الخميس، 29 أبريل 2021

سلوكيات المصريين.. وضياع الهوية*****

Nov 6, 2019

أدى تغير سلوكيات المصريين وتبدل أخلاقهم.. في السنوات القليلة الماضية.. إلى شيوع حالة من الإحباط واللامبالاة والاضطراب النفسى والرغبة في الانعزال والانطواء لدى غالبية أفراد المجتمع.. لا أحد يطيق أحدا.. الكل يشكو من الكل.. وكل من يشكو يرى أنه على حق وعلى صواب وأنه المظلوم.. والمشكو في حقه على باطل وهو المخطئ والظالم.. تشوهت الشخصية المصرية وتغيرت ولم تعد تلك الشخصية المتسامحة المتصالحة مع نفسها.. المحبة للخير وللغير.. المسارعة لمد يد العون لمن يستنجد بها أو يحتاج مساعدتها.. المتدينة باعتدال.. المنفتحة على مختلف الثقافات. 

قد يتعدى عليك باللفظ أو بالضرب.. بعدما كان من قبل.. يعتذر ويبدى أسفه في أدب.. وأيضا.. ازدادت حالات التحرش والبلطجة والسرقات بالإكراه والنصب والاحتيال.. نتيجة «الأنمالية» أى أن كل شخص يقول «وأنا مالى».. بعد أن كانت شهامة المصريين هى المعهودة في هذه المواقف.. يهبون لنصرة المظلوم والدفاع عنه واسترجاع حقه.

وفى الأسرة الواحدة.. ضعفت الروابط الأسرية.. وغلبت الأنانية عليهم.. وضاعت الحقوق بينهم.. وأصبحت المشكلات بينهم.. أكثر مما هى بينهم وبين الأغراب.. وغابت المعاملة الحسنة والإيثار وصلة الرحم.. كما تراخت قبضة الآباء عن أبنائهم وغابت رقابتهم عليهم.. فساءت أخلاقهم وفسدت تربيتهم.
وطبقة العمال والفنيين والمهنيين.. الذين رفعوا أجورهم.. ولا يتقنون عملهم.. والتجار الذين زاد غشهم وجشعهم.. مما أدى إلى زيادة الأسعار والغلاء الفاحش بدون مبرر.. الفلاح والمنتج يرفعان الأسعار على تاجر الجملة.. وتاجر الجملة يرفع الأسعار على تجار التجزئة.. وتجار التجزئة يرفعون الأسعار على المواطن.. والمواطن يئن تحت ضغط قلة دخله وضعف قوته الشرائية.. وإذا سألت عن السبب.. يقولون.. البنزين زاد.. الدولار ارتفع.. الصنف شاحح.. مع أن البنزين والدولار والصنف ليسوا سببا للزيادة في كل مرة.

وفى العموم زادت الشائعات والمعلومات المغلوطة ووجدت من يصدقها ويساعد في انتشارها.. والفهلوة التى أصبحت سمة لمعظم تعاملاتنا.. وعدم احترام كبار السن ورفع الصوت والتطاول عليهم.. وانتشار الألفاظ الخارجة البذيئة والنابية التى تخدش الحياء والذوق العام وعدم الالتزام بالقوانين.. والتسول بطرق فجة.. والبلطجة في الشوارع.. وانتشار تجارة المخدرات.. وغيرها من المظاهر والظواهر السلبية التى لم يكن لها وجود من قبل.. أو التى كانت موجودة ولكنها لم تكن بمثل هذا الظهور والسفور.
لقد مرت مصر بأزمات وصعاب وشدائد.. أشد وأقوى مما نمر به الآن.. ونجحت في التعامل مع كل ما مر بها وتغلبت عليه.. ولم تتغير هويتها.. ولم تتبدل شخصية المصرى الشهم المتمسك بمبادئه وقيمه.. المحافظ على عاداته وتقاليده.. رغم التنوع الدينى والعرقى والثقافى والاجتماعي.. حيث اندمجت قيم وعادات أبناء المدينة والريف والبادية.. وتعايش المسلمون بجانب المسيحيين وأصحاب الديانات والمذاهب الأخرى.. لا وجود لكلمة أغلبية وأقلية أو طائفة أو مذهب أو عرق.
نحن في حاجة إلى استعادة هويتنا وشخصيتنا المصرية الأصيلة.. وإحياء عاداتنا وتقاليدنا.. وإيقاظ مبادئنا وقيمنا.. وتوريثها لأبنائنا.. لينقلوها لأحفادنا.. وتظل متوارثة بينهم إلى أن تقوم الساعة. 

*
صرت فى كل مرة تشرق فيها شمس هذه الأرض الحلوة أردد أننى «أحبها وأعشق سماءها».. أجيال توقفت عن التعامل بمنطق «أمى أو أبى»، اللذين أحبهما (رغم) عيوبهما!
وتتعامل مع فكرة حبها كعلاقة ناضجة بين وطن ومواطن! لا نثقل عليها بأكثر من ذلك ولا نرضى لها بأقل من ذلك!

المصريون الآن فى حالة تخبط فى تحديد الهوية.. الغالبية، باستثناءات ضعيفة جدًا، لا يعرف ماذا يريد تحديدًا.. يريد كل شىء فى نفس الوقت.. يريد إنجازات لا يشارك فى تحقيقها.. يريد الكذب والشرف! يريد سلطة بلا محاسبة! يريد خدمة بلا قانون! يريد مكاسب دون جهد!

كيف نتعجب ممن سرقوا ما صار متاحًا لهم! ونحن لم نهيئ «معيارًا عامًا للسلوك» يصبح مَن يخالفه تحت سلطة القانون أو 
تحت سلطة المجتمع، الذى يرفض بشدة هذا السلوك الفردى؟!

الطبيعى أن تكون الفكرة البديهية بشأن السلوك اللائق معروفة لدى الجميع.. لكن الواقع أكثر إيلامًا، هناك حالة من التشوه السلوكى تجتاح مجتمعنا بشكل مرعب، تجَوّلْ فى المناطق الشعبية تحديدًا، والتى كانت حتى وقت قريب مصنع الشهامة والأصول والأخلاق والترابط.. ترَ واقعًا (مرعبًا) لا يمكن حتى أن تتصور أنه يحدث.. لكنه حادث بالفعل، وسيتزايد قوة وانتشارًا.. فلم يعد هناك هذا «المعيار العام» للسلوك! للصواب والخطأ! الحقيقة أن الدولة فى سابق عهدها اعتمدت تمامًا على المؤسسات الدينية فى ضبط معيار الصواب والخطأ لدى الناس!! وخاب رجاؤها لأنه وبكل صراحة.. حتى المؤسسات الدينية متخبطة فى هويتها ورسالتها، تتشابك سياسيًا واجتماعيًا وغاب عنها الدور الأصلى فى تهذيب أرواح الناس، والذى بالطبيعة يهذب سلوكهم شيئًا فشيئًا.. فنرى صورة متدينين غاية فى الفظاظة والقسوة! غاية فى التشدد والعنف!! وللأسف غاية فى الفساد!
مصر فى طريقها للتحول إلى دولة مؤسسات- حتى وإن لم تبلغ ذلك بعد- وفى هذا الطريق يجب على تلك المؤسسة العظمى أن تعلن بوضوح عن هويتها: مَن نحن «هويتنا»؟ ما رؤيتنا؟ ما مهمتنا؟؟

"الدين الكوني" الذي ألهم روسيا

 أسهمت الأفكار التي آمن بها الفيلسوف الروسي نيكولاي فيودوروف، بشأن وجود "دين كوني" يتمحور حول الحياة خارج كوكب الأرض، في إلهام بعضٍ من ألمع مهندسي الاتحاد السوفيتي السابق في مجال الصواريخ.


الأربعاء، 28 أبريل 2021

احمد سالم ****

 الدكتور أحمد محمد سالم أستاذ الفلسفة الإسلامية والفكر العربى الحديث بكلية الآداب جامعة طنطا


تحدّيات التّنوير فى المجتمعات العربية الإسلامية


توحيد مصطلحات التنوير 
فيس بوك بتاع احمد سالم 

Jul 11, 2018

العقل مقيد بين رجال الدين والسياسة 

الفقر والمرض والجهل 

السلطة السياسية هي الاعلي في السعودية من السلطة الدينية 
ومصر فيه شد وجذب 
الديني تحت قدم السياسي التاريخ المصري 

فينك يا جابر عصفور 

السلطة غريزة الاستحواذ 

الحقيقة في الارياف لا يوجد سلطة دينية الشيخ ولكن الوعاء فارغ فعبيه كله بسبب استسلامي وعدم مواجهتي 

الحركة تبدا اجتماعية اقتصادية سياسية وليس فكرية ثقافية الطبقة البرجوازية علي الاقطاعية 
والبروتستانتيه وحروب مهدت

ان لم اكن طبيب قوي يبقي اسلامي اقوي او اهلاوي اقوي لكي يكون لي كيان وثقة 

محمد عبدو تلاميذه تكون سلامة موسي والاستعمار الانجليزي عمل دستور 23 

دعه يفسر النص دعه يعمل البروتستانتنيه كانت انتاج 

ازمة علاقة المثقف بالسلطة 

جروب فيس التنوير 

ثقافتنا ثقافة نقل وعنعنه 

يريدون حرب ديني وليس سياسي مصالح 

خطاب العاطفة سهل 

لا بد من انتهاك المحرمات 

امتلاك الله الحقيقة العقيدة الاسلامية 
ايدولوجية تشعر بالامان 

المناخ الثقافي ولا ادرس فن ولا يوجد تواصل اجتماعي 
وادرس طب وانعزال ماذا تريد ابداع 

تصور الاله الموضوعي غير الذاتي 

*

أحمد سالم: النهضة والتقدم لا يتحققان بخطاب تسيطر عليه عقلية التآمر

من غير المقبول أن يظل ابن حنبل وابن تيمية وابن قيم الجوزية يحكمون من مقابرهم، وأن سقوط الإخوان وحصارهم لن يؤديا إلى نهاية الأيديولوجيات الدينية.
الجمعة 2019/01/11

الصمت من ذهب، حكمة عربية تحولت إلى فعل قسري يمارس لمواجهة كل دعوة إصلاحية من أجل مجابهة شيوع التكفير وسيادة التطرف على الفكر العربي والإسلامي، فكان المقابل تراجع قيم التسامح وسيادة خطاب يحتكم لنظرية المؤامرة، على الإسلام، عند كل مسعى لنفض الغبار عن تراث تحول إلى مقدس مع مرور الزمن واستمرار غلق باب الاجتهاد فيه.

تتخذ المعركة بين دعاة التجديد في الخطاب الديني والفقه الإسلامي وكتب التراث والمعارضين لذلك، منحى مصيريا وتصل أحيانا حد المغالاة من الطرفين، الأمر الذي يفقد البوصلة، أو يجعلها تميل ناحية المتشددين، خصوصا في مجتمعات استسهلت الارتكان إلى نظرية التآمر،

تغيير الثقافة السائدة في المجتمع. ويرى أن بنية هذه الثقافة، تسيطر عليها “فكرة أنها خير أمة أخرجت للناس”، من جانبها الديني فقط، دون الأخذ في الاعتبار بضرورة أن يكون هذا التميز مرفوقا بتميز علمي وأدبي وثقافي.

نبذ الآخر

يركز أحمد سالم في أبحاثه على نقطة نبذ الآخر، وكيف تتكون هذه “العقدة” في نفوس الأجيال الشابة إلى درجة أنه كان من السهل انسياق عدد كبير من الشباب، المسلم، في الدول العربية والغربية، وراء الجماعات المتشددة. وقدّم سالم في هذا الموضوع للمكتبة العربية أربعة عشر مؤلفا، بينها “إقصاء الآخر.. قراءة في فكر أهل السنة”، و”صورة الآخر في الفكر العربي”، و”تجلي الإله”، و”الإسلام العقلاني”.

وفي مختلف قراءاته يرى الباحث أن الأزمة تكمن في التنشئة، فإلى اليوم ما زال “الطفل المسلم يتربى على أن دينه هو الدين الحق، والنصارى واليهود أصحاب أديان محرفة ومشوهة، والذي ينتمي إلى أهل السنة يتربى على أن مذهبه الحق وباقي المذاهب على خطأ”. ويضيف سالم أنه كي نُعلي من قيم التسامح “علينا أن نبرر الاختلاف والتعددية بأنهما سنة كونية، فالله يقر بأهمية التعدد والاختلاف بين البشر، وهو ما يؤكّد  حق الآخر في الاختلاف”.

أول طريق لتفكيك الإرهاب يبدأ بتفكيك بنية العنف في الثقافة والفكر الديني السائد في حياتنا، الذي هو في الأساس نتاج فقه بشري خالص.

ويتابع سالم قائلا إن “هذا الفكر يرتكز على الادعاء بملكية الحقيقة المطلقة، والاستعلاء على البشر من منطق أننا أهل الإيمان والهداية،ونحن أفضل من أهل الكفر، ورسخ الفقه لهذه التوجهات العنيفة، حيث ذهب الفقه السني إلى أن المسلم لو قتل الذمي، فدى نفسه بدية، في حين أن الذمي لو قتل مسلما يقتل، باستثناء أبي حنيفة  الذي ذهب إلى أن المسلم لو قتل ذميا يقتل”.

ويؤكد سالم أن الفقه، الذي لم يتطور ويواكب المتغيرات المرحلية، تسبب أيضا في عنف وتكفير متبادلين داخل الجماعة المسلمة نفسها، فأهل السنة يكفرون أهل الشيعة، والشيعة يكفرون أهل السنة. وخلص إلى أن الفقه البشري “جنى على الإسلام حين صنع دينا على دين، ومن المهم أن ننظر للفقه على أنه منتج تاريخي ظهر مشروطا بزمانه وبيئته، وتغيرت الظروف المحيطة به ما يعني ضرورة تغيره، ونحن بحاجة إلى فقه جديد يراعي طبيعة اللحظة التاريخية بمكوناتها المعقدة”. ويرى أنه “من غير المقبول أن يظل ابن حنبل وابن تيمية وابن قيم الجوزية يحكمون من مقابرهم”، وفي تصوره أن ذلك “لا يمكن اعتباره سوى استقالة للعقل لحساب السلف”.

تجديد الخطاب الديني


حول الدعوات السلطوية والنخبوية المتكررة إلى تجديد الخطاب الديني كأساس يُبنى عليه لمواجهة التطرف، يؤكد أحمد سالم “أننا لسنا في حاجة إلى تجديد الفكر الديني، بقدر ما نحن في حاجة إلى بناء خطاب ديني جديد بكامله، 
لأن صورة الإسلام في العالم مشوهة بالخطاب السائد، الذي يروج للعدوان، ويعجز عن مواكبة التطور في حركة الاجتماع الإنساني”.

ويلفت إلى “أنه يحق للمسلمين قراءة ديننا في ظل الشرط التاريخي والاجتماعي الذي نعيش فيه، ولا نغترب عن واقعنا ومشكلاته، ولا يحكم ماضينا حاضرنا، لأنه من الاستحالة أن نسجن تطور الحركة الزمنية والاجتماعية بقوالب دينية تاريخية جامدة”. ويشير إلى أن الأمة في حاجة إلى خطاب “يقرأ أصول الإسلام بروح العصر، ويرسخ لقيم التعايش والاختلاف ويحث على العمل والتنمية والعدالة والتقدم”.

ويرى سالم أن “سقوط الإخوان وحصارهم لن يؤديا حتما إلى نهاية الأيديولوجيات الدينية، وما صاحبها من أفكار لأن المحنة في الثقافة لا فقط في السياسة والخيط ممتد من أحمد بن حنبل إلى ابن تيمية إلى سيد قطب”.

ويؤكد أهمية مواجهة كل ما يسهم في تخليق الحركات الأصولية، ودون هذا الإجراء ستستمر حركات العنف في ممارسة حركتها، قائلا “للأسف فإن السلطات في مصر قاصرة عن الإجراء الأشمل وهو مواجهة العنف في أنظمة الثقافة والتعليم”.

الحل من وجهة نظره هو “تأسيس دولة علمانية في مصر مثلا، علمانية في مزاجها وفي مؤسساتها، فالدولة ومؤسسات الحكم مكون إنساني، مع ترسيخ الحرية في المجتمع، وأن يؤسس تطور حركة المجتمع على العقل والمصلحة”.

تطرح دائما التساؤلات حول أسباب عدم ظهور فلاسفة جُدد في الثقافة العربية، ويرى سالم أن الثقافة العربية قاومت وجود فلاسفة في عصور ازدهارها، وأحكم الفقهاء السيطرة على فضاءات الثقافة، وكانوا يكفرون الفلاسفة ويحاصرونهم، ولهذا لم تلمع الفلسفة في عصور الازدهار لأن تيارات النقل والمروي كانت هي السائدة والحاكمة، وتم حصار تيارات العقل والفلسفة، لأن السلطة كانت تدعم تيارات النص والنقل على حساب تيارات العقل باستثناء خلافة الخليفة المأمون في الدولة العباسية.

الفلسفة لا تنمو ولا تزدهر أبدا إلا في أرض الحرية والتسامح، وهذا غير متوفر في مجتمعاتنا العربية، وليس لدينا سوى مفكرين وأصحاب رؤى واجتهادات حرة، لكن هؤلاء المفكرين أنفسهم قد يكونون محاصرين من الرقابة السياسية والدينية.

ويستحضر بنبرة مُتحسرة بعض المفكرين الذين قتلوا مثل حسين مروة ومهدي عامل وفرج فودة، وهناك من هاجروا وأبعدوا مثل نصر حامد أبوزيد، لأن البعض يخشى غضب أصحاب العمائم، ويمكن التضحية بالعقول المفكرة لإرضاء مُحتكري الدين.

وكرد فعل على ذلك، فإن الفكر العربي الحديث عاجز عن تأسيس مناهج ونظريات مستنبطة من واقعنا الراهن، ولهذا لا بديل عن توظيف المناهج والنظريات الغربية في الاجتهادات الراهنة. ولذلك، أهم إبداعات الفكر العربي الحديث جاءت على أيدي مَن وظفوا المناهج الغربية في قراءة تراث الذات، أمثال محمد عابد الجابري ومحمد أركون وحسن حنفي وحسين مروة والطيب تيزيني، ونصر حامد أبوزيد، وكل أصحاب توجهات الحداثة في الفكر العربي.

*

أحمد سالم أستاذ الفلسفة الإسلامية: التيارات الدينية السبب في زيادة الإلحاد (حوار)

من جريدة صوت الامة 
مايو 2019

الخطاب الدينى الحالى أخضع الأحياء لسيطرة الأموات.. ويفقد القيم الإنسانية كالتسامح وحق الاختلاف وقبوله للآخر

التجديد ضرورة لا غنى عنها.. ونحتاج لتفسير عصرى للقرآن يعيد ربطه بحركة المجتمع وتطوره

إعداد دعاة بشكل جيد وعدم ترك منابر الإعلام بشكل مفتوح لأصحاب الخطابات العنيفة

المؤكد أن مصطلح «الإلحاد» الذى جرى تداوله خلال الفترة الأخيرة من قبل الجماعات المتطرفة والأصولية هو انكار للألوهية، واستندت إليه تلك الجماعات الأصولية المتشددة، باعتبارها خارجة عن التأويل الصحيح للنصوص المقدسة، كما قامت بتوظيف تأويل الآيات والأحاديث فى خدمتها، وتسببت فى وجود شريحة من الشباب تمرق من الدين وتؤمن بعدم وجود إله.

فيما أشار الدكتور أحمد سالم أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا،  فى حوار مع «صوت الأمة» إلى ضرورة الحاجة إلى خطاب دينى لإعادة تقديم الإسلام بوجه جديد بعيدا عن ممارسات جماعات التطرف والعنف التى تظهر على الساحة.

نحن فى حاجة إلى خطاب دينى جديد يقرأ أصول الإسلام بروح العصر، ويرسخ لقيم التعايش والإختلاف وقبول الآخر، ويحث على العمل والتنمية والعدالة والتقدم، كما يحث على الارتقاء بالإنسان، وليس الخطاب الحالى الذى يركز على الموت والحساب للآخر المخالف، لأن صورة الإسلام فى العالم مشوهة بهذا الخطاب السائد؛ فالخطاب السائد يفقد قيم الإنسانية كالتسامح، وحق الاختلاف وقبول الآخر، كما أنه يروج للإسلام الجهادى، ومن أخطر ما فى هذا الخطاب العجز عن مواكبة التطور الحادث فى حركة الاجتماع الإنسانى، حيث يبدو هذا الفكر جامدا يحكم على الحاضر بأفكار الماضى، ويحكم السلف فى رقاب الخلف، أى يمكن الأموات من السيطرة على الأحياء، فالسلف اجتهدوا فى قراءة الإسلام فى ظل ظروفهم التاريخية والاجتماعية والحضارية، لذا يحق الآن أن نقرأ النصوص المقدسة فى ظل الشرط التاريخى والاجتماعى الذى نعيش فيه.

■ ماهى المحاور التى يمكن أن يتخذها كمنهج للتجديد على الساحة؟

يمكن إرساء مجموعة من القواعد المهمة فى تجديد الخطاب الدينى المتمثل فى، ضرورة تقديم تفسير عصرى للقرآن يعيد ربطه بحركة المجتمع وتطوره، خاصة أن التفسير لم يجدد منذ التفسير القرآنى الذى قدمه الإمام محمد عبده و رشيد رضا، وكذلك ضرورة النظر إلى الفقه القديم على أنه فقه تاريخى ابن عصره، لذا لابد من الاجتهاد المعاصر فى تجديد الفقه حتى يراعى تطور حركة الاجتماع، ومراعاة المشاكل الحديثة.

كما أنه من المهم أيضا، أن يقدم الخطاب الدينى الجديد، قيم المحبة والتسامح والخير والتعايش مع الآخر وقبوله، وأن يركز على مصالح العباد فى الأرض باعتبار أن تلك المصلحة قيمة كبرى قد أرساها الفقه الإسلامى، ومن المهم البحث فى الجذور المشتركة بين المذاهب الإسلامية والتقريب بينهما باعتبار أن الأصل فيهما واحد وهو الإسلام، لذا لا ينبغى أن يقصى كل مذهب الآخر، بل علينا أن نبحث عما يوحد المسلمين، وليس ما يفرقهم ويجعلهم شيعة وأحزاب تنفى بعضها البعض الآخر، وقد كان للشيخ محمود شلتوت محاولاته المستمرة للتقريب بين المذاهب الإسلامية.

■ ما مدى وصول الخطاب بأنواعه إلى رجل الشارع البسيط؟
وصوله بهذا الشكل يستلزم إعداد دعاة بشكل جيد داخل أروقة التعليم الأزهري، كونهم المنوط بهم إظهار صورة رجال الدين من على المنابر، لذا لابد ألا تترك منابر الإعلام والإذاعة بشكل مفتوح لأصحاب الخطابات العنيفة لبثها فى المجتمع، بل لا بد أن يكون هناك خطاب ديني يبث الأمل والتفاؤل والخير باسم الدين فى أوساط الناس.

■ هل هناك مفكرون جدد فى العالم العربى؟
للأسف المنتج العربى والمصرى فى حالة تراجع مستمرة، ويعتبر موت العديد من الرموز فى الفترة الأخيرة أمثال فؤاد زكريا، وجورج طرابيشي، ومحمد أركون، ومحمد عابد الجابري، ونصر أبوزيد، وعلى مبروك وغيرهم تسبب فى زيادة الكراسى الشاغرة فى الفكر العربى الحديث، إلا أن هناك اجتهادات محدودة فى الفكر العربى من المحيط للخليج، لكن الغالب على الفكر العربى الآن هو حالة التراجع الواضحة على كل المستويات، ويتمثل السبب الرئيسى فى ذلك الانهيار والتدنى فى أنظمتنا السياسية والتعليمية والتربوية.

■ ولماذا لم تُنتج الثقافة العربية فلاسفة جُدد؟
قاومت الثقافة العربية وجود فلاسفة فى عصور ازدهارها، وسيطرة الفقهاء على فضاءات الثقافة، فكانوا يكفرون الفلاسفة ويحاصرونهم، لهذا فالفلسفة لم تزدهر فى عصور الازدهار القديمة لأن تيارات النقل كانت هى السائدة والحاكمة فى ثقافتنا قديما، ومن المعروف أن الفلسفة لا تنمو ولا تزدهر إلا فى أرض الحرية والتسامح.

■ هل هناك فرق بين التدين والدين؟
هناك فرق واضح بين الدين والتدين؛ الدين هو الصورة المطلقة لاعتقاد الله كقيمة مطلقة، كذلك الكتب السماوية المقدسة كخطاب مطلق، لذا يتسم الدين باعتقاداته بالاطلاق، أما التدين يُعد نتاجا للفكر البشرى حول النصوص المؤسسة للأديان، كما يتسم هذا الفكر البشرى بالنسبية والتعدد والاختلاف؛ فأنماط التدين تتطور بتطور حركة الزمن والتاريخ، وتغير ظروف الاجتماع البشرى.

 فالتشدد الدينى ممتد من فكر أحمد بن حنبل إلى ابن تيمية إلى ابن عبدالوهاب إلى سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، لذا علينا أن نواجه كل ما يخلق التشدد والفكر الإرهابى من ثقافتنا والتعليم والتربية، لأنه بدون تنقية الثقافة الدينية سوف تستمر حركات العنف فى ممارسة عنفها.

لا شك، أن الاتجاهات الأصولية القائمة على نزعة التشدد فى الدين جعلت العديد من الناس يتجهون لأنماط من التدين الشعبى الملتصق بالطرق الصوفية والموالد المرتبط بأشكال الفرح لبسطاء الناس والعوام القائمة على التبرك بالأولياء والاعتزاز بهم؛ فانتشر فى ربوع مصر الاحتفال بموالدهم؛ حيث اختلطت مصر تاريخيا بالتشيع فى العصر الفاطمي.
■ ما طبيعة الحقيقة المطلقة التى يدعى قيادات الجماعات المتطرفة امتلاكها؟ 

أزمة التدين المتمثلة فى اعتقاد أصحاب كل دين أنهم يملكون الحق المطلق، وأن الأديان الاخرى على باطل مطلق، كما أن الخلاف بين المذاهب الإسلامية أدت لاعتقاد كل من السنة والشيعة والخوارج أنهم يملكون الحق المطلق، وتكفير الآخرين، كذلك الحال عند أصحاب المذاهب، يعتقد كل مذهب أنه على صواب مطلق والآخر على كذب مطلق؛ فيُعد هذا أحدى المحن الكبرى فى الأديان الإبراهيمية.

■ ما مدى تأثير الحركات الدينية العنيفة على صورة الإسلام فى العالم؟ 
بالتأكيد أسهمت حركات العنف بتقديم صورة سلبية عن الدين الإسلامى فى الإعلام الغربي؛ فأصبحت صورة المسلم فى العالم ملتحقة بالمتفجرات والعنف والدماء، وهو ما يفرض علينا إعادة إنتاج صورة الإسلام فى العالم على أنه دين يدعو إلى التعايش والسلام وقبول الآخر والتسامح، خاصة أن الحقيقة تؤكد أن الشريحة التى تمارس العنف باسم الإسلام فئة محدودة تلقت تعليما مغلوطا عن الإسلام.

■ كيف يمكن محاصرة العنف؟ 
تجفيف منابع العنف ينبغى أن يبدأ أولا من الثقافة من خلال مواجهة الأفكار المحرضة على الإرهاب والدماء ومحاصرة الآراء التى تدعو إلى ذلك مثل فتاوى ابن تيمية وغيره فى الفقه القديم، كذلك ينبغى ضبط المنصات الإعلامية المختلفة التى يتخذها مشايخ الفتنة منبرا لتكريس العنف فى المجتمع.

■ إلى أى مدى تؤدى أصولية المركز وتأثير مشايخها على محيط الجماهير بالإلحاد؟ 
انتشار الجماعات الإسلامية فى العالم العربى الإسلامى وذيوع  التشدد الديني، وممارسة العنف معها من قبل هذه الجماعات؛ أثر على بعض الشباب وجعلهم يتشككون فى حقيقة الدين، ووصل بعضهم إلى درجة المروق عن الدين، وأؤكد على أن هذا السبب يرجع لنمط العنف المنتشر بين الحركات الدينية.

■ ما أسباب تشكيل ظاهرة الإلحاد فى مجتمعاتنا؟
لا شك أن لظاهرة الإلحاد فى المجتمعات العربية العديد من الأسباب؛ فهى تشكل أحد وجوه الاحتجاج الاجتماعى من قبل الشباب تجاه السلطة الدينية، وقد ينبع من غضب الشباب لصورة الخطاب الدينى السائد فى المجتمع القائم على الترهيب، كما يحاول رجال الدين ضبط حركة الاجتماع بالتخويف لصالح السلطة السياسية، كذلك ينبع نتيجة فضاء المعلومات الحر عبر الإنترنت، واطلاع الشباب على الثقافات العالمية والتأثر بها، وقد يكون الإلحاد لدى بعض الشباب معبرا عن حالة فكرية وذهنية، إلا أن هناك بعض الشباب يعيش حالة ارتياب وشك؛ لذا يقول الملحد فى تلك الحالة : إنه « لا يدرى إن كان الله موجودا، أو غير موجود»، وهذا النوع من الشباب يمكن توجيههم بسهولة إلى طريق الدين.
■ ما الآليات التى من الممكن أن نواجه بها ظاهرة الإلحاد؟ 
ضرورة تجديد الخطاب الدينى؛ بحيث يقوم على الترغيب، وزرع قيم المحبة والتسامح والتعايش بين الأفراد، كما يقدم صورة للإله تقوم على المغفرة والتوبة والرحمة؛ لذا يستلزم خطاب دينى جديد.
كما من الضرورى إعداد رجال الدعوة من خريجى جامعة الأزهر بشكل يليق بروح العصر وثقافته؛ ليستطيع الشباب المواجهة من الناحية الروحية؛ لذا يستلتزم تنوير المؤسسات الدينية الأزهرية بما يتوافق مع الأشكاليات المطروحة من الناحية الاجتماعية بالعالم العربي، وضرورة العناية بتشكيل وعى الشباب عبر التعليم الجامعى بشكل يؤكد على أهمية الدين فى الحياة الإنسانية، كذلك أهميته فى حياة الفرد.

■ هل يمكن فصل الدينى عن السياسى؟ 
نعم.. من الممكن فصل ممارسات رجال الدين عن الدور السياسى وذلك بإرساء دعائم دولة مدنية حديثة، لا يكون الدين فيها أساس للتمييز بين الأفراد.

*

لنعترف.. الخطاب العلماني في مصر مأزوم أيضاً

يُتّهم الخطاب الديني المعاصر بأنّه خطاب مغلق وجامد، غير مرتبط باحتياجات الناس ولا مشاكلهم، ولا واقعهم الراهن، خطاب واقع في أسر الماضي ومشكلاته، وتابع كلية لاجتهادات السلف، كما يركز على الشكل، وليس على أهمية جوهر الدين في حياة الشعوب، فهل الخطاب العلماني قد نجح في تجاوز كل السلبيات التي يأخذها على الخطاب الديني المعاصر أم أنّ الخطاب العلماني هو أيضاً خطاب مأزوم؟

الخطاب العلماني مغلق ومتعصب
إننا إذا تأملنا الخطاب العلماني المتداول في مصر عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فإننا نجد أنّه خطاب مغلق دوغمائي، يتسم بالتعصب إزاء كل ما هو ديني وكأنّ الدين والعلمانية لا يمكن أن يلتقيا، تماماً مثلما يتسم الخطاب الديني بالتعصب ضد كل ما هو علماني.
الخطاب العلماني خطاب ماضوي
وعلى الرغم من انتقاد الخطاب الديني بأنه خطاب ماضوي، فإنّ الخطاب العلماني قد وضع الماضي نفسه موضع اتهام، وحمّله المسؤولية التاريخية عن الجمود، والتدهور، والتخلف، وقد عكف الخطاب العلماني على الروايات الغريبة التاريخية في التراث الديني ليصب عليها كل غضبه، مثل إرضاع الكبير، ونكاح البهيمة، والعديد من الفتاوى الغريبة،
وبقدر ما اتسم الخطاب العلماني بعيوب قد تكون هي نفسها عيوب أصحاب الخطاب الديني، فإنّ الخطاب العلماني السائد قد افتقد إلى رؤية مستقبلية لواقع المجتمعات العربية وإمكانية التغيير، وضرورة التركيز على التنمية الشاملة في كافة نواحي الحياة، ولم تشغل الخطاب العلماني ضرورة التركيز على قيم الحرية والعدل واحترام الإنسان، وهي القيم التي ينبغي أن تكون مركزية في الخطاب العلماني، ولا شك أنّ غياب الرؤية المستقبلية نابع من انهماك الخطاب العلماني في الماضي، وفي أن يكون كل دوره ومعظم صوته على أمرين لا ثالث هما أولاً: تعرية الخطاب الديني السائد سواء الرسمي أو الأهلي، وثانياً: تفكيك فكر الجماعات السلفية وحركات الإسلام السياسي.

*
تاريخية الفقه عند الإمام عبد الحميد الزهراوي

الفقه من العلوم "غير النافعة في الدنيا"، وإنما هو "مجموع قوانين وضعها المتقدمون تناسب زمانهم وظروفهم التاريخية"، بهذه الجرأة يكسر الزهراوي طوق القداسة التي فُرضت على الفقه وأحكامه الجامدة؛ وذلك لأنّ جمود الفقهاء في الماضي والحاضر، ترك فجوة عميقة بين الفقه والواقع، وولّد عجزاً تشريعياً لكثير من القضايا المعاصرة في حياة المسلم، وفتح الأبواب لمؤثرات خارجية دخيلة تدخل إلى التشريعات والدساتير في الدول الإسلامية.

التشعب والتشتت في كثرة الأحكام الفقهية
لقد استخدم الزهراوي المنهج النقدي في نظرته التحليلية إلى الفقه الإسلامي، موضحاً الأقوال المتضاربة والمتعارضة للفقهاء في قسمي الفقه؛ فقه العبادات، وفقه المعاملات، فالعبادات أعمال خاصة أُمرنا أن نفعلها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، رضي الله عنهم، الذين تعلموا منه، ويتساءل الزهراوي: هل التعاليم المختلفة بقدر ما اختلف هؤلاء الفقهاء، أم أراد هؤلاء أن يوهموا الملأ بما وسعته صدورهم من العلوم فتوسعوا بالتفصيلات القولية، والاصطلاحات المذهبية حتى كتبوا ألوفاً من الأوراق عن الصلاة، معللين بأنها عماد الدين، وأن الاهتمام بتحرير علومها ضروري، مع أنّ القرآن الكريم، الذي فرضها، كان مقلاً في ذكرها، كقوله تعالى في آيات متفرقة: {وأقيموا الصلاةْ، {واركعوا مع الراكعين}، {واسجدوا لله}، ولم يجئ فيها بشأنها أكثر من ذلك؟
كذلك بشأن الطهارة؛ لم يرد في الذكر الحكيم بشأنها أكثر من الأمر بغسل الوجه واليدين والرجلين ومسح الرأس، وبالتيمم إذا لم نجد ماء، وبالتطهير من الجنابة، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم،كان يعلم الصلاة للواحد من أصحابه، رضي الله عنهم، في ساعة واحدة؛ لأنّها أعمال محدودة كالوقوف إلى جهة معينة، وقراءة كلمات سهلة، وحني الظهر، ووضع الجبهة على الأرض، وأعمال يتعلمها الصبي في ساعة، وهكذا بيّن الزهراوي كيف عكف الفقه التقليدي عكوفاً شديداً مصحوباً بتفصيلات وتفريعات لا طائل منها، لقضايا الصلاة والطهارة مثلاً، التي أوجزهما القرآن الكريم إيجازاً سهلاً، وبيّنها الرسول صلى الله عليه وسلم بأفعاله التي تعلمها منه أصحابه، رضي الله عنهم، بينما خرج إلينا الفقهاء بمئات المسائل عن الصلاة والطهارة، تحمل كثيراً من التفسيرات، والاختلافات المذهبية، والتي تجعل المسلم حائراً في دينه، والمتأمل لفقه العبادات يرى أنه قد اكتسب قداسة تمنع من إعادة النظر في التحقق فيه، ورغم أنّه يتضمّن لعديد من الأحكام غير القرآنية، والمتأثرة بالظروف التاريخية التي وضعت فيها؛ بل والمشتملة على تفريعات لا طائل من ورائها، ويؤدي العمل بها إلى تكريس نوع من الدين تطغى عليه الاعتبارات الاجتماعية على الاعتبارات الروحية، والتمسك بالشكل على الجوهر.
لماذا يعجز الفقه عن مسايرة الواقع؟
يذهب الزهراوي إلى القول بتاريخية الفقه وأنّه مشروط بالشرط الاجتماعي والتاريخي فيرفض مقولة إنّ الفقه يكفي لزماننا
وتجاهل للحقيقة الدينية السمحة؛ لذا نجد الزهراوي يعبر بمرارة عن القيود التي فرضت على المسلمين، فيقول: "كفانا مؤونة السلاسل التي ربط الناس بها أقواماً كتبوا الكتب بأيديهم، ثم قالوا: هذا من عند  الله".
ويرفض الزهراوي تقديس الفقه، وتقديس الأحكام المنسوبة إليه، مدركاً ما وصل إليه حال الأمة نتيجة اعتناء كلّ طائفة وفرقة بمذهب واحد، على ما فيه من تعدّد المرجحين، قد فرّق كلّ ذلك المسلمين من زمن بعيد، حتى أوصلهم إلى هذا الحال المتردي بين أمم العالم.
إنّ مقولة الإصلاح الديني ارتبطت عند الزهراوي برفض تقديس كل إنتاج إنساني موروث من المتقدمين، فقهاء أو علماء دين، أو الانقياد إلى فكرة أنه لا عقول إلا عقول الأولين، وهذه ديدنة كلّ مصلح اختار أن يسلك دروب الوعي، ذلك الوعي الذي تحتاج إليه أمة تريد النهوض والتقدم بعد سبات طويل.
والزهراوي لا ينكر لهؤلاء الفقهاء إجادتهم في علومهم، لكن بحسب حاجة عصرهم ومتطلبات، ويرفض تقديس ما نقل إلينا من موروثهم: إنهم سدّوا حاجة زمانهم، فما نحن بملومين إذا قلنا إنّ ما نقدسه اليوم هو مجموع كتاباتهم التي اقتضتها عصورهم وطابقت عقول معاصريهم من الحكومات والرعايا كيف كان الحال.
*
Nov 24, 2019
ما حقيقة الصراع بين الفقهاء والصوفية؟

نشأ الفقه بهدف تحقيق وحدة الجماعة المسلمة في عقائدها وشعائرها وعباداتها، ومعاملاتها، وطقوسها، كما سعى إلى تدبير ضبط حركة الاجتماع البشري تحت راية السلطة السياسية؛ لذا كان للفقهاء سلطة كبيرة على الجماعة المسلمة، وعلى شؤون تدبير الجماعة، وبالتالي المجال العام الاجتماعي.
من جهته، صرف التصوّف همّه على بناء الفرد، ومحاولة الوصول إلى المعنى الحقيقي للإيمان، والتركيز على النية الكائنة خلف الممارسات والأفعال الإنسانية التعبدية، والاجتماعية، فكان للمتصوفة الكبار تأثيرهم المعنوي على وعي العامة من الناس، وهو ما تمثل في أوساط التدين الشعبي، بما يملكه الولاة والأولياء من تعاطف مع الفقراء والمحتاجين والمعوزين في المجتمع، وبما يهبه رموز المتصوفة من أمل لهؤلاء المهمشين، وهو ما جعلهم رموزاً لهؤلاء الشرائح، وقد أثار ذلك حفيظة السلطة السياسية عليهم من ناحية، والسلطة الفقهية من ناحية أخرى التي خشيت من سحب أولياء الصوفية السلطة منهم، والسيطرة على العوام وعلى المجتمع، وصولاً إلى تحريكهم للتمرد على هاتين السلطتين.
نظرة الصوفية إلى الفقهاء    
نظر الصوفية إلى الفقهاء على أنّهم أهل ظواهر ورسوم، وإلى أنفسهم على أنّهم أهل الحقائق والبواطن، ويضعون علمهم من حيث هو علم بالحقيقة في مرتبة أعلى من علم الفقهاء من حيث هو علم بأحكام الشريعة الظاهرة، ومهما يكن من أمر هذا كلّه فإننا نلاحظ أنّ طائفة لا يُستهان بها من الصوفية قد جعلت من الطريقة أداة لمعرفة الحقيقة دون أن تكون منافية لأحكام الشريعة، كما أنّ الصوفية كانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنّهم وحدهم من يدركون حقيقة الدين خلف المعاني والتكاليف الظاهرة؛ لأنّ أعمال الجوارح، بنظرهم، ليست مقصودة لذاتها؛ بل المعنى الباطني هو الهدف من هذه الأعمال، وهو الركيزة التي تؤسس عليها أعمال الظاهر.
والواقع أنّ الخلاف بين الصوفية والفقهاء بدأ يدبّ نتيجة اعتقاد كل منهما أنّه يملك حقيقة الدين، وكان الفقهاء يخشون من ضعف سلطتهم على العوام بسبب ميلهم إلى أولياء الصوفية، وانتشار آثار التصوف في أشكال مختلفة من التدين الشعبي، لذلك اتهم الفقهاء الصوفية بالابتداع في الدين، واتهم الصوفية الفقهاء بالجمود وضعف الروحانية، وذلك للاختلاف الجوهري بين الطائفتين في المنزع والغاية، ولم يكن بد من أن يثور الصوفية في أوجه الفقهاء الذين أصبح الدين على أيديهم "مجموعة من الرسوم والأشكال والأوضاع التي لا حياة فيها"، ولم يكن بد من أن يثور الفقهاء في وجه الصوفية لأنهم اعتبروا أنفسهم حماة الشرع من الزائد عنه، والشرع، بنظرهم، لم يأتِ إلا بأحكام الظاهر، ولم يضع حدوداً لأحكام الباطن، فلم يضع حداً للنفاق والرياء والشرك الخفي أو عدم الإخلاص، أو ما شاكل ذلك من أعمال القلوب بل ترك أمر ذلك إلى الله تعالى.
توظيف الفتاوى ضد الصوفية
كان الفقهاء يتخوّفون على الإسلام من الصوفية، ويخافون من نفوذهم على الفقراء والعوام في نفس الوقت، وكان من أبرز الشخصيات التي ناهضت التصوف وقاومت الصوفية، أحمد بن حنبل، على الرغم مما يكنّه لبعض الصوفية من احترام وتبجيل كما تشهد بذلك الحكايات التي تروى عنه مع الحارث المحاسبي، ولكن إشفاق ابن حنبل على الإسلام وتخوفه من انتشار نفوذ الصوفية كان أغلب عليه من تقديره لهم، فهو لم ينكر عليهم أقوالهم، ولكنه كان يعترف صراحة أنه لا يفهمهم "لأنّهم يتكلمون بلغة لا عهد له بها"،  ثم جاء أتباع ابن حنبل فكانوا أشد مقتاً للصوفية وتنكيلاً بهم، وقد بلغ اضطهادهم لهم أقصاه في محنة الصوفية المعروفة بمحنة غلام الخليل، وهي المحنة التي اتهم فيها نحو سبعين صوفياً من بينهم الجنيد شيخ الطائفة ببغداد، وحوكموا وحكم عليهم بالإعدام ثم أفرج عنهم.
قتل الحلاج والسهروردي

وحين نستقرئ أحداث قتل الحلاج يبرز التاريخ مدى التفاف الفقراء حول الحلاج نتيجة للظلم الموجود في أروقة الحكم، وكانت السلطة السياسية تخشى من وقوع ثورة عليها فما كان منها إلا أنّها سعت إلى قتل الحلاج على يد الوزير حامد بن العباس، ولم يجد أمامه إلا تسويغ قتله من خلال اتهامه في دينه، فقد فطن حامد بن العباس إلى أنّ القناع الديني والتهمة الدينية هي خير وسيلة للتنكيل بالحلاج، فكتب ما رأى أنّه اعتقاد الحلاج للفقهاء في بغداد فأنكروه عليه.
وعلى الرغم من أنّ ابن تيمية كان له موقف إيجابي من التصوف السنّي الذي يسير على نهج الكتاب والسنّة، إلا أنّ له موقفاً حاداً من أصحاب نظرية وحدة الوجود ونظريات الاتحاد والحلول، من أمثال الحلاج، وابن سبعين، وابن الفارض، وابن عربي، وقد ركّز ابن تيمية معظم هجومه على ابن عربي ونظرية وحدة الوجود.
ويظل الصراع بين أهل الظاهر وأهل الباطن، بين أهل الشريعة وأهل الحقيقة، بين الفقه والتصوف صراعاً أصيلاً في تاريخ الحضارة الإسلامية، مهما قيل فيه من اختلاف فإنه في الحقيقة صراع على السيطرة على المجال العام الإسلامي بين أصحاب سلطة الفقه الذين سعوا قولاً وفعلاً للسيطرة عليه، وبين المتصوفة الذين سعى إليهم العامة للهداية والتبرك.
*
الآفة الكبيرة فى أداء الشعائر الروحية فى الإسلام تتمثل فى تفريغها من مضمونها للدين وتحويلها إلى مجرد عادة اجتماعية خالية من أى مضمون روحى رباني.
فلسفة الصيام تقوم على ضبط رغبات الجسد وقهر الشهوات