الثلاثاء، 31 مارس 2020

ترسانة فقهية

ظل الإسلاميون منذ عصر النهضة يبشرون بتقديم بدائل تعيد المجد للأمة ككل، أو لكل قطر على حدة، باستعادة النموذج الرباني وتطبيق الشريعة. لكن هذا النزوع لإحياء الماضي وتضخيم بدائله وقدرته على حل كل الأزمات سرعان ما يتقلص ليصبح على يد الحركات والأحزاب التي قاربت الحكم بشكل من الأشكال، مجرد ثيمة واحدة، وهي الوصول إلى السلطة.

 أين تذهب الترسانة الفقهية والضمانات الأخلاقية التي يرفعها الإسلاميون، والتي مكنتهم من أن يكونوا في الواجهة، سياسيا وأمنيا واجتماعيا،  منذ 1928 تاريخ تشكيل جماعة الإخوان، إلى حد اللحظة، حيث نجحت حركة النهضة الإسلامية في أن تتبوّأ السلطة في تونس؟

ورطة التجديد
لا يغامر الإسلاميون بالانزلاق إلى لعبة التجديد، ولكنهم يصدرون “فتاوى” لإسكات الخصوم، وإظهار أنهم يتبنون المواثيق والقيم الكونية في مسعى لاسترضاء الغرب والحصول على اعتراف بكونهم ليسوا مختلفين مع النسق العالمي لـ”القيم الوضعية” التي ظلوا لعقود ينقدونها في الكتب المرجعية لسيد ومحمد قطب وأبوالأعلى المودودي.
 ورطة الإسلام السياسي الذي يبحث عن اجتهاد على “المقاس” لإظهار أنه متمسك بالدين من ناحية حرصه على استقطاب المريدين أو إغواء الناخبين خاصة في ما بعد ثورات 2011 وفورة نجاحات الفروع الإخوانية عبر صناديق الاقتراع قبل أن تتراجع لاعتبارات مختلفة.
كما يسعى الإسلام السياسي، المسكون بالبحث عن المشروعية، من جهة ثانية لإظهار نفسه على أنه إسلام ديمقراطي خفيف لاسترضاء الغرب الذي بيده السماح للإسلاميين بالحكم أم لا، مثلما يجري في تونس، حيث بات الغرب ينظر بعين الرضا إلى حركة النهضة التي قصقصت أجنحة الديني في هويتها وتطلق التصريحات المختلفة الداعمة لخيارات قيمية مشروطة قبل أي قبول.
والورطة الحقيقية أن الإسلاميين حين يصطدمون بـ”إكراهات الواقع” يصبح همهم الأول هو البحث عن مصالحة هذا الواقع والاندماج فيه على مستوى الخطاب والسلوك، وهو وجه آخر من وجوه التقية التي تنظر إلى هدف واحد، هو هدف القبض على السلطة.
في العقود الماضية يظهر الإسلاميون حماسا كبيرا لتطبيق الشريعة كونها تحمل كل الحلول، لكن حين ينزلون إلى أرض الواقع ويبحثون عن تنزيل أحكامها لا يجدون منها سوى الجانب العقابي، أي قص يد السارق وجلد الزاني، أو تنفيذ مهمة الحسبة بما تعنيه من إذلال الناس والتعدي على حرياتهم الشخصية، لتبدو الشريعة في عرف الإسلام السياسي كأنما جاءت فقط للانتقام والتشفي وليست مشروعا للعدل والإنصاف.
وتستوي في هذا الحركاتُ الإسلامية المغالية في التنفيذ الحرفي للنص مثل القاعدة وداعش والسلفية وحزب التحرير أو الحركات البراغماتية المناورة مثل الإخوان المسلمين. ورأينا كيف تشابهت مراحل الحكم الإسلامي المتشدد (بأنواعه) في أفغانستان (مع القاعدة وطالبان)، وفي الفلبين (جماعة مورو ثم أبوسياف)، وداعش في العراق سوريا، وأيضا والأهم تجربة الإخوان في السودان.
وهرب إخوان السودان بالأسلمة والشريعة إلى الحكم العسكري، أسلمة في الشعار لكن على الأرض باتت تلك الأسلمة عاجزة عن التفاعل مع واقعها لأن الشريعة لم تكن سوى مجرد شعارات متوارثة، فيما هي في واقع الأمر قراءة تاريخية للنص القرآني والنبوي، وتم تأويلهما في عصور سابقة، وتريد الحركات الإسلامية ترجمة تلك القراءة التأويلية على واقع جديد مناقض بشكل جذري.
والصورة الصارخة لتجربة الشريعة كقراءة تاريخية مسقطة هو التجاء إخوان السودان إلى الانقلاب العسكري والمضي في سجن وإعدام خصومهم الفكريين وعلى رأسهم محمود محمد طه الذي أعدم في يناير 1985 لأنه يطرح أسئلة تجديد من داخل الفضاء الإسلامي، وبات إسلاميو اليوم من الفضاء الإخواني يطرحونها بأكثر إلحاحا بسبب “إكراهات الواقع”.
ومع ثورات “الربيع العربي” بادرت فروع من الإخوان المسلمين إلى التخلي عن هويتها الأصولية التي تعتقد أن النصوص التي بنيت عليها الشريعة في أغلبها قطعية الدلالة ويجب تنفيذها، وهربت إلى المقاصدية التي تسمح لهم بإدارة الظهر إلى الشريعة التي لا تفضي سوى إلى تنفيذ عقوبات باتت لا تجد من يدافع عنها حتى داخل التنظيمات الإسلامية لتعارضها مع الواقع والقيم الكونية.
الدولة والغنيمة
تحاصر الإسلاميين معضلة كبيرة أخرى، وهي التعاطي مع الدولة بمفهومها العصري، وقد ناضلوا طويلا لكسرها وإعادة بناء الخلافة مكانها. ورغم الاعتراف الاضطراري بالدولة والعمل ضمن آلياتها وقوانينها، فإن أحزاب الإسلاميين لا تزال ممزقة بين الحلم بإقامة أمة/ خلافة وما تحمله هذه الثنائية من محاميل فكرية وعقائدية وشعورية وبين دولة عصرية لا يشعرون بالانتماء إليها فما بالنا بالحماس لها.
ولحل هذه العقدة وجد الإسلاميون (والأمر ينطبق أيضا على الحركات الأخرى العابرة لمفهوم الدول مثل اليسارية والقومية) أن الطريق الأسلم هو التعاطي مع الدولة كأمر واقع والسعي لاختراقها والسيطرة عليها، أي تحويلها إلى غنيمة، وهو ما بات يعرف اصطلاحا بالأخونة.
لقد حطمت الدولة الوطنية (القطْرية) أحلام الإسلاميين، وبات حلمهم الوحيد إحكام القبضة على السلطة فيها بأي صيغة وسواء من بوابة الانقلاب العسكري أو من بوابة ديمقراطية شكلانية يتسللون من خلالها إلى مختلف المؤسسات واستيعابها والسيطرة عليها لإظهار أنهم الأجدر بهذه الدولة كحق تاريخي، وبانتظار لحظة مستقبلية يتم فيها إلحاق هذه الدولة بالخلافة.
سيحتاج الإسلاميون إلى وقت كبير كي يختبروا قدرتهم على التخلص من الرؤية الاستعلائية التي تأسست بسبب فكرة “الحاكمية” لأبي الأعلى المودودي وسيد قطب، والتي تسعى لتطبيق “المنهج الرباني” على المجتمعات الكافرة.

العقيدة والتوحيد واصول الدين

وليست العقيدة حفظا لبعض المتون واستظهارا لها، ثم ترى كثيرا ممن يحفظ ويستظهر لا يطبق العقيدة في أفعاله وتصرفاته وولائه وبرائه
وليست العقيدة إجازات علمية يجمعها بعض الناس لمجموعة قيمة من المتون والشروح كالطحاوية والواسطية والتدمرية والحموية وكتاب التوحيد وغيرها، ثم تجد بعض حامليها إما عميلا للطواغيت، أو عنيفا على المؤمنين والعلماء والدعاة والمجاهدين

سمعنا الكثير عن نماذج مشوهة من حملة كتب ومتون العقيدة –ولا أقول حملة العقيدة- يقدمون أسوأ مثال لما قرؤوه وتعلموه، ويجعلون كثيراً من الناس يبغضون ويكرهون العقيدة السلفية الناصعة الجميلة بسبب تلك التصرفات الرعناء.

أليس لب العقيدة يقوم على الولاء والبراء، أن يوالي الإنسان المسلمين –كل المسلمين- ويتبرأ من الكافرين؛ كل الكافرين
  سهام النقد والبراءة منهم، ولم يوجهوا مثل تلك السهام ولا معشارها تجاه الكفار الذين يستحقون فعلا البراءة.

أين العقيدة إذا؟ العقيدة كتطبيق ومبدأ ينطق في الواقع، أين الفائدة المرجوة من تلك الكتب العظيمة التي ورثها لنا سلفنا الصالح رضي الله عنهم؟ أين نجد الولاء والبراء حقا؟ ونجد مظاهر الإيمان الحقيقي: الإيمان الذي قرره أهل السنة والجماعة؛ وأنه قول واعتقاد وعمل، والعمل هو دليله الذي لا يصح بدونه؟ أين هم أولئك القوم الذين يسطرون العقيدة بدمائهم في ساحات الولاء والبراء، وفي مواطن نصرة الدين و الأمة؟

إن أساتذة العقيدة الحقيقيين هم أولئك الذين يدرسونها واقعا ملموسا بمواقف عقدية حقيقية، الذين يمتثلون الإسلام في تعاملهم ومواقفهم ومبادئهم،
أحمد بن حنبل الإمام العظيم ضرب مثالا من أروع أمثلة الثبات على العقيدة، بصبره وثباته على المبدأ وقت الفتنة.

وشيخ الإسلام ابن تيمية قدم دروسا عظيمة في العقيدة، ما كان لكتبه –والعلم عند الله- أن تظهر وتنتشر كل ذلك الانتشار؛ إلا بثباته العظيم ذاك، درس مواجهة التتار في شقحب وسواها، درس قتال النصيرية، درس الردود على النصارى والمبتدعين والمتجبرين حينذاك.

قدم الصديق درسه الأول في العقيدة يوم وفاة النبي _صلى الله عليه وسلم_، حين كان بعض الصحابة لا يكادون يصدقون ما حدث، وحين قام عمر رضي الله عنه –تحت هول الفاجعة- يحذر من دعوى موت النبي، حينذاك قام أبو بكر الصديق  والناس في كرب وهول، والرؤوس مئرئبة، والعيون متطلعة، فألقى عليهم كلمات قليلة في عددها عظيمة في أثرها، قال: (يا أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فأن الله حي لا يموت) وقرأ قوله _تعالى_: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ" (آل عمران: من الآية144). فاستوعب الناس الدرس، وتيقنوا الأمر، وخرجوا يقرأون الآية ويعجبون، وكأنها نزلت في هذا اليوم وليس من قبل.

واستمرت دروس الصديق العقدية العظيمة، فلما ظهرت بوادر التمرد والارتداد العربي عن الدين والعقيدة،

فمن أولئك المدرسين للعقيدة الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب النجدي الذي جاء في زمن انتشار الضلالات والبدع، فسعى إلى مواجهتها وتحديها بالوسائل المتعددة، ولم يكتف بما اكتفى به الجبناء والخوافون من الوقوف عند حد الإنكار باللسان عند إمكانية غيره، فقاتل أولئك المشركين ونابذهم، ولم يلتفت للمخذلين والمحذرين الذين عاشوا أعمارا مديدة في ذل الخوف، وداخلتهم بعض عقائد المرجئة، وقد خسر ابن عبدالوهاب في منهجه العظيم ذاك أقرب المقربين إليه –حينا من الدهر- ومنهم أبوه وأخوه الأكبر الذين كانوا من ذلك المجتمع الذي اعتاد على ألا يتجاوز إنكاره الكلام الخافت والنصيحة المؤدبة.

لله درك يا ابن عبد الوهاب يوم كفرت أولئك المشركين في زمن الإرجاء، حين اعتاد بعض الناس المجاملة، وظنوا أن كل من تشهد بالشهادتين مسلم؛ وإن سجد للقبر، أو سب الرب تعالى، أو سأل الحاجات -التي لا يقدر عليها إلا الخالق- من المخلوقين، ما فعله ابن عبدالوهاب هو العقيدة، وهناك تظهر الأستاذية.

وفي أيامنا هذه –أيام هيمنة اليهود والنصارى، وأيام سيطرة المنافقين- فإن للعقيدة –أيضا- رجالها وأبطالها، يدرسون بمواقفهم وثباتهم العالم أجمع: أن هذه الأمة أمة منصورة مرحومة، وأن الخير فيها من أولها إلى آخرها.

مدرسو العقيدة –هؤلاء- إن نصبت لهم المشانق، أو أغلقت عليهم أبواب السجون، أو سيموا شيئا من العذاب، فلا تراهم إلا صابرين ثابتين، يعلمون بمواقفهم، ويدرسون بتضحياتهم، فيتخرج على نهجهم ثلة بعد ثلة من شباب الأمة ونسائها، وإن رغمت أنوف المنافقين، وتكاثر مكر الكافرين بسعيهم لتجفيف المنابع، والتضييق على الدعوات المباركات، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

أحمد وبقية الأئمة، وصلاح الدين الأيوبي وبقية المجاهدين، وابن تيمية وبقية العلماء، وابن عبدالوهاب وبقية المصلحين.

إنهم يدرسون الأمة عقيدة الولاء والبراء، والتضحية من أجل الدين، والموت لإعلاء كلمة الله، ورفض تحريف الدين وتحكيم القوانين الوضعية، وهم إذ يدرسون تلك العقيدة السلفية الناصعة لا يدرسونها على منهج المرجئة، وأصحاب المصالح المادية والدنيوية، وعملاء السلاطين، وعلماء التسول، إنما يدرسونها على منهج أبي بكر في إصراره، وابن حنبل في ثباته، وابن عبدالوهاب في وضوح الفكرة لديه، وقبل كل ذلك على منهج محمد بن عبدالله في هديه وسيرته؛ _صلى الله عليه وسلم

++++++++++++
ما هي عقيدة الولاء والبراء؟ ولمن تكون؟

أولًا: لا يوجد في علم التوحيد وعلم الكلام والعلوم التي درست العقائد الإيمانية للمسلمين والفِرَق ما يسمى بـ"عقيدة الولاء والبراء".

ثانيًا: الولاء والبراء من الأعمال القلبية في الأساس، التي تكون من آثار عقيدة الإيمان، فإن المؤمن الذي آمن بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقدر خيره وشره، يثمر ذلك الإيمانُ في قلبه حبًّا وموالاةً وميلًا ونصرةً لكافة المؤمنين بالحق، كما يثمر في قلبه براءة من العقائد والأفكار التي تناقض ما يؤمن به.

ثالثًا: المظهر السلوكي للولاء هو النصرة والتأييد، والمظهر السلوكي للبراء هو المعاداة وعدم 
التأييد، وتتجلى مظاهر الولاء والبراء عندما يقرر من يكفر بعقيدتك وإيمانك وهويتك أن يظلمك ويحارب وطنك، فإن الولاء يقتضي الوقوف بجوار وطنك وقومك وهويتك، والبراءة من العدو الذي يريد هدم هويتك وأمنك ووطنك.
لذا، فإن الولاء والبراء لا بد أن يُستحضر دائمًا في منظومة تعايش المسلم مع غيره، فعلى المسلم أن ينتمي للإسلام ويحافظ على هويته الإسلامية من غير الإخلال بمبدأ التعايش السلمي بين الناس وهذا هو الولاء، والبراء هو أن يحافظ المسلم على عدم التباس عقيدته بما قد يشوبها من الشبهات ونحوها دون الدخول في التكفير أو الاعتداء على نفس معصومة.

رابعًا: عدم موالاة غير المسلمين من المواطنين وغيرهم ممن لا يكونون في حالة حرب مع المسلمين بمعنى معاداة أشخاصهم وإيذائهم مخالفٌ لصريح نصوص القرآن والسنة؛ فالمسلم مأمور بقول الحسنى لكل الناس دون تفريق؛ قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90]، كما أن الله لم ينهَنا عن بر غير المسلمين ووصلهم وإهدائهم وقبول الهدية منهم وما إلى ذلك من أشكال البر بهم؛ قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8].
والله سبحانه وتعالى أعلم.

********

الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله


يجب على كل مسلم يدين بهذه العقيدة أن يوالي أهلها ويعادي أعداءها، وألا يتخذ الكافرين أولياء يحبهم ويتولاهم ويصافيهم، بل الواجب عليه أن يُبغضهم ويتخذهم أعداءً؛ لأنهم أعداء لله عز وجل، فلا يجتمع إيمان بالله وحب لأعدائه في قلب العبد.

شرط المحبة أن توافق من *** تحب على محبته بلا عصيان
فإذا دعيت له المحبة مع *** خلافك ما يحب فأنت ذو بهتان
أتحب أعداء الحبيب وتدعي *** حباً له ما ذاك في إمكان
ليس العبادة غير توحيد المحبة *** مع خضوع القلب والأركان

 ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ 
 ومِن أعظم مقتضيات الكفر بالطاغوت: البراءة منه ومن أوليائه، فلا يمكن أن يكون الإنسان مؤمنًا موحدًا، وفي نفس الوقت يكون محبًّا للكافرين والمشركين مواليًا لهم، معتقدًا صحة ما هم عليه من الباطل أو مسوغًا له، هذا لا يوجد أصلًا؛ قال الله تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ 

 الولاء والبراء سبب في ذوق حلاوة الإيمان
عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدًا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النار

خطورة الجهل بتطبيق عقيدة الولاء والبراء

إن أمور العقيدة وأصولها مما لا يجوز أن يتطرق إليها الجهل أو التشكيل، وهذا أمر حتمي لا يقبل المساومة، ومن ذلك أصل الولاء والبراء {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين

كما أن بغض الكفر وعداوته بعداوة أهله، جاءت بها شريعتنا في نصوص القرآن والسُنَّة وأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وحال أصحابه بين ذلك قوله تعالى  {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة}.

وفي قوله سبحانه في سورة المجادلة في آخرها: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله وباليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه}.

وفي سورة الممتحنة يقول عزَّ وجلّ: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده}.

إلى أمثال هذه الآيات وكثير من الأحاديث المتواترة، قولية وفعلية وتقريرية لعقيدة الولاء والبراء، لا تخفى من طالع الموضوع في كتب العقيدة ومدونات السُنَّة. ولكني ألاحظ خلطاً وغفلة في فهم هذه العقيدة: الولاء والبراء، ثم يستطيل ذلك في تطبيقها والعمل بها. لا سيما فيما قرأته من تعقيبات على فضيلة الشيخ صالح الفوزان ومن ذلك ربط البراءة بين الكفر والكافرين بالإرهاب والغلو والتطرف.

أيضاً تصور أن هذه العقيدة معناها الاعتداء على الكفار في أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وهذا خطأ فادح وجهل ذريع بعقيدة الولاء والبراء، فبغض الكفر والكافرين، وهو ليس بغض وعداوة لشحمه ولحمه، بل لما قام فيه من الكفر والشرك، ولهذا بمجرد ما يقول الكافر أن لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، تنقلب عداوة كفره إلى حب له ومودة لعقيدته ودينه.
أما الاعتداء عليه في دمه وعرضه وماله وأهله فهو ظلم أجمعت الشرائع على تحريمه.
ومن الخطأ في فهم وتطبيق عقيدة الولاء والبراء ما لحظته على بعض المناقشات عدم التفريق بين بغض الكافر لأجل كفره، وموضوع التعامل معه بيعاً وشراء ومحاورة ونكاحاً ووفاء بالعهد والعقود والصدق بالتعامل.. إلخ. فالبغض لأجل الدين عقيدة، والصدق والوفاء بالمعاملة معهم أيضاً دين وواجب.

ومن ذلك أيضاً ما جنح له البعض في موضوع الحب وعلاقته بالولاء والبراء، فمن المعلوم قطعاً في باب العقيدة الفرق بين الحب الطبيعي وله صور كثيرة، كحب الشهوة للطعام والشراب، وحب الألفة وحب الزوجين والصديقين بعضهما بعضاً، وحب الشفقة كحب الوالد لابنه، وحب الاجلال كحب الوالد الكبير.
ومن هذا حب الرجل لزوجته الكتابية، إذا تزوجها بشرطين
 أن تكون كتابية منتسبة إلى إحدى الملتين الكتابيتين: اليهودية والنصرانية
 أن تكون محصنة أي عفيفة، غير فاجرة.
فإذا أحب الرجل زوجته الكافرة بهذا الاعتبار فحبه لذاتها هو حب طبيعي، لكن الواجب عليه بغض كفرها الذي تدين به وتعتقده
 وهناك حب العبادة، ومنه حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب دينه، وهذا كله يحتم علينا العناية بتعلم ودراسة موضوع الولاء والبراء دراسة إيضاح وبيان، وازالة اللبس، وكشف للشبهة والخلط وهو ما يجب أن يكون في مناهجنا الدراسية لا يحذف منها.
*******
كل تعامل مع غير المسلم يمثل شكلاً من أشكال المداهنة والتنازلات في دين الله بدعاوى سماحة الإسلام
ومن هنا برزت دعوات تلك التيارات المتشددة على ضرورة :جهر الفرد بمعاداة أعداء الله وإظهار بغضهم ومنابذتهم بالسنان واللسان والجنان ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وعدم التعاون معهم، ولا المشاركة بأعيادهم.

الاثنين، 30 مارس 2020

الماتريدية

وأوضح أنه لما كان التحسينُ والتقبيحُ عند الماتريدية عقليين؛ فقد قال متقدموهم بوجوب الإيمان بالعقل، ويُسند هذا القولُ إلى الإمام أبي حنيفة – رضي الله عنه- في حينِ ذهب بعضُهم؛ وخاصةً المتأخرون القائلون بالتحسين والتقبيح الشرعيين إلى أن المعرفة واجبة بالشرع، فوافقوا بذلك الأشاعرة


حكم الاحتفاظ بالوضوء لأكثر من صلاة

لا بأس. لو توضأ للظهر وبقي على طهارته العصر والمغرب والعشاء لا بأس، النبي عليه الصلاة والسلام صلى يوم الفتح عدة صلوات بوضوء واحد، وقال: «عمدًا فعلت»؛ ليتأسى به الناس عليه الصلاة والسلام.
المقصود أنه إذا صلى صلوات كثيرة بوضوء واحد لم يحدث الحمد لله، حتى لو صلى الفجر، وبقي على الطهارة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فلا حرج الحمد لله. نعم.

الأفضل أن يتوضأ لكل صلاة، أفضل لما فيه من النشاط والأجر؛ ولكن لو صلى عدة صلوات بوضوء واحد فلا حرج.

+++++++++
 إن الأكل والشرب لا ينقض الوضوء، فمن أكل أو شرب بعدما توضأ فوضوئه صحيح ولا يكون إنتقض.

نواقض الوضوء
قال العلماء إن الأكل والشرب ليسا من نواقض الوضوء، ما لم يكن المأكول لحم إبل، وذلك لأن نواقض الوضوء محصورة في 8 أمور، بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه.

 الأمور الستة التي تنقض الوضوء هي: خروج شيء من السبيلين -القبل والدبر- قليلًا كان أو كثيرًا طاهرًا أو نجسًا، لقوله تعالى: «أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ» [النساء: 43] ولقوله صلى الله عليه وسلم: «فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» متفق عليه.

 الدكتور محمد الشحات الجندي، أن الأمر الثاني: سيلان الدم الكثير أو القيح أو الصديد أو القيء الكثير كما يرى الحنفية والحنابلة،
الراجح عدم النقض؛ لضعف الحديث.

الأمر الثالث فزوال العقل بجنون أو تغطيته بسكر أو إغماء أو نوم

 الأمر الرابع هو مس القبل أو الدبر باليد بدون حائل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من مس فرجه فليتوضأ» رواه أحمد والنسائي وابن ماجة.

 الأمر الخامس غسل الميت، لأن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء، وقال أبو هريرة: «أقل ما فيه الوضوء»، أما الأمر السادس فـالردة -الخروج- عن الإسلام، لقوله تعالى: «لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلك» [الزمر:65].

 الشيخ عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليه يقول صاحبه: (هل يجب المضمضة من الطعام حال تناوله بعد الوضوء؟).
وأجاب الوردانى، قائلًا: إن من مبطلات الصلاة الأكل والشرب فى الصلاة، فلو وجد المصلى طعاما فى فمه يخرجه ولا يبتلعه ويكمل صلاته، أما إذا استمر الطعام فى فمه فتكون بطلت صلاته بذلك.

وأوضح أن وجود الطعام فى الفم لا يبطل الوضوء ولكنه يبطل الصلاة لأنه من مبطلات الصلاة، فمن وجد طعاما فى فمه فوضوؤه صحيح ولكن صلاته باطلة.


الأحد، 29 مارس 2020

أفلاطون والحقيقة

سخرنا ونسخر وسنبقى نسخر من حلم أفلاطون ومدينته الفاضلة، في حل المعضلة الاجتماعية وتحقيق العدالة في توزيع الثروة بواسطة الأخلاق. وبعد ألفين وخمسمائة عام تقريباً من زمن أفلاطون، يندلع وباء «كورونا» ليقول: أفلاطون كان على حق، وسأفتك بكل مجتمع «معتوه» ليس مبنياً على الأخلاق! فما هي الأخلاق؟ وهل هي اختيارية؟

الأخلاق هي: «العقد الاجتماعي» بين البشر، أو القانون غير المكتوب الذي يسمونه «العُرْفْ»، والذي يدعو البشر عبر التاريخ والجغرافيا لتحقيق «العدالة الاجتماعية». أي أن المُنْتَج الاجتماعي المسمى «ثروة»؛ الذي يساهم في تكوينه كل أفراد المجتمع؛ هو ملك المجتمع كله؛ والاستحواذ والظلم يؤديان بالضرورة لتفكيك اللحمة الاجتماعية التي تنتجه؛ وإن شئت أن تعيش لابد لك أن تترك فرصة «للآخر» أن يعيش.

على مدى قرنين ونيف من الزمان والرأسمال يشكل وعينا كما الصلصال بإعلامه المقيت. ويشعرنا أننا كي نعيش، لابد لنا من تغليب مصلحتنا «الفردية» على مصلحة المجموع، بل استغلال الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية لتحطيم المنافسين! أي اعتماد مبدأ «الفردانية» وليس «الجماعية» في التعامل مع «الآخر». وإذا أردنا الازدهار الاقتصادي، لابد للسوق أن تكون «حرة»، بالرغم من أن الاقتصاديين الرأسماليين أنفسهم يؤكدون أن السوق لم تعد حرّة منذ بداية القرن التاسع عشر! إذن الحرية لمن؟ ... لا يوجد إلا جواب واحد! الحرية للمافيات التي تستعبد البشر وتمتص دماءهم.

لقد توقع رواد الفكر في القرن التاسع عشر تحول الرأسمالية في مرحلتها «الأخيرة» إلى «إمبريالية»! وهذا يعني من الناحية الاجتماعية وليس الاقتصادية: تحول المافيات المتحكمة بالثروة إلى وحوش، لا يتوانون عن استخدام كل ما توصل له العقل البشري من أسلحة تدميرية ودسائس ومؤامرات وغدر واغتيال...الخ لإبقاء استحواذهم على الثروة. ولذلك فهم يلجؤون لإشعال حروب عالمية لإبادة كل من يقول: لا لتحكم الثروة بالبشر، أو يدعو لتحكم البشر بالثروة كما فعلت الصين!
يتخوّف الكثيرون حالياً من اندلاع حرب عالمية نووية، ولكن الواقع عكس ذلك تماماً. فبالرغم من توحش المافيات، إلا أنها تعي أن حرباً نووية ستبيدهم هم أولاً! وهم أجبن من أن يقدموا على ذلك. والبشرية تعيش اليوم الحرب العالمية الثالثة، متمثلة بالحروب الطائفية والمذهبية والاقتصادية والفكرية وغيرها. ولكن فيروس كورونا قد فضح هشاشة النظام الرأسمالي. فهذا النظام عاجز حتى عن الدفاع عن نفسه أمام الوباء، إلا بمساعدة من اعتمد مبدأ تحكم الإنسان بالثروة وليس العكس. وسقطت مقولة أن الرأسمالية هي نهاية التاريخ، وترتفع الأصوات في عقر دار المافيات مطالبة بمجانية الصحة والتعليم والأمن وحرية التعبير وشفافية الإعلام. وهي ما يعتبرها المافيويون أو «الليبراليون الجدد» أنها إجراءات شيوعية، بل يتهمون مطلقي الوعود بتحقيقها من مرشحي الرئاسة في دولهم بالشيوعية. ويستميتون من أجل إسقاط هؤلاء من وعي الناخبين! ... ما يثير الاشمئزاز؛ أن يأتيك ممن لهم باع طويل في العمل الفكري ويقول: إن أمريكا هي أم الديمقراطية! وعلينا أن نستمد الحقيقة والسلوك منها، ثم يحقد عليك لأنك تخالفه الرأي.
** **
- د. عادل العلي

الكفر بنعمة الوسائل الحديثة‎********

يخطئ في بعض الآيات القرآنية الكريمة التي يستشهد بها، ويروي بعض الأحاديث الضعيفة.. كان هو المتحدث في حين كان مجاوره يستمع إليه في استسلام تام.. كان الحديث يتناول نعم الله علينا وواجبنا للمحافظة عليها!

وقد أكبرتُ في الرجل حرصه على إفادة غيره حتى بالقدر اليسير الذي يملكه من المعرفة، ولذا قررت المشاركة في الحديث..
ولأننا في المستشفى فقد ذكر الشيخ من نعم الله علينا وجود هذه المستشفيات، وما بها من أطباء ومعدات وكيف كان الإنسان قبل عقود من الزمن يفقد حياته عندما يعتريه مرض لا يجد من يعالجه منه!
قلت مشاركاً في الحوار: ولذلك ارتفع معدل عمر الإنسان في العصر الحديث، وذلك من فضل الله علينا أن نَسَأ لنا في أعمارنا ونسأله أن يرزقنا مع طول العمر حسن العمل!
وواصلت الحديث بعد أن وجدت أكثر من شخص اقترب منا وأصبح مصغياً:
في السابق على الرغم من قصر الأعمار كان العمر يذهب هدراً. فزيارة لقريب يسكن في القرية نفسها يستغرق ساعة في الذهاب إليه، وساعة في العودة منه وقد تفاجأ بعد ذلك بأنك لم تجده، فتعود أدراجك ولم تحقق زيارتك هدفها.. أما إن كانت الزيارة أو المهمة التي تريد إنجازها في بلد بعيد عنك نسبياً فإنك تحتاج إلى يومين في الذهاب ومثلها في العودة وعدداً من الأيام حتى تنجز مهمتك.. لقد كانت رحلة الحج مثلاً من نجد تأخذ ما لا يقل عن شهر، والآن لا تتجاوز أياما..
الآن أصبحنا نستطيع إنهاء معظم مهامنا بوساطة الحاسب الآلي والأجهزة الذكية من بيوتنا أو من مكاتبنا. ولا نقدم على زيارة صديق أو قريب إلا بعد أن ضربنا موعداً ومكاناً للقاء، ومهدنا لكثير من الأمور التي سنناقشها اختصاراً لوقت اللقاء.
لكنا - مع الأسف - بدلاً من أن نستفيد من الوقت الذي نوفره بفضل الوسائل الحديثة أصبحنا نضيعه بواسطتها أيضاً..
وأشار الشيخ بيده وقال: وفي هذا كفر بالنعمة. أليس كذلك؟
قلت: بلى. الأجهزة والوسائل الحديثة التي سخر الله الأعداء لصنعها لنا من أجل إفادتنا وتسهيل أمور حياتنا أصبحنا نهدر بها أوقاتنا ونضر بها غيرنا ونقطع بها أرحامنا.
وتطوع أحد الحاضرين لإكمال الحوار فقال: صدقت.. أصبحنا نضيع الوقت - كباراً وصغاراً - في نشر الأكاذيب والإشاعات والمقاطع الهزلية التي لا تفيد، وإذا التقينا في محفل أو مناسبة رأيت كلا منا منشغلاً بجهازه فلا يشارك في حديث ولا حوار.
قال أحد الحاضرين المستمعين بإنصات: والأدهى حين يزور أحدُنا والدَه أو والدته فينشغل بجهازه، وربما كان يتحاور مع صديق له يبعد عنه آلاف الكيلو مترات؛ في حين أن أباه أو أمه اللذين جاء باراً بهما لم يحظيا منه بكلمة واحدة.. أليس هذا منتهى العقوق؟!

سر تحول كبار المفكرين المصريين «الليبراليين» إلى «الإسلاميات» في الثلاثينيات ( 9-20)

يتعجَّب المثقفون بمعظمهم، وأنا معهم، من أنّ المفكر والأديب الليبرالي د. طه حسين (1889-1973) الذي اُتهم بالردّة عن الإسلام بعد تأليف كتاب «في الشعر الجاهلي» في عام 1926 قام بعد ذلك بتأليف كتاب «على هامش السيرة» في عام 1933 الذي سرد فيه، على نحو مبسَّط و«تبجيلي»، السيرة النبوية! كما يتعجّب المثقفون بمعظمهم، وأنا معهم، من أنّ السياسي والمفكر والأديب والصحافي الليبرالي د. محمد حسين هيكل (1888-1956) الذي أنكر صراحةً في عام 1910 أن يكون الوحي المنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم) والأنبياء الآخرين من مصدر إلهي قام في عام 1935 بتأليف كتاب «حياة محمد» الذي تحدّث فيه عن عظمة شخصية نبي الإسلام محمد وفنّد فيه انتقادات المستشرقين والمبشّرين للنبي محمد والقرآن الكريم! وقام كلا المُفَكِرَيْنِ لاحقاً بتأليف كتب أخرى في «الإسلاميات»

 واليوم يسرّني تقديم ترجمتي لورقة نوعيةً نادرة جداً للمستشرق الأمريكي البروفيسور تشارلز دي سميث، يفكك فيها هذا اللغز. ولم يسبق لي أن قرأت مُؤَلَفاً باللغة العربية يحل هذا اللغز بشكل عميق وشامل ومقنع، وإن وجد مُؤَلَف فهذا قصور مني بدون شك. البروفيسور تشارلز دي سميث أستاذ فخري متقاعد لتاريخ الشرق الأوسط في كلية دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجامعة أريزونا الأمريكية (UA)، حيث كان يشغل منصب رئيس قسم التاريخ ومدير برنامج الدراسات العليا. حصل على درجة الماجستير في تخصص «دراسات الشرق الأوسط» في جامعة هارفارد وحصل على الدكتوراه في «التاريخ» في جامعة ميتشيغان، وهو عضو سابق في هيئة التدريس بجامعة ولاية كاليفورنيا-سان دييغو (UCSD). هذا وقد اختار البروفيسور سميث في ورقته مقاربة هذه الظاهرة عبر تحليل ونقد أبرز دراسة غربية صدرت عنها وهي تلك التي كتبها (المستشرق) البروفيسور ندّاف صفران(*) التي صدرت في عام 1961 في كتاب بعنوان: «مصر تبحث عن مجتمع سياسي: تحليل للتطور الفكري والسياسي في مصر 1804-1952». كما قام سميث بنقد وتفنيد بعض استنتاجات صفران. ومن كتب تشارلز سميث: «الإسلام والبحث عن نظام اجتماعي في مصر المعاصرة: سيرة محمد حسين هيكل»، 249 صفحة، عام 1984. وهو أيضاً مؤلف كتاب «فلسطين والصراع العربي-الإسرائيلي»، 624 صفحة، ط-1 عام 1988، ط-8 عام 2012. وألّف غيرهما. وقد حذفت العنوان الفرعي: «طه حسين ومحمد حسين هيكل أنموذجين» لاختصار عنوان الورقة. ونشرت هذهلورقة في فصليّة «المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط» (IJMES) العريقة، أكتوبر 1973، مجلد 4، ص ص 382-410. ولعل هذه المادة هي أهم مادة ترجمتها منذ بداية عملي في مجال الترجمة (العيسى):


في صالون العقاد كانت لنا أيام

قلق كبير يخيم على فكر الفيلسوف والكاتب الصحفي أنيس منصور -رحمه الله-، وأسئلة متناثرة تستجدي الإجابات المقنعة تتثاقل بها أدمغة هذا الفيلسوف وكذلك أبناء جيله عموماً فقادته هذه الحيرة إلى ملازمة الأديب الكبير عباس محمود العقاد -رحمه الله-، فكان أن كتب في مقدمة كتابه بالتأكيد على أنه كان واحداً من أصغر المترددين على بيت العقاد في مصر الجديدة البيت رقم 13 شارع السلطان سليم. وكان هذا الكتاب الضخم والثري شكلاً ومضموناً، والذي جاء نتيجة تردد هؤلاء المريدين على منزل العقاد في الأربعينات والخمسينات الميلادية، حتى توفاه الله في الستينات الميلادية.

كانت حيرة هؤلاء الشباب مرتادي صالون العقاد تتمحور حول المذاهب الأدبية والفلسفية والدينية، والمذاهب المعاصرة، والجماعات السياسية، وبين الفكر التقليدي والفلسفة الوجودية، وبين الرومانسية العربية والرومانسية الأوروبية، وغيرها من قضايا ذلك العصر، وما ارتبط به من أحداث سياسية واجتماعية وثقافية مختلفة، ساهمت الصحافة المصرية وقتذاك في ازدهارها، وتأجيج الخلافات الفكرية، وإثراء الساحة الثقافية بأشبه ما يكون بالمناظرات التي لا تلبث أن تشتعل كلما أوشكت على الانطفاء.

وكان العقاد في كل ذلك قبلة ثقافية وعلمية لهؤلاء الشباب الحائرين، وكان يتفهم هذه المراحل النفسية والنفيسة التي يمر بها هؤلاء الشباب، وكان يقول: «إن اعتقاد الشبان في مرحلة القلق والحيرة وتكوين الذات والاستقلال بالرأي مسألة طبيعية ولا بدّ أن تتغير هذه الحالة النفسية أو اليقين الفلسفي إذا ما عرفنا أكثر وفكرنا أعمق».

ومن أكثر القضايا الاجتماعية جدلية لمرتادي صالون العقاد موضوع الزواج والذرية، ومعروف أن العقاد لم يتزوج قط، وكانت له علاقات نسائية لا تتجاوز حدود الأدب والفكر والزيارات الأدبية، وربما استهوته الأديبة الكبيرة مي زيادة، وبينهما مراسلات كثيرة، ولكنه لم يتزوج رغم كل ذلك، وله رأي صريح في هذا الموضوع حيث يقول: «إن المرأة لا تحب الديموقراطية إنها تحب الديكتاتورية ولا تحب الرجل الذي يعطيها حريتها ويلقي العبء على عقلها لكي تفكر وتختار، إنها تفضل الذي يختار لها ويرغمها على ذلك».

ويصرح العقاد برأيه في الزواج دونما مواربة حيث يذكر في ثنايا الكتاب رأيه بكل صراحة فيقول: «الزواج غلطة والزواج الذي يأتي بالأولاد غلطة أخرى وتربية الطفل وحضانته تكفير عن هذه الغلطة فالزواج هو السجن وتربية الأولاد والأطفال هي الإشغال الشاقة».

وكان العقاد يكر الفلسفة الوجودية ويمقتها، في الوقت الذي يتبناها أنيس منصور وينافح من أجلها، وكان العقاد يرى الفلسفة الوجودية أنها مريضة أو من أعراض المرض، لأنها تبالغ في مفهوم الحرية والقلق والموت عند الإنسان، وتعطي الإنسان ما لا يستحق من الوزن، وتسلب الكون ما يستحق من الوزن، وكان الشباب من معتنقي هذه الفلسفة يخفون مشاعرهم نحوها ولا يريدون أن يتأثروا برأي العقاد، وينمون ما يشعرون به سراً، وهم بين نار محبة أستاذهم وبين نار قناعاتهم التي تتأجج.

ويظهر في الكتاب المناكفات التي لا تنتهي بين الأديب الكبير طه حسين وبين العقاد، فالأول كثيراً ما يلمح إلا الشهادات التي حصل عليها وقال ذا نقاش مع أنيس إنني أحمل ست دكتوراهات والعقاد لم يحصل على واحدة، وكان أنيس ينافح عن أستاذه ولا يعجبه ذلك ويستشهد بالأنبياء والشعراء العظام والمفكرين الذي لم يحصلوا على الابتدائية ولكنهم بدؤوا بتغيير وجه الحضارة بعلمهم لا بشهاداتهم.

وكان العقاد يقول عن طه حسين إنهم يسمونه عميد الأدب، إنه ليس عميد الأدب إنه عمي الأدب، ويتناول العقاد في صالونه أيضاً بعضاً من المفكرين والأدباء بقليل من السخرية والنقد أيضاً، فتوفيق الحكيم مثلاً اتخذ له في صالون العقاد صورة كاريكاتورية، فهو شخصية ظريفة وفكاهية، وكانت فكاهات العقاد عن بخل الحكيم وحرصه على توفير المال

وكان العقاد يفلسف الموت مثلما يفلسف الحياة، ويقول عن الموت  لا تتعجل الموت سوف يجيء في موعده فلا تعش ميتاً وأنت حي ولا تعش مريضاً و أنت سليم ولا تمت وأعز الناس هو الذي يموت ولا تكن على هامش أحد أياً كان هذا الحد، فالله لم يعطك الحياة لتزهد بها أو لترفضها».. وقال قبل وفاته بساعات: «لم أعد أملك إلا الضحك إلا السخرية من هذه الرحلة الطويلة بلا هدف».

والحقيقة إن ما جرى في هذا الصالون من مناقشات وحوارات تعد كنوزاً أدبية وفلسفية نجح أنيس منصور في جمعها متناثرة في كتابه وكان يحدوه في كل ذلك عشقه الكبير للعقاد، واقتناعه الشديد بفكره وأطروحاته حتى قال عنه في الكتاب» عندما انتقلت من المنصورة إلى القاهرة التحقت بجامعتين في آن واحد، جامعة القاهرة وجامعة العقاد، وكانت جامعة العقاد في وجهة نظري أقرب وأعمق وأعظم».





انتهاء زمن العمالقة


العمالقة بين التفاوت والتفاضل!

جدل خفيف لطيف حول عمالقة الفكر، والأدب في مصر. وتركز الجدل حول تفاضلهم في الأساليب.
ما أود التمهيد به: مقولة متداولة حول انتهاء زمن العمالقة. التعظيم الذي قد يصل حد التصنيم. التزكية المطلقة والإغماض عن الزلات، والهفوات.
أعجبت بفكر العقاد، وأسلوب الزيات، ومغامرات طه حسين، وبلاغة الرافعي، واحتدام مشاعر زكي مبارك، وعقلية أحمد أمين وسخرية المازني:

القوة تصنع الحق.. كيف تصلنا المنتجات في عصر الرأسمالية؟


السبت، 28 مارس 2020

كيف تقنع أسرتك بأن فيروس كورونا ليس مؤامرة؟

تخليقه في معمل أميركي مرة وصيني مرة أخرى، والآلاف من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي تحارب قرارات حظر التجول

تسلح بالمعلومات
1- عليك أولا قراءة التقارير التي تنشرها منظمة الصحة العالمية على موقعها، كما أنها تقدم خدمة رسائل الواتساب للاطلاع على آخر الأخبار وإحصاءات الإصابات والوفيات في بلدك وحول العالم، وقواعد الحماية من الفيروس.
فالمؤمنون بنظرية المؤامرة وغير المهتمين بالأمر لن يذهبوا من تلقاء أنفسهم للقراءة عن الفيروس مهما طلبت منهم ذلك، لذا عليك استخلاص الإحصاءات التي تريدها -دون تهويل أو تخويف- وقل لهم ما تعتقد أنه سيلقى صدى لديهم بحسب سنهم ودرجة قرابتك منهم، كالجد والأب والأم والعمة والجيران.
2- استعد لمواجهة إيمانهم القوي بأغرب الشائعات حول فيروس كورونا، مثل إمكانية القضاء عليه بتناول الثوم والبصل وعصير الليمون. لا تهزأ أبدا من تفكيرهم، بل انتقد الشائعة نفسها، ويمكنك أيضا استخدام البيانات والأرقام لتوضيح الفرق بين عدد إصابات ووفيات الإنفلونزا الموسمية وعدد وفيات فيروس كورونا في الأشهر القليلة الماضية وسرعة انتشاره.
مؤامرات دولية
3- إذا كانوا يعزون سبب تفشي فيروس كورونا إلى الخلافات السياسية أو الحروب الاقتصادية بين أميركا وروسيا والصين، أو نظريات المؤامرة المختلفة، أو أية أسباب فكرية، وكانت هذه أسبابهم في عدم اتخاذ الاحتياطات والإصرار على الخروج من المنزل؛ فلا تتراجع عن محاورتهم. 

الجمعة، 27 مارس 2020

سلفيّو مصر يستثمرون غلق المساجد للعودة إلى المشهد

2020/03/23

ثمة تشابه ملحوظ بين النهج الذي سار عليه سلفيّو الجزائر والمغرب مع نهج أقرانهم في مصر، حيث بدا الأمر وكأنهم اتحدوا على توظيف الوباء لخدمة طموحاتهم السياسية، باستقطاب الناس إلى خطابهم الديني المتشدد، وتحريضهم ضد قرار غلق المساجد، وترويج أفكار تدّعي مواجهة المرض بالتمرد على القرارات الحكومية بذريعة أنها تخدم أهداف العلمانيين.

إن السلفيين باتوا ينظرون إلى أن تسللهم مرة أخرى للسيطرة على المساجد، محاولة للثأر السياسي من الحكومة بعدما جففت منابعهم واستحوذت على دور العبادة التي كانوا ينشطون فيها دعويا ويجمعون التبرعات من خلالها.

دخلت دار الإفتاء المصرية على خط مواجهة التيار السلفي الذي يتمسك باستمرار فتح المساجد للصلاة، رغم قرار مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف بغلقها، للحيلولة دون انتشار العدوى في التجمعات، وقالت دار الإفتاء، الأحد، إن “الإصرار على إقامة الجماعات في المساجد حرام شرعا”، كمحاولة منها لمواجهة الفكر بالفكر، وتفنيد ادعاءات السلفيين.

الإصرار على إقامة الصلاة في المساجد بدعوى إقامة الشعائر مع منع الجهات المختصة حرام شرعًا

أعلن شيوخ من الجماعة السلفية في مصر، رفضهم قرار غلق المساجد والاكتفاء برفع الآذان وتعديل محتواه لحث الناس على الصلاة في المنزل، وبرروا ذلك بأن “القضاء على ابتلاء المرض يكون من داخل بيوت الله وليس بغلقها”، وحثّ المواطنين على صلوات الجماعة، لأن “غلق دور العبادة سوف يترتب عليه عقاب إلهي لن يتحمله البشر”.

أكدت دار الإفتاء، في ما يبدو أنها تخاطب السلفيين، أن الشريعة الإسلامية قدّمت درء المفاسد على جلب المصالح، ونظمت طرق الوقاية من الأمراض والأوبئة المعدية، وحثت على الإجراءات الوقائية، ونهتْ عن مخالطة المصابين، وحمّلتْ ولاة الأمر مسؤولية الرعية، وخوَّلت إليهم اتخاذ ما فيه المصلحة الدينية والدنيوية، ونهت عن مخالفتهم.

يرى متابعون أن الخطاب السلفي أصبح يتعمد القفز على المشهد لإعادة إقناع الناس بأن المشروع الإسلامي هو الوحيد القادر على إنقاذ المجتمع وتحصين مواطنيه من المصائب والأوبئة، لأنه قائم على التقرب إلى الله، كما أن دعمه ضد محاولات القضاء عليه بقرارات أو مضايقات واجب شرعي على كل المنتمين إلى الإسلام. يقول هؤلاء إن استراتيجية التيار السلفي في تجنيد الناس تقوم على استغلال تديّن المجتمع ووضع خطوط حمراء أمام محاولات المساس بعقيدته، لذلك روّجوا لفكرة أن الحكومة تريد المزيد من العلمانية وتضييق الخناق على كل صوت إسلامي، بدليل إبعاد السلفيين وغلق المساجد بدلا من تطهيرها.

أكد سامح عيد، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، لـ”العرب”، أن السلفيين يستغلون تعاطف الناس مع دينهم للترويج إلى خطابهم المتشدد والثأر من الحكومة على إقصائهم من المشهد مقابل الاهتمام بالمسيحيين، وتحصينهم ضد محاولات النيل منهم، لذلك يقوم النهج السلفي حاليا على تقديم نفسه بأنه الأكثر ملاءمة للبيئة المصرية.

ورصدت “العرب” إصرار التيار السلفي على التمرد على إجراءات الحكومة، وكيف أصبح شيوخه يقدمون أنفسهم على أنهم البديل الشرعي لتثقيف الناس دينيا وتعويضهم عن غلق دور العبادة، وبدا ذلك من تمسكهم برفع الأذان في المساجد وحشد المواطنين إليها، بل إن بعضهم يتعمّد الصلاة بمكبرات الصوت من داخل دور العبادة.

في اتجاه مواز، بدأ شيوخ السلفية تكثيف نشاطهم على منصات التواصل الاجتماعي، واستخدامها كبديل أكثر سهولة للوصول إلى الناس من خلال بثّ الخطب والتحريض على غلق المساجد، وإرسال دروس دينية لمتصفحي الشبكات الاجتماعية، بذريعة “المشاركة في تثقيف عامة الشعب دينيا وفكريا، واستثمار أوقات فراغهم بالمنازل للتقرب إلى الله”.

يبدو هذا التوجه قريبا للسياسة التي اتبعها سلفيّون مطلع التسعينات من القرن الماضي، عندما لجأ شيوخهم إلى تسجيل دروس دينية على شرائط كاسيت وبيعها في الأسواق بأسعار زهيدة لنشر أفكارهم، ثم تطور الأسلوب ببرامج تلفزيونية، وبعدها إنشاء قنوات فضائية لتحقيق الانتشار الأوسع، لكنهم اتجهوا أخيرا لمنصات التواصل الاجتماعي.

يزعم سلفيون أن الفرصة أصبحت سانحة أمامهم للعودة إلى السيطرة على المساجد مرة أخرى بعد سنوات من إقصائهم بقرارات صادرة عن وزارة الأوقاف، تنوعت بين منعهم من الخطابة والإمامة والفتوى، ولجأوا إلى تصدير خطاب ديني مغاير لما تروّجه المؤسسات الرسمية، يقوم على إقناع الناس بأن “الفكر السلفي أساس الوقاية من الأوبئة”.

شاركت “العرب”، في إحدى الصلوات التي يؤمها شيخ سلفي بمسجد “عليش” بحي المطرية في شمال القاهرة، للوقوف على مبررات هؤلاء من التمرد على الحكومة، وعندما انتهى الإمام من الصلاة، تحدث إلى الجالسين، وقال إن “الله يعاقب الناس بكورونا لأنهم هجروا مساجده واستخفوا بفرائضه”.

لم يكتف الإمام بتحريض الناس على التجمع في المسجد، لكنه ذهب إلى عقد محاضرة يشرح فيها كيف تتم مواجهة المرض بزيادة التديّن والالتزام بنهج السنة، وهو قطعا يرّوج للأفكار السلفية التي اعتادت إقناع المجتمع بأنها التي تطبق الشريعة وهي السبيل الأمثل لنهضة الأمة.

تسببت بعض التصرفات في امتعاض فئة من الأقباط، لأن الكنيسة ألزمت كل دور العبادة المسيحية بالغلق، فيما يبدو أن مضايقة الأقباط ما زالت هدفا سلفيا، فإن لم ينجحوا في ذلك بإثارة الاحتقان الطائفي، تعمدوا فتح المساجد وقت غلق الكنائس للإيحاء بأن مصر بلد إسلامي وكفى، ولا يجوز أن يتساوى فيه المسجد بالكنيسة.

ما يلفت الانتباه، أن الحكومة بدت متراخية في مواجهة مساعي التيار السلفي للعودة إلى المشهد مرة أخرى، فلم تكن هناك إجراءات عقابية حاسمة ضد الشيوخ المخالفين لقرار غلق المساجد، وحتى الذين خرجوا بتصريحات إعلامية يتهمون فيها المؤسسات الرسمية بأنها تعمل ضد الدين ظهروا وكأنهم محصّنون من المساءلة.
يتناقض ذلك مع ما اتخذته دولة مثل المغرب التي اعتقلت الشيخ السلفي عبدالحميد أبوالنعيم على خلفية فيديو انتشر له على منصات التواصل الاجتماعي، وهو يقول إن “البلد الذي تُغلقُ فيه المساجد ولا تُصلّى فيه الصلوات الخمس، هذا بلد ارتد عن دينه، وكفر بعد إيمانه وأصبح دار حرب وليس دار إسلام”.
أكد سامح عيد أن الحكومة المصرية تدرك خطورة التدخل لغلق مسجد بالقوة حتى لو تعلم أنه يُدارُ بواسطة سلفيين، فقد يتسبب في صدامات مع مواطنين يعتبرون الدين بمثابة خط أحمر، كما أن شيوخ السلفية نجحوا في إقناع فئة من الناس بأن غلق المساجد حرب على الإسلام.
وأصبح من الضروري خروج شيخ الأزهر لتحريم فتح المساجد وقت الأوبئة، لأن الكثير من المواطنين لا يقنعهم كلام الأوقاف كإحدى أذرع السلطة،بل الأزهر كمؤسسة ما زالت تؤثر في توجهات وسلوكيات الناس.
وإذا ما تحقق ذلك، سوف يجد السلفيون معضلة كبرى في استمالة المتدينين لدعمهم في إعادة نشاطهم الديني والسياسي ويصطدمون بتمرد الناس عليهم، لكن هل يدخل الأزهر في مواجهة مباشرة مع التيار السلفي؟