الخميس، 31 أكتوبر 2019

الاتحاد الاروبي

فى عام 1957 نشأت فكرة الاتحاد الأوروبى، وتألف فى ذلك الوقت من 6 دول، وفى عام 1992 بعد التوقيع على اتفاقية ماستريخت تشكل الاتحاد الأوروبى وكانت كرواتيا هى آخر الدول المنضمة وعرفت هذه الدول بدول اليورو. يبلغ عدد الأعضاء من دول الاتحاد الأوروبى ثماني وعشرين دولة بأنظمة سياسية مختلفة بين جمهورية، وجمهورية فيدرالية، وملكية دستورية، وهذه الدول هى: ألمانيا وانضمت 1957، وإيطاليا 1957، وبلجيكا 1957، وفرنسا 1957، ولوكسمبورغ 1957، وهولندا 1957، والدنمارك 1973، والمملكة المتحدة 1973، وجمهورية ايرلندا 1973، وجبل طارق 1973، واليونان 1981، واسبانيا 1986، والبرتغال 1986، والسويد 1995، والنمسا 1995، وفنلندا 1995، ودول البلطيق الثلاث إستونيا ولاتفيا وليتوانيا 2004، وبولندا 2004، وجمهورية التشيك 2004، وسلوفاكيا 2004، وسلوفينيا 2004، وقبرص 2004، ومالطا 2004، والمجر 2004، وبلغاريا 2007، ورومانيا 2007، وكرواتيا آخر الدول انضمامًا عام 2013. أما بالنسبة للدول المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبى فهناك ست دول تسعى للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبى، وكلّها دول جمهورية، وتعمل على تلبية متطلبات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، وهى دول، ألبانيا، وايسلندا، والجبل الأسود، وصربيا، ومقدونيا، وتركيا. وهناك دول أخرى وهى ستّ عشرة دولة بأنظمة سياسية بين جمهورية، وجمهورية برلمانية، وجمهورية فيدرالية، وأميرية، وملكية، وبابوية، وبرلمانية مشتركة، ومن هذه الدول ما هو من منطقة الشنجن والدول التابعة لها، وهذه الدول هي: أندورا، وأرمينيا، وأذربيجان، وروسيا البيضاء، والبوسنة والهرسك منها البوسنة التى تسعى للانضمام لكن ليست مرشحة بعد، وليختنشتاين احد أعضاء السوق الأوروبية المشتركة واتفاقية 
شينجن، ومولدوفا، وموناكو، والنرويج عضو فى السوق الأوروبية المشتركة واتفاقية شينجن، وروسيا، وسان

مصلحة الشعب البريطانى أولًا وأخيرًا. ومن الأسباب التى دفعت بريطانيا إلى المطالبة بالخروج من دول الاتحاد الأوروبيّ: تدفق المهاجرين من كافة أوروبا إليها، ما أشعر المجتمع بأنه غريب عن وطنه، ففرص العمل تذهب للمهاجرين، وكذلك النفوذ والمناصب الاجتماعية، وشعور بريطانيا أن مصيرها أصبح فى يد دول الاتحاد الأوروبى التى تحركها يمينًا وشمالًا وفقًا لأهوائها،


الخميس، 24 أكتوبر 2019

الجامعة للتأهيل وليس التحصيل .***

الحياة الدراسية لا تستوى بدون أنشطة طلابية. قد ينجح الطالب ويحرز أعلى الدرجات، لكن تظل شهادته غير مكتملة الأركان. فالعلم ليس كتابًا وتحصيلاً واختبارًا وشهادة فقط. إنه بناء شخصية، واكتساب خبرات، وتنمية ملكات، وتعديل سلوك، وتقويم أفكار، وكل ما سبق يظل حبرًا على ورق طالما ظلت العملية التعليمية مقصورة على المناهج والامتحانات فقط لا غير. زيارة الجامعات الأمريكية دائمًا تكون ملهمة. وسر الإلهام يكمن فى متابعة الأنشطة. جماعات ومجموعات وأندية وأسر ومحاضرات لشخصيات ملهمة وأنشطة تطوعية وأعمال خيرية وشبكات لتعريف المجتمع الطلابى بمجتمع الخريجين فى قطاعات مهنية مختلفة.

الاختلاف الكبير بيننا وبينهم أن فكرة الأنشطة الطلابية متجذرة فى الفكر التعليمى. لا تعليم دون أنشطة، ولا أنشطة دون تعليم. طلاب الهندسة يحضرون محاضرة لسياسى محنك يتحدث عن الصراع فى الشرق الأوسط. طلاب الموسيقى يقدمون عروضًا موسيقية مسائية للمجتمع الجامعى، والعرض جزء من تحصيل الدرجات. جميع الطلاب يقومون بساعات من الخدمة المجتمعية من رعاية مسنين ومساعدة فى مراكز استقبال المشردين، والترفيه عن الأطفال المرضى، وتنظيف الحى والقنوات المائية، وتحسب لهم ساعات الخدمة ضمن ساعات الدراسة ولا يتخرجون بدونها. طلاب هندسة الطرق يحصلون على مِنَح من شركات بناء الطرق والكبارى للدراسة، ويتدربون فى الشركة فى أثناء الصيف، طلاب إدارة الأعمال والمحاسبة يتدربون فى الشركات التجارية والمصارف الكبرى التى ترعى مبانى وأقساما فى الجامعة تحمل اسمها، ويتم انتقاء عدد منهم للالتحاق بالعمل فيها بعد التخرج. ضباط الشرطة والمأمور يزورون الجامعة للالتقاء بالطلاب والحديث معهم عن المسائل الأمنية وسبل الحفاظ على أمنهم الشخصى وطريقة التصرف فى حال تعرضوا لأزمة.

مجموعات تقدم الدعم لمن يتعرض لاعتداءات جنسية أو لفظية أو بدنية. لقاءات تجمع الطلاب المحليين بالوافدين والأجانب وأبناء المهاجرين واللاجئين بهدف الدمج والفهم والاحترام المشترك.
أما الرياضة، فهناك من الجامعات من يكتسب جانبًا من سمعته الذهبية لرعايته الموهوبين والمتفوقين رياضيًا. مبانٍ وخدمات مصممة خصيصًا لرعاية الرياضيين وتنمية قدراتهم وتنظيم وقتهم بين التعليم والتدريب. منح دراسية للمتفوقين رياضيًا، خدمات تعليم إضافية لمن تفوتهم دروس بسبب بطولات أو تدريبات. أنظمة غذائية صحية توضع خصيصًا لهم.

والنتيجة أن نسبة كبيرة من الخريجين لا يكتفون بحمل شهادات تخرج جامعية يتم وضعها فى إطار وتعليقها على جدار الصالون، لكنها تخرج إلى الحياة مؤهلة للتعامل مع العالم ومسلحة بقدرات وخبرات وشعور بانتماء حقيقى بناء على تجارب ومعايشة، وليس بناء على أغنيات وكليشيهات. وتكون النتيجة أيضًا وجود خريج «بحق وحقيقى» لا يحتاج إلى إعادة تأهيل لتعلم بديهيات الاندماج مع العالم الخارجى، أو فك الخط فى اللغة الإنجليزية، أو التعامل مع المواقف والأزمات الطارئة.
الدراسة الجامعية تعليم وتأهيل للحياة، وإفادة الطالب بتوثيق انتمائه للمجتمع واستفادة للمجتمع بخدماته وتدريب لخوض المباريات الحقيقية وليست شهادة والسلام.


الأربعاء، 23 أكتوبر 2019

كريم شفيق باحث في الدين والفلسفة



الفقية والسلطان... التوظيف السياسي للدين في عهد عبد الناصر


مثّل الدين أحد الروافد الرئيسية لأنظمة الحكم المتعاقبة في مصر، فمنه استمدت شرعيتها وشعبيتها وحصلت على سند معنوي يبرّر إجراءاتها السياسية، ويضمن لها التأييد. وبقدر ما تفاوتت سياساتها وانحيازاتها الاجتماعية والطبقية وتحالفاتها الإقليمية، تبدل موقع الدين وصيغته الرسمية المعتمدة، وتفسيراته الرائجة والمقبولة، سواء خرجت من يمين السلطة أو يسارها. وعلى مدار التاريخ، كان الثابت الوحيد استمرار عملية التوظيف السياسي للدين. وبقدر ما حاول كل الحكام نفي هذه الممارسة عنهم كانوا يمارسونها بنفس الدرجة. تحمل الدعاية المضادة للنظام الناصري إدانة صريحة لكونه علمانياً ومعادياً للإسلام وطبق الإشتراكية الإلحادية. وقد روّجت أدبيات جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي لذلك. فقد صرخ عبد القادر عودة أثناء محاكمته أن "الإسلام سجين".

تراوح آراء السياسيين والمؤرخين بين القول إن عبد الناصر لم يخلط الدين بالسياسة، وبين اعتبار أنه لم يقطع مع الدين، وإنما قدم رؤية تثويرية وتنويرية له، مثلما يقول المؤرخ المصري يونان لبيب رزق الذي برأيه، "استطاعت الناصرية بمهارة أن توظف الوجه المضيء والحقيقي للدين لخدمة مواطنيها، بدلاً من جعله أداة للإرهاب والقهر والتسلط". اعتمد عبد الناصر استراتيجية دينية تقوم على الاحتواء وتأميم المجال الديني، سعى من خلالها إلى بناء مشروعيته السياسية ومواجهة خصومة، سواء من الإخوان المسلمين في الداخل أو ما أسماهم بالرجعية العربية وعلى رأسها السعودية ودول الخليج

فالدين بالنسبة له ليس أيدولوجيا سياسية مستقلة إنما هو عنصر أساسي في نظريته السياسية "القومية العربية"، وجزء من عملية التعبئة الجماهيرية ضد الإستعمار وإسرائيل، وبمثابة العمود الفقري الذي تنتصب عليه عملية التنمية الإجتماعية التي يقوم بها.

غم كل ما يتبادر إلى الأذهان من وجود تناقض حاد بين التوجهات التقدمية للدولة العلمانية الإشتراكية والأيديولوجيا الدينية.
 أن يصبح أداة من أدوات السلطة السياسية. وبرأيه، كان التحدي هو القدرة على احتكار العمل في المجال الديني، والظهور بمظهر الحامي والمحافظ على منطلقاته الروحية والطقوسية دون أن يجرف ذلك الدولة والمجتمع إلى تبني ايديولوجية دينية تحكم باسم السماء، بل وتوظيف الدين في خدمة ايديولوجية يسارية مغايرة قد تبدو في كثير من أطرها النظرية على النقيض تماماً. وأضاف: "أوضح عبد الناصر في كتابه "فلسفة الثورة"، وهو يحدد الدوائر الثلاث التي تنطلق من خلالها مصر إلى فضاءات التنمية والعدالة، الدائرة الإسلامية كمصدر إلهام روحي وتاريخي لها، وكان لا بد أن تمسك الدولة الناصرية بزمام الظاهرة الدينية كي لا تنفلت من بين أيديها قواعد اللعبة،

وهو ما تسبب في تنحي شيخ الأزهر محمد الخضر حسين الذي أزعجته قبضة الدولة على المؤسسة الدينية الأكبر التي باتت مصدراً من مصادر سيطرة الدولة على حقل الدين. وانتهى الصراع على السلطة بسحق حركة الإخوان المسلمين، أحد أبرز اللاعبين بورقة الدين في المجال السياسي، ومضت الدولة وحدها تمارس سلطة العمل في هذا السياق". ومن بين المظاهر والإجراءات التي دشنتها الدولة الناصرية في محاولة استدعاء الدين في المجال العام السياسي والاجتماعي، قام عبد ناصر بجمع المصحف مرتلاً، وترجمته لكل اللغات، كما أنشأ إذاعة القرآن الكريم، وجعل الدين مادة إجبارية في المدارس، وتضاعف في عهده عدد المساجد، ونشط العمل في مجال جمع ونشر كتب التراث، فظهرت موسوعة جمال عبد الناصر للفقه. وأسست مدينة البعوث الإسلامية ضمن خطة لتطوير التعليم الديني، وأغلقت بيوت الهوى وفرضت قيود على نوادي القمار، وأسست الدولة مقر الكاتدرائية المرقسية للاقباط، واحتفظ ناصر بعلاقات وطيدة مع البابا كيرلس السادس.

فكانت الرمزية الدينية فاعلاً مهماً في تكريس صورة القائد الملهم الذي وقف على منبر الأزهر إبان العدوان الثلاثي يعلن مضيه قدماً في طريق المقاومة والقتال حتى النصر. استدعي عبد الناصر دور الأزهر في إطار ما يخدم رؤيته ويدعم توجهاته، فساندته المؤسسة الدينية الرسمية، التي دخلت دائرة الصراع السياسي المحتدم عام 1954، في ما عرف بأزمة الديمقراطية بين محمد نجيب وعبد الناصر. وخلالها أصدر شيخ الأزهر فتوى تقول إن "الزعيم الذي يتعاون ضد بلاده ويخذل مواطنيه فإن الشريعة تقرر تجريده من شرف الوطن". وأعلنت هيئة كبار العلماء بالأزهر في بيان عام 1954 "انحراف هذه العصابة (تقصد جماعة الأخوان المسلمين) عن منهج القرآن في الدعوة".

 تجاسر على تنفيذها عبد الناصر هي السيطرة على جامع الازهر عام 1961، حيث أقر قانوناً بإعادة الهيكلة وأصبح تعيين شيخ الأزهر في يد رئيس الجمهورية. وثمة تغييرات أجراها على المناهج الدراسية الأزهرية ومحتواها، فأدخلت مواد حديثة وكليات جديدة تشمل كلية الطب والهندسة، وذلك بهدف تقويض النخبة الدينية واستقطابها دون التخلص منها كقوة اجتماعية. وقام بإلغاء المحاكم الشرعية وتوحيد منظومة القضاء الوطني. كما قام بعض علماء الأزهر أمثال محمد بن فتح الله بدران وعبد المغني سعيد والشيخ محمد عبد اللطيف السبكي رئيس لجنة الفتوي بالأزهر، بالذهاب إلى السجون وإلقاء الخطب والمحاضرات ومناقشة معتقلي الأخوان في المسائل الخلافية، التي يعتبرون فيها النظام خارجاً عن الدين وتصحيحها لهم أو تبريرها. فقدم الشيخ السبكي دراسة يهاجم فيها كتاب سيد قطب "معالم في الطريق"، انتقد تجهيل قطب للمجتمع وتكفيره لهم حكاماً ومحكومين

 فشريعة الله هي "شريعة العدل وهي شريعة المساواة، أما شريعة الرجعية فهي شريعة ضد الإسلام وضد الدين مهما تمسحت به"، والذي يريد أن يطبق الدين "لا يقسم الشعب إلى أسياد وشعب من العبيد. ده هو الكفر"، كما ردد عبد الناصر في أحد خطاباته عام 1961. وفي هجومه على ملك السعودية قال: "بتطلع تقول لهم دي الاشتراكية ضد الدين، هم الناس مغفلين، الاشتراكية تكافؤ الفرص، والاشتراكية مساواة ما فيش أمير ولا فيش غفير، لا صاحب سمو ولا صاحب جلالة ولا فيش واحد بذقن ولا واحد مالوش، الاشتراكية ازاي تبقى ضد الدين إذا كنتوا يا أصحاب الدقون قايمين تتاجروا بالدين؟". ويعد المفكر الماركسي أحمد عباس صالح من بين المثقفين الذي اعتمد عليهم عبد الناصر في محاولة تطويع نصوص الإسلام التي تدعم فكرة العدالة الإجتماعية وتبرز الصراع الطبقي في التاريخ الإسلامي، على أساس أن الرسالة المحمدية جاءت كضرورة لتأزم الوضع الإجتماعي وانسدادته التاريخية، وحل التناقض الطبقي وإعادة توزيع الثروة وتمكين المستضعفين في الأرض، وجرى الاستشهاد بتعبير الصحابي أبو ذر الغفاري الذي قال أن الناس شركاء في ثلاث "الماء والكلأ والنار". وضع عباس صالح كتاباً بعنوان "اليمين واليسار في الإسلام"، اعتمد منهج التحليل الطبقي في عرض فصول التاريخ الإسلامي، وهدف من خلاله إلى "البحث عن النسب الحقيقي للثورة العربية الطليعية التي بدأت في مصر عام 1952، والتي تشير إلى انطلاق حضاري جديد واسع المدى"،

ثمة منحى آخر يبرزه أحد خطابات عبد الناصر عام 1962، والذي يكشف عن وعي سطحي أو ربما خطاب شعبوي للعلاقة بين الدين والماركسية، يحصرها في نظرية الحادية أتباعها ينكرون الدين والرسل، وكأنه لا يتخطي التعريف الذي يروجه خصومه فيقع ضحية خطابهم ويتبنى مقولاتهم الشائعة والساذجة، ولايقطع الحبل السري بينه وبين الدين، الذي يبقي مرجعية سياسية وسلاح تكفير أو إيمان، يرسخه لدى المواطنين الذين يركن وعيهم إلى معاداة هذه النظرية التي تستفز إيمانهم وتحول بينهم وبين الله. فيقول عبد الناصر: "الفرق الأول بيننا وبين الشيوعية هو ان احنا نؤمن بالدين وأن الماركسية تنكر الدين، وان احنا نؤمن بالرسل، والماركسية تنكر الرسل، أن الشيوعية تنكر الأديان، وتعتبرها أفيون الشعوب، واحنا بنؤمن بالله وحطينا ده ضمن المبادىء الأساسية، اعتبار الإيمان إيمان بالله لا يتزعزع". ولكن في كل حال، كشفت هزيمة 1967 فشل عملية التحديث المحدود والجزئي الذي شمل عدة أنشطة وقطاعات، مثل زيادة عدد انشاء المدارس والمصانع، فالعناصر الجوهرية للدولة القديمة المتخلفة ظلت متماسكة لم يمسها جوهر التغيير، وظلت قيم الدولة الحديثة من المجتمع المدني وسيادة القانون والعلمانية والمواطنة غائبة ومغيبة عمداً. ولم يكن النظام، في ظل تطبيقات ما عرف بالاشتراكية الناصرية، يهدف إلى تغييرات ثورية في بنية النظام الطبقي والإجتماعي المصري، ويدشن لوعي جديد قادر على استقبال تداعيات التغيير ويمتلك أدواته المعرفية وقيمه السياسية والإقتصادية الجديدة. فكان نظام يوليو نفسه غير مؤهل لهذا المخاض بأي صورة ولا يملك آلياته وإنتاج كادر حداثي يصبح عضواً في الحضارة الحديثة بقيمها وإنتاجها المادي والعلمي

 وفي خضم هذه الأحداث والعوامل تكونت الحاضنة الأولى للمد الديني الإسلامي الذي شهدته مصر في سبعينيات القرن الماضي، من أحداث الفتنة الطائفية، وانتشار الحجاب بين الفتيات، وعدم الإختلاط بين الجنسين، ومنع الأنشطة الأدبية والفنية في الجامعات، ومن ثم سقطت شعارات النظام وتهاوت دعايته السياسية وقدم الإسلام السياسي نفسه بديلاً منافساً لما زعم أنهما سببا الهزيمة سواء الاشتراكية الملحدة أو القومية العربية. وداخل هذه الصورة الملتبسة التي يتردد فيها موقع الدين بين عدة مواقع وأدوار تبدو متناقضة، يتكشف أن الإستخدام النفعي للدين يحصر الذهنية الدينية داخل الأساطير والإيمان بالغيبيات والحلول العجائبية، مهما بدا ثورياً وتقدمياً. وبصورة أوضح يقول المفكر السوري صادق جلال العظم في كتابه "نقد الفكر الديني": "بعض الأنظمة التقدمية العربية وجدت في الدين عكازاً تتكئ عليها في تهدئة الجماهير العربية وتغطية العجز والفشل الذي كشفته الهزيمة عن طريق مماشاة التفسيرات الروحانية للانتصار الإسرائيلي والخسارة العربية".

لى لسان أجهزة إعلام بلد يعتبر نفسه ثورياً اشتراكياً كان يجب أن يضع إمكاناته الإعلامية في خدمة الشعب بغية تثقيفه لا بغية تضليله والشطط في متاهات الهلوسات الدينية وتزيين الخرافات بمظهر الحقائق العلمية.

+++++++++++++++
كيف تنشر بعض خطب الجمعة ثقافة الكره بين المصلّين؟

في بنها، في كل شارع في الأحياء والمناطق الشعبية، يوجد مسجد، وهي ظاهرة باتت منتشرة منذ منتصف السبعينيات، مع العائدين من السعودية والخليج. إذ يُبنى مسجد أسفل كل عمارة جديدة يتم تشييدها، وكثيراً ما يكون السبب سعي الباني إلى إعفائه من دفع الضرائب، أو حماية عقاره من الإزالة، إذا كان مخالفاً، إذ يستحيل هدم مسجد. في مسجدين تابعين إلى جمعية أنصار السنة المحمدية،

 لم تخل من التطرف والتشدد المعهودين في وصم المختلفين عن اتباع ما يعرف بـ"منهج أهل السنة والسلف" بالكفر والمروق، ووعد التيارات الفكرية بالعذاب في النار. انخرطت الخطبة في الحديث عن الفرقة الناجية، فوعدهم النبي بالنجاة بعد افتراق الأمة لثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. وذكر الحديث النبوي الشهير الذي يصف الفرقة الناجية بأنها: "هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي". وتتابعت نصائحه بتنقية أفكار المسلمين وعقيدتهم، من شبهة الانحراف والفتنة، وعدم الخروج على طاعة القرآن والسنة. وقال: "لا تبنِ عقيدتك بقواعد المنطق، وتنهل من فلسفات الغرب وأفكار علم الكلام الموروثة عن فلاسفة اليونان وشركهم الوثني، الذي أدى إلى تصدع المجتمعات الإسلامية".

++++++++++++++++++

نقد ذهنية العرب

"إن عقلية ماكو أوامر وذهنية ما فيش تعليمات وعدم التصرف بدون موافقة ولي الأمر لا تتجلى في ميدان القتال فحسب وإنما هي جزء من نسيج المجتمع العربي وعاداته وطباعه التي تخضع لسلطان الأب ويبدو أنه من العبث أن نتوقع من ضباطنا في جحيم المعركة السلوك المرن والمبادرة الفردية السريعة وتحمل مسؤولية القرارات الحاسمة دون الرجوع إلى من هم أكبر منهم سناً ومنزلة ومرتبة". يواجه هنا العظم، في كتابه النقد الذاتي بعد الهزيمة، الموروث الثقافي والسياسي واستبداده الماثل في بنية المجتمعات العربية المحكومة بركود مستمر تؤدي لزوماً إلى هزائم متكررة. ويعمد إلى مكاشفة ظواهر أساسية في واقعنا اليومي تشير إلى جهل المواطن العربي بذاته وبالآخر تحت تأثير أوهام الأصالة وفضائل الخصوصية والانسحاق في أمجاد قديمة متوهمة تخرج العرب من التاريخ وتحيلهم إلى واقع جدير بالرثاء تنتصر فيه القبلية والعائلية والطائفية على حساب المصالح الوطنية

التصدّي للخرافة

قام العظم في كتابه نقد الفكر الديني بتوجيه أحد أسلحته العلمية ضد شيوع الخرافة والتلفيق لمحاولات دمج الدين مع الأطروحات العلمية والفكرية والسياسية الحديثة بشكل قسري، والذي غايته النهائية إيجاد نزعة إيمانية ذات قداسة وعصمة وتملك دفاعات تبريرية تحميها من النقد في حال ثبوت فشلها وهزيمتها. واعتبر العظم أن إحدى المناورات التي استخدمتها الدولة الناصرية لتصفية آثار العدوان هي استغلال واقعة تجلي العذراء فوق إحدى كنائس ضاحية الزيتون وقد تبنتها وسائل الإعلام الرسمية والجهات السياسية والدينية وروّجت لها باعتبارها ذات مغزى كفاحي مؤيد للعرب. يقول في كتابه: "إن تصوير الأطياف الروحانية وربط تحرير القدس والصمود في وجه العدو بظهور العذراء تجيء على لسان أجهزة إعلام بلد يعتبر نفسه ثورياً اشتراكياً كان يجب أن يضع إمكاناته الإعلامية في خدمة الشعب بغية تثقيفه لا بغية تضليله والشطط في متاهات الهلوسات الدينية وتزيين الخرافات بمظهر الحقائق العلمية". ويؤكد على ضرورة الفصل بين الديني والدنيوي وتصفية الأفكار الملتبسة حول وجود تصور ديني للكون ووجود مرجعية دينية للأفكار العلمية والفلسفية. بل تجاسر على تحليل بعض القصص الدينية ووضعها في إطار ميثولوجي أعاد تقديمه بصورة مجازية. وانتقد موقف الشيخ نديم الجسر الذي يربط بين التقدم بمعرفة أمواج الضوء والإيمان بالجن والملائكة. وأوضح في الكتاب ذاته: "نحن نجد مثل هذه الملاحظات البديهية جداً عن البرق والرعد والسحاب والليل والنهار في أساطير حضارة ما بين النهرين، ملحمة جلجامش مثلاً، وفي التوراة والإلياذة والكتب المقدسة الصينية والهندية كما نجدها في القرآن".

نقد استشراق إدوارد سعيد

وفي القسم الأول من كتابه ذهنية التحريم ينتقد العظم مسألة الاستشراق لدي ادوارد سعيد ويعتبر أن الأخير يرى العالم العربي تابعاً فكرياً وسياسياً وثقافياً للولايات المتحدة لكنه يعترض فقط على شكل التبعية ويسعى إلى تحسين شروط علاقة التبعية وليس الدعوة إلى تحطيمها. ويرى العظم أن سعيد في كتابه الاستشراق أكد على مفاهيم المستشرقين تجاه الإسلام باعتباره تركيباً حضارياً متمايزاً وفريداً ويتمتع باستقلالية واستمرار في ذاته وأنه يتطلب نظاماً معرفياً خاصاً به لتحليله، ولا يمكن أن تطبق عليه أدوات الحداثة مثلاً أو التحليل الطبقي. وفي هذا السياق يقول العظم: "إن نظرة سريعة لأدبيات الإسلامانيين تبين أنهم يستعيدون، بصورة شبه حرفية، التصور الاستشراقي للكل الإسلامي المتماسك دوماً عبر العصور، ولكن مع فارق واحد يتلخص في قلبهم للخصائص الثابتة التي يسبغها المستشرقون بشيء من الازدراء على هذا الكل، إلى فضائل عظمى".

عن الإسلام والعلمانية

يتساءل العظم عما إذا كان العرب قادرين على إنجاز مشروع ديمقراطي علماني، هذا السؤال الذي يفرض نفسه على جدول أعمال الفكر العربي الحديث. فهل الإسلام ينسجم مع العلمانية والتكنولوجيا الحديثة؟ وهو يطرح هذه الأفكار التي تشكل في راهنيتها خيطاً مشدوداً تجاه تحقيق مشروع التقدم في مجتمعاتنا والتخلص من انسداداته التاريخية أو ولاداته المجهضة. يضطلع بهذا السؤال في كتابه الدفاع عن المادية والتاريخ من خلال الرؤية التي يصادر بها الفكر الغربي العرب، فيقول إن اللاوعي السياسي الغربي يختزل الحياة الفعلية المتنوعة والمعقدة للمجتمعات الإسلامية المعاصرة وتاريخها الطويل إلى الثقافة بالمعنى الأنثروبولوجي العريض للعبارة، ويرى أن الاتجاهات الثقافوية في الوصف والتفسير والتحليل والتعليل مستشرية في الغرب اليوم، ما يؤدي إلى اختزال الثقافة بكل تفرعاتها وتعقيداتها إلى الدين ومن ثم "اختزال الدين إلى جوهر أزلي ثابت اسمه الإسلام لا يتحرك إلا حركة دائرية من نوع العود الأبدي أو حركة شبيهة بالمد والجزر، فهو يتقدم ثم يتراجع ثم يتقدم". ويتابع: "من هنا رواج نظريات عودة الإسلام وما يشبهها، وكأن الإسلام روح هيجلي يمتد وينتشر ثم يعود فينسحب ويتقلص. والمفارقة في الموضوع هي أن هذا الفهم الاختزالي الماهوي الغربي لحياة الإسلام يتطابق تطابقاً كلياً مع المقولات التي تطرحها الحركات الأصولية الراهنة عن الإسلام وطبيعته ومع المفهومات النظرية التي تستخدمها هذه الحركات في تفسيرها للإسلام التاريخي والحالي والمستقبلي".



الاثنين، 14 أكتوبر 2019

ملك اليمين والجواري والحور العين وكواعب اتراب**********

كارثة "ملك اليمين" عند رجال الدين


هل استرقاق امرأة في ضعف واغتصابها هو واحد من أعمال الشرف والمروءة
"قوله: (والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) أي: والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام، فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا أو لواط، ولا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم، وما ملكت أيمانهم من السراري، ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج، ولهذا قال: (فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك) أي: غير الأزواج والإماء".

وبدلا من أن يضع شيوخ الإسلام تفسيرات ومفاهيم جديدة لهذه الآيات، فهم ـ وعلى العكس من ذلك تماما ـ نراهم يفخرون بمفاهيم بالية، بل ويختلقون لهذه التفسيرات عذرا وتبريرا كما فعل الداعية عبد الله رشدي في محاولته تبرير جريمة سبي ومعاشرة النساء في الحروب، حينما قال لتبرير ذلك، وكان يتكلم عن معاشرة أسيرة الحرب جنسيا، "هي إنسانة لها احتياجات".

ويستند الكثير من فقهاء الإسلام في مبدأ استحلال سبي النساء ومعاشرتهن جنسيا إلى موقف الرسول عليه السلام من صفية بنت يحي، حينما هُزَم قومها في غزوة خيبر، وتم أخذها للمعاشرة الجنسية، والقصة كما ذكرت في كتب السنة والتراث الإسلامي هي ما يلي:
قدم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، فلما فتح الله عليه الحصن، ذُكِر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب، وقد قُتل زوجها وكانت عروسا فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، فخرج بها حتى بلغنا سد الروحاء حلت، فبنى بها (أي دخل عليها وعاشرها)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آذن من حولك)، فكانت تلك وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري ـ المصدر: الجامع الصحيح ـ الصفحة أو الرقم: 2235 خلاصة الدرجة: [صحيح].
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقط، بل وصل بفقهاء الإسلام وحماة الشريعة "الأغراء" إلى إباحة اغتصاب الأسيرات المتزوجات في الحروب، فكما يقولون في كتبهم إنه "يفك حصنها بالأسر"، أي أن أسرها يُنهي عقد زواجها فتصبح حلالا لمن يملكها بعد الحرب كأمةٍ عنده.
وعلى سبيل المثال هذا ما جاء في تفسير آية (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) في واحد من أكثر تفاسير القرآن احتراما في العالم الإسلامي ألا وهو تفسير ابن كثير:
"وقوله [تعالى] (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) أي: وحرم عليكم الأجنبيات المحصنات، وهن المتزوجات (إلا ما ملكت أيمانكم) يعني: إلا ما ملكتموهن بالسبي، فإنه يحل لكم وطئهن إذا استبرأتموهن، فإن الآية نزلت في ذلك
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان ـ هو الثوري ـ عن عثمان البتي، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا نساء من سبي أوطاس، ولهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فنزلت هذه الآية: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) [قال] فاستحللنا فروجهن".
وصدقوني أني أشعر بالألم وبالعار وبأن القلم يرتعش في يدي لمجرد ذكر هذه الأشياء، ولكنها ـ وللأسف الشديد ـ هي الحقيقة المرة كما وردت في كتب التراث الإسلامي، والتي يرفض شيوخ الإسلام وعلماء الأزهر ـ حتى هذه اللحظة ـ تنقيحها.
والكارثة ـ كل الكارثة ـ أن أمثال عبدالله رشدي وغيره ممن يتبعون هذا الفكر وهذه المفاهيم، ويدافعون عنها مثل العميان، ويتشدقون بها مثل الببغاوات، لم يسألوا ضميرهم ولو لمرة واحدة إن كان هذا يتفق مع ما يريدون إظهاره للعالم بأن الإسلام هو دين السلام، وأن محمدا أرسل رحمة للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) سورة الأنبياء آية 107.
ولو سأل هؤلاء الشيوخ ضميرهم ولو لمرة واحدة هل هذه رحمة أو إنسانية؟ وهل استرقاق امرأة في ضعف واغتصابها هو واحد من أعمال الشرف والمروءة، لأجابهم ضميرهم ـ إن كان لا يزال موجودا ـ بلا وألف لا!، بل ولصرخ فيهم يذكرهم بأن هذا هو الفجور بعينه والظلم في منتهاه!
وتحضرني الآن الآية الكريمة في القرآن والتي حرمت أخذ الأسرى بعد الحروب ألا وهي (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) سورة محمد آية 4.
وأتعجب كيف ولما أغفل فقهاء الإسلام هذه الآية عبر التاريخ؟ ويا ترى هل كان شبقهم الجنسي المجنون لسبي واغتصاب النساء في الحروب هو الذي دفعهم لإهمال هذه الآية؟ والآن أعود مرة أخرى للداعية عبدالله رشدي وغيره من رجال الدين لأقول له "أترضاه لأمك" وأصرخ فيهم: "أترضونه لأمهاتكم"؟
بمعنى أنه لو جاءكم الآن جحافل من الغزاة يدعون لدين جديد وعليكم إما أن تقبلوه أو أن يقتلوكم أو أن تدفعوا لهم جزية، وفوق ذلك إن قاومتموهم فإنهم سيأخذون "أمهاتكم" سبايا حرب، ويبيحون معاشرتهن جنسيا بمبدأ أن كل منهن "إنسانة" وأن "لهن احتياجات" كما قال الداعية عبدالله رشدي، فهل كنتم ستقبلون ذلك لأمهاتكم يا رجال الدين؟
فما لا ترضوه لأمهاتكم يا شيوخنا الأفاضل لا ترضوه لأمهات الآخرين!

++++++++++++
وكواعب اتراب

قال ابن عاشور في التحرير والتنوير
الكواعب:_ : جمع كاعب، وهي الجارية التي بلغت سن خمس عشرة سنة ونحوها. ووصفت بكاعب؛ لأنها تكعب ثديها، أي صار كالكعب، أي استدار ونتأ، يقال: كعب بتشديد العين . ولما كان كاعب وصفا خاصا بالمرأة، لم تلحقه هاء التأنيث، وجمع على فواعل.

{ وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } .. هو أسلوب سماوي لا يخدش حياء المرأة ولا الرجل لأن وصف لتكوين المرأة في سن محدد.

يتضح أن الأمر وصف لجوارى فى سن معين لأن تكعب الثدى ترهله يُفهم منه أنه سن النضارة وهذا ما أعدٌه الله للمؤمنين 
فما العيب فى هذا ؟؟؟؟!!!!!!

أين هو خدش الحياء فى هذا ؟!!!!

+++++++++++++

الحور العين هي إهانة للشعور الإنساني

الرسول حين أمر أتباعه بالجهاد فإنه كان يستخدم لترغيبهم السلاحين الأكثر تأثيرا في فكر الرجل البدوي في ذلك الوقت، وهما المال والجنس. فنجد أن الرسول قد سمح لصحابته أن يستولوا على ممتلكات من يقتلونهم وكذلك سمح لهم أن يسبوا زوجات وبنات هؤلاء الأعداء ليمارسوا معهن الجنس كيفما يشاؤون والشرط الوحيد هو انتظار انقضاء عدة تلكم النساء (بينما الرسول لم ينتظر انقضاء عدة صفية - ولكن هذا موضوع آخر). هذا هو الجزاء الذي وعد به الرسول المجاهد الذي يظل على قيد الحياة، أما جزاء المجاهد الذي يقتل في المعركة فهو الحور العين (أي نساء الجنة). فالقرآن والأحاديث لم يدّخرا جهدا في وصف محاسن الحور العين، بل أكاد اقول أنه ما من شيء من نعيم الجنة حظى باهتمام القرآن والأحاديث مثل الحور العين. فمن الآيات القرآنية التي جاءت في وصف جمال الحور العين الآيتين 48 و 49 من سورة الصافات (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) وكذلك الآية 54 من سورة الدخان (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) وكذلك الآية 20 من سورة الطور (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) والآيتين 22 و 23 من سورة الواقعة (وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ)، والآيات التي تؤكد على عذرية الحور العين هي الآيات من 72 الى 74 من سورة الرحمن (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ)، بل لقد وصل الحال الى وصف شكل أثدائهن بأنها كواعب أي لم تتدل بعد (دليلا على عذريتهن) وذلك في الآية 33 من سورة النبأ (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا).

أما الأحاديث النبوية فقد بالغت في وصف الحور العين بشكل يدعو للعجب بعض الشيء. فالرسول يؤكد أن الرجل المؤمن سيستطيع أن يعاشر مائة عذراء كل يوم وذلك في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة (قيل : يا رسول الله أنفضي إلى نسائنا في الجنة ؟ قال : إي والذي نفسي بيده إن الرجل ليفضي في اليوم الواحد مائة عذراء)، وقد بالغ الرسول في وصف جمال الحور العين بطريقة تبدو كاريكاتيرية الى حد ما وذلك في الحديث الصحيح الوارد بالبخاري (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والذين على آثارهم كأحسن كوكب دري في السماء إضاءة ، قلوبهم على قلب رجل واحد ، لا تباغض بينهم ولا تحاسد ، لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين ، يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم)، وبالطبع فقد ربط الرسول بين جائزة الحور العين وبين الشهادة في الجهاد وذلك في الحديث الصحيح الذي رواه أنس بن مالك (أن رجلا أسود أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رجل أسود منتن الريح قبيح الوجه لا مال لي فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل فأين أنا ؟ قال : في الجنة . فقاتل حتى قتل ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد بيض الله وجهك وطيب ريحك وأكثر مالك ، وقال لهذا أو لغيره : لقد رأيت زوجته من الحور العين نازعة جبة له من صوف تدخل بينه وبين جبته). وكما أكد القرآن الكريم على شكل أثدائهن، فإن الرسول يؤكد أيضا على شكل مؤخرتهن وذلك في الحديث الشريف الوارد بمسند الإمام أحمد (إن أدنى أهل الجنة منزلة أن له لسبع درجات وهو على السادسة وفوقه السابعة وأن له لثلثمائة خادم ويغدى عليه ويراح كل يوم ثلثمائة صحفة ولا أعلمه إلا قال من ذهب في كل صحفة لون ليس في الأخرى وأنه ليلذ أوله كما يلذ آخره وأنه ليقول يا رب لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة وسقيتهم لم ينقص مما عندي شيء وإن له من الحور العين لاثنين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض)، وبالطبع فلم ينس الرسول أن يؤكد أن المؤمن في الجنة ستتوافر له القدرة الجنسية اللائقة بهؤلاء الحور العين وذلك ثابت في الحديث الصحيح الذي رواه زيد بن الأرقم (إن الرجل من أهل الجنة ، ليعطى قوة مائة رجل في الأكل و الشرب و الشهوة و الجماع ، حاجة أحدهم عرق يفيض من جلده ، فإذا بطنه قد ضمر).

ومع كل ذلك الوصف المبالغ فيه للحور العين فإنني أتعجب كيف أن الرجل المسلم لايشعر بنوع من الإهانة لكونه مجرد آلة للجنس في نظر الله ورسوله. ففي رأيي أن الرجل السويّ لايمكنه أن يستمتع بممارسة الجنس مع مائة عذراء يوميا. فالجنس بذلك الشكل سيجعل من ذلك الرجل –في رأيي- مجرد حيوان آخر لايختلف كثيرا عن أساطير راسبوتين أو قصص جيمس بوند التافهة. الجنس في رأيي –الذي أعتقد أن الكثير من الرجال يشاركونني فيه- هو ذروة لعلاقة الحب والرحمة والتعاطف والجاذبية بين شخصين، أما حين يمارس الرجل الجنس مع مائة عذراء يوميا فإنه بالتأكيد يهين نفسه أولا.


السبت، 5 أكتوبر 2019

هل نحتاج إلى كل هذه المدونات الفقهية؟

استوقفني ذات مرة عنوان موسوعة من اثني عشر مجلداً في أحكام الطهارة، تعجبت من هذا الإبحار في مسألة لم تستغرق أكثر من آيات معدودات في القرآن، وهي قبل ذلك مسألة تتكفل الفطرة بمعالجتها، وإن اقتضت إرشاداً فإن بضعة أحكام كافية لتصويب مسارها.

وفي خطبة جمعة عدَّ الخطيب أزيد من أربعين مقولةً يتداولها الناس في لغتهم المحكية العفوية قد توقعهم في الشرك.. خطر ببالي ماذا لو لم يتحدث الخطيب في هذه القضايا وهي منتهى علمه في الدين؟ إن مبرر وجوده سيكون مهدداً؛ لأن تعظيم خطر هذه القضايا هو الذي يعطيه دوراً في الحياة ويشعر الناس بالحاجة إليه، الأمر ليس فردياً بل هي مؤسسة ذات سلطة وامتيازات، وكي تحتفظ هذه المؤسسة بسلطتها فإنها تحتاج دائماً إلى إشعار الناس بأهمية وجودها لنجاتهم وتعظيم أهمية دورها.

لست ضد التصويب، والذائقة اللغوية الصحيحة تنكر الخطأ، لكن موطن النقد هو تضخيم معالجة جوانب هامشية في الحياة على حساب قضايا أكثر إلحاحاً، وتحول معالجة تلك القضايا الصغير إلى مؤسسة ضاربة الجذور.

إزاء كل قضية مستجدة في الحياة يتصدر "الفقهاء" للبحث عن تأصيل فقهي، وبدعوى الالتزام بأحكام الدين يقعّدون القواعد والضوابط والأحكام، وهو ما ينمي شعوراً بأن الأصل في الحياة هو التقييد والضبط والربط

وأن الدين لا يقر في الإنسان عفويته وتلقائيته.

يودع النمط الفقهي السائد في عقل وشعور المسلم أنه في حاجة إلى رخصة دائمة من الفقيه ليكون قادراً على تدبر شؤون حياته، وأنه سيضيع دون توجيه هذا الفقيه له، فكل صغيرة وكبيرة تحتاج إلى فتوى شرعية أو إلى أحكام وضوابط، من قبيل الدخول إلى الإنترنت، وأحكام السفر والهجرة، وضوابط الترفيه عن النفس، وضوابط عمل المرأة، ومحظورات الأقوال، ونحو ذلك من آلاف المسائل التي لا يعجز العقل الفقهي عن إنتاج المزيد منها كل يوم.
إن معضلة تشنج المسلمين إزاء تطورات الحياة ليست جديدةً، والقرون الأخيرة حافلة بالقصص الساخرة لتحريم كثير من الابتكارات التي غدت لاحقاً من بديهيات الحياة التي لا يخطر ببال عاقل إخضاعها للنقاش، وهو ما يعني أن حركة الحياة هي التي تنتصر في نهاية المطاف، وأنها أقوى من محاولات وقفها أو محاصرتها.
تحكي قصص القرون الأخيرة أن الطابعة كانت محرمةً في بلاد المسلمين، وهو ما حرم المسلمين من اللحاق بركب الإنتاج المعرفي، وأن شرب القهوة شهد نزاعاً فقهياً استغرق زمناً طويلاً، واعتبر صنبور المياه بدعةً تقود إلى الضلال. ويقال إن سبب تسمية الصنبور بالحنفية هو أن المذهب الحنفي وحده الذي كان قد أباح استعمالها وأجاز الوضوء منها.
كذلك شهد تعليم النساء نزاعاً فقهياً، فوضع الفقيه العراقي نعمان الألوسي في نهاية القرن التاسع عشر كتاباً عنوانه "الإصابة في منع النساء من الكتابة"، جاء فيه أن تعليم النساء القراءة والكتابة يلحق بهن الضرر، وسيكون وسيلةً لمعرفتهن بوسائل الغدر والخيانة وكتابة الرسائل إلى العشاق. وقال: "اللبيب من الرجال هو من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمى، فهو أصلح لهن وأنفع".

أما الدراجة، فيقال إن فريقاً من المشايخ في مدن وقرى نجد قد أسموها "حصان إبليس"، ظناً منهم أن الشياطين هي التي تدفعها.
موطن الخلل هو عدم فقه رسالة الدين في سياقها الصحيح من الحياة، فيظن أصحاب مدرسة "الضوابط والأحكام والتأصيل الشرعي والرفض التلقائي لكل جديد ما لم يأت دليل الإباحة"؛ أن الدين جاء لينتزع الإنسان من الحياة ويفصل له لباساً ضيقاً محدداً، في حين أن الأصل في الحياة هو الإباحة والانطلاق وتلقائية التفاعل معها. والدين طاقة روحية إيجابية تنسكب في النفس أثناء سيرها في الحياة، فيمنحها رضىً وطمأنينةً وسلاماً، ويهذبها عن البغي والفجور والظلم والعدوان، دون أن يعطل تفاعلها الإبداعي.
إن قصة آدم والشجرة ذات دلالة رمزية مهمة، فقد قال الله له ولزوجه: "..وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة..". إن الفرق بين مساحة الانطلاق والتمتع والإباحة وبين مساحة القيد في الدين؛ هو مثل الفرق بين مساحة الأشجار التي أبيح لآدم الأكل منها والشجرة الوحيدة التي نهي عن الاقتراب منها!
حين يذكر الله تعالى المحرمات في القرآن فهو يذكرها بصيغة الحصر والقصر: "قل إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ". هذه الصيغة تدل على أن كل ما هو خارج هذه الدائرة المحدودة هو مباح لا يسأل عن رخصة لممارسته. وقد استنبط العلماء قاعدةً يحفظها أكثر المسلمين، وهي أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم، لكن هيمنة التدين الفقهي قد عطل هذه القاعدة عملياً، إذ يشعر المسلم دائماً بأنه في حاجة إلى السؤال عن رخصة قبل ممارسة أنشطة حياته، وهو ما أضر بالطاقة العفوية الإيجابية وبحرية الإبداع.
من الأقوال التي نحفظها أيضاً أن الدين هو دين الفطرة،"قل آمنت بالله ثم استقم"، فمثل هذه الكلمات الأربع اليسيرة كافية لإصلاح حياة المرء لأن الإيمان هو شعور قلبي ينبع من داخل الإنسان، والاستقامة يعرفها الناس بالفطرة، فلو ترك مجموعة من المؤمنين بالله واليوم الآخر في قرية دون كتاب فقهي واحد ودون فقيه واحد لوسعهم أن يستقيموا في حياتهم؛ لأنهم يعرفون بالفطرة أن الكذب والخيانة والغدر والقتل والإفساد وغمط حقوق الآخرين ذنوب يحاسب الله عليها، لذلك كان شرط النجاة في الميزان القرآني واضحاً وبسيطاً: "الذين آمنوا وعملوا الصالحات"؟ ولا يظن عاقل أن المرء البعيد عن شروح الفقهاء ومتونهم سيكون عاجزاً عن عمل الصالحات.

البحث عن " التأصيل الشرعي" لكل قضايا الحياة يطفئ جمال الإيمان الروحي ويحوله إلى قواعد قانونية جامدة، والقرآن يمنح الأولوية لإيقاظ الشعور الداخلي للإنسان حتى يصير للمؤمن فرقان ذاتي يعرف به الحق من الباطل والهدى من الضلال: "ربكم أعلم بما في نفوسكم.."، "..و الله خبير بما تصنعون"، ".. وكان الله سميعاً بصيراً".

إن إشعار المسلم بالحاجة الدائمة إلى نيل رخصة فقهية يعطل إقدامه في الحياة ويكوِّن منه شخصيةً مرتابةً، وهو ما ينتج أمةً غير فاعلة حضارياً، إذ إن أفرادها مسكونون دائماً بالريبة من الإثم والخشية من تجاوز الحدود، وهي خشية مذمومة غير الخشية المحمودة من الله. فالخشية من الله تمنع صاحبها من الظلم والإفساد دون أن تعطل فاعليته في الحياة، أما هذه الريبة فمنشؤها عدم الجرأة على تجاوز النمط السائد.
الذين يهتمون بالتفصيلات الفقهية الصغيرة هم أنفسهم الذين لا يُسمع لهم صوت في مناهضة الظلم والإفساد والجرأة على الشهادة بالحق، وهو ما ينتج نسخةً مشوهةً من الدين
يتمثل ضرر "البحث عن تأصيل شرعي لقضايا الحياة العادية" في أنه يضعف من حضور مسائل الدين الكبرى، فالقرآن يهتم بقضايا القوامة بالحق والعدل والإصلاح في الأرض والإنفاق في سبيل الله والجهاد وفعل الخيرات، والنهي عن الإفساد والظلم والعدوان، لكن الواقع أن الذين يهتمون بالتفصيلات الفقهية الصغيرة هم أنفسهم الذين لا يُسمع لهم صوت في مناهضة الظلم والإفساد والجرأة على الشهادة بالحق، وهو ما ينتج نسخةً مشوهةً من الدين تؤدي دوراً وظيفياً في الحفاظ على الواقع المختل؛ لأنها تصرف غيرة الناس عن مواطن انتهاك حرمات الله الحقيقية، مثل الإفساد والظلم وتشعل غضبهم في مواطن لا تهدد مصالح أصحاب النفوذ، فيغضب المتدين من رقص الشباب في حفل عرس أشد من غضبه على سرقة ثروات بلد كامل من الطبقة الحاكمة.
إن كلمة "انتهاك حرمات الله" ذاتها قد تشوهت في المخيال العام، فإذا سمعت هذه الكلمة سرعان ما تبادر إلى الخاطر الذنوب الفردية، دون الجرائم الكبرى المتمثلة في شيوع الظلم والإفساد وأكل الأموال بالباطل.
ثورة الدين الجوهرية هي أن ينشئ في قلب المؤمن صلةً روحيةً متينةً بالله تعالى تمنحه السكينة والطمأنينة، ثم تفيض هذه المحبة في الأرض عدلاً واستقامةً وإصلاحاً وغضباً على الظلم والإفساد. إن قولبة الناس من الخارج هي أقرب إلى بناء نظام شمولي منها إلى تحقيق الغاية الجوهرية للدين، لذلك فإن حاجة المؤمن إلى إيقاظ أشواقه الروحية أشد وأنفع من حاجته إلى مزيد من الشروح الفقهية والتأصيلات الشرعية.
++++++++++++++++++++++
 المسائل الفقهية المُختلف فيها كثيرة جدًّا:
أولًا: هل بالإمكان اجتماع العلماء بالعالم الإسلامي ليتَّفقوا على رأيٍ واحدٍ في أهم المسائل؟
ثانيًا: إذا لم يكن ذلك ممكنًا، فمَن نتبع من أقوال الفقهاء؟ مع العلم بأنَّها كلها تستند إلى أدلةٍ

أما جمع العلماء في أقطار الدنيا على قولٍ واحدٍ في مسائل الخلاف التي اختلف فيها العلماءُ الأولون فهذا ليس بممكنٍ، وهو من المُستحيلات؛ لأنَّ كل واحدٍ له رأيه، وله اجتهاده، وله ما يفضله من اتّباع بعض الأئمة، ويقدم بعضهم على بعضٍ، هذا ليس بممكنٍ، فلما لم يجتمع الأولون وهم أكثر الناس إيمانًا، وأكثرهم ورعًا، وأكثرهم تقوى؛ فكيف بحال المُتأخرين؟!

وما ذاك إلا لأنَّ الاجتهاد يختلف، والأدلة تتنوع، وهذا يخفى عليه دليلٌ، وهذا يظهر له دليلٌ، وهناك مسائل اختلفوا فيها من أجل هذا، في مسائل الفروع: في الفراق، والطلاق، والربا، وفي الجنايات، وفي أشياء أخرى.
أما مَن تتبع عند الاختلاف؟
فالعامي يسأل أهلَ العلم في بلده، أو في غير بلده، يتحرى مَن يظنّه أتقى لله، وأعلم بدين الله، فيسأله ويقترن بما يقول له.
أما العلماء فعليهم أن يدرسوا المسائل المُختلف فيها، وينظروا في الأدلة من الكتاب والسنة، ويأخذوا بأرجحها، فالعالم يستطيع أن يدرس الأدلة، ويتأمَّل، ثم يأخذ بالأرجح، بالدليل، لا بقول فلانٍ وفلانٍ، ولكن ينظر الأدلة، ويأخذ بأرجحها وأقواها في هذه المسألة المعينة، وهذا هو الواجب عليه؛ لأنَّ الله يقول سبحانه: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، ويقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، هذه القاعدة، ما اختلف فيه الناسُ مردّه إلى الكتاب والسنة، يعني: يُرد إلى حكم الله.
فالعالم يجتهد ويتحرَّى الحقّ، وينظر في الأدلة، ثم يختار ما هو الأقرب إلى الدليل، وما هو الأرجح في اجتهاده، وما هو الأبعد عن الخطأ.
وأما عامَّة الناس: فيسألون أهلَ العلم عمَّا أشكل عليهم، وفتواهم تكفيهم، لكن عليه أن يتحرَّى من أهل العلم مَن هو أقرب إلى الخير ممن يظنّه أكثر علمًا، وأكثر تقوى، وأكثر اختيارًا.

++++++++++++++++++++++++

الجمعة، 4 أكتوبر 2019

من هم المؤلفة قلوبهم؟

هؤلاء هم أحد المصارف الثمانية المستحقة للزكاة ...الوارد ذكرهم في قوله تعالى.." إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"..(التوبة :60 )

الشيوخ قالوا أنهم المسلمين الجدد لترغيبهم في الإسلام أو من يُرجى إسلامهم من الكفار أو اتقاء شرهم وتجنيب الدعوة خطرهم ولو كانوا من الأغنياء..

يعني بالبلدي...هي رشوة عيني عينك 

أن تخرج الزكاة للرشوة..!

وأن تخرج أيضاً للأغنياء..!

لا تستعجب ...الشيوخ هم الذين قالوا ذلك، وتقريباً كدا فيه شبه اتفاق على هذا التعريف، لدرجة أن البخاري شارك في هذه الحفلة التي تتهم الله جل وعلا بتشريعه للرشوة..

وعليه يسقط تعريف الشيوخ أنهم المسلمين الجدد أو من كانوا يُرجى إسلامهم أو يُتقى شرهم، وإلا لاتقى النبي شرهم أو أقدم على رشوتهم ليُصبحوا عوناً له..

المشكلة أنهم يعترفون بالرشوة

والمشكلة الأكبر أنهم قالوا بنسخ هذا الحكم، أي لم يعد سهم المؤلفة قلوبهم موجود...

قال الثعلبي في تفسيره.." أما المؤلفة قلوبهم فليس اليوم، وقال الشعبي: إنه لم يبق في الناس اليوم من الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، إنما كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلمّا ولي أبو بكر انقطعت الرشى، وهذا تأويل أهل القرآن، يدل عليه حديث عمر بن الخطاب حين جاءه عيينة بن حصين، فقال الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إن الإسلام أجلّ من أن يرشى عليه، أي ليس اليوم مؤلّفة"..(تفسير الثعلبي 5/60)

عندما يستدل العلماني بالفاروق عمر


 تقديم الواقع على دلالة النص
 عدم انصياع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لبعض أوامر القرآن المنصوص عليها نصًا لا يحتمل التأويل، مثل إلغاءه سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة، وعدم إقامته لحد السـرقة في عام الرمادة.

عدم "انصياع" عمر بن الخطاب للأوامر القرآنية ينفي نفيًا كاملًا صواب الاستشهاد لتكريس مفاهيم "العبودية" و"الانصياع" و"الطاعة" وعدم المخالفة الذي يفضي إلى الخروج عن حد الإيمان». ويقول عن مخالفه أنه: «لا يستطيع أن يخرج من هذا المأزق إلا بالتسليم بحق الاجتهاد مع متغيرات الزمان والمكان، وبكل ما يترتب على هذا التسليم من أن "سلطة النصوص" سلطة مضفاة وليست ذاتية

يوهم السامع والقارئ أن الفاروق لم يكن منصاعًا للأوامر القرآنية

 الدكتور نصر أبو زيد اعترافه هذا بأن هناك نصوصًا لا تحتمل التأويل وأن الحدود كحد السرقة من تلك النصوص؛ لأن هذا الاعتراف يهدم نظريته التأويلية كلها رأسًا على عقب، تلك النظرية القائمة على الفصل بين النص والفهم البشري له. 

مواقف الفاروق يكمن في تصور الحكم الذي تدل عليه الآيات، وهو ما تحاشى الدكتور ذكرهإذن عمر الفاروق الراشد كان فقيهًا عندما لم يعط هذا السهم إلى من كانوا يعطونه وقال: «هو شيء كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطيكموه ليتألفكم، والآن قد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم»، فهو لم يسقط هذا السهم مطلقًا، وإنما منعهم لزوال الوصف الموجب لإعطائهم، وهذا من قبيل تحقيق المناط أو الاجتهاد في توافر شروط تطبيق النص، وليس من قبيل إبطال حكم النص، وهذا واضح لمن كان له عقل. 

+++++++++++++++++++++
مؤلف القلوب.. وسياسة «الرشوة»

يشير مصطلح «المؤلفة قلوبهم» إلى مجموعة من الأشخاص الذين يتم شراء ولائهم بالمال والمصالح حتى لا يشكلوا جيوب نقمة أو مصدر إزعاج لمن يحكم، سواء كانوا خصوماً داخليين أم خصوماً خارجيين. وقد عرف العرب هذا المصطلح أول ما عرفوه فى القرآن الكريم، حين سمعوا قول الله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ». وقد ظهرت الحالة التى يعبر عنها المصلطح فى الحياة الإسلامية خلال واحد من أهم الأحداث التى أعقبت فتح مكة، والمتمثل فى غزوة «حنين». وهى الغزوة التى كادت تعصف بالأمة لولا رحمة الله، وانتهى أمرها بانتصار المسلمين، واستولوا يومها على مجموعة كبيرة من الغنائم، اختص النبى رؤوس القبائل العربية الذين أسلموا باللسان وانطوت سلوكياتهم على العداء بقسم لا بأس به منها. وأطلق على هؤلاء وصف «المؤلفة قلوبهم». على رأس هؤلاء كان أبوسفيان بن حرب، الذى أسلم وصفوان بن أمية بن خلف، وعيينة بن حصن، وغيرهم.

أمام هذا التصرّف غضب بعض المسلمين الذين دفعوا ثمناً باهظاً مقابل النصر فى حنين، وكان أشدهم غضباً الأنصار. هدّأ النبى من روع الغاضبين وشرح لهم مغزى الخطوة التى اتخذها. ويخطئ من يظن أن النبى -معاذ الله- أراد أن يشترى الولاء الدينى لرؤوس القبائل بالمال، لكنه كان يعلم أن فى قلوبهم ضعفاً، وكان أغلبهم حديث عهد بالإيمان، فكان النبى يديرهم فى ضوء وعيه بتركيبتهم الإيمانية الهشّة. وهناك من القلوب ما يروضها المال أكثر مما يُهذّبها الإيمان. والدليل على ذلك ما كان يردّده واحد من كبار المؤلفة قلوبهم وهو «صفوان بن أمية»: «لقد أعطانى رسول الله، وهو أبغض الناس إلىّ، فما برح يعطينى حتى إنه لأحب الناس إلىّ». أمر علاج النفوس المريضة أو مهتزة الإيمان كان أمراً خاصاً بالنبى، صلى الله عليه وسلم، حين كان موضوع «المؤلفة قلوبهم» أداة سياسية لعلاج مشكلة إيمانية، لكن الأمر اختلف كل الاختلاف بعد وفاته، صلى الله عليه وسلم.

كان عمر بن الخطاب أول من التقط الفكرة واستوعب الأمر، فقرر وقف العمل بـ«سهم المؤلفة قلوبهم»، فـ«عمر» رأى فى نفسه حاكماً يسوس أمة، وليس نبياً يعالج النفوس مهتزة الإيمان، فهم «عمر» أن المسألة كانت مرتبطة بسياق معين وشخص محدّد، وأن الواجب بعد أن قويت شوكة الدولة أن يسقط هذا السهم ولا يقدم رشى لأحد، وكان يُردّد قوله تعالى: «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ». وتعليق «عمر» لسهم المؤلفة قلوبهم، رغم نص القرآن عليه، يمنحنا درساً فى الطبيعة التاريخية للقواعد التشريعية، حتى لو كانت تشريعات دينية. فاختلاف الظرف وسقوط الذريعة يقتضى تقييم القواعد التشريعية وتكييفها تبعاً لمقتضى الحال. آمن «عمر» أن الدولة الإسلامية استوت على سوقها فى عهده، وبذا فلا حاجة لديه لرشوة أحد حتى يحمى حكمه. الضعفاء فقط هم من يسعون إلى تقديم الرشاوى إلى من يظنون أن بمقدورهم هز أوضاعهم وزعزعة استقرارهم، من باب «تأليف القلوب» وتوليفها أيضاً!.


مشاهير الإنترنت.. مٌبدعون خذلهم الواقع فأحتضنتهم الرّقمية

حقّقت الشبكة العنكبوتية للمواهب الصّاعدة في بضع سنين، مالاَ وشهرة، عجزت عن تحقيقه وسائط التواصل التقليدية لجيل عمالقة الفن، لعقود طويلة. فتكفي نقرة واحدة على فيديو شابّ موهوب، لتنقله من بين جدران منزله وتحتضنه أكبر قاعات العروض، ويبيتُ من مشاهير البلد بلِ العالم... ولكن هل لِمشاهير الرقمية ما يكفيهم من زادِ فنّي وإبداعي يضمن لهم التنافسية والدّوام؟

شبابنا استغلوا الأنترنت وأنتجوا صناعة رقمية بأقل التكاليف
إلى ذلك، أكد الخبير في المعلوماتية، عثمان عبد اللوش، أن العالم الرقمي أنتج صناعة جديدة بإمكان أي فئة عمرية ولوجها، فالهاتف الذكي أو سمارت فون يستطيع ولد لا يتعدى 14 من عمره أن يتحكم في تقنياته المعقدة.
وميزة الرقمية أنه بإمكان الشخص الترويج لنفسه مع إضافة امتيازات عن طريق تقنيات التعديل والفوتوشوب. ولكنه تأسّف لكون الصناعة الرقمية في الجزائر "شبه مُهمشة".
وبخصوص مشاهير الأنترنت، يقول "كثير من الشباب خلق سوقا موازية بعدما انتهز فرصة الرقمية وصنع عالمه الخاص عبر الإنترنت، فأنشأ قنوات اليوتيوب وصفحات إلكترونية تفاعلية، نقل عبرها تجاربه ومارس فيها تجارته وإبداعه، وبتكاليف مالية بسيطة، فاستفاد من الشهرة المعنوية والإشهار المادي في الوقت نفسه...فالبعض يملك 16 مليون متابع".
وتمنى عبد اللوش، أن يثبت الجزائريون أنفسهم في الاقتصاد الرّقمي، والذي تحوّل إلى معركة حقيقية بين الشعوب...فالعالم المعاصر خرج منذ عام 2010 من الرقمنة وقفز إلى الثورة الخوارزمية"، متسائلا "لِمَ لا يكون لنا مٌحرك بحث عربي على غرار ڨوڨل..؟؟".


الخميس، 3 أكتوبر 2019

احمد عصيد

الحق في الإيمان والحق في الإلحاد


 الدعاة المنتمين لتيار الإسلام السياسي والمختصين في الشريعة الإسلامية.
تقدم كبير أن يجعل الإسلاميون الإلحاد موضوعا للتفكير، عوض اعتماد أساليب التكفير وهدر الدم والتحريض الشرس، فعقد ندوة للحوار والنقاش أمر محمود في جميع الأحوال، لكن مع تسجيل الملاحظات التالية:
1) أن كلمة "إلحاد" تعني لغويا الميل والانحراف عن الحق، والزيغ والضلال، وهي إيحاءات ومعان سلبية نُحتت من قبل المؤمنين، وهي لذلك تحمل الكثير من أحكام القيمة، حيث تحاكم الآخر فقط لأنه مختلف، وتعطي المؤمنين الحق في تزكية أنفسهم والحكم على غيرهم بكل الأوصاف السلبية، مع أن الواقع المجتمعي قد يعكس خلاف ذلك تماما .

من جانب آخر فغالبا ما يخلط الإسلاميون بين الإلحاد واللادينية، بينما هما موقفان مختلفان، فالإلحاد نفي حاسم للألوهية وللمبدأ الميتافيزيقي، بينما اللادينية قائمة على التشكيك في الديانات المتواجدة حاليا، باعتبارها بعيدة كل البعد عن أن تعكس بشكل مقنع فكرة الألوهية، بوصفها حقيقة مطلقة متعالية كما يدّعيها المؤمنون. ولأن اللاديني لا يتوفر على جواب نهائي بهذا الشأن، فإنه يترك السؤال معلقا دون الحسم فيه، مع تأكيده بأن الديانات في صيغتها الرائجة بين البشر، بمفارقاتها وتناقضاتها، مجرد صناعة بشرية.

فالكثير من الأشياء ستقال عن الملحدين في غيابهم، قد لا تكون دقيقة تماما، بل قد تكون بعيدة عن واقع الظاهرة، ومن هنا كان لا بد لهؤلاء من التفكير في استحضار "الملحدين" والاستماع إليهم، والسماح لهم بالرد على "الشبهات" التي تستهدفهم. ولعل الحديث عن "الملحد" والطعن فيه في غيابه من تقاليد الفكر الديني القديم، فقد ألف "ابن الراوندي الملحد" 114 كتابا لم يصلنا منها أي واحد، ولا يتعرف عليه القارئ اليوم إلا من خلال ردود خصومه عليه.

"الإلحاد" لا يوجد فيه قديم وجديد بل هو ظاهرة مجاورة للإيمان منذ أقدم العصور، وسيظل الموقفان معا متجاورين في المجتمعات البشرية حتى النهاية. ربما يشكل المؤمنون بالديانات التوحيدية وغيرها من الديانات القديمة أو الجديدة أغلبية البشرية، لكن أشكال إيمانهم واعتقادهم تصل أحيانا حدّ التناقض التام، وقد يشكل الملحدون أقلية في نادي البشرية، لكنهم تجمعهم فكرة واحدة واضحة.

من جانب آخر سوف يلاحَظ بأنّ غالبية المؤمنين أناس بسطاء وقد تسود بينهم الأمية وكثير من الجهل أحيانا، كما هو الأمر في بلاد المسلمين، إذ يمكن لأي شخص مهما كانت درجة تدنّي ذكائه ووعيه وثقافته أن يكون مؤمنا ولو بالتقليد الأعمى لما هو موجود ومكرس في المجتمع، بينما لا تجد "مُلحدا" من هذه الطبقة، بل يصعب أن تجد "ملحدا" لا يطالع الكتب ولا يبحث ولا يشغل نفسه بالمعرفة، وذلك بسبب القلق المعرفي الذي لديه، والذي يدفعه إلى التساؤل والبحث المستمر الذي أفضى به إلى بناء موقف "الإلحاد" الذي هو من الصعوبة بمكان، إذ ليس من السهل أن يقتنع الإنسان بأنه لا يوجد إله ولا سماء ولا حياة بعد الموت، بينما من السهل جدا أن يجد المرء نفسه في مجتمع متدين ويتبع تقاليد أبائه وأجداده مطمئنا إلى قناعاتهم المتوارثة بدون أي تفكير أحيانا (حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا).

ولهذا كان رجال الدين يقومون دائما بتحريض العامة من الأميين والجهلة ضد العلماء (العاملين في حقل العلوم الدقيقة) والفلاسفة والشعراء والأدباء والنخب الملحدة، حيث من السهل تهييج العامة والاستقواء بها ضدّ النخب التي تلاحقها تهم "الزندقة" و"الإلحاد" و"الضلال"، رغم أنها تمثل زبدة المجتمع.

 قناعتين خاطئتين: الأولى أن الملحدين لا يعرفون الدين إذ لو عرفوه لانضموا إلى كوكبة المؤمنين ودخلوا في "حظيرة الإيمان"، القناعة الثانية أن الملحدين يعانون من مشاكل نفسية بسبب عدم اطمئنانهم إلى وجود إله وحياة بعد الموت، ويكفي هدايتهم إلى الحق لكي يزول قلقهم وتطمئن قلوبهم بالإيمان واليقين.
والحقيقة أن هذا التبسيط السطحي للغاية، والذي يصل درجة الغباء في بعض جوانبه، هو سبب عدم فهم الإشكال المطروح، الذي يقدم معطيات تتعارض كليا مع ما يزعمه المؤمنون. فـ"الملحدون" لا تنقصهم المعرفة بالدين، لأنهم من قرائه الكبار، بل إن موقفهم لم ينقلب من الإيمان إلى الإلحاد إلا بعد بحث مُضنٍ واطلاع كبير، ومن بين ما يمتاز به "الملحدون" عن المؤمنين أن اطلاعهم في كثير من الأحيان يتجاوز الدين الواحد إلى المعرفة بالأديان المختلفة، ودراسة نصوصها ومقارنتها، بينما يتحدث المسلمون فقط من منطلق الإيمان بدينهم، مع كثير من الجهل بالديانات الأخرى التي لا يعرفون عنها شيئا، والدليل على ذلك بعض الأفكار التي يروجونها عن الديانات الأخرى، والتي لا علاقة لها بنصوص تلك الديانات ولا بتاريخها.

أما الاضطرابات النفسية فالأحرى البحث عنها لدى المؤمنين الذين يقع بعضهم فريسة الخوف الشديد من "عذاب القبر" أو المصير الأخروي إلى درجة الحرمان من النوم (يحدث هذا لدى النساء بصفة خاصة) ويصل ببعضهم التعصب إلى حدّ كراهية الأقرباء واعتزال المجتمع والدولة، ويلقي ببعضهم في أتون الإرهاب فيعمد إلى الانفجار والقتل والذبح، ومن بين الصور المعتادة الأكثر تعبيرا عن هذه الاضطرابات النفسية سلوك الدعاة الدينيين الإسلاميين وخُطبهم وفتاواهم الغريبة التي لا يمكن أن تصدر عن عقلاء.
فخلال مظاهرات عرفتها اليمن ضدّ شريط يُهين شخصية النبي محمد، توفي عشرات الأشخاص وجرح المئات بسبب هياج الناس وازدحامهم لفرط عاطفتهم الإيمانية التي هيجها الخطباء، فقتلوا بعضهم بعضا وكلهم مسلمون، رغم أن العدو الذي يتظاهرون ضدّه يوجد على بُعد آلاف الكيلومترات في أمن وأمان بعيدا عن أي تهديد. أليس هذا من علامات العُصاب والاضطراب النفسي ؟
ومن الغريب أن هذا الأسلوب الذي يتعامل به المسلمون مع غير المؤمنين هو نفسه الذي تعاملت به "قريش" مع النبي محمد في مكة، حيث اتهموه بأنه ضحية اضطرابات نفسية وجنون، فجاء في القرآن (ومَا صَاحبُكم بمَجنُون)، وقد اتهم بالجنون من قِبـَل قومه لأنه كان مختلفا ويقول ما لم يتعوده الناس وتطمئنّ إليه نفوسهم.
في الحقيقة، من المؤكد أن المؤمنين سيجدون أنفسهم في وضعية صعبة عندما نقارن بين سلوكهم ومعتقداتهم وسلوك غير المؤمنين. وأذكر بهذا الصدد نكتة نشرتها الصحافة المصرية عن طبيب نفسي سأله أحد الإعلاميين التابعين لـ"الإخوان" قائلا "ألا تعتقد يا دكتور بأن الإلحاد مرض نفسي ؟" فما كان من الطبيب إلا أن أجابه ساخرا في الواقع لو جاءني شخص يقول إنه يعتقد في وجود شخص طار على ظهر دابة برأس إنسان مخترقا السماوات السبع وهو يدق على أبوابها لشككت في سلامته العقلية
ما وراء الظاهرة

عندما نتأمل الموضوع جيدا ونتابع النقاش حوله سوف نلمس بدون كبير عناء أن الأمر في الحقيقة لا يتعلق بالإيمان و"الإلحاد" بوصفهما موقفين شخصيين، إذ على هذا المستوى لا حاجة لنا بأي نقاش، حيث يكفي أن يحترم كل واحد الآخر في اختياراته، بل يتعلق الأمر في الواقع بقضايا السلطة والنظام العام وتقاليد المجتمع، وفي هذه الحالة سيكون علينا أن نبحث عن أسباب مشاكلنا وصراعاتنا في الحياة السياسية، لا في الأديان والمعتقدات أو في مواقف الإلحاد أو اللادينية. فالذين عقدوا الندوتين معا إنما فعلوا بسبب شعورهم ـ بوصفهم فاعلين مسيّسين ـ بأن موجة "الإلحاد" تهدّد مصالحهم، وهم الذين يطمحون إلى ممارسة الوصاية الدينية على المجتمع والدولة، ومعلوم أنه لا يمكن الإبقاء على هذه الوصاية إلا باستمرار البديهيات الدينية وارتباط نُظم العلاقات الاجتماعية بها، وهو ما يجعل بنيات الوعي الجمعي مستقرة على نفس الثوابت والبديهيات التي تمتد من العقيدة إلى التقاليد لكي تصل إلى كرسي السلطة، هكذا يصبح الإيمان الديني الذي من المفروض أنه موقف شخصي، يصبح آلية رئيسية للحفاظ على نظام عام وحراسته ومراقبته، وفي المقابل يصبح "الإلحاد" تهديدا للنظام العام ولمن يستعمل الدين في حقل الشرعية والحكم.

من هذا المنطلق فلعلّ شعور الإسلاميين بخطر "الإلحاد" الذي لا يهتم به المجتمع في الواقع، إنما مصدره كذلك شعورهم بمسؤوليتهم عما يقع، فمن أكبر أسباب "الإلحاد" ومغادرة الناس الإسلام نجد التطرف الديني الإسلامي الذي نشره الإسلاميون، إذ أنّ ردّ الفعل المباشر على التشدّد في الدين وتحويله إلى نظام عام قهري متسلط، سواء من قِبـَل الدولة أو الجماعات المتشدّدة، هو النزعة "الإلحادية" لدى الأفراد كما حدث في أوربا من قبل، وكما يحدث مثلا في السعودية وإيران والسودان حاليا (أنظر مقالنا على الانترنيت "ظاهرة الإلحاد في الدول الدينية").
لقد وقعت التيارات الإسلامية المتطرفة والدول الراعية لها في خطأ قاتل عندما قامت بتعميم الكثير من معطيات الفقه القديم والتفاسير التراثية عبر الأنترنيت، ظنا منها بأنها تخدم "الصحوة"، بينما كان لذلك أثر صادم على عقول الشباب الذي أصبح يجد المادة الدينية معروضة بكل تناقضاتها وهشاشتها في الفضاء الأزرق، فكان ذلك من بين أسباب انتشار الظاهرة "الإلحادية" في السياق الراهن، إذ لم يكن المسلمون يعرفون الكثير من التفاصيل ذات الصلة بالنصوص الدينية المؤسسة، وبتاريخ الإسلام المبكر.
والمشكلة بجانب ما ذكرنا أن الحُكام والإسلاميين يتسبّبون في الموجة "الإلحادية" دون أن ينتبهوا إلى ضرورة تغيير أسلوبهم في التفكير، لأنهم لا يعرفون كيف يتصورون الإسلام خارج فكرة الدولة والحُكم والغلبة.

أما إذا كنا أبناء عصرنا هذا، فإن المرجعية الكونية لحقوق الإنسان، التي يتبناها الدستور المغربي ويعتبرها أسمى من التشريعات الوطنية، تعتبر حرية الضمير والحق في الإيمان أو عدمه من حقوق الإنسان الأساسية. وقد قام المغرب في مارس 2014 بجنيف، بالتوقيع دون تحفظ على القرار الأممي القاضي باحترام حرية المعتقد والضمير. وإنه لمن الغرابة أن يعمل الإسلاميون على الاستمتاع بحقهم الأصلي في الإيمان والدعاية له، مع السماح لأنفسهم بهجاء غيرهم والتحريض ضده يوميا تقريبا، دون مراعاة حقوق غيرهم في التعبير والنقاش. والحلّ في هذا المجال هو فصل الدين عن السياسة فصلا تاما واعتباره شأنا شخصيا حُرا، عندئذ لن يبقى هناك مجال لاعتماده في إذكاء الصراعات العبثية بين المواطنين، كما أن هؤلاء المواطنين أنفسهم لن يجدوا حاجة إلى نقد الدين أو التعرض له ما دام لا يُستعمل سياسيا لإخضاعهم وحرمانهم من حقهم في اختيار نمط حياتهم.