سيكون فيه ملف الحريات وحقوق الإنسان والتطور الديمقراطي، على سلّم الأولويات في العلاقات المشتركة بين البلدين.
إدارة بايدن توقف حصانة حازم الببلاوي في قضية تعذيب محمد سلطان
بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فإن وقف طلب الحصانة جاء عقب تغير الإدارة الأميركية، ولن يُعاد النظر فيه إلا بعد 26 فبراير/ شباط المقبل، مع استقرار الأمور الأساسية لإدارة الرئيس بايدن، مشيرة إلى طلب السفارة المصرية في واشنطن عدم تدخل الخارجية الأميركية في القضية التي رفعها سلطان ضد الببلاوي، في 10 يوليو/ تموز الماضي
أشارت الصحيفة إلى تحذير السفارة المصرية بشأن تضرر "العلاقة الاستراتيجية" بين الولايات المتحدة ومصر جراء الدعوى، مستطردة بأن "القرار جاء بعد مزاعم عن حملة ضغوط دبلوماسية شنتها حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي لعرقلة الدعوى المرفوعة ضد الببلاوي من الناشط الأميركي من أصل مصري".
اتهم عدد من المشرعين الأميركيين وجماعات حقوق الإنسان القاهرة بابتزاز إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، عبر التهديد بإضعاف الشراكة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ما لم تتدخل واشنطن لرفض دعوى قضائية من سلطان (32 عاماً).
اتهم سلطان رئيس وزراء مصر الأسبق بتعذيبه، قائلًا: "من غير المعقول أن أرى حكومتي تحاول التدخل نيابة عن جلادي بدلاً من حماية مواطنها... لقد عرضوا عائلتي وأقاربي للأذى بشكلٍ كبير، هذا لم ينتهِ بعد... نعلم من البداية أنها معركة طويلة، وضربة كهذه لن تمنعنا من السعي لتحقيق العدالة".
بينما استشهد محامي سلطان بقانون حماية ضحايا التعذيب الأميركي، وهو قانون عام 1991، الذي يسمح بدعاوى ضد المسؤولين عن التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية التي تقع في أي مكان في العالم، إذا كان المتهمون في الولايات المتحدة، ولم يبقوا في مناصب رئاسية أو حكومية.
اعتقل سلطان في أعقاب الانقلاب العسكري على مرسي في عام 2013، واضطر إلى الإضراب عن الطعام لمدة 495 يوماً احتجاجاً على تردي أوضاع احتجازه، حتى أفرجت عنه السلطات المصرية استجابة لضغوط خارجية، على أثر تنازله عن الجنسية المصرية في استجابة منه لطلب الحكومة الأميركية، ومن ثم ترحيله إلى الولايات المتحدة.
*
واعتبر مراقبون سياسيون أن اختيار الشخص والقضية والتوقيت لها مضامين سياسية عميقة بالنسبة إلى القاهرة التي اعتادت التصرف بحرية مع جماعة الإخوان والقضايا الحقوقية وفي أيّ وقت، وتعتبرها أجهزة الأمن جنائية، وهو ما لم يكن يمثل منغّصا خلال عهد ترامب، ولا محل خلاف مع إدارته
يشير هؤلاء إلى أن الملف المصري وضع على الطاولة الأميركية قبيل يومين فقط من الذكرى العاشرة لثورة الخامس والعشرين من يناير التي أطاحت بنظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، في رسالة توحي بأن الفترة المقبلة قد تشهد شدا وجذبا بين الجانبين.
جاءت الرسالة عكس ما ذهبت إليه بعض الدوائر السياسية من أن بايدن محمّل بميراث داخلي لن يمكّنه من الالتفات جيدا لقضايا خارجية ذات صبغة حقوقية تفصيليا.
كانت صحيفة “نيويورك تايمز”، المقرّبة من الحزب الديمقراطي، نشرت تقريرا الاسبوع الماضي حول وفاة أربعة أشخاص من المصابين بفايروس كورونا في غرفة العناية المركزة في مستشفى “الحسينية”، شمال القاهرة، وانحازت فيه الصحيفة إلى رواية ذهبت إلى أن الوفاة جاءت بسبب نقص الأوكسجين، على الرغم من نفي الحكومة لتلك الرواية وإرجاع الوفاة إلى حالتهم الصحية المتدهورة.
وفهمت مصادر سياسية مصرية اهتمام الصحيفة بواقعة في منطقة نائية، ربما تتكرر يوميا في دول متقدمة وبطريقة أوسع، على أنها بداية غير مريحة، تؤكد أن العيون الأميركية لن تفارق مصر ولو في حوادث عادية، خاصة أن المعالجة صُبغت بصورة عاطفية.
المعالجة الانتقائية حملت من المعاني السياسية الكثير، بما يشير إلى أن الولايات المتحدة عادت لتعتني بالتفاصيل والتطورات، والتركيز الشديد على وفاة أربعة أشخاص نتيجة خطأ مهني من السهولة أن يتحوّل إلى قضية كبيرة إذا لزم الأمر.
القاهرة لا تريد الدخول في صدام مع واشنطن وتعمل على الحد من جاذبية القضايا المثيرة، وبعثت برسائل إيجابية مؤخرا، في الملف الحقوقي، أبرزها صدور اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الأهلية التي تعطلت لثلاث سنوات، وتوسيع نطاق الإفراج عن الناشطين السياسيين.
واشنطن لا تعنيها حالة حقوق الإنسان إلا بمقدار ما تحقّقه لها من أهداف سياسية، وعلى القاهرة الدخول في صلب القضايا، وإدارة حوار استراتيجي مع إدارة بايدن لصياغة تفاهمات مشتركة، تحدّد المقبول والممنوع، فهناك مطالب ومصالح من المهم التوصل إلى قواسم حولها لتجنب الخلاف”.
تعني هذه القضية إمكانية إجراء مراجعات في قضايا أخرى أكثر أهمية، قد تصل إلى مستوى الاتفاقيات العسكرية والمساعدات الاقتصادية، وهي الأداة التي استخدمها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ولم يتورّع في الربط بينها وبين ملف الحريات عموما.
أوقفت القاهرة محمد سلطان، وهو ابن أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، في أغسطس عام 2013 على ذمة القضية المعروفة بـ”غرفة عمليات رابعة” التي كانت تدير اعتصام الإخوان الشهير في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة.
عُوقب بالسجن 25 عاما على خلفية اتهامات تتعلق بالمشاركة في اعتصام مسلح، ثم أطلق سراحه بعد ضغوط أميركية لم تستطع القاهرة مقاومتها عام 2015، وتنازل عن جنسيته المصرية، وغادر إلى الولايات المتحدة.
رفع سلطان، في يونيو الماضي، دعوى أمام محكمة أميركية ضد حازم الببلاوي، اتهمه فيها ومسؤولين آخرين بـ”تعذيبه” خلال فترة توقيفه في مصر، وهو ما تنفيه مرارا الحكومة المصرية التي طلبت من وزارة الخارجية الأميركية التدخل في القضية، وحث الرئيس دونالد ترامب على ذلك، كي لا تتأثر العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
يعمل الببلاوي في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي منذ نوفمبر 2014، ويتمتع بحصانة دبلوماسية بحكم هذا المنصب أيضا، لكن بعد تعليق الحصانة ستعود القضية إلى الأضواء، فإعادة النظر تنطوي على إحراج للقاهرة، والمقصود رمزية المنصب الذي شغله الببلاوي.
فهمت جماعة الإخوان رسالة الببلاوي على أن رهانها على بايدن لن يخيب، الأمر الذي دفعها منذ الإعلان عن فوزه إلى استعجال حصد المكاسب السياسية، ومواصلة الضغوط على القاهرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق