Jun 5, 2021 Apr 6, 2022
مكان ولادتك، جنسيتك، طبقتك الاجتماعية، جنسك عند الولادة، كلّها عوامل ستحدّد فرصك في النجاة، سواء لناحية وصولك إلى الحاجات الأساسية من غذاء وأمان خلال الحجر الصحّي، أو لناحية نيلك الرعاية الاستشفائية اللازمة.
شخصيات دينية في التعبير عن خشيتها من انعدام المساواة في توزيع اللقاحات، منذ الإعلان عن نجاح التجارب السريرية الأولى.
أحمد الطيب، الشركات المنتجة إلى إقرار سياسة عادلة في توزيع اللقاح، وتغليب الضمير الإنساني على الحسابات المادية، قائلاً: "يجب ألا يُخذل اللاجئون والفقراء في حقهم للحصول على هذا اللقاح".
البابا فرانسيس: "كم سيكون الأمر تعيساً إن أعطيت الأولويّة في لقاح فيروس كورونا للأغنياء!" وأضاف: "إنَّ الوباء قد كشف عن محنة الفقراء والتّفاوت الكبير الّذي يسود في العالم".
بين السياسة والاقتصاد والقانون والفلسفة والدين، يقدّم الباحثون والمختصون في الأخلاقيات الطبية استشارات لصناع القرار في قضايا مصيرية، تتعلّق مثلاً بحدود الحياة (الإجهاض والقتل الرحيم)، والتبرع بالأعضاء وعدالة توزيع الرعاية الطبية والاختبارات العلمية على الأجنة والتعديلات الجينية والاستنساخ، إلى جانب خطط التلقيح.
أستاذ الأخلاقيات الطبية في جامعة بنسلفانيا، هارالد شميدت، في نقاشات حول خطط توزيع اللقاحات في الولايات المتحدة، ويقول لـ"بي بي سي نيوز عربي" إنّ السؤال الأبرز الذي شغل المختصين، خلال تحديد الأولويات، كان: "هل علينا تقليل عدد الوفيات، أم الحد من انتشار الوباء"؟
الأولوية ستكون "لتقليل عدد الوفيات، والحدّ من الإصابات الخطيرة، والحفاظ على سير الأعمال في المجتمع، وتخفيف أعباء الوباء عمّن يعانون أساساً بسبب التفاوت".
"الدول الغنية، كما تسمينها، في حالة ثراء فاحش، على حساب الدول التي استعمرتها. وكما يقول الفيلسوف الأمريكي جون رولز، على الناس أن تتشارك مصيرها، والأغنياء عليهم واجب أخلاقي لتضييق الهوة بينهم وبين الفقراء أو إلغائها. اقترحت في لبنان فرض ضريبة على الأكثر غنى لمساعد الأقل حظاً في نيل الرعاية الطبية التي يجب ألا تكون ترفاً في كلّ الحالات".
حجم الفجوة التي أظهرها كوفيد - 19بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وبين الفئات الاجتماعية الميسورة، وتلك الأكثر هشاشة.
وشمل الإطار عدّة مبادئ عامة، تسعى المنظمة لتطبيقها خلال توزيع اللقاح:
-حماية الرفاه البشري، ويعني الأمن الصحي والاجتماعي والاقتصادي وحقوق الانسان والحريات المدنية ونماء الأطفال.
-احترام المساواة بين البشر، وتحقيق الانصاف في الاستفادة من اللقاحات على الصعيد العالمي وعلى الصعيد الوطني.
-رد الجميل للأفراد والمجموعات التي أسهمت في مواجهة الوباء، مثل الأطقم الطبية والعمال الأساسيين.
* Feb 15, 2021
جون رولز
«حجاب الجهل».. نظرية فلسفية تنتصر للفقراء
حِيَل الأغنياء
عادة ما يتم تسليط الضوء على النماذج المشهورة ممن كانوا فقراء ثم أصبحوا فاحشي الثراء والشهرة مثل «محمد صلاح» و«أوبرا وينفري» و«مايكل جاكسون» وغيرهم – رغم أن هؤلاء يمثلون نسبة ضئيلة جدًا من الفقراء وفقًا لجميع الإحصائيات- لإبراز فكرة أن سبب فقر الفقراء أنهم لم يبذلوا ما يكفي من المجهود، ولكن «جون رولز» كان يعلم أن تلك خدعة من الأغنياء المستفيدين من أوضاع مجتمعاتهم الظالمة لكي لا يصلحوها، ولكن في الوقت نفسه كان مفهوم العدالة انحيازيا حيث تعني العدالة بالنسبة للغني أن يدفع ضرائب أقل وبالنسبة للفقير أن يدفع الأغنياء ضرائب أكثر، ويمارس الرجل الأبيض العنصرية ضد السود بأريحية بينما يشعر ذوو البشرة الداكنة بالظلم وهكذا.
حجاب الجهل
Oct 23, 2021
حاول «رولز» أن يُظهر مفهوم العدالة الحقيقي من خلال موقف افتراضي أسماه «حجاب الجهل» وفيه يتخيل الشخص أنه سيولد مرة أخرى ولكن في ظروف مختلفة، دون أن يعلم كيف سيكون شكله أو طبقته الاجتماعية أو دينه أو أيًا من مواصفات حياته الجديدة، في هذه الحالة ما نوع المجتمع الذي سيرغب الشخص أن يعيش فيه؟ وبتنحية انحيازاتنا الشخصية من خلال هذه الافتراضية، يبدأ الناس في إعادة التفكير في احتمالية أن يولدوا فقراء أو يكونوا ضمن أقلية أو حتى دون المهارات الكافية، لذا يضعون قواعد جديدة تضمن الحقوق الأساسية للجميع كي يتأكدوا من أنه بغض النظر عن الفئة التي سينتمون إليها سيكون هناك عدالة وإنصاف.
أجاب «رولز» عن سؤال العدالة تحت «حجاب الجهل» بأن أي إنسان عاقل سوف يحرص على وجود عدد من المبادىء الأساسية للجميع؛ أولها الحرية حيث يحق لجميع الناس – بغض النظر عن مستواهم الاجتماعي أو المادي أو الثقافي – أن يعبروا عن آرائهم ويعتنقوا الدين الذي يرتضونه لأنفسهم وغيرها من الحريات المدنية دون إجبار على شىء طالما لن يكون هناك ضرر لأحد.
فقًا لـ«رولز» سيكون هناك دون شك عدم مساواة – حتى في أكثر المجتمعات عدلًا -خاصة فيما يتعلق بتوزيع الثروة والدخل، ويمكن أن يكون هذا مبررًا في حالة واحدة فقط بالنسبة لـ«رولز»؛ وهي أن يعود ذلك بالنفع على من هم في قاع المجتمع، بمعنى أن تكون هناك ضرائب تصاعدية تجعل ثروات الأغنياء تعم على المجتمع وبالتالي يتم دفع أكثر الناس فقرًا إلى أقصى مستوى من العدالة الاجتماعية الممكنة.
أما الجزء الثاني من مبادىء «رولز» فكان يتضمن مبدأ تكافؤ الفرص بحيث يتمكن الفقير الموهوب من الحصول على الوظائف نفسها، والتعلم في الجامعات والمدارس ذاتها التي يسعى إليها الأغنياء طالما لديه القدرة دون المفاضلة بناءً على خلفيته الأسرية أو طبقته الاجتماعية، وبالتالي فإن المعيار هو المهارات والسعي وليس المواصفات التى لا يد لأحد فيها.
تلقى «رولز» إنتقادات لاذعة خاصة من الفيلسوف الأمريكي – وزميله في جامعة «هارفارد» – «روبرت نوزك» الذي كان يدافع عن الحرية الفردية، وبالتالي وجد أنه من الظلم للأغنياء اجبارهم على دفع ضرائب باهظة وكأن المجتمع يعاقبهم على كفاءتهم لمصلحة الفقراء، ورغم أن «نوزك» لم يكن ضد أن يتبرع الأغنياء للفقراء ولكن بشكل تطوعي دون فرض عليهم من قبل الدولة.
يبدو كلام «نوزك» معقولًا في حالة أن كفاءة الأغنياء وحدها هي ما تجعلهم يحصلون على المال، ولكن واقعيًا هناك العديد من العوامل التي تؤثر في مستقبل الأفراد ومستواهم المادي والاجتماعي، فمن يولد في أسرة غنية يتلق أفضل تعليم وتفتح له أبواب العمل والسفر إلى الخارج وغيرها من المزايا، بينما الفقير من الممكن أن يحرم من التعليم أو على الأقل يعاني من أجل ذلك، وحتى إذا نجح فمن الممكن ألا يحصل على الوظيفة المناسبة لأن من يفوقه اجتماعيًا سيحصل عليها.
العدالة للجميع
كان هدف «رولز» الرئيسي ألا يستمر مجتمعه في سياساته غير العادلة التي توسع الفجوة بين الطبقات، فيزداد الغني ثراءً، بينما يزداد الفقير فقرًا ويورثه لأبنائه من بعده، وكأننا نلقي بكل طفل من الأجيال الجديدة في لعبة قمار، إما أن يكون محظوظا فيها ويولد في أسرة غنية فيعيش حياة كريمة، أو أن يخذله حظه فينحدر في قاع من الصعب الفرار منه، كما أدرك أنه من المستحيل أن يتوافق الجميع على رأي ومعتقد واحد، لذا فمن غير العدل أن تحظى مجموعة بكافة الحقوق بينما تُسلب تلك الحقوق من أخرى لأنها ليست على هوى أحدهم.
توفير تلك المبادىء الأساسية في المجتمع يحمي الجميع ولا يعمل لصالح فئة على حساب أخرى، وإنما فقط يخلق نوعًا من التوازن المطلوب لكي يكون هناك الحد الأدنى من الإنصاف دون تمييز لجميع الأفراد وبالتالي تتحقق العدالة حتى دون مساواة، مما يدفع المجتمع بأكمله نحو التقدم والرخاء.
*
مايكل ساندل.. ولغز الاستحقاق
يحثُّ النظام التعليمي العصري الناشئة على أن تَتَعلم كيف تتعلم، وكيف تُفكر، وكيف تُبادر، وبالتالي كيف تنجح، وهذه من الأهداف الكبرى التي تتطلع البلدان إلى تحقيقها، لكن المنظومة الاقتصادية ومنطق التراتبية الاجتماعية الذي تنتجه الاختيارات الليبرالية يختزنان آليات لا تكف عن إنتاج وإعادة إنتاج هذه التراتبية، باعتبار أن الفوارق المتنوعة التي تنجم عن هذه الاختيارات لا يمكنها، بأي حال من الأحوال، أن تخلق فرصاً متكافئة في الدخْل أو يستفيد الجميع من ثمرات النمو، أو من مقدرات الحياة بشكل متساوٍ.
لكن ما هو المجتمع العادل؟ ما هو الخير العام أو الخير المشترك؟ كيف يمكن تثمين مساهمات المواطنين في الحركية الاقتصادية؟ وإلى أي حد يمكن توفير شروط الكرامة في الشغل؟
«أخلاقيات الفضيلة»، حيث دفعته بحوثه إلى توجيه انتقادات دائمة لليبرالية لأنها، في نظره، تدافع عن الحرية المطلقة للسوق قبل أي اعتبار آخر، والحال أن نِقمة الطبقات المتوسطة والفئات الكادحة على الديمقراطيات وعلى الليبرالية بالتَبَع، مرده إلى ما يسميه ساندل بـ«إيديولوجيا الاستحقاق». فبقدر ما تتفاقم الفوارق والتفاوتات، يتولد اعتقاد لدى الرابحين من ثمرات العولمة النيوليبرالية بأن النجاح هو ثمرة الشغل وحده، وما يَجْنُونه يُعبر عن جدارتهم واستحقاقهم، وبالمقابل فإن الفئات المتضررة من العولمة، التي تعيش وضعيات هشاشة، تستحق قَدَرها في كل الأحوال. فالفقير، من المنظور النيوليبرالي، يستحق فقره، ليس لأن راتبه أو مدخوله متواضع أو منعدم فقط، بل لأن ما يعيشه هو نتاج أخطائه هو. وبسبب هذه الوضعية المتميزة بتفاوتات صارخة، تمخض إحساس بالإهانة وبالعجز لدى الفئات الموجودة في أدنى السُلَّم الاجتماعي.
تُرَوِّج الدعاية العامة في المجتمعات الليبرالية أن النزعة الاستحقاقية ذات مضامين تحررية، حيث تقول للناس ما معناه: أن الجميع يمتلك حظوظًا، مهْما كان أصل ولادة المرء، وانتمائه الاجتماعي، ويجوز لكل فرد في المجتمع أن يتسلق السُلَّم الاجتماعي بفضل مواهبه وعمله. هكذا يمكن للطالب بذل أقصى جهد لكي يلج أفضل الجامعات، ويحصل على أعلى الشهادات التي تُخول له الوصول إلى الموقع الأنسب داخل التراتبية الاجتماعية.
وغدا التعليم العالي الحَكَم الفصل بخصوص الفرص المتاحة في مجتمع السوق المفتوحة والحرة. وإن كان مايكل ساندل لا يقلل من شأن العمل والجهد في الحياة، فإنه يرى أن إيديولوجيا الاستحقاق لا تقدم علاجاً للتفاوتات بقدر ما تقدم تبريرا لها، مُدعية أن الشغل يخلق الحركية الاجتماعية، ولكل إنسان الموقع الذي يستحقه. غير أننا نعاين، كما يقول ساندل، أن الأمر ليس بهذه البساطة، لأن هذه القاعدة غير دقيقة ولا يمكن البناء عليها لتفسير النجاح أو الفشل والانكسار، إذ إن واقع الأمر يُبين أن الطلبة الذين يلجون أفضل الجامعات والمدارس ينتمون، في الغالب الأعم، لعائلات ميسورة.
يقوم مايكل ساندل في كتاباته باستجلاء خلفيات إيديولوجيا الاستحقاق التي تبرر للمستفيدين من العولمة احتلالهم للمواقع التي يحتلونها، وتسمح لهم بالحكم على الخاسرين منها بالمسؤولية عن فشلهم الاجتماعي. ولمواجهة منظومة التبرير هاته يرى ساندل أن علاج هذه التفاوتات تكمن في نهج سياسة للخير المشترك، مُرتكِز على الكرامة في الشغل. وهو بذلك يسعى إلى وضع مسألة الخير العام أو الصالح العام في قلب المناقشات السياسية، باعتبار أن التفكير في العدالة يدخل، في جميع الأحوال، في صلب التفكير في أزمات الديمقراطية الغربية. ويتمثل الصّالح العامّ، حسب ساندل، في العيش سويًّا كمجتمع، والسعي نحو مُثلٍ عليا، قوامها تقاسم المغانم والمغارم، والتضحية من أجل الآخر، والتعلّم سويّاً كيف نحيا حياة لائقة.
كتابه «الليبرالية وحدود العدالة» (1982) جادل مايكل ساندل أطروحات جون رولز وروبير نوزيك من زاوية أنه لا يمكن مقاربة العدالة من دون استحضار مفاهيم الخير والحياة الطيبة. أما في كتابه «عدالة»2010»، وفي محاضراته عنها والتي تم تصويرها وتابعها ملايين من المشاهدين، فقد طور نقده للنفعية ولليبرالية مُبَيِّنًا أنه لا يمكن التعويل على مبدأ احترام الحريات الفردية فقط للحسم في توسيع السوق أو فرض قواعد حِمائية، لأنه يرى أن هناك انقلاباً كبيراً تشهده الديمقراطيات الحالية، تتمثل مظاهره في تنامي موجات الشعبوية في أوروبا، والبرازيل، وروسيا، وصعود ترامب، وحصول البريكسيت، وهي تمظهرات لأشكال احتجاج وتمرد على «طغيان الاستحقاق»، ونزعة الافتراس التي لا يكف النظام الرأسمالي على إعادة إنتاج آلياتها.
ليست التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية هي التي أنتجت الشعبوية وصعود اليمين المتطرف، بل تكمن الأسباب العميقة للتذمر والغضب الاجتماعي فيما يسميه بـ«إيديولوجيا الاستحقاق» التي تسلم بكون النجاح المادي هو مسألة جُهد ومثابرة وعزيمة ودأب. ففي كتابه الأخير «طغيان الاستحقاق» «ترجم إلى الفرنسية هذه السنة» يُبين كيف أن نزعة الاستحقاق méritocratie تؤدي إلى الاحتقار والاستبعاد، كما تؤدي إلى نسج أنواع مختلفة من التعاضد السياسي بين الطبقات الكادحة بسبب تعبيرات متنوعة من الإحباط، وإلى انغماس شرائح واسعة من المجتمعات الغربية في حالات من «انعدام الإحساس بالاعتراف»، وغياب تقدير الذات.
لذلك تُولِّد الجدارة، في الكثير من الأحيان، مشاعر من الاحتقار، لأنها، في نظر ساندل، خُرافة نسجها الرابحون من العولمة لتبرير التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية المتنامية. فإن كُنتَ عاملاً غير حاصل على شهادة محترمة فإن منطق الجدارة يقول لك: «إنك تكسب قليلاً لأنك تحصل على ما تستحقه، وفي كل الأحوال فالخطأ خطؤك»، لذلك، كما يقول الهندي بانكاج ميشرا، لم نعد نبالي بمشاريع النفع العام، وبدلًا من ذلك نتوقَّع أنْ تقوم الفردانيَّة «بإمدادنا» إياه وبتحريرنا. وهذا وهْم كبير في حاجة إلى كشف وتفكيك، لأن الاحتقار الطبقي يولد أزمة في «التقدير الذاتي» للإنسان داخل المجتمع الذي يعاني من الفوارق الصارخة، مما يؤدي إلى تنامي أشكال متنوعة من الاحتجاج والتذمر.
الجدارة لا أساس فلسفي لها، في نظر ساندل، وكثير من السياسيين يعتبرون أن مشكلة الجدارة هو أننا لم نحققها بالفعل. ومع ذلك فإن المنظرين الكبار لليبرالية المعاصرين كفريدريك حايك، وجون رولز، استبعدوا دائما فكرة أن الأشخاص يستحقون جزاءات السوق مقابل مجهوداتهم وممارساتهم لمواهبهم، وذلك لسببن اثنين على الأقل: أولا، أننا لسنا مسؤولين عن جاهزيتنا، وقدراتنا، ومهاراتنا، ولا عن طرق تثمينها من طرف المجتمع، وثانياً، أن الجدارة لن تكون أبدا مثالا عاديًا.
لا جدال في أن بعض الليبراليين، ومنهم جون رولز، اقترحوا نوعا من العدالة التوزيعية لثمار النمو الاقتصادي، لكن هذه الدعوات، في نظر ساندل، ليست كافية ولا تمتلك آليات تحقيقها في الواقع، كما أنه لا يمكن اختزال المُواطن في اعتباره كائنًا مُستهلِكًا، أو النظر إلى الاقتصاد من الزاوية الحصْرية للناتج الداخلي الخام. فالمواطن لا يشتغل من أجل توفير شروط أفضل للاستجابة لمتطلباته الاستهلاكية فقط، كما أكد ذلك مفكرون كبار من أمثال آمارتيا صن، ومارتا نوسباوم أيضاً، بقدر ما يسعى إلى الاعتراف به كمساهمٍ في إنتاج الخير المشترك الذي يخول له الشعور بمنسوب ما من السعادة، باعتبار أن العدالة التوزيعية هي التتويج الفعلي للشعور بالاعتراف الاجتماعي الذي تفتقده شرائح تزداد عدداً واتساعاً في المجتمعات الغربية.
*
Dec 16, 2021
روبرت نوزك وسؤال العدالة
ينطلق من الحرية الفردية كمبدأ أولي للحق الإنساني
نوزك فيلسوف تحرري بمعنى أن ينطلق من الحرية الفردية كمبدأ أولي للحق الإنساني. هذه النقطة يتفق فيها مع رولز، ولكن الخلاف يأتي حول منظور العدالة تجاه توزيع الثروات والممتلكات. رولز ينطلق من مبدأ إخضاع توزيع الثروات العامة والمناصب الرسمية لمبادئ العدالة ونوزك ينطلق من مفهوم استحقاق التملك. أي أن حق التملك داخل ضمن حرية الفرد الأساسية وأن هذا الحق لا يمكن اختراقه أو التجاوز عليه. يضع نوزك ثلاثة مبادئ لنظريته في العدالة: نظرية الاستحقاق.
أولا: مبدأ التملك: وهو أن الشخص يستحق امتلاك ما تحصل عليه بشكل عادل.
ثانيا: مبدأ التحويل: وهو أن الشخص يستحق امتلاك ما تحصل عليه بناء على تحويل من شخص كان قد تحصل عليه بشكل عادل (نقل الملكية من شخص لشخص آخر).
ثالثا: لا يوجد استحقاق للتملك غير ما يتحقق بالمبدأ الأول والمبدأ الثاني.
الدولة التي تشرف فقط على تطبيق العقود بين الناس وتحفظ الأمن لا أكثر. الدولة هنا لا يحق لها فرض ضرائب لتوفير خدمات صحية أو تعليمية أو أي شيء آخر. كل هذه الأمور تترك للناس يقومون بها بحسب توافقهم الحر. هنا ليس لأحد فرض ضريبة على الآخرين لأغراض من هذا النوع. كل عمل اجتماعي يجري طوعا واختيارا. لا بد هنا من التأكيد أن نوزك ليس ضد مساعدة الأغنياء للفقراء، ولكنه ضد أن تفرض هذه المساعدة على الأغنياء.
الحرية تعني أن يتحرك المجتمع في اتجاهات مختلفة وغير متوقعة. حين تفرض الدولة ضرائب تعيد من خلالها توزيع المصادر داخل المجتمع فإنها تفرض على هذا المجتمع الحركة في سياقات ثابتة تتعارض مع حرية الأفراد ومع حقهم في التملك. بالنسبة لنوزك يحتاج المجتمع فقط البداية من نقطة عادلة ثم تترك له حرية الحركة من دون تدخل الدولة. مثلا يعطى كل فرد في المجتمع قطعة أرض أو مبلغا من المال بالطريقة التي يتفق الناس على أنها عادلة. بعد ذلك من الطبيعي أن يختلف الناس في التصرف في ممتلكاتهم وسيتفاوتون في الغنى والفقر بحسب قدرتهم على إدارة ممتلكاتهم. هنا نحن أمام قرارات فردية حرة يتحمل الناس مسؤوليتها وليس هناك مبرر للدولة تأخذ من خلاله أموالا من الأغنياء وتعطيها للفقراء. هذه المساعدات يفترض أن تطوعية واختيارية.
نظرية نوزك قد تبدو معقولة وربما عادلة إذا أخذنا المجتمع على أنه هذه الجماعة الموجودة حاليا، التي يمكن أن نوفر لها حالة انطلاق عادلة ثم نترك كلا يتصرف بحريته، ولكن هذه ليست كل الصورة. المجتمع يتكون من أجيال متتالية تؤثر قرارات كل فرد فيمن سيأتي بعده. الناس الذين لم يجيدوا إدارة شؤونهم المالية وتحولوا إلى طبقة اقتصادية متأخرة سيؤثرون سلبا على فرص أولادهم. الأولاد هنا سيتأثرون سلبا بقرارات اتخذها آخرون وليس من العدل تركهم في هذه الظروف فقط لأن أهاليهم اتخذوا قرارات معينة. الأولاد على الأقل يستحقون فرصا مثل تلك التي تحققهم لأهاليهم. إذا وافق نوزك على أن الأولاد يستحقون أيضا تعويضات تجعلهم يبدأون من نقطة عادلة فإننا هنا نحصل على نسق مستقر من التعويضات مع كل جيل لن تتحقق إلا بفرض نوع من التقسيم للمال العام قد يحتم فرض ضرائب على الأغنياء في حال عجز المال العام عن القيام بهذه المهمة.
قضية أخرى وهي أن عملية التملك ونقل الملكية والحرية الفردية تتحقق في سياق اجتماعي معين وهذا السياق لا يتحقق إلا بنوع من الشراكة والتعاون. حماية الملكية الفردية بكل أشكالها تتطلب نظاما اجتماعيا متوازنا. بمعنى أنه في حالة ارتفع الفارق بين الأغنياء والفقراء في مجتمع ما فإن الحفاظ على الممتلكات الخاصة للأغنياء سيكون أكثر صعوبة وأكثر خطرا. ليحافظ الأغنياء على ممتلكاتهم فإنهم مطالبون بالمشاركة في تكوين نظام اجتماعي يحافظ على توازن معين يحمي الناس من الاضطرار للعنف للحصول على ضروريات حياتهم. هذا التوازن من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن أن يترك للمشاركة الاختيارية والتطوعية. هذا الشرط الاجتماعي، أي أن الأفراد يعيشون بالضرورة في تواصل مع بعضهم هو ما يجعل من رولز يصر على توفير معادلة عادلة لهذا الاجتماع، بالإضافة إلى ما يطالب له نوزك من رعاية للحريات الفردية وحق التملك.
*
السرّ الكامن في نظرية جون رولز في العدالة – أشرف منصور 2021 علي موقع المعني
نظريات الحق الطبيعي والعقد الاجتماعي تضع المجتمع اللاطبقي كفرضية وتجربة فكرية متخيلة لتأسيس مجتمع مساواتي عادل، بينما تضع الاتجاهات الاشتراكية هذا المجتمع اللاطبقي كهدف يجب تحقيقه في المستقبل. 1971
كينز لتراكم رأس المال في يد القلة باعتباره كان الشرط الضروري لنمو القوى الإنتاجية ومن ثم ارتفاع مستوى معيشة المجتمع كله
لا توجد لجماعة ما مصلحة في استغلال مصالح الجماعات الأخرى، من أجل الثروة أو المكانة أو الهيمنة. وهذا هو المجتمع اللاطبقي عن جدارة
العدالة ممكنة في ظل هذا المجتمع باعتبارها إنصافاً، أي ألا يتعارض تركز الثروة لدى البعض مع سعي البعض الآخر نحو الحقوق والفرص العادلة.
الإنسان الاقتصادي Homo Economicus، والمتناقض مع رؤية الحق الطبيعي والعقد الاجتماعي
كتاب العشاء الاخير لادم سميث
استقراراً للبورجوازية في الحكم وفي الاقتصاد، مما جعل مفكروها يتخلون عن نظريات الحق والعقد التي كانت دعماً فكرياً في ثورات القرنين السابع عشر والثامن عشر.
كهنة ونبلاء وملوك واقطاعين
مغزى “حجاب الجهل” عند رولز هو أنه على الرغم من أن الناس يولدون في مجتمع طبقي، ويجد كل واحد منهم نفسه منتمياً لطبقة، تحدد مصيره وإمكاناته المستقبلية، إلا أن الإلغاء الافتراضي للطبقات ضروري للغاية إذا كان علينا أن نؤسس لأي مبدأ للعدالة.
على الرغم مما تحمله نظرية رولز من رفض مضمر للمجتمع الرأسمالي الطبقي، إلا أنه كان من السهل على رولز أن يمرر مفهوم “الوضع الأصلي” وما يتضمنه من فكرة “حجاب الجهل” رغم كل ما يحمله من متضمنات مساواتية مضادة للمجتمع الطبقي الرأسمالي،
فقد كان السكان الأوروبيون ينتشرون في الأراضي الأمريكية في وضع يشبه كثيراً الوضع الأصلي الذي يتناوله رولز، باعتبارهم أفراداً لا طبقات، وفي حالة شبه مساواتية غير محملة بأعباء الانقسامات الطبقية التي كان يعاني منها المجتمع الأوروبي. فالوضع الأصلي شبيه للغاية بوضع مستعمري أمريكا الأوروبيين الأوائل،