الباحث الهولندي يوهانس يانسن الذي خصص أطروحته للدكتوراه لدراسة وتحليل اتجاهات التفسير في مصر الحديثة، ونشرها في كتاب بعنوان «تفسير القرآن في مصر الحديثة» عام 1973 نقله إلى العربية حازم محي الدين ونشرته أخيراً «مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث».
يقول يانسن إن الكتابين الأكثر أهمية اللذين تناولا التفاسير القرآنية الحديثة هما كتاب جاك جومييه، «تفسير المنار للقرآن»، وكتاب يوهانس باليون، «تفسير القرآن في العصر الحديث». فالأول يدرس بشكل حصري تفسير المنار الذي أسهم فيه الشيخان محمد عبده ومحمد رشيد رضا. وهو يقدم عرضاً موجزاً لكل القضايا الرئيسة التي تطرق إليها هذان المصلحان في تفسيرهما، لكنه رجع إلى عدد آخر من كتب التفسير الحديثة.
ويذهب يانسن إلى أن التفاسير الحديثة المكتوبة لجمهور مختلف عن الجمهور الذي تلقى التفاسير الكلاسيكية، لا تزال تقليدية جداً من حيث المحتوى والشكل. فكتب التفسير التي ظهرت في مصر في العصر الحديث ليست مخصصة لنوع واحد من الاتجاهات، فهي تتضمن آراء تتعلق بلغة وبيان القرآن، وبالجانب العلمي من القرآن، وحول الكيفية التي ينبغي أن يتصرف وفقها المسلمون في هذا العالم.
ويلاحظ الباحث أن الإمام محمد عبده قد مارس تأثيراً كبيراً على كل المفسّرين في الجامع الأزهر، ولم يصبح مألوفاً أن نرى المسلمين يؤلفون كتباً مستقلة حول تاريخ التفسير إلا ابتداء من النصف الثاني من القرن العشرين. ويعتبر أن الكتاب الوحيد المهم في التراث الإسلامي الذي اهتم بالتأريخ للتفسير هو كتاب السيوطي، «طبقات المفسرين».
. ويدعو القارئ إلى تخيّل مفسّري القرآن في مصر في العصر الحديث وكأنهم يعملون معاً في غرفة مستديرة كبيرة في مكان ما في وسط القاهرة. ويضع في باله أن هؤلاء المفسرين ينظرون إلى القرآن ومقتضيات تفسيره من ثلاث زوايا مختلفة: العلوم الكونية، اللغة والبيان، والشؤون اليومية والعملية للمسلمين في هذا العالم.
يشير الباحث إلى أن هؤلاء المفسرين المصريين يستخدمون مصادر تفسير واحدة، حيث يستخدم الجميع تفسير الطبري (ت 310ه)، وتفسير الزمخشري (ت538ه)، وتفسير ابن كثير (ت774ه)، وتفسير محمد عبده (ت 1905م). ويقتبس كل منهم من هذه المصادر بحرية واسعة، من دون أن يشيروا، في الغالب، إلى أسمائهم في كتبهم. ويستخدمون معاجم لغوية لابن منظور، والجوهري، والفيروزآبادي، وكتابين من كتب علوم القرآن هما: «أسباب النزول» للواحدي، وكتاب «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي.
وجميع هؤلاء المفسرين يستخدم النص القرآني نفسه الذي نشرته لجنة مصرية ملكية من الخبراء في عام 1924. وينفرد كل مفسر باستخدام كتب أخرى، ككتب تفسير أو كتب علمية عن الكون، أو كتب في الفقه الإسلامي أو في فقه اللغة والبيان أو في الإسلام السياسي.
وهناك مجموعة منهم تركز على أن العلوم الحديثة لا تتناقض مع القرآن بل يمكن أن نستنبطها منه. وهناك مجموعة منهم تركز على البيان اللغوي والأدبي للقرآن لفهم معانيه كما فهمها الصحابة أيام نزول الوحي.
وكانت مجموعة ثالثة تتخذ من القضايا اليومية والاجتماعية للمسلمين في هذا العالم بؤرة تتجمع حولها جهودهم، حيث يتساءلون عن مدى تأثير القرآن في واقع المسلمين وحياتهم الاجتماعية. ولذلك هم يرون ضرورة نشر رسالة القرآن في المجتمع المصري من خلال الخطب والدروس في المساجد والصحافة.
ويلاحظ يانسن أن المفسرين المصريين لا يكتفون باقتباس أفكار بعضهم بعضاً فحسب، بل إن الأمر قد يصل أحياناً إلى وجود صفحات كاملة متطابقة في كتبهم.
وقد اتخذ رشيد رضا موقفاً متشدداً في الجدل فرفض أي شيء من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف الوحدة الإسلامية، مثل إلغاء الخلافة، أو ترجمة القرآن إلى إحدى اللغات التي يتكلم بها المسلمون، كي لا يؤدي ذلك إلى تمزيق شمل المسلمين، باعتبار أن العربية هي اللغة الحقيقية الوحيدة في العالم الإسلامي، في نظره. ووصل النقاش حول ترجمة القرآن إلى نهاية منطقية عبّر عنها شيخ الأزهر، الشيخ محمود شلتوت (توفي 1963) حيث رأى أن ترجمة القرآن ضرب من ضروب تفسيره، وعليه لا يمكن أن يوجد أي مانع منها. وقد أجاز للمسلم غير العربي الذي لا يحسن العربية أن يستخدم القرآن المترجم في صلواته.
ونجد عدداً لا يحصى من كتب لتفسير الأقل حجماً التي تتناول بالتفسير سورة واحدة أو مجموعة من السور. ويعدّ يانسن كتب التفسير التي كتبتها عائشة عبد الرحمن المعروفة ببنت الشاطئ أكثر هذه الكتب أهمية. وهو يرى أن من المستحيل ومن غير الضروري وضع حد فاصل ودقيق بين التفاسير الموضوعية للقرآن والكتب التي تتناول القرآن أو الإسلام، وكذلك بين التفاسير الموضوعية والتفاسير الكلاسيكية. ولعل أشهر كتاب يمثّل الصيغة الوسيطة بين هذه القوالب التفسيرية هو كتاب «تفسير الأجزاء العشرة الأولى» للشيخ محمود شلتوت. فهو لم يتبع في تفسيره نص القرآن كلمة كلمة، ولكنه كتب بشكل موسّع حول المفاهيم المركزية في السور التي فسّرها.
وقد وصل في تحليله المقتضب هذا إلى النتيجة التالية: إنَّ معظم التفاسير التي ظهرت في مصر في العصر الحديث هي تفاسير تقليدية، وقد استدل على هذه النتيجة التي وصل إليها بالمحتوى التراثي لكل هذه التفاسير المعاصرة، حيث اكتفت هذه التفاسير بتغيير عناوينها فقط، في حين حافظت بشكل كامل تقريباً على الإرث التفسيري السابق، وبشكل خاص تفسيرا الزمخشري والجلالين، من دون أية إضافة تجديدية معتبرة.
ويرى يانسن أن التجديدات الحقيقية في التفاسير المصرية نجدها فقط في مؤلفات محمد عبده وأمين الخولي. ويتناول جهود عبده في التفسير، باعتباره الشخصية العلمية الأكثر تجديداً، وتأثيراً في مجمل حركة التفسير في مصر الحديثة. فالتفسير قبله كان في معظمه «عملاً علمياً صرفاً يكتبه علماء لكي يقوم بقراءته علماء آخرون. وكان فهم كتاب في التفسير يتطلب معرفة مفصّلة بتقنيات ومصطلحات قواعد اللغة العربية، والفقه الإسلامي، والعقائد، والأحاديث النبوية، وآثار الصحابة، والسيرة النبوية».
يقول عبده: «إن الله تعالى لا يسألنا يوم القيامة عن أقوال الناس (أقوال المفسّرين)، وما فهموه (من القرآن)، وإنما يسألنا عن كتابه الذي أنزله لإرشادنا وهدايتنا». وقد قصد عبده أن يفسّر القرآن بطريقة عملية لجمهور عام دائرته أوسع من دائرة طلبة وأساتذة العلوم الدينية وبطريقة خالية من التعقيد العلمي. وهكذا، حاول دفع قرائه إلى إدراك محدودية أهمية التفاسير التراثية، لأنها لا تسهم في تقديم الحلول لمشكلات العصر وحاجاته. وقد سعى عبده إلى أن يقنع قراءه بأنه يجب عليهم أن يتركوا القرآن يتحدث عن نفسه، بعيداً عن كل ما من شأنه أن يكون حجاباً على القرآن من الشروح والتعليقات البالغة التعقيد.
لم تلقَ جهود عبده وتلميذه رشيد رضا في التفسير نجاحاً سريعاً، لكنها لقيت، في نهاية المطاف، نجاحاً كبيراً وقد تم اقتباسها والاستشهاد بها كثيراً من قبل المفسرين اللاحقين
له.
لم يكن يهدف إلى غاية تأريخية بحال من التفسير والقرآن، وكانت غايته كما جاء فى أكثر من موضع تثبيت قلب النبى وتسليته عما كان يناله من الأذى، كانت الرسالة بها كما يذكر الطبرى تقول: «فاصبر يا محمد على ما نالك فى الله، فإنى قادر على تغيير ما ينالك به هؤلاء المشركون كما كنت قادرًا على تغيير ما لقى يوسف من إخوته فى حال ما كانوا يفعلون به ما فعلوا، ولم يكن تركى ذلك لهوان يوسف علىَّ ولكن لماضى علمى فيه وفى إخوته».
ليلجأ إلى التفاسير المتخصصة، أى التفاسير التى يزعم الأصوليون والسلفيون أنها تحتكر -بحكم أقدميتها فحسب- الحقيقة كل الحقيقة، وتنطوى على العلم كل العلم، وبها كل الفهم وأى فهم! ليكتشف القارئ الحيران بعد التنقل بين آراء المفسرين أن حيرته تكبر، وإشكاليته تتضخم، ومفارقاتها تتشعب، وأنه فقد بديهته الأولى الذكية لصالح لا شىء تقريبًا، وهو ما يكشفه الاستعراض التالى للحلول العبقرية التى ابتكرها المفسرون لإشكالية مفارقة استبشار وارد القافلة بعثوره على يوسف ثم بيعه بثمن بخس وزهده فيه.
*********************
عمل شاق بل يبدو مستحيلًا، أن تصحح المفاهيم الملتبسة التى تكونت عبر قرون من تبجح المفسرين الذين ادّعوا امتلاكهم حقيقة معانى القرآن
لذا يكفى أن نطمح كى نزحزح هذه المفاهيم قليلً
كيف لى وكيف لأى مفكر أن يشارك فى نزع فتيل قنبلة المعنى الشعبى الراسخ فى نفوس غالبية المسلمين عن القرآن ومعانيه بصورة تعيننا على إعادة صياغة الحاضر دون الخوف من أحداث عنيفة إرهابية محتملة تنتج عن الفهم الخاطئ لمعانى القرآن كما هى حال العالم اليوم،
كما أن فكرة أن يكون المعنى متغيرًا بتغيُّر المجتمع والزمن لابد له أن يصبح مقبولًا جدًّا لا يصاحبه أى نوع من الفزع الشعبى الذى يصاحبه كلما لوح أحد الباحثين أو المفكرين بالضروروة الملحة لإعادة قراءة القرآن قراءة جديدة مثمرة لا يقصد بها بأية حال من الأحوال أى شكل من أشكال التنافس مع السابقين، ولكن لكونه كتابًا مقدسًا قالوا عنه إنه كتاب معاصر لكل زمان وجب علينا إعادة قراءته، لإيجاد المواءمة وكأنه نوع من التحديث الذى لا يمسه فى شىء ولكنه تحديث يخص فهمنا نحن واستقبالنا نحن لنصوصه، فإذا كان معاصرًا كيف لنا أن لا نعيد قراءته وفهمه مرة أخرى كلما لزم الأمر.
هؤلاء الغاضبون من محاولات إعادة قراءة النص القرآنى هم صانعو الفجوة الحقيقية بينه وبين الحاضر
يطلقون على أنفسهم (المسلم الوسطى) الذى لا يتوقف أى منهم عن ترديد سورة (الكافرون) والتى دائمًا ما يختمها بصوت أعلى مما بدأها: (لكم دينكم ولى دين). وبين من يجهش بالبكاء حسرةً على غياب الغزوات والسبى وجمع الغنائم وهو المعنى الراسخ فى عقله ووجدانه
***********
***********