات يحدث عندما يفعل التدخل الحكومي تحفيز الأسواق المالية أكثر من تحفيز الاقتصاد الحقيقي. لذلك، فإن أغنى 10 في المئة في أميركا، الذين يمتلكون أكثر من 80 في المئة من الأسهم الأميركية، تضاعفت ثروتهم أكثر من ثلاث مرات خلال 30 عاما، في حين أن الـ50 في المئة الأدنى ثروة، ممن يعتمدون على وظائفهم اليومية، لم يحققوا أية مكاسب. وفي الوقت نفسه، فإن الإنتاجية المتوسطة في الاقتصاد الحقيقي تقدم فرصة وخيارات ومكاسب محدودة للفقراء والطبقة الوسطى على حد سواء.

 يفكرني بفيلم فوزية البرجوازية اسعاد يونس و حتى لا يطير الدخان 1986

أفضل دليل هو العام الماضي، فبينما نحن في خضم جائحة أجهزت على الوظائف والشركات الصغيرة، استمر سوق الأسهم في الارتفاع. وهذا أمر غير صحي، وأشبه بالفيل الطائر. أنا دائما أشعر بالقلق من مشاهدة الفيلة تطير. فعادة ما تنتهي بشكل مأساوي.

حتى لو رفعنا الضرائب على الأغنياء، ووجهنا المزيد من الإغاثة للفقراء، وهو ما أفضله، يجادل شارما أنه عندما تستمر في الاعتماد على هذا القدر من الحوافز، فسوف تحصل على الكثير من العواقب غير المقصودة. وهو ما يحدث لنا الآن.

جيل الألفية

على سبيل المثال، كتب شارما في شهر يوليو مقالة في صحيفة وول ستريت جورنال بعنوان «خطط الإنقاذ تدمر الرأسمالية»، أن الأموال السهلة وعمليات الإنقاذ السخية المتزايدة تغذي صعود الاحتكارات، وتبقي «الشركات المثقلة بالديون، حية على حساب الشركات الناشئة، التي تقود الابتكار». وكل ذلك يساهم في خفض الإنتاجية، مما يعني تباطؤ النمو الاقتصادي

إذاً، لا ينبغي أن يفاجأ أحد والحالة هذه، «بأن جيل الألفية وجيل العقديْن الأوليْن من عام 2021 يشعرون بخيبة أمل متزايدة من هذا الشكل المشوه للرأسمالية، ويقولون إنهم يفضلون الاشتراكية».

في الثمانينيات من القرن الماضي «تم اعتبار %2 فقط من الشركات المتداولة علنًا في الولايات المتحدة بأنها وهمية، وهو مصطلح يستخدمه بنك التسويات الدولية BIS للشركات التي لم تحقق ربحًا كافيًا خلال السنوات الثلاث الماضية». وكتب شارما أن «أقلية من الشركات الوهمية بدأت في النمو بسرعة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وشكلت عشية ظهور الوباء 19 بالمئة من الشركات المدرجة في الولايات المتحدة». ويحدث الشيء ذاته في أوروبا والصين واليابان أيضا.

ن كل هذا منطقي. فعمليات الإنقاذ المطولة والسخية واستعداد الحكومات لشراء حتى سندات الشركات غير المرغوب فيها، «تشوه التخصيص الفعال لرأس المال اللازم لزيادة الإنتاجية».

أعباء الديون

وكتب شارما: «قبل الوباء، كانت الولايات المتحدة تنتج شركات ناشئة وتغلق الشركات القائمة. وانخفض عدد الشركات الأميركية المتداولة في البورصة بمقدار النصف تقريبا، إلى حوالي 4400، منذ وصول العدد الى الذروة في عام 1996».

ولكن للأسف، أصبحت الشركات الكبرى ضخمة وأكثر احتكارا في عصر المال السهل، وانخفاض معدل الفائدة. ليس فقط لأن الإنترنت أنشأت أسواقا عالمية يستحوذ فيها الرابحون على كل شيء، والتي مكنت شركات مثل غوغل وفيسبوك وأبل من جمع ثروات تفوق ما تملكه دول. بل أيضا، لأن بوسعها استخدام أموال الأسهم المتضخمة لشراء الشركات المنافسة واجتذاب المواهب والموارد، كما يقول شارما.

الآن بعد أن قامت العديد من البلدان، بقيادة الولايات المتحدة، بزيادة أعباء ديونها بشكل كبير، فإن مقدار الأموال المخصصة لخدمة الديون ستكون هائلة، لدرجة أنه لن يتبقى سوى القليل من المال للإنفاق على البحوث أو البنية التحتية أو التعليم، أو لظرف طارئ آخر.

صحيح أنه يمكننا طباعة المزيد من النقد، ولكن هذا قد يهدد مكانة الدولار كعملة احتياطية في العالم ويرفع تكاليف الاقتراض لدينا أكثر.

لذا، يجب علينا الآن، مساعدة مواطنينا المتضررين من الوباء. ولكن بدلاً من المزيد من المنح النقدية، ربما ينبغي أن نفعل ذلك بالطريقة التي يفعلها الكوريون والتايوانيون والسنغافوريون والصينيون وغيرهم من مواطني شرق آسيا - المساعدة النقدية فقط للفئات الأكثر ضعفاً واستثمارات أكثر في البنية التحتية التي تعمل على تحسين الإنتاجية وخلق وظائف جيدة. يركز سكان شرق آسيا أيضًا على جعل حكوماتهم أكثر ذكاءً، في تقديم أشياء مثل الرعاية الصحية.

للتقدم الى الأمام، ماذا عن رأسمالية أكثر شمولاً للجميع واشتراكية أقل خدمة للأثرياء. تنمو الاقتصادات بالمزيد من الناس الذين يخترعون وينشئون أعمالهم. يقول شارما إن «الرأسمالية لن تنجح من دون الإبداع والمجازفة بالأعمال الناشئة».


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق