الخميس، 19 أكتوبر 2023

تسليع خطاب السعادة * الألم الهادف خير من اللذة التي لا جدوى منها **

 السعادة الضائعة بين الآيديولوجيا والتسويق

 يحاجج ضد علم النفس الإيجابي، وهو المجال الذي يتغذى على أطرافه المشاهير

علماء النفس السلبي. وفي الأخير، إن مآسي شكسبير المسرحية لا تقل شأناً عن مسرحياته الكوميدية، وفهمه الدقيق للطبيعة البشرية، بكل تناقضاتها الظاهرة، لم يكن من السهل عدم تقديره

الأزمة في تحول تلك السوق لنقطة جذب لجمع من الجهلة والأفاكين الذين يسوطون الناس بمقولاتٍ جاهزة تنقل مفهوم السعادة من كونه تجربة فردية في الأصل لجعلها خطة جماهيرية وفي هذا تكريس لآيديولوجيا ساذجة معادية لقيم أساسية مثل الفردانية.

 كتابه «عزاءات الفلسفة» كتب له الانتشار المهول لأنه وبطريقة حاذقة يعطي القارئ تطمينات مريحة، ولذلك فإن هذه التجربة يمكن اعتبارها أدبية فنية أكثر منها فلسفية نظرية،

«المعجزة السبينوزية» يشرح فيها تجربته مع نصوص وكتب اسبينوزا ورحلته الطويلة معها،

لينوار له كتاب بعنوان: «في السعادة - رحلة فلسفية»، ما قاله في المقدمة يشرح حذره: «أشعرُ بالانزعاج من الاستخدام العشوائي لهذه الكلمة، وعلى الأخص في الإعلانات كما في فيض الأعمال التي تدّعي تقديم (وصفات) جاهزة للسعادة. 

 كتاب آخر بعنوان «قوة الفرح» يفرق فيه بين الفرح والسعادة حين يقول: «ننشد الْفَرَح، بإصرار، لأننا لا نعرفه إلا بشكل عابر. يعرفه المحب في حضرة محبوبه، واللاعب لحظة انتصاره، والمبدع أمام ما صنعت يداه، والباحث لحظة اكتشافه إحساساً يفوق الشعور باللذة، إحساساً أكثر واقعية من السعادة».

*

سعي السعادة عكسي

هدفك في الحياة؟

 وقت أطول مع أسرتك، أو تريد الحصول على وظيفة أكثر استقرارا وتلبيةً لتطلعاتك، أو تحاول تحسين حالتك الصحية

لكن ما الهدف من كل ذلك؟

تحقيق السعادة. قد يبدو أننا متمسكون بالسعادة إلى حد التعصب الأعمى.

 السعادة أحد الدوافع القليلة التي لا تحتاج إلى تبرير، فالسعادة أمر رائع في حد ذاته. لكن هل يمكن أن نبني حياتنا على هذا التفكير؟

81 في المئة من المشاركين أنهم يفضلون أن يكونوا سعداء، بينما اختار 13 في المئة فقط إنجاز أهداف عظيمة.

الصعب تعريف السعادة أو وصف كيفية تحقيقها.

وهم تحقيق السعادة

هل تجعلك علاقاتك الشخصية أو وظيفتك أو منزلك أو شكل جسدك أو نظامك الغذائي سعيدا؟ لكن إذا كانت هذه الأشياء لا تجلب لك السعادة، أليس من الممكن أن تكون أنت المخطئ؟

وفي العصر الحديث، باتت السعادة مرادفا للخير الأسمى الذي تنبثق منه كل ألوان الخير. وقياسا على ذلك، فإن التعاسة هي الشر الأعظم الذي يجب تفاديه.

 نميل للاعتقاد بأن السعادة كانت تعد منذ قديم الأزل الخير الأسمى، فإن قيم البشر ومشاعرهم في الحقيقة دائمة التغير. فقد تراجعت أهمية بعض القيم، مثل الشرف والورع، على مر الزمن، واختفت بعض المشاعر مثل "عدم الاكتراث" من حياتنا. فاللغة التي نستخدمها لوصف القيم والعواطف، وكذلك مشاعرنا نفسها متغيرة.

لكن المفاهيم الحديثة لا تركز على تعريف السعادة بقدر تركيزها على كيفية تحقيقها. ويرى معظم الناس أن السعادة هي عكس الحزن والاكتئاب، وتنشأ عن تفاعلات كيميائية في الدماغ

الباحثة في الأخلاق والفضيلة، أن المجتمعات المعاصرة تزعم أن السعادة هي المرادف للرضا أو اللذة، ويفترض البعض أن تعريف السعادة بأنها الخير الأسمى، يضفي قيمة سامية على الحالات النفسية. وتحمل كتب المساعدة الذاتية وعودا بكشف أسرار هذه الحالة النفسية أو السعادة. لكن الفلاسفة يشككون في هذه الرؤية للسعادة لأن أمزجتنا متغيرة ولأسباب غير معروفة، ويطرحون في المقابل سؤالا أشمل مفاده "ما هي الحياة الجيدة؟"

 الروابط العاطفية في الحياة ترفع مستوى السعادة، لكنها أيضا قد تسبب لنا ألما مبرحا

الإجابة المباشرة هي أن الحياة الجيدة هي التي تقضيها في ممارسة الأشياء التي تستمتع بها والتي تجلب لك اللذة. لكن المتعة ليست كل شيء. فإن كل إنسان، حتى الأسعد حظا، يعاني في حياته من الآلام، سواء ألم الفقدان أو الإحباط أو الألم البدني بسبب الجروح أو المرض، أو الألم النفسي بسبب الملل أو الوحدة أو الحزن. فلا حياة بلا ألم.

الفيلسوف الإغريقي أبيقور الذي ولد في عام 341 وتوفي في عام 270 قبل الميلاد، أن الحياة الجيدة هي التي تكاد تخلو من الألم. لأن غياب الألم يبعث على السكون والطمأنينة. ولعل هذا المفهوم يشبه إلى حد ما نظرتنا للسعادة في العصر الحديث. فالتصالح مع النفس هو السمة التي تميز الشخص السعيد من البائس. ولا يتخيل أحد أن حياة فيها الألم تكون حياة جيدة. لكن هل تجنب الألم هو جوهر السعادة حقا؟

ماذا لو كانت الحياة الجيدة تزيد الألم الذي نكابده؟ فمن الغريب أن كل شيء مبهج في الحياة يجلب المعاناة، فكتابة رواية أو خوض سباق المارثون أو الولادة، كلها تجلب لنا المشقة والمعاناة رغم أننا نفعلها طلبا للسعادة.

وقد يرد أبيقور على ذلك بالقول إن حتمية المعاناة تجعلنا نصبو إلى الطمأنينة وراحة البال. فإن السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة هو أن نتقبل الأمور التي لا مفر منها بينما نحاول الحد من أضرارها.

قد يصبح تجنب الألم، من وجهة نظر أبيقور، هو المعيار الذي يحكم أفعالنا. فإذا كان الألم الذي تعانيه من كتابة رواية يفوق اللذة التي تتوقع أن تحصل عليها منها، فلم تكتبها؟ لكن إذا كنت ستتألم قليلا الآن لتتجنب ألما أشد لاحقا، مثل ألم الإقلاع عن التدخين لتفادي آلام السرطان، فإن هذا الألم سيكون مبررا.

فريدريك نيتشه في كتابه "جينالوجيا الأخلاق" أن الإنسان لا يكابد المعاناة من أجل اللذة فقط، وذكر أن "الإنسان لا يتجنب المعاناة، بل يصبو إليها، ويبحث عنها، إذا أثبت أن لها قيمة وغاية". ويرى نيتشه أن الألم لا تخففه اللذة، بل القيمة والمقصد". وكان يشكك في أن هناك غاية حقيقية تبرر المعاناة، وانتقد نيتشه ضمنيا رؤية أبيقور للحياة الجيدة.

الألم الهادف خير من اللذة التي لا جدوى منها، ومن ثم فإن مفهوم السعادة في العصر الحديث بأنها "الخير الأسمى"، لا يزال خاطئا.

 استطلاع للرأي مؤخرا إلى أن الغالبية العظمى من الأمريكيين يفضلون تحقيق السعادة على إنجاز أهداف عظيمة

 الناس مستعدون للتضحية بالمتعة اللانهائية في مقابل القيمة والغاية، فإن الأمريكيين الذين فضلوا السعادة على إنجاز الأهداف العظيمة في استطلاع الرأي كانوا مخطئين

 دحض مزاعم الفلسفة النفعية عن السعادة بأنها: "الغاية الوحيدة التي تُبتغى لذاتها"، وكتب هذه العبارة الفيلسوف جون ستيوارت ميل عام 1826. لكن ميل كان تعيسا في حياته، فقد وصف في سيرته الذاتية أعراضا تشخص اليوم بأنها أعراض الاكتئاب، ويقول: "كنت أشعر بحالة من الفتور، كأي شخص آخر تنتابه هذه الحالة أحيانا. لم أكترث لمظاهر اللذة أو المتعة. ففي هذه الحالة تشعر بلامبالاة أو لا تستمتع بالمباهج التي تستمتع بها عادة".

ولم يجد ميل لذة في الحياة. وفي حالة ميل، هذه التعاسة لها أسباب عميقة، فقد تعلم منذ نعومة أظافره أن الغاية العظمى في الحياة هي زيادة اللذة وتجنب الألم، إذ كان والده من أتباع الفيلسوف النفعي جيرمي بنتام، وتشرّب ابنه بأفكار بنتام وآرائه منذ الصغر.

ذهب بينتام إلى أن السعادة هي الغاية العليا في الحياة والمقصد الأعلى للفضيلة. ويرى بنتام أن جميع الأسئلة الأخلاقية السياسية والشخصية يمكن حلها بمبدأ بسيط مؤداه "تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس". لكن في ضوء هذا المبدأ كيف يبرر ميل وجوده إذا كانت حياته خالية من السعادة؟

بعد إصابته بالاكتئاب، أدرك ميل أن رؤية بنتام النفعية، التي تفترض أن اللذة هي الخير الأسمى، لا تصلح إلا للخنازير. فعدم الرضا والتعاسة والألم جزء لا يتجزأ من الطبيعة الإنسانية، وتوصل إلى أنه "من الأفضل أن تكون إنسانا غير راض على أن تكون خنزيرا راضيا". ورغم أنه ظل مصرا على أهمية السعادة، فقد أدرك أن الباحث عن السعادة نادرا ما يعثر عليها.

رأى ميل في المقابل أنه ينبغي أن ننشد منافع أخرى، وستتحقق السعادة كنتيجة ثانوية لتحصيل هذه المنافع. وأشار إلى أن الحياة الجيدة لا تعني بالضرورة حياة سعيدة. وهذا الرأي يتفق مع ما ذكره أرسطو قبله بألفي عام، بأن لذة السعادة الزائلة هي لذة ثانوية تتأتى عندما يعيش المرء حياة جيدة أو يحقق الرخاء الإنساني أو السعادة.

رؤية أرسطو للرخاء الإنساني متشابكة، لأنها تتضمن الرضا الفردي والفضيلة الأخلاقية والتميز والحظ السعيد والمشاركة السياسية. وعلى غرار المفهوم المعاصر للسعادة، فإن الرخاء الإنساني بحسب أرسطو هو الهدف الأسمى في الحياة، لكن أرسطو رأى أن هذا الرخاء يتحقق من خلال العادات والتصرفات، وليس من خلال الحالات النفسية. أي أن السعادة ليست تجربة تشعر بها، بل هي شيء تفعله بنفسك.

السعادة قد لا تكون حالة نفسية، بل محصلة لأنشطتنا وعاداتنا

بين الجبن والتهور توجد الشجاعة، وبين البخل والإسراف يوجد الكرم. ويرى أن الحفاظ على التوازن بين النقيضين هو نوع من الفضيلة. لكن بينما اختزل النفعيون الأخلاق في السعادة، فإن أرسطو رأى أن الفضيلة ضرورية لكنها لا تكفي لتحقيق السعادة. فلا يمكن أن نعيش بلا فضيلة ولا يمكن أن تكون الفضيلة أقصر الطرق للسعادة

ر أرسطو أن السعادة تتحقق من خلال إعمال العقل والاستدلال المنطقي، وهي القدرات التي ينفرد بها الإنسان عن سائر الكائنات الحية. لكن التفكير والاستدلال المنطقي هما نشاطان اجتماعيان بقدر ما هما فرديان. وقال أرسطوإن "الناس ليسوا كائنات فردية معزولة، ولا يستطيع المنقطعون للعبادة ممارسة هذه الأنشطة التي ينفرد بها البشر". فالسعادة ليست حالة مزاحية بقدر ما هي محصلة لجودة علاقاتنا مع الآخرين.

فطن أرسطو أيضا إلى أن السعادة رهينة للحظ، فقد تقع أحداث خارج إرادتنا، مثل الحرب أو الحب غير المتبادل أو الفقر أو الأوبئة العالمية، وتصبح معها السعادة مستحيلة.

 السعادة ليس حالة مزاجية يستطيع من يظفر بها الاحتفاظ بها للأبد، بل هي عادة وممارسة نكتسبها ونطورها مع الوقت وفق ظروف نتحكم في جزء منها فقط.

 لو أدركنا هذه الحقيقة قد نتخلص من وهم تحقيق الرضا الأبدي. فمفهوم السعادة في العصر الحديث يجعلنا أكثر عرضة لخيبة الأمل والإحباط. ولا ينبغي أن تكون المعايير التي وضعها أبيقور والنفعيون للسعادة هي الهدف الذي نسعى لتحقيقه، لأن هذه المعايير تؤدي حتما إلى الاصطدام بالواقع المليء بالمساوئ. ولعل من الأفضل أن نتقبل هذه المساوئ وفقا لمنظور أرسطو، وأن نحقق السعادة والازدهار رغما عنها.

**Jan 8, 2021

شرب كمية كافية من الماء، هو سر السعادة.

 أولئك الذين يحافظون على الترطيب المناسب، يميلون إلى أن يكونوا أكثر تفاؤلاً ونجاحاً وحيوية.
ووافق عدد كبير من المشاركين الذين يشربون ستة أكواب من الماء على الأقل يومياً على عبارة «أنا سعيد للغاية»، على عكس الذين يشربون أقل من كوب، فإن العبارة لا تمثل حالتهم.

*

هُروبك مما يؤلمك سيؤلمك أكثر.. لا تهرب، تألم حتى تشفى.

من أجل تذليل صعوبات الحياة ومقاومة صروف الدهر، اخترع الإنسان وأوجد أفكارا وأدوات ووسائل كثيرة، من النار إلى المحراث إلى الدين، مرورا بالدواء ووسائل النقل والتنقل وغيرها، لكن الموسيقى تبقى واحدة من أكثر الأفكار عظمة وقدرة على منح الحياة قيمة ومعنى.

حتى الأغبياء.. لديهم هواتف ذكية! • الشهرة سهلة: اخرج عارياً أمام هذا العالم! المجد صعب: انسج وبهدوء ثوب حكمة يستر عري هذا العالم •

*

نفسياً، إن أردت أن تعيش حياة سعيدة، فاربطها بهدف وليس بأشخاص أو أشياء!

Jul 5, 2021

أندريه كونت سبونفيل.. السعادة

وعود بالسعادة نجد أثرها في خطابات شتى، من الأديان إلى ما يقدّمه النظام الرأسمالي من وسائل ترفيه. لكن يبقى هناك دائماً حديث عن وهم السعادة

التكنولوجيا التي تمثّل هي الأخرى مصدر وعد بالسعادة؛ حياة أطول، رفاهية أكبر، إلى غير ذلك. تستطيع التكنولوجيا بالفعل أن تخلق السعادة، فحين نقول إنه بات من الممكن أن نحمِل في جهاز الكمبيوتر الشخصي كل الموسيقى التي نحبّها، فهذا يعني أن التكنولوجيا قادرة بالفعل على إنتاج السعادة، ولكن لا تستطيع هذه السعادة أن تكون كافية، فقد صارت الموسيقى في جهازي بالفعل، ومنذ ذلك الحين باتت ضمن المتوفّر، وما هو غير متوفر يحمل إغراءات أكبر، وبالتالي فما تحققّ بات غير مفرزٍ للسعادة. إذن فإن السعادة سرعان ما تخترقها فجوات كثيرة تبدأ في تبديدها، وبالتالي فوهم السعادة ليس متعلقاً بالتكنولوجيا في ذاتها، وإنما في الطبيعة البشرية. تساهم التكنولوجيا في السعادة ولكنها لا تكفيها، وبشكل عام لا يمكن تصوّر شيء يمكنه أن يحتوي السعادة. إنها، مثل الحكمة وأشياء أخرى كثيرة، مثالية بالضرورة، أي أنها لا تكتمل.

عبارة "السعادة مُخيّبة للأمل"، حين نختبر المقولة في وضعيات عدة سنقف على دقّتها. هل يمكن تعميم هذه الفكرة من السعادة الفردية إلى ما هو أوسع، مثل فكرة الحداثة، أو الديمقراطية، أو الاستقلالية. كلها أشياء تتحقّق ولا تلبث أن تصبح مخيّبة للأمل؟

 أرى أن السعادة فرديةٌ، حتى حين نعيشها مع آخرين، في أسرة أو مع الأصدقاء، أو في بلد بأسره. أن نقول "شعب سعيد" هو كلام بلا معنى بالنسبة لي، كذلك القول بـ"مجتمع سعيد"، يبدو الأمر مثل شعار، وصولاً إلى "بشرية سعيدة". وجود ذلك يعني أنه لم يعد هناك أمل. في حين أن الأمل هو محرّك الفعل والتغيّر التاريخي، ولكي نرى الأمور بشكل أبسط وبعيداً عن التجريد، فهو محرّك قطاعات رئيسية في الحياة: السياسة مثلاً هل يمكن أن نتخيّلها دون خطاب باعث على الأمل؟ الأمل مثل الخوف، هما عنصران أساسيان في تركيبة العالم.

الحبّ موضوع حاضر لدى الفلاسفة من أفلاطون إلى آلان باديو، وبينهما أذكر أن سيمون فايل وفلاديمير جانكيلفيتش ومارسيل كونش تطرّقوا إليه. إذن هو ليس موضوعاً منسياً، وإنما هو موضوع غير مطروق بالعناية الكافية، أعتقد بأن الفلاسفة لم يتحدّثوا بشكل جيّد عن الحب مثلما فعلوا عن مسائل أخرى، كالعنف والإرادة والتاريخ، يبدو أنهم يتهيّبون الحديث عنه. ومن زاوية أخرى، أجد أنه لا يوجد تقبّل سلس لما يقوله الفلاسفة عن الحب، ربما هناك تفضيل بأن يتناوله الشعراء والموسيقيون.

 توجد ثلاثة أنواع رئيسية من الحب، أطلقت على كل نوع اسماً إغريقياً

: Eros إيروس، وهو الحب المتربط بالنقص، أي ذلك الذي يذهب لإشباع ما، وهذا التعريف مرتبط برؤية أفلاطون للحب. وهناك Philia فيليا: وهو نوع من الحب يؤدّي إلى الفرح المشترك، وهو مرتبط بفهم أرسطو وسبينوزا للحب. أما النوع الثالث فسميته: Agapè، هو الحب غير المكترث، حبٌ غير تواصلي، هدفه التضحية، ومثاله المسيح، ونجد فكرته عند سيمون فايل. النوع الأول هو الأكثر حدّة، أما الثاني فهو الأكثر انتشاراً وربما لذلك نكون أقلّ انتباهاً له، كما أنه الحب الأكثر تواصلاً في الزمن. أما الثالث فهو الأعلى درجة، ولكنه الأندر، بل لعله ضد الطبيعة البشرية، إنه شكل من الحب الذي لا يتمظهر إلا من خلال غيابه.

تاريخ الفلسفة محوريّ في كل مشروع فكري جدّي، أو طموح على الأقل. أن نتفلسف هو أن نصل إلى مرحلة التفكير الذاتي، ولكن لا يعني ذلك أن نفكّر بمفردنا. أعتقد أننا حين نفكّر بمفردنا فإننا نفكّر بشكل سيئ. ينتشر اليوم مصطلح "فلسفة مضادة"، ويريد البعض أن نفهم من هذا المصطلح أنه تفكير يقدّم نفسه وكأنه لا علاقة له بالفلسفة، هنا ينبغي أن نَحذر إن لم يكن هناك أبوية للفلسفة يجري إنكارها، أو هناك ضحالة أو استبلاه كي لا نقول حماقة.

 تاريخ الفلسفة هو اختبار متجدد من خلال مجابهة العقول الكبيرة، والاستناد إليها أيضاً، وصولاً إلى محاولة شق طريق بينها، وكل ذلك مما تحتاجه البشرية في كل عصر. أعترف بأن تاريخ الفلسفة يمثل العقبة الكبرى حيال بناء فلسفة خاصة، فالأعمال الفلسفية الكبرى كثيراً ما تشعرنا بالانسحاق أمامها، لكن ذلك هو التحدّي الحقيقي للفكر، حين يختلق شجاعة الرغبة في الإضافة رغم كل ذلك. هذا الشعور بالانسحاق أمام أعمال ومشاريع فلسفية ضخمة هو الذي يوقظنا لاحقاً، ويدفعنا إلى التفكير الذاتي، إلى اجتراح خط خاص في فهم الواقع والعالم والتاريخ. ربما أعرّج هنا على مأساة أكاديميين كثر، لديهم كل الكفاءات الفكرية، غير أنهم يهربون من وطأة هذا الشعور بالانسحاق، ما يجعل منهم مجرّد مُعلّقين وناقلي معرفة بين الأجيال. هو وضع ينبغي أن نشير إلى أنه مريح بالنسبة للبعض. كثيرون هم ضحية الانسحاق، وكثيرون هم ضحية التهرّب منه.

 هل تعتبر تضخّم المادة الفكرية والعلمية، وتدفّقها المتسارع عبر وسائل التواصل، عائقاً للفكر؟

اتركوا الشاشات قليلاً، وخذوا أماكن في المكتبات.

هناك اليوم نجوميات فكرية صنعتها الميديا، مثل ميشيال أونفري أو سلافوي جيجيك،

استفاد غيرهم من الجريدة في القرن التاسع عشر، ومن التلفزيون في القرن العشرين. بالطبع، يُحسن البعض استعمال هذه الأدوات والبعض الآخر يتعامل معها بحماسة أقلّ، وفي كل الحالات لا يمكن أن نضع نجاح هذا أو ذاك في الظهور والبروز كنقيصة أو حجة على عدم جودة ما يقدّمه من أفكار.

 برتراند رسل أو جان بول سارتر أكثر شهرة منهم إلى اليوم.

متصالح مع القول بإخراج الفلسفة من مواطنها الأصلية: الكتب والجامعات؟

 الكتب والجامعات مثل البيت بالنسبة للفلسفة، هناك تستقر، ذلك فضاؤها الطبيعي، ولكن يمكن لها أن تخرج وتغامر. أن تحضر في الإذاعة أو في الإنترنت فهذا أمر محمود، ولكن ذلك هو في النهاية صدى لفعلها الأصلي الذي تمارسه في فضاءاتها الطبيعية. أن تكون الفلسفة شعبية هذا من دواعي سرور الفلاسفة، وهذا تقليد فلسفي أيضاً، لقد كان مطمح مفكري عصر التنوير مثل ديدرو وفولتير. إذن هذا الخروج نحو الناس هو استعادة لتقليد ليس فرنسياً فحسب، بل يمتد إلى فلاسفة الإغريق.

فقط من بين عشرات المؤلفات التي وضعتها جرت ترجمتهما إلى العربية ("الفلسفة" و"هل الرأسمالية أخلاقية؟")،

الكثير من مؤلفاتي وصلت إلى اليابانية أو الكورية. ربما هناك فروقات ثقافية تتسبّب في وضع كهذا، بعض أفكاري وقناعاتي لا تتماشى مع انتظارات القرّاء في العالم العربي

*

Dec 2, 2021

لذات داخلية مصدرها القلب أو النفس كالشعور بلذة المعرفة، ويرى فريدريك أنه لا يمكن للإنسان أن يعيش دون الشعور باللذة، فالحياة وإنجاز الواجبات فيها هي ضربٌ من السعي وراء اللذة حسب رأيه.

هل يمكن وجود لذة دائمة غير مضرة؟ وانطلاقاً من جواب هذا السؤال ظهر مفهوم السعادة والفرح.

 اللذة قابلة للتنظيم، أما الفرح فيأتي من غير تنظيم أو استجلاب، فلا يقرر المرء متى يفرح أو متى يحزن، فالفرح أمر غيرُ متوقع غالباً، وكان الفرح حاضراً عند الفلسفة الطاوية المنحدرة من التراث الصيني.

(باروخ سبينوزا) 

 نيتشه أن الفرح هو المعيار الأخلاقي الذي يضفي شرعية على الفعل البشري، وهو حالة نفسية تنبع من داخل الإنسان، والفرح لديه هو القوة، فهو إثبات للحياة في مواجهة الموت

المنح بلا مقابل، فيهب الإنسان غيره من دون انتظار مقابل لما يعطيه، وكذلك الشكر لمن يهب له شيئاً.

من عوامل استدعاء الفرح الحضور وهو أعمق من كوننا مجرد منتبهين لأنه انتباه يشمل وجودنا كله بالحواس والقلب والروح، فهو ليس استقبالاً أو تلقياً عادياً، وإنما استقبال منفتح للواقع والعالم.

*

Mar 31, 2022

كلّ حياة بشرية لا تخلو من الألم. حتى الحياة التي توصفُ بأنها 

(حياة مثالية Perfect Life

حيث يمكنك حيازة كلّ شيء ترغبه فيها، هي في النهاية حياة تخفي مشقّاتها ومكابداتها الفريدة من نوعها.

"الإنسان: أشجع الحيوانات وأكثرهم عرضة للمعاناة، لا ينكرُ تأثير المعاناة فيه بكلّ ما هي عليه في حقيقتها؛ بل هو يرغبها، يرحّبُ بها، ويبحثُ عنها ويطلبها شريطة أن تنطوي على معنى، وأن تكون ثمّة غاية ومقصدٌ لهذه المعاناة....". في جينالوجيا الاخلاق

إنّ حياةً تبدو كاملة مثالية لهي أقربُ إلى الجحيم متى ما افتقدت المعنى والغاية. ستكون جحيمًا حقيقيًا حتى لو حفلت بكلّ أشكال الراحة.

من عساهُ يمكنُ أن يعلمَ شكل حياتي الثانية (المتخيّلة)؟ ربما ما كانت لتكون إلا أسوأ من حياتي الراهنة (الحقيقية)"

 مكتبة منتصف الليل/The Midnight Library المنشورة عام 2020

عبارة (أفضل كلّ العوالم الممكنة) ترد في هذا الكتاب، وهي محاولة من جانب لايبنز لحلّ معضلة الشر في عالمنا عبر الافتراض بأنّ عالمنا هو أفضل عالمٍ ممكن، أو بعبارة أخرى: أيُّ عالمٍ ممكن آخر غير عالمنا سيحوي شرًّا أكبر من الشر المشهود في عالمنا؟ لايبنز

. ثمة عالم ممكن حيث يستيقظ فيه سقراط ليجد نفسه صرصارًا كما حصل في الرواية القصيرة (النوفيلّا) التحوّل Metamorphosis التي كتبها فرانز كافكا عام 1915 . نستطيع القول إنّ سقراط باعتباره كائنًا بشريًا ليس بالأمر الضروري اللازم، لكنه حقيقة تصادفية طارئة ومشروطة في عالم بذاته (هو عالمنا ـ المترجمة). على العكس من مثال سقراط فإنّ الاستلزامات الرياضياتية على شاكلة 1+1=2 وكلّ البراهين المنطقية هي صحيحة في كلّ العوالم. لماذا؟ لأنها ضرورية.
تعامل بلانتينغا مع فكرة العوالم المتعددة الممكنة مثلما فعل كلّ من لايبنز ومولينا؛ لكنه مع هذا أكّد وجود عالم حقيقي واحد. 



الخميس، 5 أكتوبر 2023

إذا ضحينا بالإنسان فبئس التقدم وخسئت التنمية

 "لو كان ثمن التقدم والازدهار للأمة متاكلش وماتشربش مناكلش ومانشربش... لو كان الجهد والتنمية والتقدم ثمنه الجوع والحرمان أوعوا يا مصريين متقدموش، وأوعوا يا مصريين تقولوا ناكل أحسن".

 بناء القصور والطائرات الخاصة لا يستقيم مع كلام السيسي.

لم يبتعد كثيرا السيسي عن الترامادول وتوظيفه سياسيا، بل راح يستخدمه في تخدير الناس بالنصوص القرآنية كما أسلفنا من أن الملك والحكم جاءه دون رغبة من أحد، ولا يملك أحد أن ينزعه، وهو كلام صحيح دينيا في المجمل، لكن ما أراد أن يوحي به للناس، أن ذلك عطاء الله، وأن هذا العطاء مرهون برضا الله عنه، فهو كلام غير صحيح.

ضد استدلالات السيسي، ولا توظيفه للنصوص، وللمؤسسة الدينية، والإعلام، وكراتين الزيت والسكر، أو استخدام الترامادول السياسي والديني!!

قائلا: "ممكن أهد مصر بـ2 مليار جنيه، أدي باكتة، وعشرين جنيه، وشريط ترامادول لـ10000 إنسان ظروفه صعبة أنزله يعمل حالة"، بتفسير إجرامي له بشأن ثورة 25 يناير، محاولا أن يدفع عن نفسه تهمة البلطجة، ومحاولا التوضيح أنه كان شاهدا باعتباره مدير المخابرات الحربية وأن ذلك ما حدث في الثورة قائلا: "وأنا كنت امبارح بكلمكم أن اللي كانوا بينزلوا الأشرار كانوا بينزلوهم بعشرين جنيه وشريط ترامادول".

"اللي هيقرب من الكرسي هشيله من فوق الأرض شيل"، وقد كان من عواقب ذلك التصريح ما وقع على "سامي عنان" و"أحمد شفيق"، بحبس الأول وفرض الإقامة الجبرية على الثاني. وها هو السيسي يكرر تهديده لمصر والمصريين بعبارة أخرى، أنه قادر على هدم مصر وهدها، وأنه يستطيع أن ينزل الجيش في ست ساعات، وذلك ضمن هجمة الهدم الأولى للمباني المخالفة؛ مؤكدا في تصريحه الأخير أن التكلفة في متناول اليد، ودلل على تفاهتها بأن البعض ينفقها في حفلة واحدة.

 "موقعة الجمل"

جمهورية البلطجة

*
تحوّلت المقولات الدينية مثل الفتنة والخروج والولاء والطاعة.. إلى أدوات أساسية في تحريك الوعي الجمعي للجماهير التي وجدت نفسها بعيدة عن المطالب الأساسية التي اندلعت من أجلها الثورات ممثلة في المطالبة بالعدل والشغل والحرية والكرامة.

وفيها قال “لو كان تمن التقدم والازدهار ما نوكلش وما نشربش، زي ما تاكل الناس وتشرب، يبقى ما نوكلش ونشربش” و”أوعوا يا مصريين تقولوا ناكل أحسن”.

خطاب ألقاه عام 2017، وتحول إلى “ميم”، قال للمصريين “احنا فقراء أوي” وفقراء جدا.

فتوسعة قناة السويس في عام 2015 بتكلفة 8 مليارات دولار كانت أول مبادرة جديدة له، وألهمت خيال الناس فيما يمكن تحقيقه، مع أن المحللين يعتقدون أن قيمتها الاقتصادية كانت محدودة.