الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

فلم بقايا يوم

الحقيقة الصعبة بالتأكيد هي أنه بالنسبة لأمثالك وأمثالي ليس أمامنا سوى خيار بسيط، هو أن نترك مصيرنا بالكلية في أيدي هؤلاء السادة الكبار عند صرة هذا العالم، الكبار الذين يوظفون خدماتنا، ما جدوى أن نزعج أنفسنا بما كان ينبغي أن نفعل أو لا نفعل لكي نتحكم في مسيرة حياتنا؟

 فنى شبابه وكهولته في خدمة اللورد، وكان يرى أن هذا هو دوره الحقيقي.
هناك مقولة في علم الفلسفة تقر أنه «كل إنسان فيلسوف بشكل ما»، وقد طبق بطل الرواية تلك المقولة بشكل حرفي، كان «مستر ستيفنس» يفلسف كل شيء حسب وجهة نظره الخاصة ويخترع مذهباً يرضي به حاجته الإنسانية للتقدير، ولما كانت الرواية تتبع أسلوب «المونولوج الذاتي» فقد استطاع الكاتب أن يلقي على القاريء وجهات نظر البطل في مواضيع شتى، كالكرامة مثلاً.
كان البطل يفلسف معنى الكرامة باختصار على أنها القدرة على خدمة السادة بمنتهى الإتقان وعدم الوقوع في الأخطاء مطلقاً، عدم اهتزاز صورته أبداً، بمعنى آخر يمكننا أن نقول أن البطل كان يخشى أن يخطئ حتى لا يوبخه أحدهم ويكتشف فجأة أنه «خادم»، فقام بفلسفة فكرة الكرامة في قالب يناسب حاجته إلى الشعور بأهميته وقيمته الإنسانية.
هنا بالضبط يمكننا كقراء أن نغلق الكتاب ونأخذ نفساً عميقاً ونعترف للكاتب أنه «جه عالوجيعة»، هذا ما يحدث بالضبط كل يوم، بل كل ساعة، في كل شيء في حيواتنا، نحن نقوم بلي عنق الحقيقة كثيراً حتى نقبل أنفسنا، حتى نستطيع أن نشعر أننا مهمين، أننا ذوي قيمة، وأننا أعزاء.

أنت في الرواية.. وفي المرآة

 كل تلك الأمور تجعلك تفكر هل قراراتك كلها سليمة؟ هل أنت جبان خانع أم أنك مجرد ترس في عجلة الدنيا؟ استخدم الكاتب الفلسفة في أرقى صورها، دون الكثير من التنظير، وبتماس شديد مع واقعك اليومي، تماس يجعلك تخاف أحياناً من أن تكون مخطئاً، أو أن تكون غير ذو قيمة، أو – على الأقل – أن تكون مخدوعاً.
، عندما يكتشف فجأة أنه لم يكن مهماً بتلك الدرجة التي جعلته منهمكاً في دوره كرئيس خدم، قصة الحب الرقيقة جداً التي لم تتبلور سوى في ثلاثة مشاهد على الأكثر والتي لم يعرها البطل الاهتمام الذي يليق بها وقتها، والذي جعله يجلس على الجسر باكياً في آخر مشاهد الرواية، كم فرصة ضيعت أنت في سبيل أفكاراً اكتشفت بعد زمن أنها لم تكن بتلك الأهمية؟ كم تشبه حياتك حياة «مستر ستيفنس» رئيس الخدم؟ تلك هي المسألة.
كان الفيلم من الأفلام القليلة التي خدمت الروايات التي أخذت عنها، هذا الصراع الأبدي بين الرواية المكتوبة والمرئية، وتفوق إحداهما على الأخرى، لم يكن الانتصار تلك المرة من نصيب أحداهما على حساب الأخرى، فقد كان الفيلم متقناً كالرواية تماماً، بل خدمها وأخرجها للنور دون أن ينتقص منها شيئاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق