الجمعة، 28 ديسمبر 2018

فقه الواقع ما نحتاجه

الحكم علي الشىء فرع من تصوره 

رأي في الحديث ا كل عنده ادلته ولك كيف قيس قوة البرهان وموثوقيته

بل هناك قول في النبوة والقرآن

هناك كتاب في مصر والازهر كلامهم مسك واعتدال يكفي لتاثير

اما الدليل ففه كلام 

لماذا اللغة العربية للقرآن لان الله فضلنا الله اناني يحبنا العرب  نرجسيتا بل الانسا طبيعته الاعجاب بنفسه مصلحته 
لذلك صعب ان تقول له انت نملة لا شىء قرد

وما بالك بالتهامي والغناء 

الذكاء في حفظ كللمات الذوق في المجتمع والذكاء في الرد والتعرف الجميل علي الاشخاص في البيئة المحاطة بك

هناك قدوة في كيفية عمل صداقة والكلمات


الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

طبيب طوارىء

انتهت نوتبجيته فغادر المستشفى واستقل سيارته إلى عيادته التى تبعد حوالى عشرة كيلومترات يقطعها فى ساعة ونصف نظرا لزحام هذه المدينة الملعونة. دخل العيادة وهو يشعر بقهر هائل وعدم رغبة فى العمل، متعبا من الأدرينالين الذى تدفق فى دمه جرّاء هذه الأحداث العصيبة. وأخذ يوقع الكشف الطبى على مرضاه بملل ورغبة هائلة فى الخلاص، مكتشفا فى ذعر أن حياته تسير من المستشفى للعيادة للمنزل، والمقابل يكفيه بالكاد. ضاع شبابه يتلقى طاقة سلبية من أنّات المرضى وشتائم أهل الموتى. كم من حفل عرس لم يحضره! وكم من قريب توفى لم يشهد عزاءه! ومرت طفولة أبنائه دون أن يستمتع بها بسبب انهماكه فى العمل.
اصطبغت روحه بكآبة سرمدية وسأل نفسه لماذا أحيا؟ فلم يجد إجابة.
■ ■ ■
القصة من مجموعة (الهول الأخرس) للدكتور محمد شوقى. دار ميريت.

فلم بقايا يوم

الحقيقة الصعبة بالتأكيد هي أنه بالنسبة لأمثالك وأمثالي ليس أمامنا سوى خيار بسيط، هو أن نترك مصيرنا بالكلية في أيدي هؤلاء السادة الكبار عند صرة هذا العالم، الكبار الذين يوظفون خدماتنا، ما جدوى أن نزعج أنفسنا بما كان ينبغي أن نفعل أو لا نفعل لكي نتحكم في مسيرة حياتنا؟

 فنى شبابه وكهولته في خدمة اللورد، وكان يرى أن هذا هو دوره الحقيقي.
هناك مقولة في علم الفلسفة تقر أنه «كل إنسان فيلسوف بشكل ما»، وقد طبق بطل الرواية تلك المقولة بشكل حرفي، كان «مستر ستيفنس» يفلسف كل شيء حسب وجهة نظره الخاصة ويخترع مذهباً يرضي به حاجته الإنسانية للتقدير، ولما كانت الرواية تتبع أسلوب «المونولوج الذاتي» فقد استطاع الكاتب أن يلقي على القاريء وجهات نظر البطل في مواضيع شتى، كالكرامة مثلاً.
كان البطل يفلسف معنى الكرامة باختصار على أنها القدرة على خدمة السادة بمنتهى الإتقان وعدم الوقوع في الأخطاء مطلقاً، عدم اهتزاز صورته أبداً، بمعنى آخر يمكننا أن نقول أن البطل كان يخشى أن يخطئ حتى لا يوبخه أحدهم ويكتشف فجأة أنه «خادم»، فقام بفلسفة فكرة الكرامة في قالب يناسب حاجته إلى الشعور بأهميته وقيمته الإنسانية.
هنا بالضبط يمكننا كقراء أن نغلق الكتاب ونأخذ نفساً عميقاً ونعترف للكاتب أنه «جه عالوجيعة»، هذا ما يحدث بالضبط كل يوم، بل كل ساعة، في كل شيء في حيواتنا، نحن نقوم بلي عنق الحقيقة كثيراً حتى نقبل أنفسنا، حتى نستطيع أن نشعر أننا مهمين، أننا ذوي قيمة، وأننا أعزاء.

أنت في الرواية.. وفي المرآة

 كل تلك الأمور تجعلك تفكر هل قراراتك كلها سليمة؟ هل أنت جبان خانع أم أنك مجرد ترس في عجلة الدنيا؟ استخدم الكاتب الفلسفة في أرقى صورها، دون الكثير من التنظير، وبتماس شديد مع واقعك اليومي، تماس يجعلك تخاف أحياناً من أن تكون مخطئاً، أو أن تكون غير ذو قيمة، أو – على الأقل – أن تكون مخدوعاً.
، عندما يكتشف فجأة أنه لم يكن مهماً بتلك الدرجة التي جعلته منهمكاً في دوره كرئيس خدم، قصة الحب الرقيقة جداً التي لم تتبلور سوى في ثلاثة مشاهد على الأكثر والتي لم يعرها البطل الاهتمام الذي يليق بها وقتها، والذي جعله يجلس على الجسر باكياً في آخر مشاهد الرواية، كم فرصة ضيعت أنت في سبيل أفكاراً اكتشفت بعد زمن أنها لم تكن بتلك الأهمية؟ كم تشبه حياتك حياة «مستر ستيفنس» رئيس الخدم؟ تلك هي المسألة.
كان الفيلم من الأفلام القليلة التي خدمت الروايات التي أخذت عنها، هذا الصراع الأبدي بين الرواية المكتوبة والمرئية، وتفوق إحداهما على الأخرى، لم يكن الانتصار تلك المرة من نصيب أحداهما على حساب الأخرى، فقد كان الفيلم متقناً كالرواية تماماً، بل خدمها وأخرجها للنور دون أن ينتقص منها شيئاً.

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018

Death Note

ربما أفضل ما في الأعمال الفنية والأدبية هي قدرتها على طرح أسئلة "ماذا لو؟" ومحاولة بناء إجابة منطقية لها في فضاء الخيال،
فكرة الهة الموت والتحكم والقوانين وبعض المواقف العميقة فلسفيي وجودة التمثيل وقةته 
. فهل العدالة هي الانصياع التام للقانون حتى وإن أدت ثغراته إلى إفلات المُذنب كما حدث مع قاتل أبوي "ميسا"- الفتاة التي وقعت في حب كيرا كونه قد أنزل عقابه على الشخص الذي قتل أبويها وبرأَّهُ القانون؟ أم هل العدالة هي تخطي ذلك القانون بإنزال العقاب النهائي بالموت على أي مُذنب بغض النظر عن جريمته كما يفعل لايت\كيرا؟ هل العالم المثالي هو ذاك الذي يُترَك فيه الأفراد أحرارًا يفعلون ما تُمليه عليه ضمائرهم، وإن انحرفوا عن جادة الصواب يقعون تحت طائلة القانون، عبر عمليات بيروقراطية عقيمة قد تؤدي أو لا تؤدي لعقابهم؟ أم هل العالم المثالي هو ذاك الذي يحكم أفراده خوف من عقاب يُكبِّلُ إرادتهم ويجعل من القانون شيئًا ثانويًّا عديم الفائدة؟

لا يتردد لايت عن إجابة تلك الأسئلة، فعالمه المثالي هو عالم خالي من الجريمة بغض النظر عن أي سبيل سيشقه إليه. فبعد أن وهبه إله الموت أداة القتل الأكثر فتكًا، وجد لايت نفسه أسيرًا لغواية السُلطة المُطلقة على حيوات الناس، وتمامًا كإله، أخذ يحدد من يحق له البقاء ومن سيُنزل عليه عقاب الموت. الأهم من إحساسه النرجسي بالسُلطة كان اتساقه مع ذاته وقيمها، فبما أنه كان يرى أن العالم الحالي هو عالم عفن يفيض بالجرائم التي يُفلت مذنبوها من العقاب، وبما أنه صار الآن يملك أداة ستمكنه من تصويب هذا، لا يتردد لايت كثيرًا قبل أن يقرر استخدام "مفكرة الموت" لتحقيق عالمه المنشود.

لكن المُفارقة التي فاتت لايت وتمكن "إل" من التقاطها هي أن وسيلة لايت إلى عالم خالٍ من الجريمة-القتل عن طريق "مُفكرة الموت"-هي في حد ذاتها جريمة، وأن في عالمه المثالي الذي طهره من المُجرمين سيكون هو فيه المُجرم الوحيد.

شق لايت إذن طريقه لعالمه لا عبر فلسفة كانط في الأخلاق التي تقول "عِش حياتك كما لو أن كل تصرف من تصرفاتك سيصبح قانونًا عالميًا"(2)، بل عبر فلسفة جيرمي بينثم النفعية التي ترى أن الخير هو ببساطة "أكبر قدر من المنفعة لأكبر عدد من الناس"(3). ولهذا، لا يبالي لايت لوقوعه في فخ التناقض، فتناقضه حينها الناتج عن استخدامه الجريمة التي ستجعل منه المُذنب الوحيد المُتبقي، تبرره غايته في الوصول لعالم يعيش كل سُكانه بسلام وأمان، وبهذا يحقق أكبر قدر من المنفعة (عالم بلا جريمة)، لأكبر عدد من الناس (كل من هو ليس مجرم).(4)(5)









فلا إل يمثل الخير المُطلق حتى يحملنا على التعاطف معه، ولا لايت يُمثل الشر المطلق حتى يجبرنا على أن ننفر منه. هذا لأنه بالنظر لدوافع "إل" و"لايت" الشخصية، لن نصادف سوى اللون الرمادي الباعث على الحيرة.

فـ "إل"، المُحقق العبقري الذي لم تستعصِ عليه قضية من قبل، يحاول الإمساك بـ "كيرا" لا بسبب وازع أخلاقي ما أو رغبة في انقاذ الناس من قدرات كيرا المُدمَرة، بل فقط ليُثبت ذاته بعد أن صار كيرا يمثل تَحديًا لها. ولايت لا ينبري في قتل الناس رغبة في الوصول لأي منافع شخصية قد تتيحها له المفكرة بكل سهولة -كما فعل عضو مجلس إدارة شركة "يوتسبا" مثلًا الذي ما أن حصل على المفكرة حتى أخذ يقتل منافسيه لتزداد أرباح ونفوذ شركته، وكذلك ميسا التي استغلت المُفكرة لتتقرب من كيرا- بل يفعل هذا كانعكاس لقناعاته الشخصية بكون هذا هو الصواب وإن كان يعرف في قرارة نفسه أن ما يفعله يعد جريمة. ولهذا، فما يُحرِّك الحبكة ويدفع الأحداث للأمام ليس صراع الخير والشر المُعتاد، بل صراع اثنين من العباقرة كل منهم يريد تدمير الآخر فقط إثباتًا لذاته.


عندما قال: "حل القضايا الصعبة هوايتي، ولو قمتم بقياس أفعالي على مقياس الصواب والخطأ كما ينص عليه القانون، ستجدونني مسؤولًا عن جرائم كثيرة. فكما تجدون أنتم مُتعتكم في حلّ الأحاجي أو إنهاء لعب الفيديو أسرع، أجد أنا متعتي المُطوّلة في حلّ القضايا. ولهذا، فأنا لا أقبل سوى القضية التي تُحرِّك اهتمامي، بغض النظر تمامًا عن العدالة. ولهذا أيضًا، لن ألعب بنزاهة في سبيل إغلاق قضية ما، فأنا شخصٌ غَشَّاش ومخادع يكره الخسارة."


بل وتكاد العدمية أن تكون المُحرك الرئيسي للأحداث. فقد بدأ الصراع من الأساس عندما أحس ريوك إله الموت الذي مُنَح الخلود بالسأم من عالم آلهة الموت الرمادي، ولم يوقع بمفكرة الموت خاصته لعالم البشر سوى كي يحصل على بعض المتعة. تُصبح حيوات كل من ستقتلهم المُفكرة إذن ثمن يدفعه البشر لتتسلى الآلهة على غرار ميثولوجيا اليونان القديمة.








الجمعة، 21 ديسمبر 2018

الحقائق للناس فاروق جويدة

مقال فاروق جويدة قضايا غائبة عن الحكومة

طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي من المسئولين في الدولة أن يكونوا علي تواصل دائم مع المواطنين وأن 
تكون لديهم القدرة والبيانات والحقائق والمعلومات للرد علي تساؤلات كل مواطن.. واعتبر الرئيس أن ذلك من صميم المسئوليات في إدارة شئون الدولة وأن من حق المواطن أن يعلم كل ما يدور حوله،

أقول ذلك وأنا اشعر بأن هناك قضايا كثيرة غائبة ينتابها الغموض ولا أدري السبب في ذلك هل هو تقصير من مؤسسات الدولة المسئولة أم إنه الإعلام الذي لم يعد يبحث عن الحقائق بقدر ما يهتم بالصخب والضجيج .. إن أكبر القضايا تأخذ كلمات قليلة علي لسان مسئول أو سطور في صحيفة أو صورة علي الشاشات ويبقي خلف ذلك كله كثير من الحقائق التي لا أحد يعرف عنها شيئا .. إن الأخطر من ذلك أن هناك قضايا جماهيرية تخص الملايين من المواطنين ولا احد يهتم بها وبعد ذلك كله تبقي سلسلة من التساؤلات أمام الرأي العام لا أحد يجيب عنها..

منذ شهور قليلة بدأ الحديث عن الصندوق السيادي الذي قررت له الدولة 200 مليار جنيه ليكون حارسا أمينا علي الأجيال المقبلة من خلال موارد ثابتة ومصادر مالية تغطي نشاطه ودوره في الاقتصاد المصري، وفي أكثر من مناسبة طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بسرعة اتخاذ الإجراءات من جانب الحكومة لحماية أصول الدولة والبحث عن افضل الوسائل لتدويرها واستثمارها.. وهذا الصندوق بهذه الميزانية الضخمة سيكون مسئولا عن تدوير الاستثمار وتشغيل أصول الدولة المصرية بما في ذلك مشروعات سوف يتم عرضها في البورصة وفيها شركات البترول والبنوك وأصول أخري سوف تدخل في اختصاص الصندوق الجديد ..
لا شك أن فكرة تأمين الأجيال المقبلة وحماية أصول الدولة أمور تفعلها الدول لحماية مصادر الثروة ولكن هذا الصندوق يحتاج إلي توضيح أهدافه وأصوله وتبعيته ودوره وإدارته، وهذه مسئولية مجلس الشعب أولاً والإعلام ثانياً لأنه لا داعي للغموض في مثل هذه القضايا، إن الحديث عن أصول الدولة يتطلب توضيحا عن نوعية هذه الأصول ومصيرها وهل هي عقارات أم منشآت أم شركات أم وسائل إنتاجية أم أراض، وما هي علاقة ذلك بدور القطاع الخاص الذي سيدخل شريكا مع الدولة وهل الشراكة بالبيع أو الاستثمار أو المساهمة.. لقد عانينا فى تجاربنا السابقة مع برنامج الخصخصة وكان وبالا علي الاقتصاد المصري وبيعت فيه أصول بتراب الفلوس ولا ينبغي أن تتكرر الأخطاء وهذا يتطلب قدرا كبيرا من الشفافية والوضوح أمام الرأي العام.. ينبغي أن يخرج علينا كبار المسئولين ويناقشون أهمية ودور الصندوق السيادي حتي تطمئن الضمائر وتهدأ النفوس..
علي الجانب الآخر فإن أملاك هيئة الأوقاف تتحدث الآن عن أصول تبلغ ترليون جنيه والرقم ضخم جدا ويتطلب دراسة عن جوانب استثماره وهل هناك علاقة بين أموال وممتلكات الأوقاف والصندوق السيادي الجديد أم انها جهات منفصلة عن بعضها..ولماذا لا يتم التنسيق بين هذه الأوعية الاستثمارية بصورة أو أخري.
انتفضت الحكومة أخيرا لاتخاذ خطوات جادة في قضية تنظيم الأسرة وكلنا يعلم انها تعثرت كثيرا حتي وصل بنا الحال إلي رقم المائة مليون مواطن، والواضح أن الإجراءات بدأت تتسم بالجدية، ولكن في تقديري أن هناك قضيتين لا يمكن الفصل بينهما وهما تنظيم الأسرة ومشكلة الأمية لأن مجتمعا فيه 40 مليون مواطن لا يقرأون ولا يكتبون لا يمكن إقناعه بقضية مثل تنظيم الأسرة.. ابحث عن الأمية فهي وراء كل الكوارث..
الخلاصة عندي .. أن هناك قضايا ينقصها الوضوح والشفافية أمام الرأي العام هناك جهد كبير تبذله الحكومة في كل القطاعات وهناك أداء متميز في أكثر من وزارة ولكن هناك مسافة كبيرة بين ما يحدث من انجازات وما يصل للناس من الحقائق .. إن الاكتفاء بأخبار سريعة علي مواقع التواصل الاجتماعي شىء لا يكفي، هناك ما يشبه التعتيم علي انجازات لا يعرف الناس عنها شيئا .. إن تركيز الإعلام علي المهاترات والشتائم والبذاءات، وهي أشياء لا تليق بنا كشعب ولا يليق بإعلام مصر العظيمة من شتائم للدول والحكام والأشخاص، يثير الكثير من الألم لأن قضايا الناس أهم وهم الذين يدفعون الضرائب لهذه الشاشات وقد أقيمت من أموالهم ويجب أن تكون صوتا لهم..
لا خلاف بيننا أن هناك أداء جيدا وهناك مواجهة حقيقية للكثير من المشكلات والأزمات ولكن الصخب الإعلامي يغطي علي كل شىء وعلي الدولة أن تعيد النظر في إعلامها الذي يتهاوي دوره وتأثيره يوما بعد يوم..
إن أفضل أساليب المواجهة أن نكشف الحقائق وأن تكون المصداقية هي هدف كل مسئول يسعي لخدمة هذا الوطن لأن نصف الحقيقة لا يفيد ولأن غياب المصداقية يفقد الكلمة تأثيرها ودورها في الحياة..
> إن أمام الحكومة مسئولية كبيرة في توصيل الحقائق للناس وهذا دور المسئولين لأنه من الظلم لهم ولنا أن تغيب انجازات تستحق التقدير وتغيب قضايا تهم الملايين من المصريين ولا أحد يهتم بها، وهذا هو دور الإعلام الحقيقي أن يكون صوتا للحقيقة وضميرا للمواطن وأن يواجه قضايا المجتمع بالعقل والحكمة وليس بالصخب والضجيج..

+++++++++++++++++++++++++++

الصندوق السيادي المصري.. تساؤلات تبحث عن إجابة

 
تشير التعريفات المتباينة إلى أن الصندوق السيادي أو صندوق الثروة السيادية عبارة عن كيان قانوني يتم إنشاؤه لإدارة أصول الدولة الكبيرة بغرض استثمارها للمستقبل، وعليه فإن الدافع الرئيسي لإقامته يتمثل في وجود فوائض مالية للدولة تسعى للحفاظ عليها ومضاعفتها للأجيال القادمة.

ومن ثم يُلاحظ أن أغلب الصناديق السيادية في العالم توجد في دول غنية، إذ تشكل إيرادات النفط والغاز نحو 65% من إجمالي أموال الصناديق السيادية في العالم، وغالبًا ما تكون استثماراتها في أمور منخفضة المخاطرة على شاكلة الاستثمار في أدوات الدين والسندات الحكومية أو أسهم شركات ناجحة في البورصة أو عقارات وغيرها.

كما تشير الإحصاءات إلى أن حجم الصناديق السيادية في العالم يتجاوز 7 تريليونات دولار في بعض التقديرات، فيما يعد صندوق معاشات التقاعد النرويجي أكبرها على الإطلاق، إذ يبلغ حجمة نحو تريليون دولار، أما عربيًا فيعد صندوق أبو ظبي الأكبر والثالث عالميًا بإجمالي أصول 683 مليار دولار، يليه صندوق النقد السعودي في المركز الخامس عالميًا بأصول 494 مليار دولار.

السؤال هنا: هل لدى الاقتصاد المصري فائض يسمح له بتدشين صندوق سيادي لإدارة الثروات؟، بالطبع لا تحتاج الإجابة إلى عناء شديد، إذا علمنا أن الحكومة المصرية مدينة بعشرات المليارات من الدولارات للخارج والداخل على حد سواء، وتعاني من نسب عجز مرتفعة حتى إن انخفضت نسبيًا في السنوات الأخيرة، وفق الإحصاءات الرسمية.

تؤكد الهرولة نحو القروض الخارجية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه داخليًا على مشروعات التعليم والصحة والبنية الأساسية أن الدولة لم تكن في وضعية اقتصادية تسمح لها بتدشين مثل هذا الصندوق، ويبدو أن القائمين عليه تناسوا أن تلك الصناديق تُخلق عندما يتاح للحكومات ثروات تتجاوز قدرة الاقتصاد المحلي على استيعابها، فيتم توجيهها للخارج بغرض تعظيم العائد عليها.

الموارد.. ما مصادرها؟

رغم الإعلان ابتداءً أن الصندوق سيتم تدشينه برأسمال قدره 200 مليار جنيه (11.2 مليار دولار تقريبًا)، فإن الحديث عن مصادر التمويل والموارد الخاصة بهذا الكيان كان تساؤلًا حاضرًا على ألسنة الكثيرين، تعزز القلق بشأن هذا السؤال مع إشارة وزارة التخطيط إلى أن موارد الصندوق تشمل، بخلاف رأس المال المصدر، الأصول التي تنتقل ملكيتها للصندوق (دون تحديد ماهيتها)، كما تشمل عائدات وإيرادات استثمار أموال الصندوق واستغلال أصوله (دون تحديد كذلك)، إضافة إلى العائدات المرتقبة من إسهامه في أي من الصناديق الاستثمارية أو الشركات الأخرى.

الغريب أن الحكومة حددت رأس المال المصرح به بالجنيه المصري، فيما أعلن مدير الصندوق نيته رفع رأسماله إلى أضعاف القيم الحاليّة، وحدد هدفه بالجنيه المصري، ما يعني أن استثمار ما يتاح للصندوق سيكون داخل البلاد لا خارجها، وهو ما يتعارض مع تصريحات المسؤولين ومع طبيعة الصناديق السيادية في مختلف دول العالم التي تتعامل بالعملات الدولية في محاولة لفتح آفاق الاستثمارات الخارجية.

المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان قال في تعليقه على سؤال الموارد أنه يتوقع زيادة رأسمال الصندوق المرخص به إلى تريليون جنيه (62.15 مليار دولار)، من 200 مليار جنيه حاليًّا خلال ثلاث سنوات أو أقل حسب الشهية الاستثمارية واستجابة المستثمرين، مضيفًا "القطاعات التي سنعمل بها هي الصناعة والطاقة التقليدية والمتجددة والسياحة والمناطق الأثرية".

وأضاف في رده على سؤال لـ"رويترز" "رأسمالنا المدفوع خمسة مليارات جنيه منها مليار جنيه دفعته الحكومة والأربعة مليارات الأخرى سيتم سحبها وفقًا لاحتياجاتنا والمشروعات المتاحة. نتوقع رفع رأسمالنا المرخص به إلى تريليون جنيه خلال ثلاث سنوات أو أقل.. كل ذلك يتوقف على استجابة المستثمرين والشهية الاستثمارية".

ما معايير نقل أصول الدولة للصندوق؟

في المادة الخامسة من قانون تدشين الصندوق، فإن من حق رئيس الجمهورية نقل ملكية أي من أصول الدولة غير المستغلة للصندوق، وهو ما دفع البعض للتساؤل بشأن مستقبل المباني والأراضي الحكومة التي تمتكلها الحكومة في القاهرة بعد نقل مقار الوزارات والهيئات الحكومة للعاصمة الإدارية الجديدة.

تخيم على الشارع المصري حالة من القلق بشأن مستقبل أصول وممتلكات بلاده التي تقدر بنحو ما يقرب من 90% من أراضي الدولة، وسط حالة من الغموض المخيم على الأجواء المحيطة بإنشاء هذا الصندوق الذي لم تتضح بعد طبيعة تلك الأصول ولا قيم أو حتى توقيت نقلها، كما أنه لم يحدد دور السلطة التشريعية في عملية النقل تلك، وهو ما يجعل السيناريوهات كافة مباحة.


الجمعة، 14 ديسمبر 2018

فلم “ the invention of lying”

لكن العلاقات التي تنشأ بين الناس تطغى عليها العاطفة التي تجبرنا على اختلاق ما يبعث على البهجة أو يخفف من الألم لدى الآخرين.
إن حاجة الإنسان للشعور باللذة في لحظات الألم أوجدت للكذب مبرراً أخلاقياً، فرحنا نرسم لوحة سعيدة لأشد الصور حزناً في حياتنا.
لكن كيف ستبدو الحياة لو كنا لا نعرف سوى أن نكون صادقين؟ كيف ستصمد علاقاتنا لو أننا لا نتقن الكذب؟


وكيف سيكون العالم أجمل لو أنها جربت الكذب!

 فهو يجد نفسه يخبر والدته المريضة بأنها ستموت قريباً وتفنى للعدم، فليس هناك وجود لحياة أخرى حيث لا يؤمن أحد بهذا المجتمع بحياة أخرى للروح، ولا جنة يرتاح فيها الناس. فحقيقة الموت مؤلمة ومخيفة حيث لا وجود لفكرة تخفف من ألمها.

لا خجل

وبعد عدة مشاهد تصف الحياة في هذا العالم المثالي الصادق، حيث ينعدم فيه وجود أي فكرة للشر، فتخلو المدينة من وجود اللصوص وينتشر الأمن بين الجميع فالشعور بالأمن نابع من وجود الثقة السائدة بين الناس. فحتى أن المصارف تثق بالناس ثقة عمياء، مطبقة حرفياً مبدأ العملاء دوماً على حق. ويتضح هذا المشهد حين دخل البطل إلى المصرف وطلب أن يسحب رصيده البنكي، لكن النظام كان معطلاً، إلا أن الموظفة طلبت منه بعد أن اعتذار: أن يقول لها المبلغ الذي يريده كي تقوم بسحبه من رصيده الذي تجهله ! هكذا ببساطة ودون أن يكون عليها التأكد من صحة كلامه، فالأصل أن الناس في هذا العالم لا يكذبون أبداً.  وحين أراد أن يقول لها المبلغ اكتشف في هذه اللحظة ” مقدرته على الكذب” حين نطق برقم يفوق ما هو موجود بالحساب. فأدرك عندها البطل أنه قادر على ” مخالفة ما يمليه عليه عقله” .  إلا أنه رغم ذلك ما زال يجهل ما أصابه، ولا يعرف كيف يشعر بعد خروجه من البنك، فلم يكن يعرف كيف يصف الحالة التي انتابته وأن يعثر على الكلمة المناسبة لها، مما دفعه إلى الذهاب إلى مجموعة من أصدقائه ويحاول جاهداً أن يصف لهم الموقف، لكنه يعجز عن شرح ذلك، فيلجأ بطريقة كوميدية بالكذب عليهم  ويكرر ذلك باختلاق قصص قائمة على الكذب لينتهي به الأمر بعد كل قصة لأن يعجز عن إيصال ما يريده فلا أحد فهم ما يقول، حيث كانوا في كل مره يصدقون ما يقوله، حتى لو كان خارجاً عن المألوف، وغير متصور حدوثه أو استيعابه كأن يقول البطل” بأنه شخص زنجي “ رغم بياض بشرته، فالجميع ظن بأنه يعني أن أصله زنجي!

رغم أن فلم “اختراع الكذب” يعد فلم كوميدي، مليء بالمشاهد المضحكة الساخرة، إلا أنه يطرح فكرة فلسفية عميقة تحرك بداخلنا أسئلة عديدة تجعلنا نعيد النظر مرة أخرى لمحاولة فهم مواقف كثيرة في حياتنا، نجد فيها صعوبة كبيرة في استعادة الثقة بالشخص الذي يكذب بغض النظر عن الأسباب، لأننا نفقد القدرة على تصديقه مره أخرى. ولطالما احترنا أمام موقف لم نجد له المسوغات أو المبررات التي تبيح ممارسة الكذب الذي نٌجمع كلنا على الانكار عليه.
إن مشاهدة “اختراع الكذب” يصور لنا كم ستبدو الحياة قاسية لو لم نخترع الكذب، وأن العيش مع هذه المعضلة الأخلاقية سهل، شرط أن لا نسيء استخدام الكذب لمصلحة قد تلحق الضرر بالآخر، بدل أن ندخل البهجة والسرور في قلبه.

الجمعة، 23 نوفمبر 2018

الدين والانسان عنوان كتاب

شروع التنوير الغربي الذي ارتسمت ملامحه بوضوح في قرن التنوير/ القرن الثامن عشر؛
 الهم الذي سيطر على الرواد الأوائل لمشروع النهضة العربي لم يكن تحرير العلم من هيمنة المرجعيات الكهنوتية، ولا التصدي للاستبداد ولواحقه، ولا تحرير الإنسان الفرد وتثبيته كقيمة عليا ذات مرجعية مكتفية بذاتها؛ بقدر ما كان الهم المسيطر على تفاصيل المشروع يسير في صوب مقصد شرفي/ فخري يتمثل في محاولة استعادة أمجاد الأمة (الحقيقية أو المتوهمة!) التي طواها الخمول

النهضة للأسف، لم تكن تسعى لتضاهي زمن النهضة الأوروبي الذي تخلّقت بداياته الأولى في إيطاليا؛ إلا بمقدار ما تضن أنه كفيل باستعادة المجد الأممي التليد الذي تمثل استعادته رد اعتبار للذات. 

يشير الباحث المصري/ نصر حامد أبو زيد إلى أن أهم عناصر التحدي التي فرضها المد الاستعماري في عنصر "الدين" هو اتهام الإسلام بأنه سبب التخلف. وأن هذا التفسير الذي فرضه الوعي الأوروبي لإشكالية "التخلف" في العالم الإسلامي

جوهر التنوير هو الإنسان، الإنسان في تحققه العيني كفرد، فإذا غاب "الإنسان كفرد = الإنسان في كل فرد" غاب التنوير

الثقافة العامة التي تترسخ في الأعماق وتتحكم في الطارئ الثقافي، كانت ثقافة جماعية تستريب بـ"الفرد الحر/ المستقل"، وترى أن قيمته كفرد غير ذات معنى؛ ما لم تكن هذه القيمة تُشكّل نضالا عن المجموع/ الكلي للإنسان الذي تحوّل إلى دالٍّ لا يرى تحقق مدلوله في الواقع.


العرب بين الحداثة والواقع التقليدي

من موقع الحرة
كثير من الرواد التقدميين لم يكونوا تقدميين في العمق، فهم وإن 
رفعوا أحدث الشعارات التقدمية فقد كانوا يكتنزون أنظمة الوعي  العتيقة +كانت خطة ليقرأهم العوام وينتشروا 
إن تغيير القناعات الراسخة التي تجذرت في الوعي عبر مئات السنين ليس بالأمر اليسير؛ كما توهم ويتوهم كثير من رواد الأيديولوجيات التقدمية الذين تصوروا أن نشر الأفكار التنويرية/ التقدمية عبر وسائل النشر النخبوية التي تمارس دورها بأبوية استعلائية، كفيل بتغيير نظام الوعي العام الذي تناسل ثقافيا في تراث أجيال وأجيال.
لا يمكن لمحاضرة عابرة، أو مقال في صحيفة، أو كتاب مخاتل، أو حتى درس منهجي يتيم (والذي لا يصل تأثيره إلا إلى عدد محدود، وفي دقائق محدود)، لا يكمن لكل هذا مجتمعا أن ينافس ثقافة عامة/ موروثة يتشربها الطفل رضيعا، ويشب عليها، ويتعامل بمنطقها مع محيطه الاجتماعي؛ حتى في أدق التفاصيل.

إن هذه الثقافة الموروثة ليست ثقافة ساعة عابرة من نهار، وليست ثقافة مرحلة أو محطة من محطات العمر، بل هي ثقافة تتكاثف لتحكم كل المراحل العمرية، وتتكرر مؤثراتها القولية والفعلية على مدى أربع وعشرين ساعة في اليوم (بما في ذلك منطق الأحلام)، حتى تتجسّد عادات وتقاليد وأعرافا، و"أصعب شيء في مسار تحولات التاريخ البشري هو تغيير العادات والتقاليد، لا سيما ما ترسّخ منها في العقلية الشعبية، وخصوصا ما حظي منها بصفة المقدّس، وما اندغم بترابها واندمج في تراثها، مصدر هوية الجماعة وحافظ ذكرتها التاريخية، ذاكرة المكان حيث يحقق الإنسان وجوده"(التراث العربي، خليل أحمد خليل، ص153).

لا ريب أن الإسلام يمثّل أكبر منعطف روحي وفكري في تاريخ العرب. ومع هذا لم تكن المتغيرات الروحية والفكرية التي أحدثها قادرة على تجاوز الأنساق الثقافية الموروثة التي بقيت في العمق تشتغل من خلال الوسيط الأدبياتي الإسلامي، أو على الضد منه في صراع صريح معه على أرض الواقع. وحتى في لحظات القداسة الأولى، وفي وقت كانت فيه الانعطافة الروحية/ الفكرية في أوج توهجها القدسي، وعلى يد كثير ممن أرسى الدعائم الأولى، كان المكنون الثقافي الأعمق يطل برأسه؛ مهددا كل المكتسبات التي بدت للوهلة الأولى وكأنها استقرت في أعماق النفوس، وتمكّنت من ضبط معادلات الواقع.
يمكن اعتبار ما يسمى بـ"الفتنة الكبرى" نموذجا للثقافة الأعمق عندما تكشف عن نفسها في عناد واضح وصريح مع الطارئ الثقافي/ الروحي الذي مثّله الإسلام. فبعد غياب المُلهِم/ النبي ـ ص ـ مباشرة، عادت معادلات الواقع ـ المحكومة بمنطق الثقافة المطمورة حديثا ـ لتشاغب المشروع الجديد في عَصَبه الرئيس/ تشكيل النظام السياسي ذي المرجعية الروحية. ثم كانت المفاجأة الفتنة الكبرى التي صدمت حتى أولئك الذين أصبحوا أهمّ أدواتها؛ عندما بدأ منطق الاحتراب (المتضمن منطق العشائرية الأولى المناقض لمنطق التضامن الروحي) يحاول إعادة نفسه إلى الواقع على حساب أهم وأقدس مبادئ الدين الجديد
إن هذه الواقعة بأحداثها المتتالية/ المتعاقبة صدمت وأربكت وأحرجت ـ ولا تزال تصدم وتُربك وتحرج ـ الضمير الإسلامي الذي يحاول تفسيرها وتبريرها، بل والقفز عليها بتزييف السرديات التاريخية أو تحويرها؛ تحت وطأة منطق مضمر يهمس قائلا: إن ما حدث ما كان يجوز أن يحدث أبدا. ورغم كل محاولات التفسير التبريري، ورغم كل محاولات القفز والتزييف والتحوير، لا تزال هذه الانتكاسة/ الواقعة الجارحة للضمير حيّة إلى اليوم، حتى في أدبيات المتأسلمين؛ بشكل صريح أو غير صريح.
عرب اليوم لا يزالون؛ كما كانوا، يصنعون صورا تبجيلية عن أنفسهم، وصورا تبخيسية عن الآخرين، ثم يعتقدونها حقائق واقعية لا تقبل الجدال
نجد التونسي الذي يقدم نفسه كإسلامي تقدمي/ صلاح الدين الجورشي، يقول عن هذه الفتنة الكبرى: "حدثت رجفة حقيقية كشفت طبيعة التوحش الكامن في الإنسان العربي، رغم القناعات الدينية. وبعد عشرين سنة فقط من محاولة رفع البناء والسماح للنواة بالنمو، حدث الانفجار الرهيب" (الإسلاميون التقدميون، صلاح الدين الجورشي، ص164).
إلى اليوم لا تزال النظرة التقليدية التبجيلية (التي قد لا تكون صريحة، بل هي متضمنة أحيانا حتى في مشاريع نقد التراث) تقف حائلا دون تأسيس وعي حداثي حقيقي. وإذ "لم تكن الأخبار التاريخية عند الرواة المسلمين الأوائل غاية في ذاتها، بل انحصرت قيمتها في تكوين صورة تاريخية دالة ومتسقة مع معتقداتهم وتوقعاتهم" (الإسلام شريكا، فريتس شتيبات، ص150)، فهذا واقع معرفي/ بحثي يحكمه المنطق التبجيلي. وهو واقع لم يتغير منذ فجر تاريخنا حتى اليوم إلا في حالات فردية نادرة جدا؛ رغم كل مسارات التحديث المعرفي التي يبدو أنها لا تسير في اتجاه البحث المعرفي عن الحقيقة؛ بقدر ما هي جزء من مشروع الفخر الذاتي.
لا زالت النتائج ـ في مسار الثقافة العربية ـ توضع قبل بداية البحث. لا تزال البحوث مجرد تهميش/ هوامش على المسلمات العقائدية لتأكيدها (المسلمات العقائدية المقصودة هنا هي ما يكون في السرد التاريخي، لا في السرد اللاهوتي)، بدل أن تكون نتائجها هي التي تكتب المتن العقائدي لتصور أحداث التاريخ. لهذا، بقيت هذه الثقافة تقليدية/ غير حداثية؛ فعجزت عن الوعي بذاتها؛ إذ عجزت عن مواجهة ذاتها وتحويلها إلى موضوع للبحث الموضوعي. ومن ثمّ، تحولت من أداة لنقض وتقويض الواقع التقليدي، إلى أداة لترسيخه وتحصينه؛ بترسيخ وتحصين مكوناته الأساسية التي يتأسس عليها كل ما نراه من مسلمات في كل المجالات.

الوقوف ضد يقينية المفاهيم وكذب الحقائق والشك فى الركون إلى معانى اللغة المرتبة المنظمة الممنهجة، والشك فى التاريخ وفـى خطيـة الظواهر وتسطحهـا وتراكمها الزمنى... إلا أن كل ذلك يدخل تحت مظلة واحدة، وتفسير ذلك هو أن الحداثة لم تأت منهجا متكاملا وبناءً تاما نكشف أجزاءه بالمعاينة، وإنما جاءت كمشروع لتقويض عناصر العالم القديم ومكوناته، سواء منها السياسـى والاجتماعـى والثقافـى والمنهجـى العلمـى والفكرى الاجتهادى، والاقتصادى، والمؤسساتـى والعقيدى؛ اللائكى ضد الكنسى، الجمهورى ضد الملكى، التجريبى العلمى ضد العقيدى الظنى الترجيحى المنهج الوضعى ضد الفلسفة الميتافيزيقية التعدد ضد الأحادية، اللاشعور الكشفى ضد التاريخى المتوارث، الفرد المستقل ضد الجماعة المنقادة، الشاعر المجنون ضد مهرج الملك،... الخ. فالحداثة كائن دائم التنافى لذلك نجد الحداثيين اللاتين (ثم السرياليين بعدهم) يبدأون ضد التنظيمات لكى يتحولوا إلى متحزبين شرسين دون تغيير زوايا تفكيرهم وأدواتهم 
الإبداعية ومقولاتهم التقويضية لكل ما هو رجعى.
******************************************************
مهموم بالتنوير منصور النقيدان
 أبرز الإشكاليات التي تُثيرها ثنائية الإسلام والحداثة والقراءة العلمية الحديثة للنصوص التأسيسية في الإسلام


قضية التجديد الديني والنقد القوي للأصولية الإسلامية وعدم مواكبة المؤسسات الدينية في الإسلام ورجال الدين لــ«لاهوت الحداثة» وما بعد الحداثة، كما حدث في المسيحية في أوروبا، التي دخلت اليوم في «الباراديغم اللاهوتي لما بعد الحداثة» في حين أن الإسلام «لا يزال غاطساً كلياً في الباراديغم اللاهوتي التكفيري للقرون الوسطى. وهذا يعني أن مشايخ الإسلام لم يسمعوا حتى الآن بالإصلاح الديني، ناهيك عن التنوير الديني ولاهوت الحداثة وما بعد الحداثة». يرى هاشم صالح أن هذا التأخر المريع في فهم الدين هو سبب كل المشاكل التي نعاني منها حالياً؛ هذا الانغلاق اللاهوتي داخل أقفاص عقائدية عفَّى عليها الزمن هو سبب صدامنا مع العالم كله حالياً"على حد تعبير صالح".


 إصلاح مناهج التربية الإسلامية في المدارس في العالمين العربي والإسلامي، إذ لطالما شدد على ضرورة ترسيخ ثقافة التنوير والتفكير النقدي في النفوس والنصوص. وهو مشغول أيضاً بالقطيعة الإبستمولوجية مع العقلية التراثية التي خبرتها المسيحية في الغرب، معتبراً أنه لا بد من النظر إليها وأخذ العبر والدروس:"كان المسيحيون يرددون على مدار القرون المقولة اللاهوتية التالية: «خارج الكنيسة المسيحية الكاثوليكية البابوية الرسولية لا مرضاة عند الله ولا نجاة في الدار الآخرة»، وهي مقولة تكفيرية بامتياز. لماذا؟ لأنها تعني أن أديان الآخرين كالإسلام واليهودية والبوذية... إلخ غير مقبولة عند الله وبالتالي فأصحابها لن يحظوا بجنة الفردوس. بل ليس فقط الأديان الأخرى مدانة ضمن هذا المنظور اللاهوتي الكاثوليكي الانغلاقي، وإنما المذاهب المسيحية الأخرى مدانة أيضاً، وخصوصاً المذهب البروتستانتي. فهو معتبر بمثابة مذهب الزنادقة والهراطقة، وعليه فأتباعه لا أمل لهم بالنجاة في الدار الآخرة، هذه الفتوى الكاثوليكية سيطرت على العالم المسيحي طيلة قرون وقرون، حتى جاء مجمع الفاتيكان الثاني (1962-1965) وتخلى عنها.


هل تعتقدون أنه تخلى عنها بسهولة؟ أبداً لا. فقد كانت تشكل جوهر العقيدة الكاثوليكية، ولكن الحداثة العلمية والفلسفية الصاعدة في أوروبا أجبرت الكاثوليكيين على إحداث هذه القطيعة المُرة مع أحد ثوابتهم العقائدية الأساسية. وهذا يعني أن الثوابت يمكن أن تتغير وتتعدل. ونحن في الإسلام- حسب صالح- نقف الآن في مواجهة الإشكالية العويصة ذاتها. فهناك فتاوى فقهية أو لاهوتية تكفر جميع الأديان الأخرى، بل وحتى جميع المذاهب الإسلامية الأخرى، ما عدا مذهب أهل الفرقة الناجية. كلهم في النار ما عدا واحدة، كلهم عقائدهم مرفوضة وغير مقبولة عند الله".


لقد طرح هاشم صالح دائماً في مؤلفاته ومقدمات ترجماته تحديات كثيرة أمامنا. هو مهموم بقضايا أساسية للخروج من دوامة التكفير والولادة المستمرة للتنظيمات التكفيرية، ونحن الباحثين والكتاب لا بد لنا من قراءتها بهدوء بغية الخروج من الواقع المرير الذي يمر به الإسلام في القرن الحادي والعشرين، والذي يعبر عن نفسه بأزمات دورية وانفجار مخيف للعنف الديني والأصوليات والصراع المذهبي والابتعاد عن أنماط التدين الشعبي التقليدي المتصالح مع الآخر والإيمان الرقيق.


********************
1- مزاعم أن التنوير ابن بيئة اجتماعية وسياق تاريخي مغاير، وبالتالي هو بضاعة غيرنا ولا تلزمنا، لأن استيرادها واستهلاكها مضر بنا ضرراً بالغاً، ومن ثم فإن من الضروري تجاهلها، والأفضل هو التشكيك فيها ودحضها. وقد روج هؤلاء كثيراً لمقولة فاسدة جعلت كثيرين يحسبون أن التنوير نقيض للإيمان.حقيقته كده
2- مزاعم أن خروجنا من مأزقنا ليس بالتنوير، الذي يعني في مقصده التقدم إلى الأمام في التاريخ، إنما بالعودة إلى الماضي، من خلال استلهام تجربته، والتمسك بمقولات وتصرفات منا عاشوا فيه، باعتبارهم «الجيل الفريد» الذي تأسس الإسلام على أكتافه، وفهم معانيه ومراميه، وعمل على نصرته.
ويزعم أصحاب هذا الموقف الملتوي، الذي يسبب خسارة فادحة لنا، أنهم متمسكون بالثوابت، وأن ما هم عليه هو الصواب لأن صلاحيته مطلقة، وإن تبدلت الأحوال وتغيرت الأجيال، وهنا يتساءل الفيلسوف العربي زكي نجيب محمود: هل هنالك تناقض بين قبولنا لتلك المعايير الثابتة المطلقة من جهة، وقولنا من جهة أخرى إن الحق يتغير بتغير الموقف الذي يصادفنا،
 إن المتشددين والمتطرفين توسعوا في تعيين الثوابت التي يتحدثون عنها، وأفرطوا في إقحام أمور كثيرة زاعمين أنها تدخل في باب الاعتقاد، ولذا فإن المفرّط فيها يخرج في نظرهم من الملة.
ولهذا فلا بد من أن نبذل جهداً في تحديد الثوابت تلك، وربطها في أغلبها بالمسائل العقدية الموصولة بالإيمان كما تعارف المسلمون عليه (الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر)، أما المسائل الخاصة بالشريعة فتحتاج إلى نقاش أعمق لمعرفة الثابت منها والمتغير، وهو أمر ضروري للخروج من المتاهة التي نلف وندور فيها دون أن يلوح أمامنا أي مخرج حقيقي حتى الآن.
3- مزاعم حول وجوب أن يكون المتاح لنا من تغيير، إن دعت الضرورة الملحة إلى هذا، في حدودٍ مقدرة بأوزان تتسم بالثبات والرسوخ، إذ لا يمكن القفز على الموروث وما يحويه من معارف وقيم واتجاهات، وبالتالي يصبح الحيز المتاح للتغيير مشدوداً بحبال غليظة إلى «النقل» وليس إلى «العقل» في الغالب الأعم.
بالقطع يحوي «القرآن الكريم» آيات عديدة لا تجافي التنوير، بل تطلبه، وتفرضه، وتلح عليه، حين تنادي بضرورة إعمال العقل، والتدبر في أحوال الناس وموجودات الطبيعة، والإيمان بأن التطور من سنن الحياة، وإعلاء حرية التفكير والتعبير والتدبير، وإنهاء أي واسطة بين العبد وربه، بما يعني تحرير الإرادة الإنسانية في العبادة والإفادة.
إن التنوير ضرورة الآن، ليس لنا فقط، إنما للبشرية جمعاء، بما فيها الغرب الذي نتحدث باستفاضة عن تنويره، ولذا يقول الناقد والفيلسوف تودوروف، تحت عنوان «لماذا نحن دوماً في حاجة إلى فكر الأنوار»: «تبقى مبادئ الأنوار الكبرى راهنية أكثر من أي وقت مضى. فبمقدورنا على سبيل المثال أن نعود إليها للدفاع عن نظرية التطور.. وبإمكاننا التسلح به لنشجب وندين الحروب الحالية التي تزعم نشر الحرية والديمقراطية، ولنحترم تعدد الثقافات والسياسات، واعتبار النجاح الاقتصادي وسيلة لا غاية»
إن التنوير هو المطلوب حقاً، وليس ما يثار حالياً عن «تجديد الخطاب الديني» إذ إن ذلك يشكل الحد الأدنى الذي لا أتصور أن بمُكنته أن يخرج المسلمين من المأزق الذي يعيشونه الآن، بعد أن حول بعض المتطرفين منهم الدين من مصدر للسعادة إلى سبب للشقاء.
**************************
استندت مقاومة التنوير، كمقاومات أخرى يولع بها غير قليل من العرب، على صورة نمطية يبدو فيها خطراً على الدين، وتهديداً للمُقدَّس. وعصفت هذه المقاومة بدعوات تنويرية متكررة استُهجنت، وقُمع دعاتها أو هُمشوا. وأخفق التنويريون في بناء جسور مع مجتمعاتهم، فلم يتيسر لهم توضيح معنى التنوير بخلاف ما فعله تنويريون أوروبيون كالفيلسوف الألماني عمانويل كانط في كتابه «رد على سؤال ما هو التنوير» الصادر عام 1784.


أوضح كانط أن التنوير يعني تحرير الإنسان من حالة ذهنية متخلفة ارتاح إليها أو خضع لها طوعياً حين أقنع نفسه، أو أُقنع، بأنه عاجز عن استخدام عقله وإدراك ما يحدث حوله، ما أدى إلى توارث تقاليد الخضوع للوصاية وإعادة إنتاجها.

وعندما نتأمل هذا المعنى، ربما نخلص إلى أن مقاومة التنوير كانت في الوقت ذاته مقاومةً لأي تطور باتجاه إعمال العقل، وإدراك قدرته على إعادة صوغ الحياة على الأرض

عقلانية وعلمانية: التنوير الذي يحتاجه العرب

لم تكن حال العرب في حاجة إلى تنوير فكري، منذ بدء احتكاكهم بالغرب مطلع القرن التاسع عشر، مثلما هي الآن، مع التدهور غير المسبوق منذ قرنين. قاوم كثيرون في العالم العربي أفكاراً وأنماط حياة حديثة ظنوها تتعارض مع تقاليدهم أو قيمهم أو تراثهم أو عقيدتهم. وأنتجت هذه المقاومة فائض تخلف وتعصب وتطرف أغرق المنطقة، وفاض في العالم.
استندت مقاومة التنوير، كمقاومات أخرى يولع بها غير قليل من العرب، على صورة نمطية يبدو فيها خطراً على الدين، وتهديداً للمُقدَّس. وعصفت هذه المقاومة بدعوات تنويرية متكررة استُهجنت، وقُمع دعاتها أو هُمشوا. وأخفق التنويريون في بناء جسور مع مجتمعاتهم، فلم يتيسر لهم توضيح معنى التنوير بخلاف ما فعله تنويريون أوروبيون كالفيلسوف الألماني عمانويل كانط في كتابه «رد على سؤال ما هو التنوير» الصادر عام 1784.
أوضح كانط أن التنوير يعني تحرير الإنسان من حالة ذهنية متخلفة ارتاح إليها أو خضع لها طوعياً حين أقنع نفسه، أو أُقنع، بأنه عاجز عن استخدام عقله وإدراك ما يحدث حوله، ما أدى إلى توارث تقاليد الخضوع للوصاية وإعادة إنتاجها.
وعندما نتأمل هذا المعنى، ربما نخلص إلى أن مقاومة التنوير كانت في الوقت ذاته مقاومةً لأي تطور باتجاه إعمال العقل، وإدراك قدرته على إعادة صوغ الحياة على الأرض.
وهذا جوهر مفهوم العقلانية الذي يتعذر في غيابه تنظيم المجتمع بطريقة تفتح أمامه آفاق التقدم. ومن أهم ما فشل العرب في تنظيمه، بهذا المعنى، العلاقة بين الدولة والدين في بلدانهم. وما زال هذا الإخفاق عاملاً جوهرياً، إن لم يكن الأهم، في الأزمات الثقافية– السياسية التي لا نكاد نخرج من إحداها لندخل في ثانية، حتى أن بعضنا بات يعتقد بصعوبة، وربما استحالة، تحقيق توافق في شأن علاقة الدولة والدين على أسس عقلانية.
غير أن هذا التوافق ممكن فقط في حالة تحرير العقل العربي من صورة نمطية للعلمانية تبدو فيها مناقضة للعقائد الدينية، أو خطراً عليها. يتطلب الأمر شيئاً من العقلانية لفتح حوار جاد حول نموذج لعلمانية عربية تقوم على مبادئ ثلاثة: أولها، حياد سلطة الدولة تجاه الأديان، عوض تأسيسها على مرجعية دينية، أو اتخاذها موقفاً ضد الأديان على الطريقة السوفياتية وما يشبهها. ويعني حياد سلطة الدولة هنا التزامها ضمان حقوق المواطنين جميعهم في العبادة، وممارسة الشعائر على قدم المساواة.
وثانيها، التمييز بين المساحة السياسية، والمساحات الأخرى في المجال العام. ووفق هذا التمييز، لا يُفصل الدين عن المجال العام كله، بل عن المساحة التي يشغلها النظام السياسي، أي التي تحدث فيها التفاعلات المتعلقة بتنظيم سلطات الدولة، وصنع السياسات العامة، والتنافس بين الأحزاب وما يشبهها من كيانات.
فقد أظهرت التجربة التاريخية الإسلامية أن الخلط بين الدين والسياسة أساء إلى كليهما، وأعاق الحركة إلى الأمام في المرحلة التي انطلق فيها الغرب، وحقق نهضته، عندما أُطلق العقل من أسره، وأُرسيت قواعد شملت فصل الدين عن سلطات الدولة كافة. ولكن هذا الفصل توسع في بعض الحالات، وتجاوز سلطات الدولة إلى المجتمع، ما ساهم في تدعيم الصورة النمطية السلبية للعلمانية في كثير من الأوساط العربية. لكن لم يثبت أن هناك ضرورة لهذا التوسع، بل تتيح دراسة تجارب العلمانية في الغرب والعالم، والمقارنة بينها، استخلاص أنها تكون أكثر فائدة حين يُفصل الدين عن السياسة، وليس عن المجتمع.
ولذا يحتاج العرب إلى تنوير بعلمانية تفصل الدين عن مساحة محددة في المجال العام، وهي مساحة العمل السياسي، وليس عن المساحة التي تشغلها النشاطات الاجتماعية والثقافية، سواء في المجتمع العام، أو في المجتمع المدني بمنظماته وروابطه وجمعياته بأنواعها وأهدافها، وكل ما يتعلق بالاهتمامات التي تتجاوز الحيز الخاص للإنسان، أي أسرته وعمله وصداقاته وعلاقاته الشخصية. ويتطلب ذلك أن تدرك سلطة الدولة أخطار استخدامها الدين لدعم سياسات تنتهجها، أو تبريرها، لكي لا يكون موقفها ضعيفاً من الناحيتين المعنوية والأخلاقية إزاء توظيف أحزاب وجماعات سياسية للدين، وممارسة جمعيات وهيئات دينية وصاية على الناس والمجتمع.
ولعل آخر أمثلة هذا المجال التدخل الرسمي في قضايا كالطلاق الشفهي في مصر، والميراث في تونس، والإجهاض في الجزائر. وعندما يحدث تدخل كهذا من دون مقدمات في المجتمع، فقد يؤدي إلى آثار عكسية، لأنه يثير جدلاً يتجاوز محتوى الطرح الرسمي، ويفتح مساحات لمزاعم حول وجود خطر على الدين.
ويشمل تنظيم العلاقة بين الدولة والدين، هنا، عدم توسع السلطة في استخدام الأدوات التشريعية في هذا التنظيم وترك الجزء الأكبر منه للمجتمع، بحيث يكون تدخلها في هذا الاتجاه مرتبطاً بحدوث تطور في المجتمع، أو دعمه في بدايته، وليس سعياً إلى فرضه من أعلى من دون أساس موضوعي له.
ويقود ذلك إلى المبدأ الثالث في هذا النموذج العلماني، وهو أن الدين ليس محصوراً في المجال الخاص للإنسان. والعلاقة وثيقة بين هذا المبدأ وسابقه، لأن الدين حاضر بالضرورة في المجال العام الاجتماعي– الثقافي، الذي يمتد في مساحة معتبرة في أي مجتمع. وإذا صح أن الدين هو في الأساس جزء من الحيز الخاص للإنسان، الذي لا يحق لأحد التدخل فيه، فصحيح أيضاً أنه لا يقتصر على هذا الحيز.
والحال أن الإيمان الديني يعد شأناً خاصاً تماماً، ولكن تجليات الدين تتجاوز المجال الخاص، وتشغل مساحة في المجال العام الاجتماعي– الثقافي.
وإذ تبدو العلاقة وثيقة بين العلمانية والعقلانية، سواء في مفهوم التنوير الغربي أو في التنوير الذي يحتاج إليه العرب اليوم، يصبح ضرورياً إدراك أن التقدم باتجاه هذا التنوير يتطلب عقلاً علمياً نقدياً لا يكتفي بمحاكاة التطبيقات العلمية والتقنية الحديثة، بل يربط بين المكونين التقني والمعرفي– القيمي للعلم، ويفتح الطرق المغلقة أمام إعادة تنظيم المجتمعات العربية في مختلف مناحي الحياة، وفي المقدمة تنظيم العلاقة بين الدولة والدين.
وحيد عبد المجيد
عمار علي حسن


 حتمية تجديد الخطاب الحياتى والثقافى والدينى خاطب الرئيس
السيسى من تجمدت وتكلست معارفهم وضـاق أفق رؤيتهم «أنتم
َ خايفين لنضيع الدين، هو اللى إحنا فيه دا إيه ؟، فيه أكثر منه ضياع
للدين، أنتو عاوزين إيه أكتر من كده ؟.»لقد دفع فلاسفة التنوير ثمن جرأتهم الفكرية والنقدية، ليبرز فى
النهاية السؤال : هل نحن على استعداد لدفع ثمن التنوير مثلما دفع
هؤلاء ليقفزوا إلى دنيا الحداثة وما بعد الحداثة ؟
++++++++++++++++++++++++

الدين و الحداثة قراءة في الحداثة كحاجة دينية للكاتب الدكتور توفيق السيف الفصل الثاني: الإسلام والنهضة: السؤال الخطأ

إن ما في نفوس المسلمين هو إسلام ملون بلون مجتمعهم فهو إسلام متخلف مثلهم، لذلك تجدنا ندور في دائرة مغلقة، فلننظر كيف قمع الكتاب وأهل الرأي حتى بلغ ما أغلق من الصحف والمجلات في بضعة أعوام ما يزيد على المائة وسخرت دولة علماء الدين أقوى المنابر و وسائل الاتصال من الإذاعة والتلفزيون والصحف ومنابر الجمعة لدعوة الناس إلى الدين طيلة ربع قرن ومع هذا فإن معظم الدراسات والبحوث الميدانية تشير إلى تراجع مستمر في الالتزام بالدين وأن المزيد من التدين لم يغير من واقع الحال شيئاً ولا دعاة الدين قدموا نموذجاً تختلف عما تعرفه من حال بئيس في شتى الأقطار، وخلاصة الكلام إن ما لدينا من الدين هو في حقيقة الأمر النسخة القديمة من الدين التي تركها لنا أجدادنا وفيها يختلط الجوهري من الرسالة بالصور والاطارات التي هي انعكاس للظرف الاجتماعي الخاص بزمن الأجداد وهي لا علاقة لها بالعصر، وإننا بحاجة إلى نسخة جديدة من الدين نسخة تتناغم مع عصرنا الراهن في حاجاته وتحدياته وهموم أهله.
حماية الحريات العامة هي الحد الأدنى من متطلبات التحديث ويتلوها المشاركة السياسية وصولاً إلى الديموقراطية الكاملة وعلى المستوى الاقتصادي فإن الشرط الأول هو توفر البيئة المناخية للاستثمار وحماية الملكية الفردية وعلى المستوى الاجتماعي نجد العقلانية وربط مكانة الفرد بكفاءته الشخصية لا هويته الموروثة وعلى المستوى الثقافي فإن احترام العلم وتحريره من قيود الايدولوجيا والتعويل عليه في تقديم الحلول هو الشرط الأول للحداثة.

تاؤيخ الرواية العربية


 نجيب محفوظ
 لم يصل إلى هذه القمة إلا بالعمل الدائم والجهد الصبور والقراءات الواسعة: العميقة 
والشاملة فى آداب وفلسفات العالم الحديث والمعاصر على السواء
رواية «أولاد حارتنا» التى أثارت - ولا تزال تثير - تيارات الإسلام السياسى، قاله المتنبي:
وَلم أرَ فى عُيُوبِ النّاسِ شَيْئًا كَنَقصِ القادِرِينَ على التّمَامِ
 رواية «أولاد حارتنا» - ولا تزال - هى سيرة الصراع بين أنصار الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة، وأنصار الدولة الدينية الإسلامية القائمة على استبداد يشابه النظام الدينى الاستبدادى فى إيران مثلًا؟

بدايةً من عام ١٩١٣، مع صدور رواية «زينب» للكاتب محمد حسين هيكل
 كامتداد للتيار الواقعى الذى ازدهر فى أوروبا، على يد كتّاب مثل «ديكنز» فى إنجلترا، و«بلزاك» فى فرنسا، و«جوجول» فى روسيا.
وسرعان ما ظهرت أعمال أدبية عربية تعكس الواقع وتشتبك معه خلال الخمسينيات والستينيات، لكتّاب كإحسان عبدالقدوس، نجيب محفوظ، يوسف السباعي، محمود المسعدي، وغيرهم


ومن أبرز الروايات الغربية التى اضطلعت بهذا الدور التأسيسي، رواية «الإنسان الصرصار»، أو «فى قبوي»، الصادرة فى عام ١٨٦٤، للكاتب الروسى الكبير فيودور دوستويفسكي
 فهى تعد إحدى الروايات الأولى التى انطوت على نزعة وجودية واضحة، ويعتبرها البعض أول رواية وجودية بالفعل، وموضوع الإنسان الصرصار، هو مناقشة هيمنة الأنانية القائمة على المنفعة الذاتية، والمثالية المفرطة غير العملية للإصلاح السياسى والاجتماعي، وسيطرة أسواق المال الغربية، واستحواذ التكنولوجيا على الحقيقة، وهو ما يحمل الرواية بعدًًا كونيًًا واسعًا، يتخطى حدود القرن الذى وُلدت فيه.

وتعد رواية «الجريمة والعقاب»، الصادرة فى ١٨٦٧، للكاتب نفسه، بذرة مدرسة التحليل النفسي، التى ازدهرت فيما بعد، وعلى نحو علمى ونظرى متماسك، على يد الطبيب النفسانى سيجموند فرويد، وقد اعترف فرويد، بدور دوستويفسكي، فى تسليط الضوء على الكثير من الجوانب النفسية التى تصدّى هو لتحليلها وتحويلها إلى مقولات علمية فيما بعد، والرواية تسرد حكاية طالب مثقف، فقير، يحمل أفكارًا مفادها أن تخليص المجتمع ينبغى أن يتم على أيدى بعض الأفراد الممتازين المؤهلين للاضطلاع بهذا الدور،

بالتساؤل حول دور الرواية، والأدب عمومًا، فى توجيه أو خلق تيارات فلسفية ما، وعدم إمكان ملاحظة هذا الدور فى تجربة الرواية العربية،

الواقعية القذرة أو السافرة أو واقعية القاع فى أمريكا مع كتابات «ريموند كارفر»، و«ريتشارد فورد»، و»بول أوستر»، ليتأثر بها كتاب التسعينيات فى مصر، فتظهر نصوص «أحلام محرمة» لمحمود حامد التى تمت مصادرتها، وكذلك «بهجة العمى» لياسر إبراهيم، و«فاصل للدهشة» لمحمد الفخراني، و«وقوف متكرر» لمحمد صلاح العزب، وكلها، مثل باقى النصوص الأخرى، متبِعة، وليست مبتدَعة، تحاكى الطريقة الغربية فى السرد، لكنها تسقط ذلك على الواقع المصرى والعربي،

فالرواية فن نشأ بالأساس فى فرنسا، أى أنه فى شكله الحديث، فن غربى بامتياز، وهذا أمر لا يقلل من شأن روايتنا وأدبنا،