الأحد، 24 مارس 2024

كون هادف الضبط الدقيق

Feb 19, 2024

 حجة كلاسيكية ضد الأشكال الفظة من النفعية تتخيل طبيبًا يستطيع إنقاذ حياة خمسة مرضى عن طريق قتل أحدهم وأخذ أعضائه. وحتى لو تمكن الطبيب من زيادة الصحة بهذه الطريقة، فلن يكون له الحق في قتل واستخدام المريض السليم، على الأقل ليس بدون موافقته. وبالمثل، حتى لو كان لدى الله غرض جيد في ذهنه بالسماح بالكوارث الطبيعية، فإن ذلك من شأنه أن ينتهك حقوق الصحة والسلامة للأشخاص المتضررين من تلك الكوارث.

نعيش على أمل إمكانية وجود عالم أفضل.

 الكون في حد ذاته هو عقل واعٍ له أهدافه الخاصة

 حياة الإنسان يمكن أن تكون ذات معنى كبير حتى لو لم يكن هناك هدف كوني، طالما أننا ننخرط في أنشطة ذات معنى، مثل اللطف والإبداع والسعي وراء المعرفة. ولكن، إذا كان هناك هدف كوني، فمن المحتمل أن تكون الحياة ذات معنى أكبر. نريد لحياتنا أن تحدث فرقًا. إذا تمكنا من المساهمة، ولو بطريقة صغيرة، في تحقيق الأغراض الجيدة للواقع برمته، فإن هذا يمثل فرقًا كبيرًا بقدر ما يمكننا تخيل حدوثه.

لماذا؟ الغرض من الكون (2023) لفيليب جوف 

نظرية الروح الشاملة، وهي وجهة النظر القائلة بأن الوعي يسود الكون وهو سمة أساسية له.

هادي العلوي

 يتكالبون على الامتيازات، إنهم مأخوذون بالخساسات الثلاث -المال والجنس والجاه- وقلما تجد مثقفًا منهم يرضى بالكفاف أو يقتنع بامرأة واحدة كزوجة أو يتعالى على الشهرة والجاه".

ضعفهم جعلهم غير محترمين من قبل الحكومات لمعرفتها بانتهازيتهم، وهمهم ترجمة كتبهم ليقرأها الغرب".

اعتبر عصر النهضة العربية الأولى يبدأ بصدر الدين الشيرازي، وليس بالحملة الفرنسية على مصر، كما يؤرخ مؤرخون كثر.


كِتاب «القوة القاهرة» للفيلسوف الفرنسي كليمون روسي (1939- 2018م) صدر في الأصل الفرنسي عام 1983.

العود الأبدي، وفهم نيتشه للمأساويّ؛ كما أنه، مثل نيتشه، يبني العديد من أمثلته حول البهجة على الفن، وتحديداً الموسيقى.

تجمع بين الفلسفات الوجودية والمقولات التشاؤمية (شوبنهاور وسارتر وسيوران وغيرهم) من ناحية، وفلسفة القوّة النيتشوية من ناحية أُخرى. فصحيحٌ أن الوجود أمرٌ عبثيّ أو شبه عبثيّ بالنسبة إلينا، نحن الذين نعيش في شروط صعبة دون أن نختار ذلك، إلّا أن هذا لا يعني أنّ حياتنا ليست إلّا انتظاراً للموت (سيوران)، بل يمكن لها أن تكون قلْباً وتغييراً لمعنى الواقع نفسه، حيث يمكن له أن يتحوّل إلى نعيمٍ على الأرض.

تمثّل البهجة، أو المرح، المفتاح النظري في رؤية روسيه هذه. فبدلاً من الحديث عن السعادة، التي شغلت الفلاسفة منذ البدايات الإغريقية وحتى يومنا هذا، يفضّل روسيه القول إن البهجة ــ باعتبارها لحظية، وعابرة ــ هي الوحيدة التي يمكنها أن تُجيب عن سبب العيش: أن يعيش المرء، ذلك يعني أن يستلذّ بحاضره، قاسياً كان أو ممتعاً، وأن يُعالج مرارة العيش بفرح البحث عن الحقيقة، وربما العثور عليها.

 *

عيش في ظل اللحظة (أو اللحظات) الزائلة، خاضع لسلطان الوجود المنفلت، لهذا لا مناص من اعتناق «الوجود المؤقت» والإقرار بحتمية الموت.. ولا يتحقق الشفاء من هذا «القلق» الوجودي، والمأساة الناتجة عن تلك الحتمية، إلا بعيش حياتنا الوحيدة، في سيرورة وتحولات لحظاتها مثلما تبتغيه الضرورة.

البهجة جوهر الوجود

التراجيديا
فالبهجة كاملة الحضور في صيرورات الزوال، فهي «تستمر رغم عدم وجود أي شيء تتعلق به، ورغم حرمانها من أي أساس تستند إليه» (ص17). بهذا تغدو البهجة عنقاءَ تقوم من رماد موتها، من اندثار الآني، إنها شبيهة اللذة إذن، بل أكثر. لهذا يتعذر التعبير عنها، مثلما يخبرنا روسي

الاستحالة من عدم قدرة المبتهج على التعبير عن بهجته، وأحيانًا يقف حائرًا إزاء مسببات ابتهاجه وسروره. فتصير ذات تناقض رئيس؛ لأنها «غير قابلة للتصور العقلي» (ص42). ملزمة بأن تكون «كامنة في الرضا والقبول بالوجود الذي تعتبره مأساويًّا، وفي هذه الحالة فإن البهجة متناقضة لكنها ليست وهمية» (ص43).

نشعر بالفرح ونبتهج على الرغم من الطبيعة المأساوية للحياة. سرعان ما تتحول جنازة ما إلى لحظة من السرور، نكاد ننسى تراجيديا الموت في دوامة الصيرورة الزمنية؛ إذ «لا وجود لبهجة حقيقية إلا إذا كانت، في الوقت نفسه، موضع تعارض وتناقض مع نفسها؛ ذلك أن البهجة تكون متناقضة أو لا تكون بهجة» (ص44). شبيهة بتمزيق ديونيسيوس لنفسه في أقسى حالات النشوة. لهذا فهي «لا تأبه بأي إحساس»، ولا يعني ذلك أنها خاضعة للسذاجة، بل إنها -يقول روسي- شرط ضروري للحياة على العموم، من دون حاجة لتسويغ نفسها. إنها جوهر الوجود، فبالقدر الذي لا نعي به السبب الذي من أجله نحيا، فنحن لا نستطيع الوعي بمسببات الابتهاج. وبالتالي، يسهل وصفها أكثر من شرحها أو تأويلها.

من المستحيل إذن، استحضار البهجة أو تحقيقها من خلال فعل معين، فهي «القوة القاهرة» -الوحيدة- في الوجود، تتحقق دونما شرط؛ غير أنه يمكننا التخلص من العقبات الذهنية التي تقلل من قدرتنا على الشعور بها. تتمثل إحدى العقبات في الاعتقاد الراسخ بأن عواطفنا مشروطة بالظروف الخارجية، وبالتالي يجب أن تكون متزامنة معها. إن البهجة، بهذا المعنى، تعدّ نبوءة تحقق ذاتها. فهي كامنة في الحياة وحدها، وفي تقلبات الوجود المنذور لزوال اللحظة لا ديمومتها. يقول روسي: «طعم الوجود هو طعم الزمن العابر والمتغيّر وغير الثابت وعديم اليقين وغير المتناهي، وفي هذه الحركة بالطبع أفضل وأضمن «دوام» الحياة» (ص36).

التملص من الأمل

فلسفة صاحب المطارق وفيلسوف الديناميت؛ إذ ركز روسي على مفهوم «الغبطة» béatitude، (مقابلًا للبهجة) مثلما صاغه هنري بيرو،

مفاهيم مثل: «العود الأبدي»، و«إرادة الاقتدار» (القوة) و«الإنسان المتجاوز لذاته» (الأعلى). فهي تعابير فلسفية لصاحب الكتاب، وتنويعات عن الغبطة بشكل مباشر تقريبًا؛

مكمن «القوة القاهرة» عند كليمون روسي يقع في البهجة، التي لا تظهر إلا بوصفها شاملة. أي في كونها «بهجة الحياة» والوجود. وبصورة أدق، فإن البهجة، مثلما في فلسفة نيتشه، تسمح لنا بالتفكير في الوجود بما يعتريه من تراجيديا، التي تعدّ محركًا له، لا لعنة ينبغي الانفلات منها، فهي حتمية وطاقة لديناميةِ الحياة، شأنها شأن الأزمة، لهذا فهي «العود الأبدي» ودافع الإنسان لتجاوز ذاته ومنبع إرادة الاقتدار. وبالعودة إلى النص نفسه، يكشف روسي دوافع هذه العودة الأبدية، والأولوية الممنوحة للموسيقا خاصة في فلسفة صاحب «ميلاد التراجيديا»، ويظهر أن كوكبة نيتشه المفاهيمية تنجذب حول مبدأ «الغبطة»؛ إذ إن «الابتهاج الموسيقي عند نيتشه مبدأ كل تجربة للغبطة» (ص85).

مفاهيم الفرح والسرور والابتهاج والغبطة، بوصفها جميعها مفاهيم غير خاضعة لأي منطق. لكونها غير عقلانية، لهذا تكاد تتعلق بالجنون عينه، ومنه اشتق تعبير «جُنَّ فرحًا». وإنها سُبل ذات جدوى لإدراك واضح للمأساة في كونها متلازمة وجودية عضالة. وعليه، وبعد الإيمان بهذا المعطى، لن يفرّ المرء من الواقع، ولن يبحث عن مضاعف سيمولاكري يقيه مأساته، التي سيحتضنها بأذرع مفتوحة وغبطة عارمة. وهذا الإقبال على قوة الواقع ومصيره المأساوي، هو القاعدة العظيمة والفريدة لمفهوم الحياة، والتشبث بها.

أهمية الفلسفة النيتشاوية

فلسفة إميل سيوران، بوصفها توجهًا فكريًّا يجد جذوره في فلسفة صاحب «الإنسان المفرط في إنسانيته».

ضحك والسخرية والمرح.

 «معاناة الوجود في العالم» التي يعانيها مؤلّف «مثالب الولادة»

اشترك الرجلان في السخرية اللاذعة من العالم الثقافي السائد، مؤسسين نظرتهما المشتركة على مرح مشترك، يحاولان إضفاء ابتهاج معين على الحزن الذي يعتري العالم. كل بطريقته. لقد تمتعا بمتعة الوجود معًا، صداقة بالمتناقضات، نابعة من فورة الضحك التي تعبر عن القدرة على عدم أخذ الأمور على محمل الجد والضحك عاليًا في وجه حماقات العالم. هذه الضحكات -المشتركة- هي أيضًا علامة أكيدة على القدرة على الابتهاج. وإن كان سيوران المتشائم وروسي المؤكد للبهجة لا يرتويان من أصل الابتهاج نفسه، لكن من المنبع النيتشاوي والشوبنهاوري عينه. 

مجلة فيصل 


الحب من طرف واحد . الكسل ! العمل" بديلا عن "الحب" حب غير متبادل هوس العشق

Nov 25, 2020 Jun 10, 2021 Oct 23, 2021 Jan 12, 2022000

Jun 29, 2021

Sep 1, 2021

 للفلاسفة آراء ومفاهيم في الحب (1)، رأى أفلاطون (2) أن الباحث عن الحب هو نصف يبحث عن نصفه الآخر، أما سُقراط فيُعطي الحب رفعته ومكانته المُقدسة، ويرى أن الحب الذي ينتهي لم يكُن حبا من الأساس. ويتفق مع هذا رأي ابن حزم الأندلسي، إذ يقول في كتابه "طوق الحمامة في الألفة والألاف": "كل أجناس الحب التي تقوم على المنافع الحسية سرعان ما تزول وتنقضي بانقضاء عللها، إلّا محبة العشق الصحيح المتمكن في النفس فهي لا فناء لها إلّا بالموت". ويقول أرسطو: "الحب علاقة تُعبر عن جسدين بروح واحدة". كل هذه المفاهيم والتعريفات لرؤى الفلاسفة والأدباء عن الحب، وتبرير عذابه

الباحثين في مجال علم النفس يَرون أن للحب ست ركائز: التبادل، الوفاء، الأُلفة أو الأُنس، الاستمرارية، الثقة، والاهتمام. وأي نقص لواحد من هذه العناصر يعكس نقصا في العلاقة أساسا، أي: حُب ناقص. وبالقياس على "الحب من طرف واحد"، فالنُقصان جليّ وواضح، لأن صفة التبادل غائبة، كما يغيب الاهتمام الذي يبذله طرف واحد للآخر دون أن يستقبل ما يُماثله. وكذلك الأمر بالنسبة للاستمرارية، فيقول الدكتور بوزيداني: "يُمكننا أن نخلُص إلى أن الحب من طرف واحد هو علاقة حب غير مكتملة الأركان (ناقصة)".

 خمسة أنواع مختلفة من العلاقات غير التبادلية:

– الالتقاء بشخص غير مناسب: على سبيل المثال؛ حُب الطالبة لأستاذها أو الطالب لأستاذته، مما يُنشئ علاقة غير متكافئة (اجتماعيا) تماما. وبسبب عدم التكافؤ هذا، تصطدم المشاعر بحاجز يجعل الاقتراب من الطرف الآخر أمرا صعبا ومُعقّدا. وبالعادة يميل الشخص المُحب -في هذه العلاقة- لتتبع أخبار الطرف الآخر عن بُعد، لإشباع مشاعره، بل وقد يصل إلى مرحلة الرضى بهذا القدر.

– عدم التكافؤ في المشاعر: في هذا النوع تكون هناك علاقة، ولكن حجم المشاعر والعاطفة المبذولة من الطرفين لا يكون متقاربا أو متكافئا ولا متوازنا.

– عدم البوح: كأن يتعامل الشخص مع زميل أو زميلة له أو شخص مقرب ويُطوّر مشاعره تجاه الآخر دون الإفصاح عن هذا التطور. ففي ظاهرها تبدو علاقة صداقة، ولكنها تحمل في أعماقها شكلا من أشكال الحب. وبسبب أنها علاقة صداقة، وبها من القُرب ما بها، فلا يجد الشخص حاجة إلى البوح، وهو ما يُعرف بـ "الحب الأفلاطوني" ويبعد قليلا عن الحب من طرف واحد. (3) ولكن الاستمرار في تطوير مشاعر القرب والصداقة إلى حب من أحد الأطراف هو ما يمكن اعتباره حبا من طرف واحد.

 رد فعل الطرف الآخر: هذا النوع من الحب يمكن أن يُمثّل مرحلة من مراحل تطور العلاقة، إذ يُبادر طرف منهما بالإفصاح عن المشاعر التي يُكنّها للآخر، ولتنتقل العلاقة -بهذا الإفصاح- من مرتبة الصداقة إلى ما بعدها. الإشكالية هنا تتصل برد فعل المُعلن له، كأن يخجل بقوله: لا، ليُساهم حينها في بناء علاقة كهذه.

 فالحب من طرف واحد هو حرب داخلية، صراع بين عواطف الإقبال وعواطف الإحجام، حرب بين الارتقاء بالذات وبين إضاعة الوقت في محاولات -فاشلة- متكررة في سبيل الوصول لطرف لن نصل إليه. وهي حالةٌ نقودُ بها أنفسنا لكسر قلوبنا وخواطرنا، فهناك طرف يعطي كل شيء، في مقابل طرف لا يعطي، ولو أعطى، فبقدر قليل جدا. في النهاية، الحب من طرف واحد هو تحطيم للفرد، لقدراته ولعلاقاته الاجتماعية التي سيُهملها في سبيل ابتكار وسيلة تقرب جديدة، فهو على استعداد لأن يصرف كل طاقته لرسم خريطة تقود به إلى الطرف الآخر الذي يقف على بُعد صعوبات وحواجز ورفض. فلماذا كل هذا؟ هُناك بالتأكيد من يُعَبّد لنا الطرق لنمشي بتوازن كما يليق بالعلاقات أن تكون.

كيف جعلت الرأسمالية "العمل" بديلا عن "الحب"؟


2018

"كاروشي"(Karōshi) الذي يعني "الموت من كثرة العمل"، و"سيكوسو شيناي شوكوجن" (sekkusu shinai shokogun) وهي تعني "متلازمة العزوبة" التي تشير إلى مستوى غير مسبوق من الفتور العاطفي والجنسي. اليابان التي تحجز لنفسها مكانا فسيحا أعلى الهرم الرأسمالي باقتصاد هو الثالث عالميا، كما تُعدّ جسر وصل رئيسيا في التجارة العالمية وأحد أهم الوسطاء التجاريين التي يعتمد ازدهار الكثير من الاقتصادات الأخرى عليها، تعاني من موت أبنائها -بالوفاة أو الانتحار- من الإفراط في العمل، بالإضافة إلى عزوفهم عن العلاقات العاطفية والزواج، وبالتالي انخفاض كبير في عدد المواليد، بات يهدد ليس اقتصادها فحسب وإنما الاقتصاد العالمي

الرجال العشبيون" هو الاسم الذي أطلقته اليابانيات على الرجال الذين فقدوا أي رغبة في الجنس الآخر، والذين يعتمدون في التغلب على شعورهم بالوحدة والخواء العاطفي على أشياء متعددة منها على سبيل المثال ألعاب فيديو تحاكي العلاقة الحميمة. في الوقت نفسه، من المعروف عالميا أن اليابان هي رمز ثقافة التفاني في العمل، "الياباني يرى أنه لا يعمل بما فيه الكفاية"، إذ تقدر الشركات ومؤسسات العمل هؤلاء المتفانين إلى حد أن الشخص الطبيعي الذي يستنفد أيام إجازته المسموحة له أصلا يُنظر إليه على أنه شخص "ضعيف" فكرني بوثائقي كوريا روسيا اليوم 

كما يُرمق أولئك الذين يرتاحون في الإجازات بنظرات استياء من قِبل زملائهم في العمل. إلى حد أن الكاتب "إدوارد لوتواك" يقول في كتاب "ثقافة الاستهلاك" إن الأميركيين يعملون خلال العام عدد ساعات أكثر من أي شعب آخر على وجه الأرض فيما عدا اليابانيين. الرواية الرسمية اليابانية تقول بأن عدد ضحايا الكاروشي ما بين 400 لـ 1000 سنويا، لكنّ عددا من البيانات الرسمية يقول إن العمل الزائد قد يكون سببا من أسباب الانتحار والذي وصلت عدد حالاته في 2013 إلى ما يزيد على 2000 حالة انتحار

 البروفيسور الياباني "شنجرو واكي" أن الكثير من الناس يموتون أو يمرضون بسبب العمل الزائد ولا يمكن للإحصاءات أن تثبت سوى القليل. وبالرغم من ذلك فإن ما تقوله الإحصاءات يبدو مخيفا، إذ إن أكثر من نصف اليابانيين غير متزوجين، وربعهم تقريبا لا يحبذون العلاقات العاطفية، كما أن عددا هائلا منهم ليسوا منجذبين لإقامة علاقات جنسية وينظرون إليها نظرة ازدراء. كما تزداد بشكل ثابت سنويا نسبة الرجال والنساء غير المرتبطين منذ عام 1990.

روح الرأسمالية.. تبشر بديانة "العمل"

في كتابه الشهير "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية" يقول "ماكس فيبر" إن الأخلاق في المجتمع الحديث لا تشبه أي شيء قد مضى قبلها. لقد تفكك المعنى القديم للأخلاق التقليدية، وبالإضافة إلى ذلك فإن تعدد مجالات المعرفة وانتشارها وظهور تخصصات دقيقة في كل فرع من فروع العلم جعلت من الصعب جدا أو من المستحيل على أي شخص أن يعرفها ويكتشفها جميعا. في هذا العالم الذي لا يمكن استيعابه كليا، وإذ لا وجود لقيم مشتركة على المستوى العالمي، "فإن معظم الناس تشبّثوا بركنهم الخاص من العالم لا سيما وظيفتهم أو مهنتهم وتعاملوا مع العمل على أنه ديانة ما بعد دينية، أو "غاية مطلقة في حد ذاتها". لذا، إذا كانت "الأخلاق" أو "الروح" الحديثة لها أساس مطلق ونهائي، فهو هذا العمل".

إن روح الرأسمالية كما يراها فيبر تمثّلت في رؤية الخير الأعظم في "صنع الكثير من المال"، هذه الأخلاق تؤكد القيم الاحترافية ضيقة الأفق التي انتشرت في المجتمعات الحديثة بين رجال الأعمال والموظفين ذوي الأجور المرتفعة. تقوم المجتمعات الرأسمالية بحسب "إريك فروم" على مبدأ الحرية السياسية من ناحية، والسوق من الناحية الأخرى باعتباره منظم العلاقات الاقتصادية وبالتالي فهو أيضا منظم العلاقات الاجتماعية. إن سوق السلع يتحكم فيه صاحب رأس المال، وهو الذي يحدد القيم التي بناء عليها يدفع للعاملين أجورهم. فإذا كانت هناك طاقة ومهارة إنسانيتان لا يوجد طلب عليهما في ظل شروط السوق الموجودة فلن يكون لهما قيمة مقايضة. لقد تحول الإنسان نفسه إلى سلعة تخضع لقانون العرض والطلب

عندما يتحول الإنسان إلى سلعة تصبح تجارب حياته هي رأس ماله الذي لا بد أن يستثمره بأفضل الطرق المربحة، ويكون هذا الأمر هو مقياس نجاحه الذي يمنح لحياته معنى. فإذا لم ينجح في استثمار نفسه فهو فاشل، إذ إن قيمته قد تلخصت في "قابليته للبيع" وليس في خصائصه الإنسانية كالحب والعقل أو في قدراته الفنية، لذلك، وكما يقول إريك فروم، فإن إحساسه بقيمته الخاصة يصبح معتمدا على عوامل خارجية التي هي نجاحه وحكم الآخرين عليه. وبالتالي فإنه عليه أن يكون على قدم المساواة مع القطيع وأن لا يختلف عنهم في الفكر أو المشاعر أو السلوك لكي يضمن أمانه الشخصي

لكن مع كل محاولة للاقتراب من الصف، يشعر المرء بوحدته تزداد "محاصرا بالشعور بالقلق والزعزعة والإثم، وهي مسائل تنجم دائما عندما لا يمكن التغلب على الانفصال"، لكن الحضارة الرأسمالية تقدم مسكنات لهذه الآلام كي لا يظل الناس على وعي شعوري بهذه الوحدة، أول هذه المسكنات وقبل كل شيء هو "الروتين الصارم للعمل". يقول فروم: "يساعد هذا الروتين الآلي البيروقراطي الناس على أن يظلوا لا يعون أشد رغباتهم الإنسانية أساسية والاشتياق للتجاوز والاتحاد". إن هذا الطابع الاجتماعي للإنسان الحديث يحوله إلى آلة، و"الآلات لا تستطيع أن تحب".

كان موظفو يوميموطو كالأصفار لا قيمة لهم إلا خلف الأرقام الأخرى

كيف أصبح العمل أكثر سهولة من الحب؟

إن الإنسان العصري نادرا ما يتواصل في عمله مع المنتج الكامل، فهو مغترب عن عمله، يعمل مثل ترس في دائرة محكمة من الأتمتة، لا يوجد له دور في تخطيط سير العمل. كذلك فإن استهلاكنا متغرب تدفعنا إليه الإعلانات التي تصممها الشركات وليس نابعا من احتياجاتنا الحقيقية، يقول فروم: "يتجلى لا معنى واغتراب العمل في التوق إلى الكسل التام، إذ يكره الإنسان حياته العملية لأنها تشعره أنه سجين ومحتال. يصبح الكسل مثله الأعلى". إن هذا الإنسان بالطبع خائف، بالإضافة إلى أن العزلة والانفصال ينتجان القلق، لكن نظام العمل في الشركات الكبرى في حد ذاته ينتج القلق، لا أحد يعرف إلى أين سيذهب به مساره المهني، هل سيعلو أم سيهبط، سيصعد مراتب السلم الاجتماعي أم سينحدر إلى الفقر، مثل هذا الإنسان يصعب عليه التفكير في خوض تجربة حب أو زواج قد تتطلب منه اجتهادا مضاعفا ليحافظ عليها. يكتب فروم:

يصبح الإنسان في المجتمعات الصناعية الأكثر تطورا مغرما جدا بالأجهزة التقنية أكثر من غرامه بالبشر وعمليات الحياة. قد تصبح رياضة جديدة بالنسبة لكثير من الرجال أكثر جاذبية من المرأة. يستبدل الاهتمام بالحياة والعضوية بالتقنية واللاعضوية. وبناء عليه يصبح الإنسان لا مباليا بالحياة.. فالإنسان الذي تشيأ هو إنسان قلق، لا إيمان لديه، لا قناعة، وقليل القدرة على الحب". في مقاله "الاستهلاك من أجل الحب" يرى إدوارد لوتواك أن معظم الأميركيين محرومون عاطفيا ويعانون من الفقر في علاقاتهم الأسرية، ما زال الأميركيون يتزوجون لكنه يراه زواجا هشا إن لم يكن محطما ويسبب الكثير من القلق. يعوض الأميركيون هذا الحرمان عن طريق الاستهلاك خصوصا للوجبات السريعة التي تعتبر وجبات عاطفية من الطعام.

لكن المصدر الرئيسي للإشباع العاطفي الذي تقدمه الرأسمالية بديلا عن الحب كما يراه لوتواك هو "العمل". يتم استغلال هذا الإشباع للقضاء على أي عجز عاطفي وكذلك استغلاله لبذل المزيد من العمل، يكتب: "هو علاج غريب للروابط العائلية الميئوس منها، لأن العمل في حد ذاته مدمر للروابط العائلية". إن ما يجعل العمل حلا أكثر سهولة من الحب هو أن الحب "نشاط"، ليس نشاطا بمعنى فعل، لكن المقصود أنه نشاط باطني "الاستخدام المثمر لقوى الإنسان"، وليس شعورا سلبيا، إنه الوقوف وليس الوقوع وهو "عطاء أساسا وليس تلقيًّا فقط"، وكما أسلفنا فإن إنسان الآلة يعاني من الكسل الداخلي ولا يرغب في فعل شيء. والشخص الكسول يعجز عن ربط نفسه بشكل فعال بالمحبوب. لذلك يطرح فروم في نهاية كتابه "فن الحب" سؤالا مهما:

"إذا كان كل تنظيمنا الاجتماعي والاقتصادي قائما على بحث كل إنسان عن فائدته، فكيف يمكن للإنسان أن يؤدي عمله، كيف يمكن للإنسان أن يتصرف داخل إطار المجتمع القائم، وفي الوقت نفسه يمارس الحب؟

ففي العمل "لن تكون نفسك" ولا من حولك هم أنفسهم، مما يعني وجود بعض الزيف وانعدام الأمانة، لكن هذا الوضع يلهينا عن التعامل المرهق مع آلامنا الداخلية. كذلك في العمل يتلقى الشخص تدريبا قبل البدء، لكن الحب هو تجربة شخصية لا يمكن أن تكون لدى كل إنسان إلا لنفسه وبنفسه، مما يجعل الحب غير متوقع ومحفوفا بالمخاطر، وإنسان اليوم لا يعرف الصبر ويريد نتائج سريعة لكل شيء، فلا يصبر على الحب. مهما كانت مهام العمل معقدة فلن تكون بمستوى الجهد المبذول في بناء علاقة حب حقيقية. يقول فروم

إن الناس القادرين على الحب في ظل النظام الحالي هم بالضرورة استثناءات، الحب بالضرورة ظاهرة جدية في الوقت الحالي، لا لأن الكثير من المشاغل لن تسمح بموقف الحب، بل لأن روح مجتمع السلع الشره المتمركز في الإنتاج هو على نحو لا يجعل سوى اللاممتثل وحده هو القادر على الدفاع عن نفسه بنجاح ضده"

*****

"خرافة الحب".. كيف تحولت المشاعر في عصر الاستهلاك إلى وهم


 "السُيولة" بحسب عالم الاجتماع "زيجمونت باومان" في سلسلته الشهيرة عن السيولة في مجتمعات الرأسماليّة المعاصرة- ولذا فإنّ المجتمع الغربيّ -غالبا- يُغَلِّبُ أفكارَ "الذاتيّة" و"البراغماتيّة" والكسب المادي المباشر على حساب التصوّرات الكُلِّيَّة عن طبيعة الإنسان والكون، ومن ثمّ فإن الحقيقة الوحيدة المقبولة عند المجتمع الغربي هي ما تقرّه "الذات" التي تتعالى وتتجاوز على أي تصور غيبي وقيمة عليا.

فلاسفة "ما بعد الحداثة"- عن موت مشروع الحداثة وفشلِهِ

 الفكر النقديّ الغربيّ يكشف حقيقة عن وجود أزمة عميقة في بنية فكر "الحداثة" و"ما بعد الحداثة" على حدّ سواء، حيث تنكشف لنا تناقضات مختلفة وصعبة في مختلف القضايا[4] كتَحُوُّل المجتمع البشريّ من مجتمع إنسانيّ إلى مجتمع استهلاكيّ يقدّس الاستهلاك، تماما كتقديس الأديان لفكرة الألوهيّة[5]، ومن مجتمع فاعل مفكّر إلى مجتمع تصنع السلطاتُ ثقافته[6] ومن حضور الإنسان في شتّى مجالات الحياة إلى اغترابه أمام سطوةِ التقنيّة وتغوّلِ الاستهلاك؛ ممّا يجعل العالم "مقلوبا".

 سرّ تراكم رأس المال في العمليّة الاقتصاديّة الحرّة قائم على الاستغلال للعمّال المأجورين الذين لا يتقاضون سوى معاشات زهيدة، فيما يذهب فائض القيمة الذي يولّده عملهم إلى أرباب العمل. تُمثِّل هذه العمليّة "الاستغلالية" -من خلال المنظور الماركسيّ التقليديّ- قلبَ النظام الرأسماليّ النابض، حيث إنها تعطي رأس المال قدرة غامضة على "التوسُّع الذاتيّ" وذلك من خلال علاقة طبقة "مالكي وسائل الإنتاج" الذين يستولون على أرباح الناتج الفائضة بطبقة العمّال المُجبَرين على بيع طاقتهم المستخدمة في الإنتاج حتى يعيشوا

 "الرأسماليّة" في حقيقة الأمر ليست محضَ نظام اقتصاديّ قائم على العلاقة الاقتصاديّة بين طبقتيه، بل هي نظام اجتماعيّ متكامل

 فالأخلاق أو القِيَم التي تسود الحياة العامّة في العالم الحديث مختلفة تماما عن قواعد الأخلاق التي جاءت بها الأديان؛ حيث إنّ أخلاق الرأسمالية أو الحداثة شخصيّة أو ذاتيّة أو نفعيّة المنشأ، وذلك بفعل انتشار معايير "الحداثة" التي كسرت معايير عديدة كالأخلاق الدينيّة والزواج وتعريف الجمال والعمليّة الجنسيّة؛ ولذا أصبحت القِيَمُ ملكا للفرد على نحو متزايد وليس للمجتمع في تحديدها نصيب كبير.  

لقد أصبح السلوك العام في المجتمعات المعاصرة باردا ومحترِزا وصارما، محكوما بالانضباط الذاتي الشخصيّ في أغلب أحواله، وأصبح السلوك الصحيح يكمن في مراعاة الإجراءات الصحيحة كما لو أنه يسير على نصّ من القانون، كما أصبح السلوك العام الحديث منطقيّا ومتّسقا ومتماسكا كحال الذي أطاع حقائق جديدة لا مجال للجدال فيها مثل قوّة الأعداد وقوى السوق والتكنولوجيا

أزمة الإنسان في عصر الاستهلاك

يأخذنا "تشاك بولانيك" في تحفته الروائيّة "نادي القتال" -التي تحوّلت إلى فيلم سينمائيّ لاحقا- إلى عمق الأزمات التي يعايشها الإنسان في ظلّ الرأسماليّة والحداثة، خاصّة تلك الشروط المفروضة علينا، أو القواعد التي تفرضها الرأسماليّة الغربية لنعرِّف أنفسنا من خلالها.

ترسمُ لنا الشخصيّات الرئيسة في الرواية الأنماط التي يمكن أن يكون الإنسان عليها في مجتمعات المال والاستهلاك، فهناك الإنسان المنضبطُ كالآلة وفق برنامج زمنيّ معيّن فُرض عليه من خلال طبيعة عمله ومواصلاته، وثمّة الرجل المتمرّد الذي يرفض الخضوع لشروط الحياة المحيطة ويقنع من حوله بالذهاب نحو الجحيم بدهاء لافت، فالحياة كالعبوديّة أو أشدّ، وللخلاص منها لا بدّ من إطلاق غرائز النفس لتجاهل آثارها، وهنا يأتي دور "القتالِ بلا قواعدَ" ليكون الشكل الأوضح لخلاص النفس البشرية من ترويض الحضارة الغربيّة لها، فـ "كينونة الناس في العالم الحقيقيّ تختلف جذريّا عن كينونتهم في نادي القتال"[10] حيث لا يشعرُ المقاتل بالحياة في الخارج كما يشعر بها في نادي القتال حين يقف مع الآخر تحت الضوء الوحيد وسط المشاهدين […]، نادي القتال لا يهتمّ بربح أو خسارة في المباريات، ولا يهتمّ بالكلمات، لأنّ القتال هنا حتميّ وإلزامي على كل عضو جديد

يقول "تايلر" ملخّصا الأسباب التي دعته للتمرّد على الواقع المشؤوم عبر الدعوة إلى نادي القتال: "نحن عبيد لأشياء لا نحتاجها، أشياء نقضي حياتنا في البحث عنها من دون التوقف للحظة والتفكير في سبب مقنع لهذه الحاجات النمطيّة والبحث عن مدى حاجتنا لها، المنزل المثاليّ، والزوجة اللطيفة، والأطفال الرائعين، وقطع الأثاث المتينة، والتُّحَف الفريدة التي تُبرِزُ الجانب الثقافيّ المفترَض وجوده عندنا"

تشخيص الذي قدمه "إيريك فروم" حول الإنسان المستَلب في عصر الرأسمالية، حيثُ صار الإنسان بلا ذات حقيقيّة في هذا المجتمع، فأمسى مستهلَكا ومستهلِكا بصورة مطلقة، بل صار منطق الحياة كلها قائما على مقولة: "املك واستعمل، أنا موجود أقلّ فأقلّ

لقد كان للنموذج الغربيّ -من خلال عولمة "الرأسماليّة"- قدرة كبيرة على رسم حدود الحياة المعاصرة بأكملها، فخُطِفَت السياسة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية بجانب العقل المسلوب بفرضيّات الوعي الغربيّ، وتآكلت المخيّلة الإنسانيّة أمام سطوة المال والاستهلاك، حتى بات من المستحيل تصوّر بديل آخر عن نمط الحياة الغربية، وقد كان -على سبيل المثال- صدور نظرية "نهاية التاريخ" تجلّيا واضحا لمعنى حتميّة الحداثة الغربية الممثّلة بـ "رأسماليّتها" المتمدّدة، فأصبح محض التفكير بنظام بديل نوعا من العبث عند كثير من الناس، فقد انتهى التاريخ ولم يتبقّ من المستقبل سوى تكرار نماذج الغرب وسيناريوهاته الماضية وإعادة قولبتها

خيالاتُ الرأسماليّة

"ما زالت البشريّةُ قابعة في كهف أفلاطون"

 تصور أفلاطون في أنّ المحتجَزين في الكهف يحتفون بالصور التي يرونها والخيالات التي تظهر لهم من خارج الكهف متصورين أنها حقيقة الأشياء، فيعدُّون ذلك كلّه حقائق أزليّة لا يمكن رفضها أو نقضها، وكذلك حال الناس في مجتمعات الرأسماليّة المعاصرة، حيث يقبلون ما تظهره لهم الشركات التجارية ووسائل الإعلام المحكومة بأجندات كثيرة على أنها حقائق لا يمكن تجاوزُها.

ساراماغو في روايته "الكهف" الأزمات التي يعيشها إنسان عصر الرأسماليّة والحداثة، حيث لا تظهر لنا سوى صور المادّة والاستهلاك وغياب الإنسان عن التأثير في هذا الوسط المادّي الرهيب. حيث تُظهِر لنا الرواية الحجم الهائل من التغيُّر الذي غزا حياة الناس، حيث يعمل العجوز سيبريانو ألجور في صناعة الخزف بيديه وانطلاقه بما ينتجه إلى ما يسميه بـ "المركز" حيث يقدّمه ساراماغو كصورة تعبيريّة عن المجتمع الاستهلاكي الذي طغت عليه قيم الحداثة، ليفاجَأ بعد مدة بأن مدير المشتريات في المركز يخبره بأن منتجاته لم تعُد مقبولة، فهي لا تجلبُ النفع أو الربح، خاصّة بعد قرار "المركز" استبدال الخزف بالبلاستيك المصنّع في المصانع الآليّة الحديثة

لقد قامت الشركات والنظُم الدعائية الجبّارة بمحوِ وعي الإنسان وخلق وعي جديد له، لقد جعلت منه كائنا نهما وجائعا إلى منتجاتها في كل موسم

لقد وقعت مجتمعاتنا اليوم -وبخاصة الرأسمالية منها- في فخ النزعة الاستهلاكية المتفشية وفي قبضة الميديا الإعلامية في محاولة لمنح الناس معنى لحياتهم، وقد ساهمت هاتان الوسيلتان في طغيان مظاهر التمركز حول الذات، وتراجعت الموضوعات ذات الأهمّيّة المجتمعيّة -مثل العدالة الاجتماعيّة- إلى الخلف كثيرا.  لقد نكص أفراد مجتمعنا اليوم إلى حالة من تضخيم الذات وتمجيدها مثلما فعل الأثينيّون من قبل تماما، وهذه الحالة هي تماما ما سعى "سقراط" إلى الوقوف بالضدّ منها عبر الفلسفةِ وأدواتها المعروفة، وهو ما تسبّب في قتله نهاية المطاف

عبادة المال

الكائن الاستهلاكيّ مسكون بالرغبات التي تُقْلِقُه كلها، فلا بلاغة الشعر أو روعة الفنّ أو روح الدين تسترعي قلقه، إنّ ما يقلقه على الدوام هو "الرغبة" التي تفترس وجوده "الزائف" من خلال سعيه في محاولة إشباعها بالاستهلاك المستمرّ، إلا أنّ ذلك أمر لا نهاية له، ممّا يجعل الإنسان "مملوكا" لما يملك من المال أو لما سيملكه عن طريق الاقتراض المصرفيّ، ويعد مثال أزمة "الرّهن العقّاري" التي افتتحت عصر الأزمة الرأسماليّة باعتباره أوضح النماذج على خطورة هذا الاستعباد النَّهِم

 مجتمعا فقدت اللغة فيه شاعريّتها وتخففت من مجازاتها، لتركّز على الأرقام في معرفة وزن الأشياء وطولها وثقلها وحجمها

تتمدّدُ "الرؤية النفعيّة" في مفاصل الرواية بأكملها، فلا وجود للمودة والمحبة في التعامل مع الآخرين حتى وإن حقّق ذلك ربحا معنويّا، فالربح مقصور على القيمة المادّيّة فقط، كما أنّه لا يمكن تحقيق مكاسب من الإيمان بهذه القيم، فذلك سلوك مبنيّ على الأوهام

 عبارات مستلزمات المال "المعبود": كم ثمنه، كم حجمه، كم يأكل، كم يكلّف، إلا أنّ الأهم من ذلك هو الإشارة إلى "الشاعر" وكأنه ليس أكثر من "ديكور" ومهرّج يسلّي ابنة صاحب الشركة الغنيّ

كتابه "فنّ الحب" مجادلة قويَّة في هذا السياق، حيث ينبّه إلى أنّ المشاعر الإنسانيّة كـ "الحب" تتأثّر بالبيئة التي يوجد فيها الإنسان. لذا، نشاهد تغيُّرات كثيرة لمفهومه في مختلف العصور والحضارات مما يؤكّد دور الأحوال الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة في تحديد وتقرير أشكال العلاقات العاطفيّة ونظرة الإنسان للحبّ.

يشير "فروم" بذلك إلى تغيُّر مفهوم الحب في الثقافة الغربيّة المعاصرة ذات الأنظمة الرأسماليّة، حيث تتحوّل جميع الأشياء النافعة والطاقة الإنسانيّة وفق هذه المنظومة إلى سِلَع تتمُّ مُقايَضَتُها أو الاستغناء عنها حسب محدّدات الطلب. يمكن وفق هذا الحال أن تتحوّل الطاقة والمهارة الإنسانية إلى أشياء لا قيمة لها وفق معايير السوق، ومن ثمّ لا غرابة في ملاحظةِ انتشار أسلوب المقايضة الذي يحكم سوق العمل ذاته في علاقات الحبّ والعاطفة الإنسانيّة، خاصّة أنّ الثقافة "السائدة" ترى في نجاح السوق المادّي القيمة البارزة لها، ارتكازا على فكرتي "النفع والمصلحة"، ومن ثمّ تتغيّر زاوية النظر للعلاقات العاطفيّة، فتقوم أيضا على الفكرة نفسها ممّا يؤثر في البناء الهرميّ للقِيَم، لتصبح الأشياء المادّيّة من "السِلَع المتكدّسة" أعلى قيمة من "الإنسانِ" ومشاعره وكل ما هو حيّ، ويفضي تقسيم العمل في المشاريع الكبرى إلى انتزاع هُويّة الفرد وشخصيّته، فيصبح كقطعة مستهلَكَة في آلة ما، بل يتحوّل هو نفسُه إلى آلة

*

لماذا نقع في حب مشاهير مواقع التواصل؟

مصطلح العلاقات شبه الاجتماعية (Para-social Relationships)، وعرَّفاها على أنها علاقة من طرف واحد، يبذل فيها أحد الأطراف "المتفرج" (Spectator) الاهتمام والوقت والطاقة العاطفية نحو طرف آخر "المؤدّي" (Performer) الذي قد لا يدرك أصلا وجود الطرف الأول (1). وبينما لا تمتلك هذه العلاقة القدر نفسه من الالتزام والمسؤولية الموجودين في العلاقات الإنسانية التقليدية، فإن هذا لا يمنع أن المتفرج قد يسعى، في سبيله لتعزيز هذه العلاقة الخيالية أحادية الاتجاه، لتوطيد أواصر الصداقة عن طريق محاولة التواصل مع المؤدي بالبريد الورقي قديما، أو بالتعليقات والرسائل المباشرة حديثا.


مذيعي التلفزيون والراديو وممثلي السينما المحليين، الذين يُعَدُّون نجوم ذلك العصر ومؤثريه، توسَّعت في يومنا هذا لتشمل كل مشاهير التلفاز والسينما من كل العالم،

 وسائل التواصل صارت أكثر انتشارا بوصفها أداة للمشاهير، فقابلية الوصول إلى الشخص المشهور تجعل من الأسهل أن يكون لديك تفاعل أو علاقة شبه اجتماعية معه". ولم يتوقَّف الأمر هنا، بل إن مشاهير العالم الافتراضي من المدونين ومؤثّري الإعلام الاجتماعي (Social media influencer)، الذين اكتسبوا الشهرة عن طريق "تيك توك" أو "إنستغرام" أو "فيسبوك"، صاروا جزءا من هذه الظاهرة الاجتماعية الفريدة.

بينما قد يكون المشاهير بعيدي المنال، فإنه في حالة المؤثرين، يبدو أن الحد الفاصل بين "الأصدقاء" و"المتابعين" يصبح أقل وضوحا، ويمكنك بسهولة، وبتشجيع من المؤثر نفسه، أن تتحوَّل من مجرد متابع مجهول إلى صديق معروف لهذا المؤثر، يقبل طلب صداقتك ويتفاعل مع تعليقاتك. وعلى الرغم من كونها صداقة افتراضية في واقع افتراضي، فإنها تمتلك بعض مقومات الصداقة الحقيقية، فالمؤثر يشارك متابعيه أفكاره ومشاعره وتفاصيل حياته، تماما كما قد يفعل صديقك الحقيقي، هذا الارتباط النفسي بين المؤثر ومتابعيه يجعل من السهل عليهم أن يتأثروا به كما يتأثرون بأصدقائهم الواقعيين.

رغبة دفينة وتعويض لعلاقات ناقصة

قد يدفعك هذا للظن أن هذه التفاعلات أو العلاقات شبه الاجتماعية خطرة، أو على الأقل غير صحية، لكنَّ للأمر جذورا أعمق في النفس البشرية، بل وربما يكون نزعة طبيعية للبشر

نحن نثق بالأصدقاء

عندما يتعلَّق الأمر باختيارنا لمنتج أو خدمة ما، غالبا ما نلجأ أولا إلى نصائح الأصدقاء لنستطيع حسم قرارنا، وبحسب الاستقصاء الذي أجراه موقع "ميديام" (Medium)، حيث سُئل 500 شخص عمَّن يُفضِّلون الاستعانة به عند أخذ القرارات، صديق أم خبير، بداية من قرار شراء هاتف أو أحد منتجات التجميل مرورا بقرار اختيار التخصص الدراسي وصولا إلى قرار شراء منزل أو الاستثمار في شركة ما، واعتمدت إجابات المشاركين على حجم القرار المطلوب اتخاذه ومدى الوقت والمال المُستثمَر في القرار والمتعة النابعة عنه، ضمن عوامل أخرى، ورغم ذلك، أجاب 75% من المشاركين بأنهم يثقون برأي الأصدقاء فيما يتعلَّق باتخاذ قرارات شراء المنتجات أو الخدمات 




*

 May 25, 2022

مرض هوس العشق 

 الفيلسوف الفرنسي المعاصر كليمون روسي (1939 – 2018) في كتابه «اللامرئي»


الأربعاء، 20 مارس 2024

6 عوامل رئيسية: الدعم الاجتماعي، والدخل، والصحة، والحرية، والكرم، وغياب الفساد. السعادة

 الرفاهية و التنمية المستدامة 

سيطرت الدول الاسكندينافية على مقدمة الترتيب، إذ حلّت الدنمارك ثانيةً، تلتها أيسلندا ثم السويد.

حلّ لبنان في المركز ما قبل الأخير، وجاء عربياً بعد الأردن (125) ومصر (127).

 فلسطين (103 عالميا)      5 - إسرائيل

 المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، ومنها إجمالي الناتج المحلي ومؤشرات التضامن والحرية الفردية والفساد.

6 عوامل رئيسية: الدعم الاجتماعي، والدخل، والصحة، والحرية، والكرم، وغياب الفساد.

القرب من الطبيعة والتوازن الجيد بين العمل والحياة يشكّلان مفتاح رضى الفنلنديين.

تشتهر الدولة الاسكندينافية التي تضم آلاف البحيرات وغابات شاسعة، بنظام رعاية واسع النطاق وثقة سكانها الكبيرة تجاه السلطة، ومعدلات منخفضة من عدم المساواة بين الفنلنديين

«نظرة الفنلنديين إلى مفهوم الحياة الناجحة يمكن أن تتحقق ربما بطريقة أسهل» مما هي في الولايات المتحدة مثلاً، حيث يُربط النجاح غالباً بمدى القدرة على جَني المكاسب المالية.

الثقة في المؤسسات، وقلة الفساد، وإمكان الحصول مجاناً على الرعاية الصحية والتعليم.

«المجتمع الفنلندي يتسم بالشعور بالثقة والحرية والاستقلالية».

لم تُدرَج الولايات المتحدة وألمانيا للمرة الأولى منذ أكثر من 10 سنوات بين الدول الـ20 الأكثر سعادة


الأحد، 17 مارس 2024

لقيت أي حاجة وقالولي خد دي

 موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، مقال رأي للكاتب ماجد مندور،

 مغالطة استمرار النمو المحفز بالدين

رأسمالية الدولة المتعسكرة المرتبطة عضوياً بالنظام السياسي في مصر، والتي يتم الحفاظ عليها من خلال ممارسة الدولة للعنف الجارف.

صغار الضباط في الجيش – أي أولئك الذين تناط بهم فعلياً مسؤولية ممارسة القمع – تم تلقينهم سردية النظام حتى باتوا أكثر ولاء له.

النضال المستمر من أجل فتح الحيز العام

 الحياة العامة في مصر.

*

العسكريون كأوصياء على الدولة

إعادة هيكلة الرأسمالية المصرية

السيناريو السوري

 يزيد صايغ

 «الاتحاد الاشتراكي العربي» الذي تحول لاحقاً في عهدي الرئيس أنور السادات وحسني مبارك إلى «الحزب الوطني الديمقراطي»

 مبادرة «الحوار الوطني» وقال في خلال انطلاق هذا الحوار كلمة تمنى خلالها الرحمة لروح الرئيس الراحل محمد مرسي

«النسخة السيسية من الناصرية» تفتقد (برأي الكاتب) إلى مواقف عبد الناصر المقاومة والمتصدية للامبريالية وتوجهه الملتزم للدعم وللدفاع الفاعل عن الشعوب والفئات المسلوبة الحقوق في مصر وفي العالم العربي والإسلامي عموماً وفي فلسطين خصوصاً.



الجمعة، 15 مارس 2024

الاستعمار بالفقر المستمر حيث تحظى المطالب العسكرية بالأسبقية على التنمية الوطنية

نتائج عرضية لحرب غزة: تفكك الصهيونية واستئناف الربيع العربي

انهيار إسرائيل أكثر خطرا على استقرار المنطقة من وجودها.

 كلما كان السلطويون أكثر فسادا كان ذلك أفضل، لأن هذا يسهل السيطرة عليهم ويبقيهم أكثر استعدادا للعمل ضد المصلحة الوطنية، وهو شرط أساسي في ما يتعلق بمصلحة إسرائيل

كشفت الحرب عن نقاط ضعف إسرائيل والاحتلال، وعن كونهما يعتمدان على عاملين خارج سيطرة إسرائيل من أجل البقاء: الدعم الغربي والانخراط العربي. ولا يمكن أن يستمر هذان العاملان إلى الأبد.

إذا انهارت إسرائيل، إما من خلال الصراع الداخلي أو تحت ضربات المقاومة الفلسطينية والاشمئزاز العالمي، فستحدث كارثة لليهود بأبعاد لا يمكن فهمها، بالإضافة إلى تغييرات شاملة في كامل النظام الإقليمي لأن جل العالم العربي منظم حول وجود الدولة العبرية.

دون وجود إسرائيل التي تتطلب الحماية، سوف تصبح الحاجة أقل إلى دكتاتوريين عرب.

الغرب  تتخلى عن الدول العربية في النهاية، ما يسمح بتطور حياة سياسية أكثر طبيعية في البلدان العربية ذات المستويات الطبيعية من الحرية.

انتخابات ديمقراطية وستفقد كل الجماعات والأنظمة المتطرفة التي تأسست على فلسفة مقاومة إسرائيل والغرب سبب وجودها وستختفي وستنتهي ظاهرة الجهاد في أوروبا.

تبقى إسرائيل والأنظمة العربية الحالية والجماعات الجهادية العنيفة العقبات أمام هذه الصورة الوردية للتحرر العربي والوئام الأوروبي – العربي. وليست الأنظمة العربية مستقرة، مثلها مثل إسرائيل.

مصر السيسي 

تعدّ من مكونات المشهد السياسي العربي المعاصر الأساسية، وتلعب دورا رئيسيا في حماية إسرائيل وقمع الديمقراطية العربية

في المقابل يتمتع السيسي بدعم الغرب وأصدقائه في الخليج. وتمكّن القدرات القسرية الهائلة التي يستغلها النظام المصري اليوم من الحفاظ على الوضع الراهن.

لكن الغرب والخليج لن يتمكنا من حماية نظام السيسي إذا نفد صبر الشعب المصري وقرر أن أهمية الثورة تفوق الخوف من القمع.

تعدّ المملكة العربية السعودية ركيزة للمشهد السياسي العربي المعاصر. ويستغل السعوديون ثقلهم الدبلوماسي والديني والاقتصادي لدعم المساعي الأميركية في المنطقة والحفاظ على الوضع الراهن.

لكن استقرارها مبني على نظام من الخوف يمكن أن ينهار بسرعة إذا تعثر تحولها الاقتصادي الذي كثر الترويج له (رؤية 2030) على الرغم من كل قدراتها الدينية والمادية.

ويمكن أن يؤدي أي اضطراب داخلي أو دولي، سواء بسبب السياسة الداخلية في الولايات المتحدة أو نتيجة تغييرات كبيرة في إسرائيل/ فلسطين، إلى انهيار النظام.

وهذا ما سيخلق “تأثير الدومينو” القوي على اليمن ومصر والعراق وسوريا والأردن والسلطة الفلسطينية.

رغم نجاح الثورة المضادة بعد الربيع العربي، إلا أن بعض الجيوب المرنة المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة مازالت تنتظر فرصة التعبئة والتحول إلى قوى على مستوى الدولة.

لقد تعطلت الثورة السورية بتواطؤ العديد من القوى (نظام بشار الأسد وإيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة ومختلف الفصائل السورية المتحالفة معها).

سيتغير الوضع في سوريا تماما إذا انهار هذا التوازن الهش.

ستتجدد الثورة، وسيتمكن الكثير من المقاتلين الذين مُنعوا سابقا من الانضمام إلى الجماعات غير الحكومية من حمل أسلحتهم، وهو ما سيضاعف كوادرهم وقدراتهم ويمهد الطريق لنهاية نظام الأسد.

بالنظر إلى مختلف الفصائل في سوريا واليمن وليبيا وقوة وكلاء إيران (مثل حزب الله في لبنان)، يمكن أن يفتح الانهيار الإسرائيلي صندوق باندورا مع انزلاق العديد من دول المنطقة إلى صراعات بين الجماعات المسلحة والجهادية العنيفة وإلى حرب أهلية.

يصعب الإقرار بنشوء شكل من أشكال الديمقراطية العربية من مثل هذا السيناريو. لكن إسهام الولايات المتحدة في دفع دعم الديمقراطيات الغربية غير المشروط لتل أبيب لن يؤدي إلا إلى تسريع الطريق المسدود الذي يسلكه الإسرائيليون. وقد اشتعل الفتيل بالفعل

وتلوح في الأفق حرب كارثية على العديد من الجبهات. وسينبثق واقع عربي جديد، يأمل أن يشمل الحرية الاقتصادية والسياسية، لكنه قد يولد وسط فوضى وسفك دماء بدرجة غير مسبوقة في المنطقة.