الأربعاء، 30 سبتمبر 2020

مصطلح (التوبة الفنية) وصمة ثقافية!

  الفنون بأنواعها (التشكيل والغناء والموسيقى والدراما والرقص) نظرة مشوهة، إلى درجة أن بعضنا يعتبرها رذيلة أو ذنبا، أو عيبا أو منقصة،

 الباب الأول للغضب الإلهي، وسببا من أسباب الضياع والتفكك والتحلل الأخلاقي، وبعضهم يراها أم الذنوب، ولا تسل عن التهكم بقولهم (ما معنى كلمة فنان)!! وينساق كثيرون بالموافقة الضمنية أو الصمت عن مثل هذا الطرح حتى من بعض محبي الفنون، وفي رأيي أن الصمت عن هذه الأطروحات جناية ثقافية من القادرين على التحدث، ووضع الأمور في نصابها الصحيح. ما يجب أن تعيه الأجيال أن الفنون بأنواعها ليست ترفا ثقافيا، وليست ظواهر تنشأ بفعل حالة معينة ثم تختفي، بل هي حاجة إنسانية في كل المجتمعات الإنسانية، منذ الإنسان القديم، وكل فن من تلك الفنون يعد حالة تعبيرية تنفس من خلالها المجتمع سواء في الفنون الأدائية الجماعية، الرقص بأنواعه والتمثيل والموسيقى، أو الفنون الفردية كالرسم والغناء والنحت وما يشاكلها، ولكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية فنونه التي تناسبه وتلبي حاجاته التعبيرية، فللبدو الرحل وللقرويين المستقرين، ولأهل المدن فنونهم التي تناسب أحوالهم وحاجاتهم. توارثوها، فطوروا وأضافوا إلى بعضها، وربما استغنوا عن بعضها واستبدلوه بغيره. إن النظر في الفنون بذهنية منفتحة، ومتحررة متجردة من الأفكار التي زرعها الصحويون في أذهان الأجيال السابقة، سيعطي ثماره، وهذا ما أراه يتحقق اليوم في مجتمعنا بفعل الرؤية الموفقة 2030، فقد بدأت حالات الخجل أو الشعور بالذنب أو العيب تخفت تدريجيا، وبدأت تظهر حالات جريئة، وأصبحت الأسماء المستعارة تنقشع عن مغنين وملحنين لم نكن نظن على الإطلاق أنها لأصحابها، في حين كان بعض الشعراء الغنائيين يتوارون خلف أسماء مستعارة. اضمحل مصطلح (توبة الفنان)، وكل رجائي أن يختفي، فليس الفن ذنبا أو جرما حتى نعتبر اعتزاله توبة، 


الاحتفلات المصرية

زفاف نجاح عيد ميلاد سبوع تخرج 

الهليوين والطلاق وارتداء الحجاب


طه جابر العلواني هيمنة القرآن على التراث

 مشروعه الفكري القائم على استعادة مركزية القرآن في الفكر الإسلامي

 بإعادة القرآن إلى المركز؛ عوضًا عن حالة مركزية التراث

 رئيس جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية 

(SISS) بهرندن في الولايات المتحدة الأمريكية.

جدلية (الدين والدولة)

شهادة الدكتوراه من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر عام 1973م بمرتبة الشرف الأولى في تخصّص "أصول الفقه"

أستاذًا للفقه والأصول بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود من عام 1975م وحتى 1984م، وعمل مستشارًا قانونيًا في الحقوق الخاصة بوزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية من عام 1975م وحتى 1976م.

أسلمة المعرفة"، وانتهيت الآن بالوقوف على تبني مشروع مركزية القرآن وتنقية التراث بإخضاعه للقرآن،


زهية جويرو: الاستبداد وإضعاف المشروع التحديثي وراء صعود الإسلاميين

  كتاب «الوأد الجديد» (مسيكلياني للنشر والتوزيع ــ دار الرافدين ـــ 2019)،

 قراءة النصوص المتصلة بتفسير القرآن والفقه والفكر الإصلاحي

نائلة السليني وآمال قرامي وألفة يوسف وسلوى بالحاج صالح وغيرهن من الباحثات الشابات كزينب التوجاني، تعدّ مدرسة نسوية تونسية في مجال الدراسات الإسلامية. في هذا الحوار، تتحدث عن أسباب تراجع المشروع التحديثي وصعود الإسلاميين وإخفاق النخب في تكوين رأي عام مواز لمشروع الإسلاميين الديني.


الثلاثاء، 29 سبتمبر 2020

البرجوازية الصغيرة حاضنة لجماعة الإخوان *******

 إنّها الطبقة التي تجمع بين رأس المال والعمل وتتأرجح بين الطبقتين الرئيسيتين في المجتمع وتتطلع للثورة وتخشى الفقر

استغل الإخوان البرجوازية الصغيرة بتوظيف أدواتها الإنتاجية وتدريجيّاً قضى تطور الجماعة الرأسمالي على الإنتاج الصغير

وبحسب المفكر الراحل فؤاد مرسي، فإنّ البرجوازية الصغيرة هي أقدم الطبقات الموجودة، وأكثرها تعقيداً من حيث التركيب، وتتكون من صغار المنتجين أو المنتجين العمال، وصغار الملّاك والحرفيين، وهي أكثر الطبقات عدداً وأوسعها نفوذاً، وأبعدها أثراً في أي مجتمع، من حيث وظيفتها الاجتماعية وقدرتها على إحداث التغيير، إبان حركات التحول الكبرى، نظراً لطبيعتها الثنائية، فهي وإن كانت طبقة برجوازية مالكة لوسائل إنتاج، وقد تستعين بقوة عمل تستأجرها، فإنّها من جانب آخر طبقة عاملة، تعمل بنفسها في أرضها أو متجرها أو ورشتها، "إنّها الطبقة التي تجمع بين رأس المال والعمل، الطبقة التي تتأرجح بين الطبقتين الرئيسيتين في المجتمع، تتطلع للثورة وتخشى الفقر.. تفكر كما تفكر البرجوازية، لكنها تنطوي على أفكار عمالية".

هذه الطبقة التي وصفها لينين بأنّها "تناقض حي"، لديها إمكانيّة تحويل تناقضها إلى نموذج ومعيار مفارق، يصبح فيما بعد مثلاً أعلى للمجتمع، ومن خلال تبنيّها مواقف أيديولوجية، تتوهم القدرة على الإفلات من واقعها المؤسف،

البرجوازية الصغيرة استقبلت أفكار البنا بتوهم القدرة على فض اشتباك حالة الارتباك الحاد بعلاقتها بالبرجوازية العليا

الإخوان واللعب على التناقض الطبقي
كانت البرجوازية الصغيرة بيئة طبيعية لظهور الأفكار الأيديولوجية المغلقة، المرتكزة على أسس دينية، وكانت جماعة الإخوان المسلمين أبرز تجليّاتها، فهي الطبقة التي ينتمي إليها المؤسس حسن البنا، وغالبية قيادات التنظيم.

 الارتباك الحاد في علاقتها بالبرجوازية العليا، وتوهم إمكانيّة تجاوزها بامتلاك الحقيقية الدينية المطلقة، كحلّ سحري للصراع الطبقي، يدفعها إلى ذلك ضغط البرجوازية العليا، والخوف من الطبقة العاملة.

مع صعود جماعة الإخوان المسلمين اتبعت الجماعة نمطاً اقتصاديّاً يتسق وبنيتها الطبقيّة، من خلال مجموعة من المشروعات الصغيرة، مع الاهتمام بالصناعات الحرفية، وفي ظل النظام الرأسمالي أصبحت تجارة التجزئة حرفتها الأولى، وكان أبرز عملائها ممن ينتمون إلى البرجوازية العليا، حيث أصبحت البرجوازية الصغيرة مساهماً فعالاً في خلق فائض القيمة، ومع تطلعها للبرجوازية كمثل أعلى، شرعت جماعة الإخوان على المستوى النخبوي في إنجاز تحولها الطبقي، نحو البرجوازية العليا، والانخراط في السباق الرأسمالي بالسعي نحو امتلاك أدوات العمل والإنتاج ووسائل المعيشة، والعمال الذين يبيعون قوة عملهم.

 نعيد النظر في نظام الملكيات، فنختصر الملكيات الكبيرة، ونعوض أصحابها عن حقهم.. ونشجع الملكيات الصغيرة". فهو يرى ضرورة تعويضهم عما يراه حقاً أصيلاً تقتضي طبيعة الاقتصاد القومي تقليمه، مع فتح المجال أمام نمو البرجوازية الصغيرة، كبيئة حاضنة للتنظيم، من خلال تشجيع الملكيات الصغيرة.

 استغل الإخوان المسلمون البرجوازية الصغيرة، باستغلال طبيعتها الطبقيّة، وتوظيف أدواتها الإنتاجية، وتدريجيّاً قضى تطور الجماعة الرأسمالي على الإنتاج الصغير، لتدخل البرجوازية الصغيرة في نظام التبعية لشركات الإخوان الكبرى، وهو ما سقط بها إلى مصاف الطبقة العاملة، في ظل تضخم شركة المعاملات الإسلامية التي قام من خلالها حسن البنا بتأسيس نحو ست عشرة شركة وهيئة تجارية.
ومع امتلاك الجماعة لأدوات الإنتاج، شرعت في استغلال الطبقة العاملة المنضوية تحتها، وحشدها وظيفيّاً خلف مشروعها السياسي، ونفس الأمر تكرّر في الريف، عبر بقايا البرجوازية الصغيرة من صغار الملاك، الذين قاموا بحشد وتجييش الفلاحين، واستغلال حالة الفقر والعوز، لتحقيق أغراض انتخابيّة، سعيّا خلف وهم التمكين.


الاثنين، 28 سبتمبر 2020

تطور ملكية الأرض

في المجتمعات الرعوية لم تكن ملكية الأرض تتوزع في إطار فردي، ولا حتى أسري، وإنما كانت ملكا مشاعا لمجمل القبيلة. مع اختراع الزراعة، وما استلزمه ذلك من ضرورة الاستقرار وتكون القرى، تحولت ملكية الأرض من الملكية المشاع إلى الملكية الأسرية وظهر مبدأ التوريث.

ومع تكون الدول ونشوء الحروب برز الاستيلاء على الأرض بالقوة وتجريد أصحاب الأرض السابقين من أراضيهم وتحويلهم إلى عبيد، وأخذت الدولة الغازية تُقطع بعض الأراضي للقادة العسكريين والفرسان الذين كانوا أداة انتصارها، أو لبعض الأفراد المحليين الذين تواطؤوا معها وسهلوا لها عملية الاحتلال.

إلا أن ملكية الأرض لم تكن مصونة ومحمية. لم تكن «مقدسة» إلا من وجهة نظر المالكين، بل كانت تصادر من مالكيها وفقا لنزوات الحكام. ولم تتخذ الملكية الفردية للأرض الصفة القانونية وتكتسب الحماية القانونية الفعلية إلا مع سيطرة النظام الرأسمالي. 

الأحد، 27 سبتمبر 2020

د. علي المرهج استاذ الفلسفة العراقي

 

الغرب والشرق والنقاء العرقي

فلسفات وأدبيات الغرب والشرق على تقسيم عقلي لا مكاني، يُميز الإنسان الغربي عن الإنسان الشرقي، فيُصنف الغربي بأنه ذو "عقلانية برهانية" ويُصنف الشرقي بأنه ذو "عقلانية وجدانية أو عرفانية صوفية"، ولم تأخذ أغلب الدراسات بحسبانها التجانس الإثني والتداخل المعرفي.

فلم يعد سكان الغرب جنساً واحداً فقد تعددت أقوامهم وأعراقهم، ولم يعد الغرب كما كنا نراه من قبل هو الغرب اليوناني أو حتى اللاتيني. كما لم يعد الشرق شرقاً دينياً روحياً. فلم يعد إفتراض هوية واحدة للغرب ممكناً في ظل متغيرات العالم الإفتراضي "السيبراني" و "العولمي" والثورة المعلوماتية "الإنفوميديا" عالماً واحداً موحداً، كما لم يعد الشرق روحانياً بعد كل موجات العنف الإستعماري "الكولنيالي" وموجات الصراع الأثني وغزو الثورة المعلوماتية شرقاً رومانسياً كما صورته لوحات المستشرقين وذوي النزعات الروحانية. ولربما يكون للعنصر الآسيوي متمثلاً باليابان وكوريا الجنوبية والصين وماليزيا، أو ما يُسمى بالنمور الآسيوية دورها في تغيير مسارات التصورات التقليدية لتقسيم العقول الأرضية إلى عقل سامي وعقل آري. فإنتفت بذلك نظرية النقاء العرقي والتميز الجسدي والعقلي وفق مبدأ الإنتخاب الطبيعي القديم القائم على القوة الجسدية، وإن كانت هناك خصائص عامة يُمكن وصف جهة من جهات الأرض بها، فأنا أعتقد أنها آيلة للزوال. ولكنها ليس اليوم أو غداً ولكن ما حققته بعض شعوب آسيا من نهضة عمرانية وتقنية ورقمية تُنبأ بأن هناك تحولاً وتغييراً سوف يطرأ على نمط التفكير التقليدي في تقسيم العقل.

عرف العرب والمسلمون الغرب الطريقة التجريبية التي وسم بها الفكر العلمي العربي، وقد توجت نظرت العرب العلمية والتجريبية بطابعها الإسقرائي مع الحسن بن الهيثم الذي قعد لعلم البصريات أو ما سُميّ عند العرب والمسلمين ب "علم المناظر"، فصار للملاحظة والتجربة أهميتهما في إستقراء الظواهر الضوئية. وتأكيده على أن الشعاع هو الضوء المممتد من الجسم المضيء في الجسم المُشف، وأن خطوط الشعاع هي خطوط مستقيمه ولكنها متوهمة وليست حقيقية،. وما كان إبداع الشرق والعرب المسلمين في مقدمتهم في العلوم الأخرى مثل: الرياضيات كما تمثلت في الخوارزميات أو الكيمياء كما جاء بها بن حيان أو في علوم النبات والمعادن والحجر وعلم الحيوان بأقل من ذلك، ولكن مشكلتنا اليوم هو في غلبة العلوم الفقهية وسطوتها على حياتنا وغياب العلوم الطبيعية وجهلنا لدورها في تغيير واقعنا وحضورنا وفاعليتنا بين الأمم.
*

الفلسفة بين الكونية والخصوصية

لا شك أن الخطاب الفلسفي في جوهره خطاباً كونياً، يخاطب الإنسانية جمعاء لأن موضوعه موضوع شامل كونه مرتبط بحاجات الإنسان (أيّ إنسان)، النظرية والعملية، النظرية مرتبطة بسؤال الميتافيزيقا عن أصل الوجود، والعملية متعلقة بالقيم (أخلاق، جمال، سياسة)، فما يُميز الخطاب الفلسفي أنه خطاب غير منحاز، يُخاطب الإنسان بما هو إنسان، بمعزل عن دينيه أو عرقه أو لونه، ولذلك فكل خطاب فلسفي يحمل هذا الهم هو خطاب كوني.

أما الخصوصية في الخطاب الفلسفي، فمصدرها لغة هذا الخطاب التي تكلم بها الفيلسوف، فلكل لغة بنية اجتماعية وتاريخية ذات طابع خاص، فلا خطاب فلسفي من دون لغة، وهو بالتأكيد يحمل تعقيدات اللغة المكتوب بها وتاريخانيتها، مضافاً لذلك البعد الإصطلاحي للمفهوم الفلسفي تداولياً في لغة الفيلسوف، فقد قال هيدغر من قبل أن "الفلسفة تتكلم اللغة اليونانية". هناك مُحدد آخر للغة هو الحضارة، فليس بإستطاعة الفيلسوف أن يخرج من دائرة الزمن الحضاري الذي قذفه القدر ليكون به وفيه، والحضارة، عمران وأدب وعلم وثقافة، وكل فيلسوف هو إبن عصره، وكل مقومات زمنه الحضاري لا بد أن يكون لها حضوراً فاعلاً في فلسفته. أما المحدد الثالث، فهو القومية على الرغم من كل النقد الموجه للممارسات السياسية ل "القومجية"، ولكن القومية عامل مؤثر في طبيعة الخطاب الفلسفي وإن يكن أقل فاعلية من العاملين السابقين، لكن يجوز لنا أن نضع سمات ذات بعد أو طابع قومي للفلسلفة، فالفلسفة الألمانية لها بعدها القومي في خطاب فخته وكانت وهيدغر، وهذا ينطبق على الفلسفات الأخرى: الإنكليزية بطابعها التجريبي، والفرنسية بفذلكاتها اللغوية ونخروجها عن نمطية الأنساق الميتافيزيقية الألمانية، والأمريكية بفلسفتها البراجماتية، وحتى الصينية في فلسفة التاو والكونفشيوسية ببعديهما الإنساني الصوفي، واليابانية بفلسفة "الكايزن" أو التحسين المستمر والسير نحو الأفضل، والهندية البوذية واليوغا والفيدا، وحتى الفلسفة العربية الإسلامية في توفيقها بين "الحكمة والشريعة".

لكل فلسفة حقيقية كونيتها وخصوصيتها في الآن ذاته.
*

الدين والسراطات المستقيمة

كل المتذهبين والطائفيين والمتدينيين يدعون أنهم "سفن النجاة"، أو من سماهم سروش "الحصريون"  الذين يُقابلهم "التعدديون"

العاطفة سبيل العامة للإيمان

الدنيا ستدور وتدو ويبقى"كل حزب بما لديهم فرحون"، وستبقى "بلورالية" سروش وتعدديته حُلماً من "يوتوبيا" الحالمين، حالها كحال "المدينة الفاضلة" عند إفلاطون والفارابي، فلا الأدلة والبراهين تُثني "الحصريين" وليس بمقدورها كفهم عن نزوعهم الطائفي والمذهبي، ولا دور كبير لتعطيل "البلوارليين" التعدديين، عن حُلمهم، وسيظل منظري كلا الفريقين يعملون ليُغيروا قناعات بُنيت فق مقتضيات الصراع الاجتماعي: الديني والطائفي، الذي نزفت كل طائفة أو دين دماءً لتثبيت الإيمان بمعتقداتها، وإن غيّر البعض جزءً أو كل قناعاته العقائدية والفكرية التي حكمتها آيديولوجيا الصراع، فلا يُغير ذلك من الأمر شيئاً، وإن حلفت للمؤَدلجين بكل الرسل والأنبياء بأن سراطات الحقيقة ليست واحدة وإن نظّرت وإستخدمت منطق أرسطو أو منطق الإستقراء البيكوني أو منطق النقائض الهيجلي، فلن تجد مُجيباً، وإن وجدت فلن تجد منهم سوى آحاداً، لأن التربية الاجتماعية الدينية بطابعها التسليمي الإيماني غرست وزرعت  وحصدت وستجني ثمار غرسها وزرعها وستحصد ما غرست دماء شبابها أُضحية لركوب "سفينة النجاة".

فلا يوجد تأثير إلا قليلاً للتربية النقدية في التعليل والتحليل دراسة ودراية، وليس بمستطاع الجميع سوى القلة الجمع بين "النقل والعقل" على مستوى الدراسة والدراية وشحذ همم العقل لرفض تواتر الحكاية وثُقاة آحادها ونقض أقوال القائلين بها، وليس بإستطاعة مفكر تغيير معتقد جماعة وإقناعها برفض أو حتى نقدٍ لفكرة "النجاة" وركوب سفينتها، فمن تعلق بها وركبها فقد نجى ومن تركها فاليأمل بكرم الله المُرتجى. وعند الشيعة حديثٌ شريفٌ: "أن أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك وهوى"، فتعدد الفهم للنص الديني لا يعني القبول بالتعددية الدينية كما يعتقد بذلك سروش، فالنص القرآني بإعتقاد "الحصريين" ليس صامتاً كما يُصرح بذلك سروش، وتعددية تفسيره عند المُغايرين لا يعني أن حقيقته وصدقيته عند المذهبيين مفقودة لأن خلوده مُتحقق عند الجماعة الذين بنوا رؤيتهم للنص وفق قابليته للتفسير الأحادي، فهو عند الشيعة يُفسره المعصومون الذي منحهم الله هبةً هي إدراك ظاهر النص وباطنه. والنص عند "الجماعة" هو الحكم، "فلا حُكم إلا لله"، وكلا الفريقان من "الحصريين" الطائفيين يدعي معرفة ودراية بعلم التفسير وأسباب التنزيل، وطُرق التأويل.

لم أجد في كتابات سروش سوى أحلاماً "يوتوبية" لا يغيب عنها ولا يُغيب البُعد الصوفي الحالم والتجربة القلبية على وفق ما أطلق عليه المتصوفة "وحي القلب" أو "الكشف" الصوفي

فهو مرةً يقول "الحقيقة واحدة، ولكن هؤلاء الأنبياء ينظرون إليها من ثلاث زاويا"، و "لهذا قدموا لنا ثلاثة أديان"، وكأن ما قدمه الأنبياء فهماً بشرياً للحقية الإلهية وهذا الفهم  يتعدد بتعدد الفهم البشري، مُستشهداً بقول المولوي:
 
إن صوت الناي ينفخ فيه العازف.
 
إنما يخرج الصوت بمقدار الناي لا بمقدار العازف.

والواضح أن الناي هو مُعجزة النبي، (القرآن)، والعازف هو النبي، مُبلغ الوحي، فسيكون مقدار الأثر والتأير للمعجزة وليس للنبي
"الحصريين" سيُحافظون على حصريتهم، سنة كانوا أم شيعة، وليس بإستطاعة الفكر الحر تغيير مُعتقداتهم، ولا أجد في عمل المثقف النقدي هماً وإنهماماً وفق المصطلح الفوكوي لتغيير مُعتقد المُعتقِد، إنما الهم والإنهمام مُنصب على إقناع المُعتقِد بمصداقية مُعتقده بأن هناك آخراً مُختلف، فتقبل حقه في المُغايرة والإختلاف.
كتاب شيخ الازهر المتصوف 

فلا يوجد برأينا "صراطات مُستقيمة"، ولكن توجد تأويلات مُتنوعة لفهم النص الديني المُقدس تفرضها معطيات الواقع السياسي والبيئي والاقتصادي والثقافي، وأؤكد على الثقافي، لأن فهم النص وتفسيره وتأويله مرتبط بمقدار ثقافة الفرئ أو المُتلقي، فإن كانت نشأته الثقافية والاجتماعية نشأةً فيها كثير من منتجات الوعي النقدي، فلا بد لمثل هكذا عقل وفق مواصفات التنشئة الثقافية والاجتماعية الحرة أن يكون عقلاً فاعلاً مؤنسناً.
*

تداخل الدين والعلم والفلسفة والآيديولوجيا

كل حزب بما لديهم فرحون"، فللدين أحزاب وللعلم أحزاب وللفلسفة في بعض صراعاتها مع الدين أو العلم نزوع نحو التحزب. والآيديولوجيا هي العامل المشترك والمحرك لعوامل الصراع بين الجميع، فللدين بكل تمظهراته نزوع نحو الآيديولوجيا، وللعلم آيديولجيته الخاصة، ولم تستطع الفلسفة على الرغم من نزوعها الأنسني والعقلاني الخلاص من هيمنة الآيديولوجيا وسطوتها.

الآيديولوجيا هي الحصان الرابح في خضم الصراع بين العلم والدين، وبين الفلسفة والدين، أو بين العلم والفلسفة وحتى بين العلم وتحولاته. فالنفس الإنسانية تهوى التدين كما يؤكد علماء الاجتماع، فإن لم تجد لها ديناً في السماء أوجدته في الأرض، وكما يبدو لنا اليوم ومن قبل أن النزوع الديني لدى الإنسان سجية وفطرة، ولا مشكل في ذلك، ولكن المشكل الحقيقي ليس في الدين أو التدين حينما يكون حاجة مُلحة ومصيرية تستشعرأهميته بعض الشعوب أو كثير وتعتقد بأنه حاجة اجتماعية وحياتية مُلحة تُلبي بعض مُتطلبات النفس البشرية الطامحة للإستمرار والخلود في الدنيا أو في الآخرة. 
لكن اللامبرر واللامقبول عند دعاة التفكير الديني هو إعتقادهم الجازم بأن العلم كله، طبيعي "فيزيقي" و ما وارئي "ميتافيزيقي" هو من ممكنات التفسير الديني، وأن في الدين إجابة نهائية وتفسير يقيني لكل خلجات النفس الإنسانية وإضطراباتها العقلية والنفسية والعلمية.

والأدهى من ذلك هو حينما يجعل دُعاة النص الديني "المُقدس" من رؤاهم دستوراً للحياة، علمية كانت أم سياسية أو أخلاقية، متناسين أن المَهمة الرئيسة للدين هي مَهمة أخلاقية طِبقاً لقول النبي الأكرم "إنما جئت لأُتممَ مكارم الأخلاق". ولذا فإني أرى أن المشكل الأساسي ليس في تدين الناس ولا حتى في التعبير الطقوسي المُفرِط لإظهار أو الظهور بالتقمص الجسدي طقوسياً تارة، أو بالتعبير الخطابي تارة ثانية أو في كلاهما معاً تارة أخرى. على ما في طرق التعبير هذه من تقزيم للآخر (الموطن) المغاير لنا في الدين والملة والمُعتقد، وإن كان يعتقد المُتبنون لهذه الرؤى أن أشكال التعبير الطقوسي والشعائري للمعُتقد الديني إنما هي شكل من أشكال التعبير عن حرية الرأي والفكر، وعلى الرغم مما في طرق التعبير هذه عن الولاء من إقصاء وتهميش، إلا أنني أجد أن هذا ليس المشكل الوحيد، بل المشكل الأساس كما أعتقد كامن ويكمن خلف طُرق التعبير هذه والمسكوت عنه فيها، وهو الإعلان ضمناً وربما صراحة عن أن طرق التعبير الولائي هذه عن الإنتماء لهذا المقدس، إنما هي رسالة صريحة أو ضمنية لكل مُغاير أو مُعارض أو مُعترض على الكيفية التي تتم بها عملية التعبير الطقوسي على أنه خارج عن الملة، وما إعتراضه على قاعدة (سوء الظن) في هذا المُغاير حتى وإن أظهر بعض تقبل، ولا يُشكل مُعتقد بأفضل حالات التسامح والقبول به كشريك سوى النظر لإعتقاداته على أنها سوء تقدير منه وتفريط بالحق الذي "لا مجمجة فيه"، وأن كل مختلف أو مُخالف إن لم يكن في خانة المُلحدين، فإنه حتماً سيكون في خانة المُعاندين. وهنا أصل المشكل الحقيقي، فليس المشكل في تدين الناس وقناعاتها المذهبية والأثنية، بل المشكل في تصور (جماعات الضغط) هذه أن متبنياتهم هي "السراط المستقيم"، وحين ذاك سيتحول الدين من حاجة إنسانية طبيعية إلى آيديولوجيا ضاغطة، تُقسر الجماعات المغايرة والمختلفة "الشريك الوطني" على التماهي مع رؤية (جماعات الضغط)هذه.

 كثير من العلماء والفلاسفة قد وثقوا بالعقل الإنساني وقدرته على الإحابة عن جميع ما يعترضنا في دنيا الواقع، إلا أن جل هؤلاء قد وقعوا أسارى آيديولوجيا العلم نفسه، ولم يستطيعوا إيجاد جواب عن سؤال سبب الوجود أو معناه، فأجاب الوضعيون المناطقة بجواب اللاجواب عن سؤال الأصل (الوجود) وسببه.

كلام لا معنى له ومحض هُراء
ولكن هذا السؤال باق والوضعيون المناطقة مضوا.

 المشكل الحقيقي في العلم الفيزيقي حينما يكون أداة بيد الدول الأقوى لتهديد الدول الفقيرة والتلويح ب "الفيتو" لكل قرار يخدم الدول المغلوبة، فمن حق إسرائيل المُتصهينة إمتلاك النووي وإغتصاب أراضي الفلسطينيين المغلوبين على أمرهم وإنشائهم المستوطنات على أرض فلسطين المُغتصبة، وكل العالم الغربي المُتقدم علمياً وسياسياً ساكت وصامت. ولا حق لدول الممانعة والرفض للسياسة الشايلوكية الروبسن كروزية الإعتراض والرفض أو في السعي لإمتلاكها السلاح النووي أو الذري. هنا يكون العلم علمان علم يخدمك وعلم تخدمه، والسياسة الشايلوكية تُريد لك علماً تخدمه لا علماً يخدمك.

ولم تتخلص الفلسفة على الرغم من تبنينا لها والدفاع عن مُتبنياتها العقلانية والأنسانية، من هيمنة الآيديولوجيا وقناعة أغلب فلاسفتها بأنهم أدركوا اليقين المعرفي ووصلوا للحقيقة. إلا أن اجل الفلسفات لم تستطع الخلاص من سطوة هذه الآيديولوجيا، فهناك فلسفة تأملية مُغرقة في المثالية يدعي أصحابها أن هذا العالم الذي نعيش فيه ما هو إلا عالم زائف وخلاصنا يكمن في مُفارقتنا له، إنهم يعيش في "أبراج عاجية" ينظرون للحقائق وفقاً لرغاباتهم وأهوائهم في تكوين مجتمع مثالي لا كون له في دنيا الواقع وليس بإستطاعته التواصل مع حركيته وديناميكيته.

ولم تكن الفلسفة المادية ببعيدة عن آثار الآيديولوجيا وسطوتها بعد إقصائها لكل عوامل التغيير الاجتماعي وإصرارها على تفسير مُتغيراته طِبقاً للعامل الاقتصادي (المادي)، ومحاولة تفسير المتغيرات الاجتماعية والحتمية التاريخية لمُقتضيات التغيير على أساس غلبة "البروليتاريا" للرأسماليين، وسيطرتهاعلى وسائل الإنتاج للوصول للمُبتغى في التعايش الشيوعي خارج الهيمنة للطبقة البرجوازية ورأسها الرأسمالي.

ليس المشكل في الدين ولا في العلم أو في الفلسفة، بل فيما نبغي نحن الحالمين (المثقفين) كما ندعي فيما يجب أن يوجد ويتواجد ويفعل فعله في التأثير التكاملي بين قوائم المثلث، الدين والعلم و الفلسفة، حينما نُلغي التداخل بين فروعهما المعرفية، وحينما نُخّلص كل فرع منهما من هيمنة الآيديولوجيا وسطوتها.
*

اليسار واليمين والطريق الثالث

تبنت جماعة اليسار أو دُعاة الإشتراكية فكرة هيمنة الدولة على جميع المؤسسات الإنتاجية، ودعت إلى المساواة الإقتصادية. بينما دعى أصحاب اليمين من الليبراليين إلى "الحرية الفردية" وفتح الأفق أمام العقل الإنساني ليُنتج وليُغير مسارات الحياة على قاعدة "دعه يعمل دعه يمر"، وهذه المقولة فيها إمعان وتأكيد على الفروق الفردية بين بني البشر، وفيها بعض تعارض مع مقولة المساواة.

في حضم هذا الصراع طرح إنطوني جيدنز في كتابه:"الطريق الثالث" معالجته للصراع الدائر بين دُعاة اليسار ودُعاة اليمين، في رؤية تحمل في طياتها جذور مستمدة من الإشتراكية والليبرالية معاً، بما سماه "الديمقراطية الإجتماعية" بوصفها "الطريق الثالث" الذي يُمثل إعادة صياغة برأينا لمفوم الوسط الذهبي عند أرسطو في فلسفته الأخلاقية وهو "وسط بين رذيلتين كلاهما إفراط وتفريط"، وحسب جيدنز، ففي الإشتراكية تفريط بالفردية وبرغبة الإنسان الفطرية والغريزية في تحقيق التميز والفرادة الذاتية على منافسيه من بني البشر. كما في الرأسمالية في طابعها الفرداني تغييب لنزعة الفرد الإجتماعية، لأن الإنسان كائن إجتماعي بطبعه كما يقول أرسطو.
تغييب الفرد لصالح الجماعة كما يفعل الإشتراكيون، ولا لصالح تغييب الجماعة لصالح الفرد كما يفعل الليبراليون الرأسماليون.، في محاولة منه لتجاوز التقسيم التقليدي للفكر والمجتمع في أن يكون يسارياً أو ليبرالياً.
طرح "جيدنز" مفهوم "الديمقراطية الاجتماعية" في محاولة منه لضبط وإعادة تحديد للحقوق والواجبات بين الفرد والجماعة أو بين الجماعة والفرد، وهذه الحقوق والواجبات تتمحور حول إدراك الجميع لمفهوم "المسؤولية" الذي شكل أُس الفلسفة الوجودية بطابعها الهيدجري والسارتري، فالفرد مسؤول عن إختياره وهو حر فيما يختار، ولكن في إختياره دعوة للتمثل والسير وفقاً لإختيار هذا، لذلك تكون حرية الفرد مُقيدة ولا إفراط فيها لأنها تتبع وعي الفرد بدوره في المجتمع وبالمسؤولية المُلقاة على عاتقه.
وهو كلام عبد المجيد الشرفي 2020

ولم يكن "جيدنز" ببعيد عن هذه الرؤية رغم ما عُرِف عن الوجودية من نزوع فرداني، إلا أننا نجد في إطروحاته بعض أو كثير من رؤى الفلاسفة الوجوديين.

ولم يكن تأثير الفوضويين الإشتراكيين غائباً فيما طرحه "جيدنز" حول مسؤولية الحكومات تجاه بناء الدولة والحرص على حماية الضعفاء وضياع حقوقهم في خضم نزوع الإغنياء للملمة بقايا "فائض القيمة" الذي جمعه الرأسماليون من كد الكادحين و "أولاد الخايبة"، وكان لنا في العراق تبني له عند "جماعة الأهالي" ممثلة بعبد الفتاح إبراهيم ومحمد حديد وكامل الجادرجي وجعفر أبو التمن رغم نزوعه الديني في تبنيهم لل "الديمقراطية الشعبية" المُستقاة من ديمقراطية "حزب العمال" البريطاني الذي تأسس وفقاً لآراء "الفابيين" المتمثلة بأطروحات سان سيمون و برنارد شو.

لذلك يطرح "جيدنز" أسساً للديمقراطية الاجتماعية، بما سماه "قيم الطريق الثالث" وأهمها:

 

- المساواة.

- حماية الضعيف.

- الحرية كإستقلالية.

- لا حقوق من دون مسؤليات.

- لا سلطة من دون ديمقراطية.

- التعددية الكوزموبوليتانية.

- المحافظة كفلسفة.


وكأني أجد "جيدنز" يقترب من رؤية محمد باقر الصدر في كتابيه: "فلسفتنا" و "إقتصادنا" على ما فيما بينهما من تباين وإفتراق
رؤية محمد باقر الصدر  مُتبناه الآيديولوجي والعقائدي لل "الطريق الثالث" أو للديمقراطية الاجتماعية"
 "الإسلام" ضمانة للحفظ على التوازن بين الحرية الفردية وبين نزوع الإنسان للمساوا الإقتصادية وحماية الضعفاء من ضياع حقوقهم في لظى وحمى وشراهة الرأسماليين.

الصدر في نزعته الدينية ورغبته بحسم الصراع العقائدي عبر الإنحياز لصالح معتقده كما تصوره وتمناه هو، في بعده المثالي لا التاريخاني والواقعي.

بمساعدة مجتمع مدني فعال، يتبنى الدفاع عن إقتصاد مختلط جديد بوسائل تُيتحها الديمقراطية وتسمح بها، ديمقراطية همها الأول والأخير أن تكون سياستها المساواة كإحتواء في ظل دولة إستثمارية لا تغييب فيها ومعالجة للفوارق الاجتماعية لتكون أمة كونية، تعيش ديمقراطية كونية من نوع خاص تختلف عن الديمقراطية الإشتراكية ببعدها الجمعي ولا تلتقي مع الديمقراطية ببعدها الفردي أو الفرداني.
*

تحرير الذات من سطوة الذات نفسها وجبروتها

 حينما نعترف بأن الإنسان لا يرى الحقائق كما يراها الله وسله و الأنبياء، لأن فيه من العيوب والنزوات ما يجعل نفسه لوامة تميل بفطرتها وبغريزتها وبطبيعة وجودها للخطأ إن لم نقل أنها تميا للخطيئة والمعصية، 
*

إله الفلاسفة والمتصوفة وإله المتدينين "الفقهاء":

الفلسفة يؤدي إلى الإلحاد
وإله الفلاسفة غير مشغول بالمتغير العرضي ولا بالجزئي الزائل، فهو مهندس الكون كما أكد آينشتين ف "الله لا يلعب النرد"، وهو إله الكون الذي يحل فيه ليُصّير للوجود وحدة مع المُوجِد كما ذهب إلى ذلك إبن عربي وإسبينوزا في تصوره لوجهتي الوجود "الطبيعة الطابعة" = "الله" و "الطبيعة المطبوعة" = الوجود، وكلاهما وجهان لعملة واحدة.

أما إله المتصوفة، فهو إله العشق والجمال المتوحد مع موجوداته التي يَحل فيها ليُزيل سنيناً ضوئية من العزل بين العاشق والمعشوق، ليكون هو العاقل والمعقول بلغة ابن رشد لا وفق ما تقتضيه العقلانية الرشدية بطابعها البرهاني، بل بقدر ما تُتيحه بعض مساحات الوجدان والعرفان للخروج من النمط الإستدلالي الفلسفي التجريدي المُستغرِق في الإنبهار بقدرة العقل الإنساني في تجاوز البعد الوجداني.

وبين إله الفلاسفة وإله الصوفية يوجد إله الفقهاء الذي لا يرى في الإله سوى إله طاغية يشبه مديري الأمن في الأنظمة الإستبدادية، لا شغل له ولا شاغل سوى تكميم الأفوه وقطع الألسن التي تتأوه، فتقول آه، لعجزٍ فيها أو ربما لا تقدير عندها لمرامي الإله في الإثابة أو في العقاب. فالله عند هؤلاء دائم الطلب لتنفيذ العبد لرغبابته في خضوع المطيعين له و المستمتعين في كونهم عبيد للخلاص من السادة والإنصياع لأوامر " الله  الذي وضع لكل دين أوامرٍ ونهاوٍ في تنفيذ وخضوع المؤمن لمنظومة عبادية غايتها الإلتزام بتطبيق توصيات التشريع الفقهي بطابعه التعبدي الشكلي، الذي يقتضي إلتزام العبد بطاعة المعبود الكامنة ليست في ما ينبغي لنا إيجاده من تجليات الوجود الإلهي في الفكر والعمل وفي التعبير والعِبر، إنما تتجلى عبادة الله عند الفقهاء في الإلتزام بأوقات الصلاة وبإيتاء الزكاة وفي حج بيت الله الحرام، ولم يكن الإيمان بإله الفقهاء من المسلمين، سُنة وشيعة، مرتبط بالإلتزام بالأصول والثوابت المعروفة في الإسلام، إنما تعدى ذلك لأن نكون، سنة وشيعة إتباعيين مُقلدين ببغاويين لمسلك التراثيين في تنميط حياتنا في القول والمأكل والملبس، وكأن الزمن ساكن ولا قبول لتغيّره وتجديده حتى وإن كان في قبول التغيّر والتجديد تأكيداً لفاعلية النص القرآني في التغيير والتجديد في إعادة صياغة العلاقة بين الدين والأخلاق، لا على قاعدة أن الدين مرادفٌ للأخلاق، لتغيب الأخلاقيات المجتمعية لصالح الدين وجعل الأخلاق جزءً من كل ما هو ديني مُقدس يروم دعاته جعل الأخلاق مطوية من مطوياته وتصييرها أُساً لمنظومته العقائدية عبر جعل دعاته ومبشريه رسلاً سماويين لا مناص لمُصدّقيهم من القناعة بأن الدين هو أصل والأخلاق فرع منه، وتناسوا ألّا وجود لدين من غير رؤى أخلاقية قد مهدت لقبوله والقناعة به بوصفه مُكملاً لمرامي الرؤى والسلوكيات الخُلقية تطابقاً مع الحديث النبوي "إنما جئت لأُتمم مكارم الأخلاق"، فالأخلاق موجودة كأصل لوجود المجتمعات، وجاء الدين ليُزيد من أهميتها وحضورها وفاعليتها في الأمة الإسلامية التي أدركت قول الشاعر أحمد شوقي: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت  فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا".

 إله الفلاسفة إله لا يُعاقب الغافلين ولا يُعاقب المجتهدين على قاعدة "أن لكل مجتهد نصيب"، وإله المتصوفة عاشق محب لكل بني البشر، فليس بمقدور المحبوب مُعاقبة الحبيب. ولم يبق سوى إله الفقهاء الذي ديدنه العقاب، ولا سماحة عنده لمخطئ عنه فالويل له لكل من لم يلتوم بخطى الفقيه، فعقابه جهنم والسعير ولا رحمة تُرتجى له لأنه خرج عن توجيهات الفقيه اللبيب الذي أدرك مقاصد النص ومراميه والخروج عن تفسيره وقوع في الحذور وسعي مُضمرٌ عنده للتخريب.


الكوزموبوليتانية

 يستخدم للتعبير عن كل ثقافة تتجه للعالم بأسره وتزيد عن ثقافة بلد واحد؛ فهناك أماكن توصف بأنها كوزموبوليتانية كالعواصم الكبرى التي تضم أقسامًا عديدة وثقافات شتى مثل العاصمة الفرنسية باريس. ويطلق المصطلح كذلك على الأشخاص أو الجماعات، كما ينطبق أيضًا على الايديولوجيات والممارسات. فالشخص الكوزموبوليتاني هو الذي يعتبر أن وطنه العالم كله ومثل هذا الشخص يستند على كونه متعدد اللغات فلا يركن لذلك على ثقافة واحدة إذ تكون له اهتمامات واسعة عبر الحدود الثقافية الوطنية. وهناك بيئات معينة توصف بأنها كوزموبوليتانية . في المجالات الفنية والفكرية كالبوهيمية مثلاً، هذا بالإضافة لعالم التجارة العالمية والتمويل الضخم والاستثمارات التي تقوم بها الشركات متعددة الجنسيات.



الشايلوكية

  لماذا لدى الاسرائيلي هذا النهم وهذا التعطش للدم العربي الفلسطيني؟ لماذا اذا قُتل مواطن او جندي اسرائيلي تقتل اسرائيل بالمقابل مئة فلسطيني؟ واذا قذف طفل فلسطيني بحجر واصاب الحجر زجاج نافذة في منزل مستوطن اسرائيلي قامت الطائرات الاسرائيلية بقصف عشرات القرى الفلسطينية وتحركت الجرافات لهدم عشرات المنازل؟ وبالعودة الى المنهج الشايلوكي نجد ان الشخصية الاسرائيلية شخصية تتميز بعقلية ونفسية وروح شايلوكية. ولكن ما هي الشايلوكية؟ الشايلوكية نسبة الى شايلوك التاجر اليهودي المرابي، البخيل، اللئيم، الجشع، النهم، الخسيس الذي يعبد المال ويقدس الربح ويحتال للحصول عليهما بأكثر الاساليب خسة وقذارة. وكان الكاتب الانجليزي وليم شكسبير اول من صور وجسد شخصية شايلوك في مسرحيته الشهيرة: (تاجر البندقية) لكن شايلوك المعاصر هو نفس شايلوك القديم. شايلوك العسكري هو نفس شايلوك التاجر. والقاسم المشترك بين شايلوك (تاجر البندقية) وبين شايلوك (حامل البندقية) هو الربا: ربا المال عند الاول وربا الدم عند الآخر وكلاهما لا هم لهما سوى ان يخرجا رابحين من كل صفقة او معركة.


مصحف عثمان انتصر لمركزية الدولة"... الخلاف حول المصاحف وأثره في "الفتنة الكبرى"

 

اختلاف في الكلمات، والسور والترتيب

تتفق معظم الروايات التاريخية على أن القرآن لم يتم جمعه فى حياة الرسول، وكان السبب الرئيس في ذلك أن القرآن كان معرضاً للزيادة فى تلك الفترة، وبالتالي لم يكن منطقياً جمعه في تلك المرحلة.

بحسب ما ورد في صحيح البخاري، فإن الجمع الأول للقرآن وقع في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق، وذلك عندما تم جمع النص المقدس في شكل صُحف متفرقة، وذلك بعدما قُتل الكثير من الحُفّاظ في حروب الردة، وخاف المسلمون من ضياع كلام الله.

في الفترة التي أعقبت ذلك الجمع، ظهرت قراءات قرآنية متعددة عُرفت بمصاحف الصحابة، إذ عُرف الكثير من كبار الصحابة بقراءاتهم للقرآن بطرق مختلفة، وكثيراً ما وقع الاختلاف بينهم في بعض الحروف أو بعض الكلمات، حتى وصل الخلاف لإثبات بعض السور في بعض الأحيان وحذف البعض في أحيان أخرى.

من أهم الصحابة الذين اشتهروا بمصاحفهم الخاصة في تلك الفترة، كان كل من علي بن أبي طالب، وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وأبي الدرداء، فضلاً عن مصاحف أمهات المؤمنين، عائشة وحفصة وأم سلمة.

اهتم ابن أبي داود في كتابه "المصاحف" بوضع باب كامل لذكر أهم وأشهر الاختلافات بين مصاحف الصحابة، ومن ذلك ما ذكره عن قراءة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، لآخر سورة الفاتحة "صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين"، وهي القراءة المخالفة للقراءة الأشهر "...غير المغضوب عليهم ولا الضالين".

 بينما ضاعت المصاحف التي كانت منتشرة في الأمصار الإسلامية، ما يعني أن مركزية الدولة قد تبدّت في هذا المصحف


عَلمَنة المُجتمع وعقلنة الدين

 وتعني “العلمنة” تحرير الإنسان من النظرة الدينية أولًا، ومن النظرة الميتافيزيقية ثانيًا، على عقله ولغته وموقفه حيال الوجود، ونبذ جميع الرؤى الكونية المغلقة وتحطيم أي تفسير غيبي للوجود، وتخليص التاريخ من الحتميات والقدريات.

ونقصِد بالنظرة المُعلمَنة، التعاطي مع الذات أو الوجود أو المجتمع تعاملًا ينزع عنه أي قداسة أو أيّ إحالة لإلهيّ، أيّ أنّ الكَون ليسَ سِوى معادلات ميكانيكية وكيميائية وفيزيائية معقولة، ولا شيء غير ذلك، إن الانتظام الذي نراه في الكَون ليس سوى حركة منتظمة لمعادلات الكَون، ولا يعني هذا الانتظام وجود إله مُدبِّر يعتني في الكون أو أي فكرة متعالية من هذا النوع. وكذلك على مُستوى الذات، فهو حين ينظر إلى نفسه، لا يرى سوى جسد بيولوجيّ، هو في أصله امتداد عضوي ينتهي به إلى سلف مُشترَك ينتهي بدوره إلى الخليّة الأولى، التي في أصلها كائن بسيط أُحادي، يتألّف من مواد عُضوية أوّلية، هي مُجرّد غُبار كوني. أمّا عَلمَنة المُجتَمع فتتم أوّلًا عبر عَلمَنة العلاقات، إذ العَلاقات لا ينبغي أن تتحدّد بأيّ قيود أو ممنوعات، طالما أنّ الأطراف المتشاركة في العلاقة، راضية وموافقة على شكل العَلاقة بكامل حُريّتها وإرادتها، وهُنا لا يجدر بالدين أن يُحدّد لنا شكل علاقاتنا مع الآخرين.

إنّ العَلمَنة ليست نقيض التديّن، وهذه نُقطة مُهمّة للتمييز.. بل هي رؤية شمولية للوجود تبتلع حتى أنماط التديّن، وتُعيد انتاجها بقالب مُعلمَن، فحينما نقول أنّ شخص أو مجموعة ما تمتلك رؤية مُعلمَنة للوجود، فهذا لا يعني بالضرورة أنّهم قد تخلّوا عن دينهم أو خرجوا عنه (أو قد كَفَروا أو ألحدوا). فقد يكون الإنسان مُسلِمًا مُعلمنًا، وكذا مسيحيًا مُعلمَنًا، ويهوديًا مُعلمَنًا وهكذا دَوالَيك.

وهُنا لا يتنقّل الفرد في حياته عبر بوابة الدين ونظاراته التي يرى الكون من خلالها، وإنّما على العكس تمامًا، يتنقّل عبر بوابة العَلمَنة وهكذا فقد ينظر المؤمن للدين  عبر نظّارات العَلمَنة باعتبار الدين شأن وظيفيّ أو غذاء روحيّ جيّد، يلزم بين الحين والآخر.

لكيّ نقترب أكثر من فهم مقولات غياب الدين أو أُفوله أو فُقدان فاعليته، ولكي لا نُطيل الشرح في نظريات الَعلمَنة في هذه الورقة، سنتنزّل لنرى نتائج ومظاهر هذا الانحسار للسُلطة الدينية على المجَال العام وحتى تشوّهه على مُستوى المَجال الخاص، وفيما يلي بعض الأمثلة العملية والإجرائية التي تعكس ذلك.

مثال (1)

– قد يعيش المُسلِم يومه بشكل طبيعي، ثُمّ يتنبّه فجأة إلى أنّ صوت الآذان مُرتفع بعض الشيء، وهذا لا يُزعجه هُو شخصيًا، لكن يتساءل: ما ذنب مَن لا يؤمنون به؟ لماذا يتحمّلون هذا الصوت المُرتفع الذي قد يتسبّب بإزعاج لهم. يأخذ يبحث عن مشروعية الآذان من ناحية فقهية، وقد يجد أنّ الآذان ليس فرضًا (مثلًا) بل هو سياسة شرعية لتنظيم شؤون الناس وإعلامهم بدخول وقت الصلاة. ومن هنا يتحوّل هذا الفرد لمُقاتِل شرس لإلغاء أو تخفيض صوت الآذان بدواعٍ فقهية. (هُنا انتقل الفرد من أزمة تسبّبت بها نظرة مُعلمَنة حسّاسة تجاه الأقلّيات، وأخذ يبحث عن تبرير فقهي، فجوهر مُنطلقه معكوس، مُعلمَن وليس كما يبدو فقهيًا، إنّه تأزّم أولًا ثُمّ أخذ يبحثُ عن مَخرَجٍ فقهيّ، وليس كـ مَن أقرّ مقولة الفقه من قبل أن يتأزّم).

مثال (2)

– تخترق العَلمَنة المقولات البَدهية واللاواعية للإنسان، فهو حينما يرى منظرًا طبيعيًا مُدهِشًا قد يقول Wow! بدلًا مِن “ما شاء الله” واختلاف العبارة التي خرجت تلقائيًا من فَمِ الفرد على بساطتها، إلّا أنّها تُشير إلى رؤية كامنة، ففي حالة قوله Wow! هُو يُحيل إلى فاعِل غير مُتعيّن، إذ المشهد جميل للغاية ومُدهِش، لا يهمّ كيف تشكّل أو مَن قام بتشكيله. أمّا في قوله “ما شاء الله” فهو يُحيل إلى الله البديع، الذي أحسن وأتقن صناعة المشهد الذي رآه. هكذا يصير استحضار الله كفاعل أساسيّ في المشهد اليوميّ مُقتضى ضروري للإيمان، (ولولا إذ دَخلتَ جنّتكَ قُلتَ ما شاء الله، لا قُوّة إلّا بالله).

مثلًا تبدو صلاتك على النبيّ عند سماع إسمه، في أوساط أكاديمية مُعيّنة، كـ إفراط في التديّن والالتزام أو مثلًا: جرّب مثلًا أن تدخل على أحد المولات التجارية، وإحدى معارض الماركات وتحكي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وراقب ردّة الفعل.

ففي مِناخ عَلمانيّ تغدو أي مظاهر دينية مسألة مُثيرة للحَرَج، للوَهلة الأولى عالأقل، ومع وجود استثناءات، فقد يشعر كثير من الناس بالحرج من أن يتم وَصمُه بوصف ديني أو تديّني، ومن هنا يبدو المظهر واللباس الدينيّ في المُدُن ومُجمّعات الأعمال الحديثة والشركات، مظهرًا مُريبًا ورَجعيًا بعض الشيء، ويُصبِح من الصعب (وقد يبدو للبعض وَقِحًا) ممارسة طقس مثل الصلاة في الشارع وعلى العَلَن، بل في أماكن مُخصّصة للعبادة.

مثال (4)

– لا يُشكِّل الدين المقولة الأساسية التي ينطلق منها الفرد في حياته، ولهذا لا يجد تعارضًا بين سلوكه في الواقع وذهابه للمَعبَد. مثلًا لا يجد فرد مسيحيّ أو مُسلِم حَرَجًا في أن يتبنّى ميول شاذّة بالنسبة للدين، دون أن يتعارَض هذا مع قيامه بطقوس وعبادات نفس الدين الذي يُجرِّم ويُحرِّم فعله. (انظر لأغنية  Hozier -Take me to Church.. وكأنّه يقول: دَعكَ من ميولي أيّها القدير، إذا كان الأمرُ يتعلّق بالعبادة، فستجدني عابدًا مُخلِصًا وَفيًّا مثل الكلاب) وهذا حَل نابع في أساسه من رؤية مُعلمَنة تعتبر الدين شأن خاص يتعلّق بالعبادة فقط، وليس منظومة تُملِي عليّ سلوكي في الحياة وعلاقاتي مع نفسي ومع الآخرين. (هُنا نَلحَظ أنّ الدين يأتي لاحقًا، أي لا يُؤسّس شكل العلاقة عند الفرد، وإنّما يُبرّرها، أمّا ما يُؤسّس العلاقات فهو الواقع المُعلمَن)، وانظر في هذا على سبيل المثال الأسئلة المُوجّهة إلى موقع فتاوى إسلام ويب، التي يريد فيها السائل (و هُم كُثُر) ممارسة ما هُو مُقرّر حُرمته في الشريعة، من إتيان المرأة من غير ما أحلّ الله، ومن ممارسة أنماط جنسية حديثة من الإهانة والذلّ الذي لا يرضاه الإسلام ولا يعتبره شأن خاص حتى لو طلبه الشخص لنفسه.

++++

 إذ يتساءل الفرد: لماذا يحَرُم على المَرء الزِنا؟، إذا كان الأمر يتعلّق باختلاط النسل، فنحن سنستخدم موانع الحَمِل، مما يزيل الإشكال. أو لماذا موانع الحَمِل؟ لَم يَعُد هناك خوف من اختلاط النسل، ففحص الـ DNA سيُثبت نسب كلّ طفل، فتسقط وجاهة التحريم عنده. رغم أنّه ومن المعلوم أنّ المقولات الدينية الأخلاقية، أي تلكَ التي تُحدّد الحرام والحلال تقوم في جوهرها على عِلل محضة، مغزاها الطاعة، لا التفسير العِلميّ بالأضرار والمنافع. فالطاعة تسبق الفهم، إذ الحُكُم الشرعيّ يكتسب سُلطته من آمريته الإلهية وليس من تفسيره العقليّ. وهو في المقابِل يدعو للبحث عن حِكَم التحريم أو التحليل وإعمال العقل فيها.

+++

المُطالبة بحقوق: الثقافات الهامشية، والثقافات الشعبية، المُقابلة لقِيَم الثقافات الغالبة، وكذا ردّ الاعتبار للمُنتجات الثقافية الخارجة عن السائد، فيشيع الترويج للمنتوجات الغريبة المَبنية على كسر القوانين الأدبية والفنية وتدميرها وتجاوزها.

 ++

حساسية من الخطاب اليقيني. أو أي خطاب يُقرِّر حقيقة ما.. هذا الأمر ينطوي ضمنًا على عدد من الأفكار اللاواعية التي بثّتها ما بعد الحَدَاثة في أجيالها، وهي أنّه ليس هُناك ما يُسمّى حقيقة مُطلَقة، وأنّ الأمور نسبية، لا أحد يملك الحقيقة (مع هذا فأنا مُخوّل أن أُخبرَك بحقيقة: لا وجود اللحقائق المُطلَقة!!) وأنّه لا وجود لقِيَم أخلاقية موضوعية، وهي مُجرّد تقاليد ثقافية تختلف من حضارة لأخرىبالطبع هذا كلام فيه نظر وألف علامة استفهام وواقع الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا قد يُخبرنا بعكس هذا تمامًا،

تنامي أنماط التديّن الفَردي

 التديّن الفَردي على حساب التديّن الجماعيّ.

يرتبط التديّن الفرديّ ونموّه بتصاعد النزعة الفرديّة في العالَم، ومع تصاعد مقولات النسبيّة الأخلاقيّة، ومع تعاظم الشعور بالخَواء الداخلي، وفقدان المركزيّة والاغتراب عن الذات. ويُمكِن ملاحظة فترة الثمانينات حيث لجأ العديد من رافضي الدين الجماعيّ والمُنظّم إلى مختلف أنواع الروحانيات مثل المسيحيّة، والبوذيّة والزِن  والشامانيّة. كل دين يظهر يتفكّك إلى رموز وسولكيات ومشاعر دينية يُعاد استخدامها في أُطُر أُخرى، فيُصبح قِطَعًا مُنفصلة ويطفو في الفضاء، وتتمثّل سمّات التديّن الفرديّ بالمُجمَل بالآتي:

  1. تديّن غير مُتمذهب ولا يتبع لجماعة أو حزب أو كنيسة مُحدّدة.
  2. يُعطي الأولوية للتجربة الشخصية والطريق الروحيّ الخاص للفرد.
  3. تديّن غايته الشعور بالذات وإيجاد المعنى وخلق هويّة ذاتية مُنسحبة من الواقع (تصوّف العِشق).
  4. تديّن يرتبط بالرُؤى الفردية، وبالتالي انتقائيّ للآراء الدينية وعابر للمَذاهب وينتقى الفتوى التي تناسبه.
  5. غالبًا ينطوي التديّن الفردي على التجربة الدينيّة الذاتيّة، وأفكار يصعُب التصريح بها، قد تخالف الفهم الكلاسيكي للدين.
  6. أحيانًا يتخذ التديّن الفرديّ صيغ فكرية منفصلة عن التطبيقات العَمَلية، تناقضات وفجوات بين ما يُؤمن به وما يفعله في الواقع.
  7. تديّن يُلائم الواقع، (بحسب الـ Trend) تديّن بحسب العَرض والطلب وقد كتب باتريك هايني المتخصّص بعلم الاجتماع الدينيّ كتابه (إسلام السوق) مُبيّنًا ذلك بالتفصيل.
 التديّن المهووس بالقِيَم الفَردية والقِيَم الإنسانوية:

تديّن [ دَع الخَلقَ للخالِق ]

 ويتمثّلها قَول الحلّاج:

ما لي وللناس كم يلحونني سَفَهًا ،، ديني لنفسي ودينُ الناس للناس.

يأتي هذا التديّن مَبنيًا على مُسلّمات ضمنية (أولًا: نسبية وسيولة أخلاقية) فأنتَ لا تملك أن تُحدِّد للناس ما هُو الصواب والخَطأ، ونحنُ لسنا آلهة ولا يجب أن نُنكر أي فعل على أي أحد. (ثانيًا: خصوصية الفرد والشأن الخاص) هَوس تفرضه قِيَم اللبرَلة في حماية الحُرّيات الفردية والتصرّفات الشخصية طالما صدرت بإرادة حُرّة. (ثالثًا: إرجاء النوايا) المُنطَلَق هُنا صحيح والتوظيف خاطئ، وهو أنّه لا ينبغي لنا أن نتهّم الناس، فنحنُ لا نعلَم نواياهم، طبعًا هذا الكلام يُوظّف توظيفًا خاطئًا، إذ السياق العام يحكم دائمًا على الفعل الخارجيّ لا النوايا، وهو منطقي في ذلك، ولذلك كانت القاعدة [ اتّقوا مواضع الشُبهات ] و [ من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومن من أساء به الظن ] وقيل في الكوميديا الإلهية أنّ الجحيم مليئة بالنوايا الحَسَنة وأخيرًا [ التنازل عن مبدأ الأمر بالمعروف والنَهي عن المُنكَر ] كانوا لا يتناهون عن مُنكَرٍ يفعلونه… وهذا المَبدأ أهم مَبدأ مُجتَمعي في الإسلام، إنّه يَضمن ديمومة الأُمّة وبقائها وحمايتها من سُنّة الاستبدال، وهو ينطلق من فكرة أنّ المُسلِم يملك معيارًا للصواب والخطأ تقرّر عنده بالكتاب والسُنّة.

تديّن [ لا إمام سِوى العَقل ]

عَقلَنة الدين من والمقولات الإيمانية واحدة من أهم النَزَعات التي تُحدِثها العَلمَنة لدى مُعتنقي الديانات، إنّه يُحاولون أن يروا الدين الذي يعتقدون كمطابق للعَقل، هذا الأمر فيه نَظَر، فلو كان الفهم العَقلي منوطًا وحدَه الذي يتعلّق عليه الدين لكان ذلك صحيحًا، إلّا أنّ جوهر الدين، الإيمان، وجوهر الإيمان، التصديق الغيبيّ، وجوهر التصديق الغيبي، أن تعزو ما ترى إلا ما لا ترى، وأن تُحيل ما يجري إلى ما يخفى، وأن تصبر على فعلٍ لتُجزى بداله في يومٍ غَيبيّ.

 معظم الديانات تملك أدلّتها العقلية التي تُدلّل بها على صحّتها وتقوم بها وتقف عليها، وهذا أمر مُنفصِل عن عقلنة الدين، لأنّ المقصود بعقلنة الدين عقلنة سلوكياته وعباداته وإيجاد تفسير مُعاصِر لها، ولعلّ هذا الأمر فيه لبس.

 المُتديّن لا يقبل بالمقولة الدينية حتى يفهمها عقلًا، ولو عجز عن فهمها فسيكفر بها، بدلًا من أن يتهّم عقله، هُنا يصير الإنسان عبدًا لعقله بطريقة أو بأُخرى، بدل أن يكون عبدًا لله أو الإله، وبدل أن أمتنع مثل عن الشرب وقوفًا لأنّ الوَحي والنهي النبويّ المنقول عن الإلهيّ قد قال بذلك، فأنا سأنتظر حتى عام 2018 حيث سيقوم مجموعة من العلماء بإجراء بحث علمي على أضرار الشرب وقوفًا، وحين أقتنع بالبحث سأتّبع مقولة الدين.

  • تديّن [ الحُبّ دينيّ وإيماني ]

    ويتمثّلها قول ابن عربي:

  • أدينُ بدين الحُبّ أنّى توجّهتْ ،، ركائبهُ فالحُبّ دينيّ وإيماني
الحلول المُتاحة أمامه أن يستحضر مقولات تصوّف العِشق، وتصوّف الحُب، وكلّ تصوّف مُخفّف التكاليف على طريقة روميّ والحلّاج، تصوّف لا يتطلّب إلزامات أخلاقية وتربية للذات، وكلّ ما يتطلبه شعور وجداني تجاه الإله بصيغ الحُب والعشق والحلول، والانسحاب من الواقع

يرتبط هذا النمط التديّني بالتأسيس للنزعة الإنسانية في الدين،التي تُزيح مركزية الإله، لصالح مركزية الإنسان، وتُزيح محورية الشريعة (الطريقة) لصالح محورية الغاية، أيّ أنّ “الطرق إلى الله تتعدّد بعدد الخلائق” بدل أن تكون شريعة واحدة، وهذا مرتبط بأفكار ذكرتها هنا من قبل، حول لا يقينية المعرفة ونسبية وسيولة ما بعد الحداثة، وتظهر مقولات “الصراطات المُستقيمة” بدل “الصراط المستقيم” والتعددية الدينية بدل الأديان المختلفة، بالإضافة لتأزيم المجتمعات تجاه طوائفها، حتى تشعر أنّ مشكلتها على الدوام كانت طائفية.

نظرية العَلمَنة

تبنّى دوركهايم وفايبر تكهُّنات حَولَ أُفول الدين وانحساره أمام غزو العالَم الحديث، وأنّه سيتراجَع دوره، ووظيفته، وتتغيّر طبيعته تدريجيًا وهكذا دواليك حتى يضمحِّل ويندثر الدين بالكامل.

أمّا نظرية العَلمَنة الوظيفية الجديدة، كما صاغها توماس لوكمان في كتابه “الدين غير المَرئي” فهي لم تفترِض الأُفول الحَتميّ للدين في المُجتمعات الحَديثة، وإنّما مُجرّد فُقدان الدين لوظائفه الاجتماعية العامة والتقليدية، وكذلك خصخصة الدين وحصره في نطاق خاص.

وهو ما ستصيغه عالمة الاجتماع الديني غريس دافي لاحقًا:

Believing without belonging الإيمان 
بدون انتماء

أمّا دلالات العَلمنة فيُمكن إجمالها بالآتي:

  • زوال وظيفة الدين في تحديد الرُؤى الكونية والجوانِب الثقافية للمُجتَمَع.
  • حصر الدين في مجال ضيق ومحصور جدًا بحيث لا يكون له أي أثر في المجال الاجتماعّي والسياسيّ.
  • العَلمَنة، مسار تاريخيّ لا رادَّ له، يتحرّر بمقتضاه المُجتمع والثقافة من وصاية الدين والأنساق الميتافيزيقية المُغلَقة.
  • التاريخ ليس إلّا سيرورة لتحقّق العَلمنة، والعلمَنة تطوّر تحرّري، وثمرتها النهائية النسبية التاريخيّة.

وأمّا أبعاد العَلمنة، فهي:

  • نزع القداسة عن الكون والوجود.
  • نزع القداسة عن القِيّم والأخلاق.
  • تجريد السياسية من القَداسة.
  • تعريف الدين بوصفه ظاهرة تاريخية و ثقافة مُجتمعيّة.

ويعني نزع القداسة عن الكون والوجود: تجريد الطبيعة والكون من مغزاه الروحيّ واعتباره مُجرّد شيء مادي خالي من أي معنى عُلويّ قُدسيّ. وتجريد الوجود من الإحالات الدينية الزائدة.

وأما نزع القداسة عن القِيّم، فيعني: أن يُنظَر إلى كُل إنتاج ثقافيّ وكل مُنظومة قِيّم على أنّها أمور مُؤقّتة ونسبية و وليدة ظرفها التاريخي وشرطها الاجتماعيّ، وعليه فهي جميعها أمور لا ينبغي التمسّك بها أو تطبيقها أو تعميمها.

ويُقصّد بتجريد السياسية من القّداسة، بإلغاء أي أساس أو مرجعية مُقدّسة في النفوذ السياسيّ والتشريعيّ ونظام السُلطة. وإقصاء أي حُكُم سياسيّ ذو توجّه دينيّ أو مرجعية دينية.