الاثنين، 4 يناير 2021

السلفيين والتيار السلفي

Dec 16, 2019


التلاعب بمفهوم القوامة الدينية وسيلة السلفيين 

للتغلغل في المجتمعات

ثورات الربيع العربي ساهمت في زيادة المساحة التي تتحرك فيها السلفية فانتقلت بعض تنظيماتها من العمل الدعوي إلى العمل السياسي للتأثير على القوانين المدنية.
الاثنين 2019/12/16

أسفرت الانتخابات التشريعية في مصر سنة 2012 عن تصدّر حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان المسلمين، بواقع 43 بالمئة من المقاعد البرلمانية، بينما حصدت الكتلة السلفية المكونة من حزب النور وحزب الأصالة وحزب البناء والتنمية 25 بالمئة من المقاعد، مع العلم أنّ كل هذه الأحزاب أُنشئت بعد الثورة، أي أنّها في أقل من عام استطاعت أن تحصد ربع المقاعد في مجلس النواب.
تذكر الكاتبة رباب كمال في مقدمة كتابها “القوامة الدينية في خطاب السلفية” ذلك اليوم حين سمعت بعض الإعلاميين يستهجنون ما آلت إليه الانتخابات، ويتساءلون: كيف استطاعت الأحزاب الإسلامية والكتلة السلفية تحقيق هذه النتائج؟ وكيف استطاعت الأفكار الدخيلة أن تنتصر على المجتمع؟
هل السلفية دخيلة على المجتمع أم أنّ النخب انعزلت مجتمعيا إلى درجة الانفصال عن الواقع؟”.
لتبيّن أن انتصار السلفية الحقيقي في الانتخابات التشريعية لم يكن ناجما عن قدرة الأحزاب على الانتشار السريع، بل يعود إلى انتشار الأفكار السلفية مجتمعيا، أي إلى “تسلف المجتمع” العربي.
قال “نحن القوامون”، وهي عبارة، وإن صدرت عفويا، لا يُستهان بها، لأنّها تحمل في طياتها الفكر المؤسس للسلفية في البلاد ذات الأغلبية الإسلامية.
 ما كتبه القيادي في حماس أحمد يوسف من خلال كتابه “الإخوان المسلمون والثورة الإسلامية في إيران”، والذي أشاد فيه بكل من حسن البنا وآية الله الخميني قائلا “نأمل في ظهور جمهورية أخرى للقرآن والسلطان في المستقبل، لتتحقق لأمتنا مكانة القوامة على الناس”.
وتوضح كمال أن القوامة من الألفاظ الشرعية التي ارتبطت ذهنيا لدى العامة بقوامة الرجال على النساء، استنادا إلى الآية رقم (34) من سورة النساء “الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ”. غير أن المفهوم تسلل إلى الحقل الديني ليصبح في فهم البعض طاعة المشايخ والأئمة هي الطريق إلى الفردوس الأعلى، والعتق من جهنم في نظر الجماهير من العوام.
وهنا يتخذ مفهوم القوامة الدينية في خطاب بعض الدعاة شكلا كهنوتيا بدرجات متفاوتة، على حسب التأثير المجتمعي والتأثير في صياغة القوانين المدنية، قد يصل هذا التأثير في بعض البلاد، ذات الأغلبية الإسلامية، إلى سلطة التأديب.
وتضيف “هكذا تشكّل وعي الجمهور بأنّ الفقيه قوّام على المسلمين، ومن هنا كان العقل الجمعي للجماهير يتساءل دائما عن رأي الدين “طلب الفتوى” في أبسط أمورها الحياتية منذ قديم الأزل حتى الألفية الثالثة. وهذا الرأي الديني ليس استشاريا بالضرورة، بل يصبح في بعض الحالات شرطا لتمرير التشريعات المدنية في مجالس النواب في البلاد الإسلامية، فحين تناقش قوانين للأحوال الشخصية من زواج وطلاق وتنظيم للنسل مثلا، أو قوانين تتعلق بالعلوم والطب والتجارب السريرية… إلخ، تُناقش في إطار عدم مخالفتها للنص الديني، قبل مناقشتها في إطار احتياجات المجتمع وتطوره، فيتم تطريز القوانين بما لا يخالف رداء الشريعة.
وتتساءل كمال من يملك القوامة الدينية في الخطاب الإسلامي؟
وتتابع “القوامة أي الوصاية الدينية في الخطاب الديني الإسلامي هي الجائزة الكبرى لمن يملك صحيح الإسلام، ولكل فئة من رجال الدين صحيح إسلام مختلف عن صحيح الآخرين، بحسب الانتماءات المذهبية والتفسيرات الفقهية، ومن هنا ينشأ الصراع على من يحظى بدور ظل الله على الأرض، وهو مبدأ كهنوتي بصبغة إسلامية”.
ويُعدّ من الخطأ أن نعتقد أنّ النزاع على صحيح الإسلام قاصر على رجال الدين والمشايخ، بل امتد إلى السلطة في الحكومات المدنية، التي تتخذ من الإسلام مرجعية تشريعية، ولهذا فإنّ البحث في خطاب القوامة الدينية على المجتمع وخطاب القوامة الدينية في خطاب السلفية بشكل خاص، يجب ألا يتم دون فهم آليات البيئة السياسية والاجتماعية التي نشأ فيها.
فكثيرا ما تُمارس القوامة الدينية على المجتمعات الإسلامية في إطار تعاون واضح بين السلطة الحاكمة والمؤسسات الدينية الحكومية التابعة لها أو الجماعات الإسلامية المداهنة لها.
وفي حالات أخرى، تسعى بعض الجماعات الدينية إلى مناطحة السلطة واتهامها بأنّها لا تطبق صحيح الدين. ومن هنا تبدأ المزايدات بين السلطة المدنية والجماعات الدينية على صحيح الإسلام، والصراع على احتكار صحيح الإسلام ليس انتصارا للدولة المدنية، بل هو انتصار لفكرة الخلافة الإسلامية.
وتشدد كمال على أن خطاب السلفيّة يستند إلى مفهوم القوامة الدينية على المجتمع، ويصنع من نفسه ظلا لله على الأرض، سواء أكان خطاب ولاة أم خطاب معارضة للسلطة.
وتشير إلى أنه ربما تختلف السلفية المؤيدة للسلطة عن المعارضة لها، بحيث ترى الأولى أن الحكام ليسوا من الطواغيت، وعلى العامة طاعة أولي الأمر منهم، بينما ترى الثانية أن الحاكم بغير أمر الله يعيد إلى أمة الإسلام زمن الجاهلية، إلا أن بينهما قاسما مشتركا، ألا وهو رؤيتهما للمجتمع.
وتستغل السلفية المؤيدة لأي سلطة عربية حزمة القوانين التي تتيح لها فرصة تحريك القضايا القانونية مثل قضايا ازدراء الأديان ضد الأدباء والمفكرين والفنانين، متسلحين بشحذ همم العامة من الجماهير بهدف نصرة الإسلام، وغالبا ما توائم السلطة مصالحها مع التيارات السلفية المؤيدة لها التي لا تخرج عن دورها أو الحدود التي لا يجب أن تتخطاها.
وتنبه كمال إلى أن ما يعرف باسم الربيع العربي ساهم في زيادة المساحة التي تتحرك فيها السلفية، فانتقلت بعض التنظيمات السلفية من العمل الدعوي إلى العمل السياسي. وعلى جانب آخر ازدادت شوكة السلفية الجهادية في المناطق التي تأثرت أمنيا إبان موجة الثورات العربية. وقد تعامل جزء من الإعلام العربي مع السلفية تباعا من منطلق ظاهرة الفقاعات، أي عدّها ظاهرة حديثة غير مؤصلة، وسيطرت عليه مصطلحات تنم عن القراءة السطحية.
واستهجنت كمال تناول بعض وسائل الإعلام والنخب المثقفة مسألة السلفية بشيء من التمنيات بالزوال، وخاصة في مصر، بعدما سيطر الجيش على سدة الحكم من جديد، مؤكدة أن جزءا من النخب لم يهتم كثيرا بمشكلة تسلف الثقافة والتعليم والمؤسسات الحكومية وتسلّف بعض منظمات المجتمع المدني.
وشككت كمال في رؤية النخب التي حصرت المواجهة مع السلفيين بالمناظرات التلفزيونية، على أهميتها، معتبرة أنّ الاستراتيجية في التعامل مع تغلغل الفكر السلفي لدى القواعد الجماهيرية مازالت غائبة عن المجتمع المدني بداية من تطويع القوة الناعمة وانتهاء بتبني المشاريع التنموية.
لتخلص الكاتبة المصرية إلى أن النخب تحتاج إلى رسم خطوط متوازية للعمل والاشتباك الجماهيري في مسائل تنموية على مستوى أكبر. وهو ما قد يتطلّب عقودا طويلة ليأتي بمردوده.
++++++++++++

الحكومة المصرية تستثمر في أحكام القضاء لتحجيم نفوذ التيار السلفي


قرار منع أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة من ارتداء النقاب يعكس تمسكا من الدوائر الرسمية بمنع التوظيف السياسي للدين.
الأربعاء 2020/01/29
 بدأت الحكومة المصرية تحشد لاستئناف المعركة التي تخوضها مع التيار السلفي، وكل المناصرين لارتداء النقاب، مع صدور حكم قضائي غير قابل للطعن، الاثنين، بمنع أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة من ارتداء النقاب، ما يفرض على الجهات التنفيذية حتمية تطبيق الحكم.

ووضعت المحكمة الإدارية العليا لأول مرة، مبدأ عاما وشاملا يتيح للمؤسسات الأخرى، دون تسميتها، تطبيق نفس منطوق الحكم، ما يعني أن الحكومة أصبح لديها سلاحا قضائيا يمكّنها من إصدار تعميم على كل الجهات الرسمية بحظر ارتداء النقاب.

وقال عضو مجلس النواب، محمد أبوحامد، صاحب المقترح البرلماني بحظر النقاب، لـ”العرب”، إن هناك إرادة سياسية لتحجيم نفوذ السلفيين، ومن الوارد وبقوة أن يصدر خلال الفترة المقبلة قرار حكومي بتوسيع دائرة منع ارتداء النقاب، لأن الحكم القضائي فتح الباب على مصراعيه أمام اتخاذ مثل هذه الخطوة.

وأضاف أبوحامد أن معضلة السلفيين تكمن في أنهم اعتبروا النقاب قوة سياسية بالنسبة لهم، وأي معركة ضده يخصم من رصيدهم في الشارع، ولم يدركوا بعد أن المؤسسات الرسمية والشارع يعاديان التوظيف السياسي للدين، وهناك شجاعة في مواجهتهم أكثر من أيّ وقت مضى.

لقد أصبحت الظروف السياسية والأمنية في مصر، أكثر استقرارا من أيّ وقت مضى، وبالتالي فإن الفرصة مهيأة لاستثمار الحكم القضائي في تحجيم نفوذ السلفيين الذين اعتادوا استغلال حالة عدم الاستقرار خلال السنوات الماضية لتجميد خطط رسمية لوقف تمددهم، واستغلال تردد الحكومة في عدم الدخول في مواجهة مفتوحة ضدهم.
من 2015
وجاء الحكم تأييدا لقرار اتخذه جابر جاد نصار ورئيس جامعة القاهرة السابق، بمنع أي أكاديمية تقوم بالتدريس من ارتداء النقاب داخل قاعة المحاضرات، لأنه يمنع التواصل ويعيق العملية التعليمية، وتم توسيع قاعدة الحظر بمنع النقاب في المستشفيات التابعة لجامعة القاهرة.

وتوقع مراقبون، أن تأخذ المواجهة بين النظام والسلفيين منحنى تصاعديا خلال الفترة المقبلة، في ظل إصرار الكثير من نواب البرلمان على استصدار قانون يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، وربما يكون الحكم القضائي مدخلا لإعادة النقاش حول التحرك النيابي.

تدرك الحكومة أن التيار السلفي وذراعه السياسي (حزب النور) الذي يمثله عشرة نواب داخل البرلمان، لن يغامر بالتورط في مواجهة مباشرة، خشية التعرض لهجمة تجعله يخسر كل شيء في وقت واحد، لأن الغالبية السياسية ترفض كل ما هو يوحي بالتشدد بسبب الصورة السلبية التي تركها تنظيم الإخوان المسلمين.

يبدو السلفيون أكثر استسلاما في مواجهة خطوات الحكومة لضرب قواعدهم في الشارع، إذ لم يعلّق حزب النور على الحكم القضائي بحظر النقاب، واكتفى قريبون منه بتلميحات تنتقد المؤسسة القضائية، وأنها أصبحت ذراع الحكومة القوي في إقصاء السلفيين عن المشهد.

وأضحى التيار السلفي محاصرا في أماكن حيوية اعتاد استثمارها لنشر أفكاره المتشددة وتوسيع قواعده الجماهيرية، فوزارة الأوقاف منعت شيوخهم من اعتلاء المنابر، ووزارة التربية والتعليم حظرت على المعلمات ارتداء النقاب في المدارس، وأخيرا حكم القضاء بمنعه في جامعة القاهرة، والمرجح تعميمه على باقي الجامعات.

وظل الإسلاميون بأطيافهم المختلفة ينظرون إلى المساجد والمؤسسات التعليمية على أنها بوابة مثالية للنفاد إلى المجتمع، واستمالة الفئات الشبابية للانضمام إلى قواعدهم، على أمل أن يتم توظيفهم وحشدهم في الاستحقاقات الانتخابية لدعم مرشحيهم.

ويمثل حكم حظر النقاب ضربة قاسية، لأن التيار السلفي اعتاد استثمار المنقبات للإيحاء بأنه قوة لا يُستهان بها، وبالتالي خلعه عن التعليم وغيره، ما يعد بداية لشعور المجتمع نفسه بأن السلفيين في طريقهم لتقويض نفوذهم، كما هو الحال مع الإخوان.

ويرى متابعون، أن تطبيق حظر النقاب فعليّا بجامعة القاهرة أو تعميمه من شأنه ضرب تحركاتهم الراهنة استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة وبالتالي يتسع مجال إقصاء السلفيين من المشهد السياسي، لاسيما وأنهم يعتبرون النقاب رمزا دينيا يعكس حضورهم في الشارع.
وقال وليد هاشم لـ”العرب”، وهو أحد شباب التيار السلفي في محافظة البحيرة، شمال القاهرة، وموطن يونس مخيون رئيس حزب النور، إن “هناك صدمة لدى كوادر وقواعد التيار السلفي من تصعيد نبرة الصدام مع السلفيين والاتجاه نحو شيطنتهم، رغم أنهم دعموا ثورة 30 يونيو 2013 ضد الإخوان، ودعموا المسار السياسي للدولة”.
وطول الفترة التي أعقبت ثورة يونيو، ظل السلفيون يستمدون قوتهم من كونهم إحدى الركائز التي بنى عليها الرئيس عبدالفتاح السيسي شرعية نظامه، حيث كان يونس مخيون رئيس حزب النور، أحد الداعمين لخارطة الطريق التي أنهت حكم الإخوان، لذلك اعتبروا أنفسهم شركاء في الحكم.
وتظل أزمة التيار السلفي، أنه تعامل مع الحكومة بمبدأ أنها بحاجة إلى تيار إسلامي في المشهد السياسي، ولم يدرك قادته أن هذا التوجه كان مرتبطا بفترة زمنية عانت فيها مصر من توترات أمنية قبل أن تستقر الأوضاع، وأن توقيت الحاجة إلى السلفيين انتهى بتقويض الإخوان سياسيا، وبتر غالبية أذرعهم العسكرية.
ويحمل تسريع الحكومة من إجراءات تقنين أوضاع الكنائس أخيرا، إشارات أخرى للسلفيين، بأن الثغرة التي كانوا ينفذون من خلالها، وهي عدم مشروعية التوسع في إنشاء دور عبادة مسيحية، للتحريض ضد الأقباط، أصبحت مغلقة، بل إن البرلمان أقر تشريعا يقضي بحبس من يصدر فتوى متطرفة، ومعروف أن شيوخ التيار السلفي على رأس المستهدفين.
وما يقلق قطاعا كبيرا من السلفيين ذلك الصمت المريب من جانب قادتهم على التحركات الحكومية لتحجيم نفوذهم في الشارع، حتى أصبح لديهم شعورا جارفا بأن خريف الغضب قادم لا محالة، مع استمرار تلميحات الرئيس المصري بأن بداية تجديد الفكر والخطاب الديني يستدعيان عدم ترك الساحة للجماعات الدينية المتشددة.
++++++++++++++
2017 الرصيف
السلفية عموماً تأتي في اللغة بمعنى الرجوع للمتقدمين والسابقين زمنياً، ويُعرف الدكتور عبد الله البخاري النزعة السلفية في كتابه المهم المعنون "ما هي السلفية؟"، أنها "اتباع الصحابة والتابعون ومن اتبعهم بإحسان، وسار على طريقتهم واقتفى أثرهم". ورغم أن هذا التعريف يبين أن أصحاب هذا المنهج يتبعون لعدد كبير من الشخصيات التراثية الدينية، إلا أنه يمكننا القول إن السلفيين عموماً يبجلون أربع شخصيات دينية مهمة في التاريخ الفكري الإسلامي. الشخصية الأولى، هو الصحابي عبد الله بن عمر بن الخطاب، والأهمية الخاصة لابن عمر تكمن في كونه عاصر أحداث الفتن والتقلبات، التي حدثت منذ مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وما تبعها من حروب أهلية بين الصحابة. وكان لابن عمر موقف متميز من الأحداث الجارية حوله، فقد اعتزل السياسة ولم ينضم لأي حزب من الأحزاب المتنافسة على السلطة. الشخصية الثانية، هو الإمام أحمد بن حنبل، الذي تعرض لاختبار صعب في عصر المأمون والمعتصم العباسيين، إبان إثارة ما عرف بفتنة خلق القرآن. موقف ابن حنبل الرافض للاعتراف بخلق القرآن، وإصراره على القول إنه كلام الله وحسب، أدى لإعلاء شأن ابن حنبل، وترسيخ مكانته في العقلية السنية عموماً، والسلفية منها خصوصاً، حتى نجد أن اللقب الذي اشتهر به ابن حنبل هو "إمام أهل السنة". الشخصية الثالثة، هو ابن تيمية، الذي عُرف بشيخ الإسلام، واشتهر برفضه لمظاهر البدع والمخالفات المذهبية الاعتقادية، المنتشرة في عصره، خصوصاً آراء ومعتقدات الشيعة الإمامية، التي تصدى للرد عليها في كتابه "منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة القدرية"

الشخصية الرابعة، هو محمد بن عبد الوهاب، وهو أقرب الرجال الثلاثة إلى عصرنا الحاضر، ومنه أخذ السلفيون لقبهم الأكثر شهرة، "الوهابيون". وقد اكتسب ابن عبد الوهاب مكانته في العقل السلفي باعتباره "إماماً مجدداً" حارب أشكال الزندقة والبدع، التي انتشرت في بلاد الحجاز في عصره. فكانت أهم معارك الإمام النجدي ضد الحركات والطرق الصوفية التي قدست المزارات والأضرحة، وأحيت الاحتفال بالموالد والأعياد. ويمكن أن نقسم السلفية المعاصرة إلى ثلاثة اتجاهات مهمة متمايزة، وهي السلفية العلمية، السلفية الجهادية، والسلفية المدخلية.

السلفية العلمية: الاهتمام بالعلم والدعوة

م "التصفية والتربية". وهو ما يعرفه الشيخ الألباني بكونه "تصفية الإسلام ما دخل عليه مما ليس منه، من الشرك والشعوذة والسحر والخرافات، والبدع وتفاسير القرآن الباطلة، والأحاديث الموضوعة المكذوبة. والالتزام بالاستقامة والتمتع بالأخلاق الشرعية العظيمة من الصدق والأمانة والوفاء بالعهد والبر والصلة وحسن الجوار والآداب الشرعية". ومن أهم الجماعات السلفية العلمية التي حاولت تطبيق ذلك المنهج، جماعة الشيخ مقبل الوادعي في اليمن، وجماعة أنصار السنة المحمدية في مصر. وبحسب ما أورد أحمد سالم في كتابه "اختلاف الإسلاميين"، هناك "رافدان أساسيان للاتجاه السلفي العلمي المعاصر". الاتجاه الأول هو الشيخ ناصر الدين الألباني، المعروف بشهرته في تدريس علوم الحديث النبوي، والاتجاه الثاني يتمثل في شيوخ السعودية من أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ ابن العثيمين، واللذين اشتهرا بعلمهما الغزير في مسائل الاعتقاد والتوحيد والأصول.

ومن هذين الاتجاهين، نهل جميع الشيوخ السلفيين العلميين المعاصرين في شتى الدول العربية. فالشيخ أبي إسحاق الحويني مثلاً، وهو أحد أهم وأشهر رموز السلفية في مصر، درس علم الحديث على يد الشيخ الألباني. وشيوخ الدعوة السلفية بالإسكندرية من أمثال ياسر برهامي ومحمد إسماعيل المقدم، وغيرهما، تأثروا كثيراً بشيوخ السعودية. وتعتبر السلفية العلمية من أكثر أنماط وأطياف السلفية انتشاراً في العالم الإسلامي عموماً، والدول العربية خصوصاً، فامتاز منهجها التقليدي بالبعد عن أمور السياسة من جهة، والالتزام بالمناهج التربوية الدعوية العلمية من جهة أخرى، وهو الأمر الذي وفر لها إمكانية التوسع والانتشار دون الدخول في صدام مع الدولة. لكن حدث انحراف عن ذلك الخط التقليدي في الفترة التي أعقبت ثورات الربيع العربي، إذ بدأت بعض الجماعات السلفية العلمية في انتهاج منهج حركي سياسي، فشاركت في الانتخابات النيابية والرئاسية، وشكلت أحزاباً سياسية. ومن أهم الأمثلة على ذلك جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية في مصر، التي انبثق عنها حزب النور، والذي كان له حضور واسع في المشهد السياسي المصري في ما بعد ثورة 25 يناير 2011.

السلفية الجهادية: الحاكمية والتكفير

+++++
يُعتبر مفهوم الحاكمية من أهم المفاهيم المركزية المؤسسة لفكر السلفية الجهادية. والمقصود بالحاكمية هو أن الله وحده له الحق في الحكم، وقد استند الجهاديون للعديد من الآيات القرآنية التي تعرضت لمفهوم الحاكمية. ومن تلك الآيات "إن الحكم إلا لله" وهي الآية نفسها التي استند لها الخوارج عندما خرجوا على حكم الخليفة الرابع علي بن أبي طالب وانقلبوا عليه. ويظهر مفهوم الحاكمية بشكل واضح في كتابات العديد من منظري السلفية الجهادية المعاصرين، ولعل أول هؤلاء وأهمهم، هو "سيد قطب" الذي توسع في شرحه لمفهوم الحاكمية في كتابه "في ظلال القرآن"، والذي جاء فيه أن التصور الإسلامي يؤكد على "أن الاتجاه إلى الله وحده بالعبودية والعبادة. وعن هذا التصور تنشأ الحاكمية لله وحده". ويرتبط بالحاكمية مفهوم آخر، لا يقل عنه أهمية في العقلية الجمعية للسلفية الجهادية المعاصرة، وهو مفهوم "الجاهلية". فبحسب آراء منظري السلفية الجهادية، ومنهم "محمد عبد السلام فرج" في كتابه "الجهاد الفريضة الغائبة"، إن المجتمع المسلم يجب أن ينصاع لحكم الله بشكل كامل، ويرتضي أحكام الشريعة الإسلامية ويعمل بها جميعاً بدون استثناء، وأنه في حالة رفض ذلك من قبل الحكام، فإنه يجب قتالهم لكونهم "في ردة عن الإسلام، وتربوا على موائد الاستعمار. فهم لا يحملون من الإسلام إلا الأسماء وإن صلوا وصاموا وادعوا أنهم مسلمون". ومن أهم الجماعات السلفية التي انتسبت إلى الفكر السلفي الجهادي، الجماعة الإسلامية في مصر، التي قام عناصرها بتنفيذ العديد من عمليات الاغتيال في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، قبل أن يعلن قادة الجماعة <a التراجع عن موقفهم المعادي للدولة، ويطالبون أتباعهم بترك السلاح والاتجاه للعمل السياسي السلمي عام 1995. كذلك، فإن تنظيم قاعدة الجهاد، والمعروف إعلامياً باسم تنظيم القاعدة، يُعتبر واحداً من أهم تجليات السلفية الجهادية المعاصرة، فقام هذا التنظيم بالعديد من العمليات الإرهابية داخل الدول العربية وخارجها، ولعل حادثة تفجير برجي مركز التجارة العالمي في أميركا في 11 سبتمبر 2001 أشهر تلك العمليات وأكثرها تأثيراً وصخباً. كما أن تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام، داعش، يعتبر الإصدار الأكثر حداثة للفكر السلفي الجهادي. ورغم اتحاد جميع تلك التنظيمات في الأهداف الفكرية العليا "الحاكمية وقتال الدولة"، إلا أنه يوجد بينها وبين بعضها العديد من التناقضات والاختلافات الفكرية.

السلفية الجامية: الخضوع المطلق للحاكم

على النقيض التام من السلفية الجهادية، تأتي السلفية الجامية، فإذا كانت الأولى ترى تكفير الحاكم المسلم الظالم وضرورة الخروج بالسيف والسلاح عليه، فإن الثانية ترى حتمية طاعته والصبر على أحكامه الجائرة. ويُنسب هذا الاتجاه إلى الشيخ "محمد أمان الجامي"، كما يعرف هذا الاتجاه في بعض الأحيان باسم "السلفية المدخلية" نسبة إلى الشيخ "ربيع بن هادي المدخلي" الذي كان من أبرز تلاميذ الشيخ الجامي. وقد ظهر هذا التيار أول ما ظهر في السعودية، فمع اجتياح قوات صدام حسين للكويت عام 1990، قامت السلطات الحاكمة باستدعاء قوات أمريكية للوقوف في وجه الجيوش العراقية، التي كان من المحتمل تقدمها في الأراضي السعودية. وأثارت تلك الخطوة غضب العديد من الشيوخ والمتدينين داخل السعودية وخارجها، إذ رأوا فيها مخالفة للنصوص الدينية التي تنهي عن إدخال المشركين للجزيرة العربية، وأمام تلك الظروف تعالت أصوات الشيخ الجامي وتلاميذه وأتباعه، للإنكار على المعترضين، واتهمتهم بمعصية أولي الأمر والخروج عن الحاكم الشرعي المفترض الطاعة. ورغم أن التيار السلفي الجامي أو المدخلي لم يظهر كتيار مستقل ومتمايز إلا في فترة زمنية قريبة نسبياً، إلا أن ذلك التيار اعتمد في أسسه وأصوله على تراث هائل من الأدبيات الإسلامية، التي تشمل تأويلاً تعسفياً للعديد من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، تلك التي شرعنت حكم الحاكم الظالم، وأخرجت المجتمع والشعب من معادلة الاختيار السياسي للسلطة التي تحكمه. وقد توسعت أفكار الجامية المدخلية، في الكثير من البلاد العربية. ففي مصر نجد أن عدداً من الشيوخ الذين تأثروا بأفكارها ومبادئها، من أمثال "أسامة القوصي" و"محمد سعيد رسلان"، و"محمود لطفي عامر"، واستطاع هؤلاء تكوين قواعد شعبية واسعة لهم. وقد لعب السلفيون الجاميون دوراً مهماً، بعد ثورات الربيع العربي. فكان لهم دور كبير في إفشال تلك الثورات، بعدما أذاعوا مبدأ البعد عن السياسة وترك الدولة للساسة ورجال الحكم، وتحريم المشاركة في العملية الانتخابية الديموقراطية، والتأكيد على عدم شرعية المعارضة والاحتجاجات المناهضة للحاكم

**

أعياد الميلاد في مصر بلا فتاوى تحريم


التيار السلفي بلورة فضاء ديني ومجتمعي يكون بديلا عن الأيديولوجيات الجهادية والتكفيرية، ما جعله اليوم يفقد جاذبيته

عكس تراجع مظاهر انتشار السلفية في المجتمع المصري، مقارنة مع سنوات صعود هذا التيار لدى الشباب والفئات العمرية المتوسطة، معاناة الحالة السلفية من فتور مجتمعي، نتيجة انفصال رموزها ودعاتها عن الواقع وعن هموم ومعاناة الطبقتين المتوسطة والفقيرة، وعزوف الغالبية من المواطنين عن خطاب وطرح مجمل تيار الإسلام السياسي.

حمدي رزق: المصريون ارتاحوا من فتاوى ياسر برهامي، فأتى عبدالله رشدي لينغص عليهم هذه المواسم

أدى تضاؤل تأثير وحضور التيار السلفي في معقله الرئيسي بالمملكة العربية السعودية جراء التحولات والإصلاحات التي تقوم بها الرياض، إلى فقدانه جاذبيته ونفوذه المعهودين، بالنظر إلى الروابط والعلاقات التي جمعت بين سلفيي مصر وداعميهم فكريًا وماديًا التي ظلت أحد أقوى عوامل استمرارهم بالمشهدين الدعوي والاجتماعي، وتاليًا السياسي.

دل فقدان التيار السلفي فاعليته عقب ما جرى من تحولات مؤثرة بالسعودية، على هشاشة تكوين هذا التيار وعدم تجذره في البيئة المحلية بالنظر لطبيعة التدين البسيط القريب للتصوف والكاره للتشدد والتطرف.

ظل هذا التيار معتمدًا في حضوره ونشاطه على النفوذ المكتسب من الدعم المعنوي والمادي من الخارج، والتوظيف السياسي في الداخل، ما أدى إلى تراجع تأثيره بعد خلخلة أسسه وقواعده في السعودية، وافتقاره للتأييد الذي حظي به خلال فترة حكم الإخوان القصيرة، وهامش الحرية النسبي الذي تمتع به في أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك الطويلة.

فتقد السلفيون اليوم للتوظيف في الواقع المصري، حيث كانت الحالة السلفية ملحة لجماعة الإخوان في مواجهة المعسكر الليبرالي والقومي والناصري، في ضوء الشعبية التي كان يجذبها الخطاب السلفي، ليس فحسب من الذين ترغب جماعة في الحصول على أصواتهم الانتخابية أو من الجماهير المتدينة بوجه عام، فضلا عن قواعد وقيادات الجماعة نفسها بالنظر للاختراق السلفي لتنظيم الإخوان.

كانت نسخة الإسلام ذات الصبغة الوسطية تراجعت منتصف السبعينات من القرن الماضي، مع صعود النزعة السلفية مصحوبة بمظاهر التدين المنقوص.
لقب الرئيس الرئيس الراحل أنور السادات، بالرئيس المؤمن، ما أعطى انطباعًا بأنه يقدم نفسه كرئيس للمسلمين فقط، ما منح السلفيين فرص التمدد والاستعلاء على الآخرين تحت مزاعم التميز الديني

وشهدت هذه المرحلة التي امتدت من حكم السادات (1970) حتى سقوط حكم جماعة الإخوان في يونيو 2013 ذروة نفوذ التيار السلفي الذي استغل هذه التطورات لتأسيس إمبراطورية مالية متشعبة، محققًا أرباحًا طائلة على خلفية الاستثمار في شركات السياحة الفاخرة التي تسير رحلات الحج والعمرة والعطور وملابس المحجبات وغيرها.

ورغم ما حققه السلفيون من انتشار واسع خلال فترة محدودة بمختلف المحافظات المصرية، فإنهم لم يمتلكوا خلال كل المراحل رؤية متماسكة أو مشروعًا متكاملًا يمكنهم من تجذير حضورهم وتكريسه في قلب المجتمع بمعزل عن استفادتهم من توظيفهم من قبل بعض الأنظمة لهم

تمسك دعاة السلفية بصيغة منغلقة لم تتماش مع اجتهادات الإصلاحيين، وركزوا على مظاهر التدين الشكلي، مثل وجوب إطلاق اللحى وعدم المصافحة بين الرجل والمرأة ووجوب ارتداء النقاب وبقاء المرأة في المنزل وعدم عملها وحرمة اختلاطها بالرجال.

تمحورت المناهج السلفية التي تم تقديسها وجعلها في مقام الثوابت التي لا تمس بوصفها عقيدة سلفية ينبغي أن تسود أوساط المسلمين حول مفاهيم الكفر بالطاغوت والحاكمية العقائدية والولاء والبراء والمفاصلة العقدية والاجتماعية مع المسيحيين والمختلفين عقائديا والتنابذ والصراع مع القوى السياسية والاجتماعية والفكرية الناشطة.

لم يملك السلفيون في المقابل مشروعًا سياسيًا ولا برنامجًا إصلاحيًا ولا رؤية مستقبلية وحشروا في سياق الماضي وزمنه، دون الخوض في مشكلات المجتمع أو الإسهام في تخفيف معاناة الشباب، أو الإسهام العملي في إيجاد حلول للقضايا الملحة.

نفخ كبير في ظاهرة السلفيين ولدورهم في الوقائع والتحولات السياسية التي جرت منذ العام 2011، 
للخبرات الدعائية والخطابية عبر آلة إعلامية تمرس دعاة السلفية في استخدامها منذ مرحلة شرائط الكاسيت مرورًا بالفضائيات وحتى غزوهم لوسائل التواصل الاجتماعي.

الدولة المصرية لم تعد متحمسة للاستفادة من ثقل السلفية الدعوي الذي شكّل في مراحل سابقة فرصة لها كي تقوم بشغل مساحة من الفضاء الديني المفتوح على مصراعيه،
لم يعد تجذر الصراع العلماني الإسلامي
تجفيف فعلي للمنابع الفكرية للتطرف

رسخ كبار مشايخ ودعاة السلفية، أمثال محمد حسان وأبوإسحق الحويني ومحمد حسين يعقوب، وغيرهم، لدى الشباب فكرة سوداوية عن الواقع تحت جملة من الشعارات، تؤكد انتشار الظلم والطغيان والفساد الأخلاقي ومخالفة تعاليم الشريعة والزهد في الدنيا الزائلة وانتظار النعيم الأخروي، بينما يعيش هؤلاء الدعاة في راحة ورفاهية ملحوظة.

الوهم السلفي حقيقة وأعطت له فاعلية مصطنعة في الواقع المصري، فلم يعد السلفيون جزءًا من اللعبة السياسية كممثلين لجناح يمين اليمين،

تلاشت المساحات التي يتحرك فيها السلفيون تحت مظلة توظيف الدولة أو جماعة الإخوان، وصاروا مكشوفين أمام النخب لتناقضاتهم وممارساتهم الفجة وفتاواهم الشاذة المنافية للأعراف والمهددة للوحدة الوطنية والخادشة للقيم الاجتماعية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق