الخميس، 5 مارس 2020

«افتكاسة» أمريكية! و الصنايعية.. والبورصجية!

قالوا لنا «سيبكم» من القطاع العام والشركات الحكومية بحجة ضعف الإدارة وعدم جودة المنتجات، واعتمدوا على القطاع الخاص لقيادة عمليات التنمية، حيث يعمل القطاع الخاص بأمواله، ومن ثم هو حريص على حُسن استخدامها وتنميتها من خلال حُسن الإدارة والاهتمام بجودة المنتجات أو الخدمات التى يقدمها للمستهلكين.

وعندما سألناهم: ماذا عن العدالة الاجتماعية، فالقطاع الخاص يستهدف تحقيق الربح على استثماراته، ولا يهتم كثيرًا بتوفير فرص عمل مناسبة، أو تحسين البيئة المحيطة بشركاته أو أعماله.. أو ضمان حد أدنى من الدخل.. إلخ، فكانت الإجابة أن هناك مبدأ «المسئولية المجتمعية للشركات» أى على الشركة إقامة مشروعات اجتماعية لخدمة أبناء المجتمع، وهذه مسئولية أدبية واجتماعية يجب القيام بها، وبالطبع صدقناهم بعدما أشاروا إلى ما تقدمه العائلات الأمريكية الثرية من تبرعات وما تموله من مشروعات خدمية واجتماعية، مثل مؤسسات فورد، فولبرايت وروكفلر وغيرها.

«غُلب حمارنا» مع الأصدقاء الأمريكان، فقد اعتادوا تصدير أفكارهم الاقتصادية الجديدة لدول العالم الثالث أو الدول النامية، وكأنها «دليل» التقدم والخطة المجربة لتحقيق النهضة الاقتصادية.

بعضها يمول مشروعات صحية، وبعضها الآخر يمول مشروعات تعليمية وفى المراحل المختلفة، بل إن بعضهم قرر تخصيص منح للمتفوقين من أبناء العالم الثالث لاستكمال الدراسات العليا بالولايات الأمريكية، ولم يكتف الأمريكان بذلك.. بل امتد تمويلهم لجمعيات أخرى بحجة حماية حقوق الإنسان، ومراقبة الانتخابات العامة، وحماية حرية التعبير.. إلخ

 الخبيرات الأمريكان وهى مورجان سايمون بحجة أن لديها خبرة تزيد على 18 عاما فى هذا المجال، وعقدت ندوة خاصة لشرح التوجه الجديد حضرها العديد من الخبراء والمتخصصين فى هذا المجال.

 ما تقوم به الشركات الكبرى على الجانب الاجتماعى لا يمثل شيئا مقارنة بما تضيفه من مشاكل بيئية واجتماعية نتيجة استثمارها.

والحل فى رأيها هو ما يسمى بالاستثمار المؤثر الذى يقوم على ثلاثة مبادئ وهى: إشراك المواطنين فى قرار الاستثمار، وأن يستهدف الاستثمار تحقيق قيمة مضافة، وأن يكون هناك توازن بين الاستثمار الاقتصادى والمالى وبين تحقيق العدالة الاجتماعية.

وقد حاول د. على عونى أستاذ إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية مساندة السيدة مورجان بقوله إن هناك مبالغ كبيرة على مستوى العالم رصدت للأعمال الخيرية، ولكنها لم تذهب إلى مستحقيها بسبب عدم وجود قنوات صحيحة لاستخدام هذه الأموال!

حيث سألتها د. عبلة عبد اللطيف مدير المركز المصرى للدراسات الاقتصادية ما هو الفرق بين المسئولية الاجتماعية للشركات وبين المشاركة الاجتماعية؟ فهناك الكثير من التداخل فى المعنى بينهم، وطلبت منها أن توجه حديثها للحكومات وليس لشركات القطاع الخاص، فالأولى هى المسئولة عن مشروعات البنية الأساسية والتى تتعلق بمصالح وحقوق المواطنين.

 من لديه المال يستطيع أن يفعل ما يريد، والعبرة دائما بحُسن الاستخدام وتحقيق منافع وخدمات ملحوظة للمجتمع.

لقد اتضح أن السيدة فى «جولة» لتسويق كتابها الجديد حول الموضوع.. ولكنه «الشوه» الأمريكى الذى يجعل البعض يلف حول نفسه!

ويا أيها الأصدقاء الأمريكان.. كفاية افتكاسات!

++++++++++++++++++

الصنايعية.. والبورصجية!

عندنا.. وفي كل العالم، نوعان من المستثمرين، الأول؛ هم ما يطلق عليهم رجال الأعمال أو «الصُنّاع».. أو بلغة أولاد البلد «الصنايعية»، وهم الذين يطلق عليهم- تجاوزًا- التراب في أيديهم يتحول إلى ذهب! حيث يجيدوا تنفيذ الأفكار الجديدة على أرض الواقع ويحولون المواد الخام أو المدخلات البسيطة إلى منتجات نهائية عالية القيمة، وهو ما يعنى فرص عمل.. ومنتجات ضرورية للاستهلاك المحلي، أو للتصدير.. بما يمثل في النهاية تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد القومي.. والمجتمع ككل.

أما النوع الثاني من المستثمرين.. فهم ما يطلق عليهم «البورصجية» أي الذين يتاجرون في الأسهم والسندات المطروحة في البورصة، وهم يجيدون «التوقعات» ويبحثون دائمًا عن «الفرص» السريعة!، أي تحقيق ربح سريع بطريقة «اخطف واجري»، وكفى المستثمرين منهم شر التصنيع والإنتاج والتوزيع.. إلخ

ولقد واجهنا هذه النوعية الأخيرة من المستثمرين في الكثير من المشروعات التي طرحت للخصخصة، اشتروا وباعوا بأسرع ما يمكن حدث ذلك في شركة «البيرة»، وشركات الاتصالات، والمراجل وغيرها، ومؤخرًا حاولوا «الاستيلاء» على شركة أميسال التي تستخرج الملح من بحيرة قارون، ولكن بعض المخلصين من أبناء مصر كانوا لهم بالمرصاد، حيث دخلوا في «شراكة» مع الشركة المذكورة وحدث تحديث وتطوير لمشروع الاستخراج والتصنيع للملح بالكامل حفاظا على البحيرة التاريخية (قارون).

وقد تكرر الأمر مؤخرًا ولكن هذه المرة كان في صناعة التعدين.. واستخراج الذهب.
والحكاية ببساطة.. أن مصر نجحت في وضع نفسها على خريطة التعدين في العالم، خاصة في مجال استخراج الذهب من منجم السكرى وحمش والبرامية ودنجاش والقواخير وغيرها.
فقد أنتج منجم حمش أكبر «سبيكة» في العالم بوزن 30 كجم في إبريل 2007، ولكن الشركة القبرصية التي تديره توقفت حاليا بسبب خلاف بين الشركاء وبعد أن أنتجت 200 كيلوجرام فقط.

هذا النجاح وهذا الحجم من الإنتاج السنوي، والاحتياطي المؤكد حتى الآن تحقق بعد جهد كبير من البحث والاستكشاف، وإقامة بنية تحتية من محطات مياه وكهرباء ومعدات حفر ونقل وتكسير.. إلخ، قام بها مصري وطني كان مهاجرًا لأستراليا ونجح في تأسيس شركة للتعدين واستخراج الذهب في بعض الدول الإفريقية، وأقنعه أحد المخلصين من الوزراء السابقين بضرورة الاستثمار في مصر.. بلده.. وموطن أهله، فكانت استجابته سريعة وظهر منجم السكرى مرة أخرى بعد إعادة افتتاحه وتطويره، وقد حصلت الحكومة المصرية- حتى الآن- على حوالى 77 طن ذهب من إنتاج المنجم، بعضها أضيف لاحتياطي البلاد من الذهب في البنك المركزي، والبعض الآخر تم بيعه في بورصة لندن واستغلال ثمنه في مشروعات التنمية الاقتصادية.

أعتقد أن الصفقة لن تتم، لأن أصحاب الشركة «الفرعونية» التي تدير منجم السكرى رجال صناعة وهذا مجال عملهم الأساسي، كما أنهم «صعايدة» ولن يتخلوا عن «حقهم» ومهما كلّفهم الأمر.
كما أن الشركة الراغبة في الاستحواذ عليهم، والتي يساهم فيها المستثمر المصري (البورصجى) عليها ديون كبيرة وأصولها ضعيفة وإذا خضعت للتقييم من جهة محايدة فلن تكون النتائج في صالحها.
وأقول للإخوة المستثمرين.. أن الملعب كبير.. والمجال واسع والمنافسة مطلوبة وصحية، ولكن «الاستهبال» والفهلوة مرفوضة!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق