الجمعة، 3 يناير 2025

كتاب تنظيم الدولة المُكنّى (داعش) عزمي بشارة

 المشكلة الأعمق التي تشكل جذر الأزمة الفكرية للإسلاميين، الذين بدؤوها بوضع الشريعة فوق الأمّة، والأمّة الإسلاميّة المتخيّلة فوق المسلمين الحقيقيين الفعليين، فعمل تنظيم داعش بدوره إلى دفع المشكلة على نحو أعمق حينما وضع (جماعته الإسلامية الصغيرة) فوق الأمّة والمسلمين "الفرقة الناجية"، وفي سبيل هذه الغاية "تحرّر من أي اعتبارات دينية وأخلاقية لمصلحة جدلية العدو والصديق التي تميّز الفكر السلطوي الشمولي 

عندما تؤدلج السلفية الدين تفصل بين الدين والأخلاق أو تضحي به، وهذا يوازي "الفصل بين التقنيات (الفهم الأداتي للعقل) والأخلاق في الحداثة الأوروبية؛ وهو الذي أدّى إلى ارتكاب أفظع الجرائم في حالة الأنظمة الشمولية

فالحركات الإسلامية اهتمت بشعار: الحكم بموجب الشريعة على طريق بناء الدولة الإسلامية، ولم ينشغل تنظيم القاعدة بفكرة الخلافة

فاليساريون والقوميون متطرفون، وأيضًا عصابات المجرمين، والطائفيون مارسوا هذه الأساليب. لكن ما يُميّز "داعش" هو إخراجه الاستعراضي لإثارة الرعب وإضفاء الشعائرية عليها (ص62)، فلم تكن فكرة الخلافة أساس الجاذبية، بل الصراع الطائفي في العراق وشعور السُنة بالظلم بعد احتلال العراق وحلّ الجيش وتهميشهم، ولا سيما في مرحلة نوري المالكي، والأهم من هذا كله فشل الدولة في العراق وسوريا، وعنف النظام السوري،

سيّد قطب، ولاحقًا عند عبد السلام فرج في كتاب الفريضة الغائبة الذي جعل الجهاد فرض عين وليس فرض كفاية، أما جهاديو الثمانينيات... فلم يقوموا بعمليات إرهابية. كان هؤلاء مدفوعين بدوافع دينية

مشهد الحياة في ظل تنظيم الدولة، بالقول إنه طبق نظامًا "بحسب فهمه الفقير للشريعة الإسلامية"، فحولها "إلى مجموعة من التحريمات والعقوبات"، فرض فيها "تغييرات على الأنماط الحياتية في محاولة لاستبدالها بأخرى قادرة على إنتاج فرد مسلم يدين بالولاء المطلق للتنظيم وأفكاره، وكأنهم أرادوا هندسة مسلم جديد على نمط تجارب الأنظمة الشمولية

التيار السلفي الجهادي لم يتأخر في نقل ولائه الفكري من سيّد قطب إلى الوهابية، حين وقع في إغواء مفهوم الوحدانية المجرّدة ومعها التفسير المتشدّد للولاء والبراء في تفسيراتهما الوهابية، فأصبحت كتابات ابن تيمية وتلامذته وعلماء الفكر الوهابي تُمثّل مراجع حتى إن "بعض الكتابات الرسمية لتنظيم الدولة الإسلامية ليس أكثر من اقتباسات طويلة من كتابات الوهابيين" والتي حملت معها التبرير لمحاربة الشيعة

أبا بكر ناجي صاحب كتاب "إدارة التوحّش" الشخصية المرجعية الثانية لتنظيم الدولة، فيشبِّه بشارة الفوضى التي يصفها ناجي "بالفوضى التي سمّاها توماس هوبز الحالة الطبيعية.. وإدارة التوحّش هي إدارة هذه الحالة. بالطبع يتم ذلك أيضًا بأساليب متوحشة"

حالة التوحش ليست عند ناجي حالة ما قبل الدولة، بل حالة تنشأ رغمًا عن الدولة، أو بسبب فشل دولة أو انهيار إمبراطورية،

ميَّز ناجي بين الحاكم الظالم والحاكم الكافر أو المرتدّ. في الحالة الأولى لا يُلزم الإسلام بدفع الظلم، بل ينصح بالصبر على الحاكم الظالم المسلم. أمّا الحاكم الكافر أو المرتدّ، فالخروج عليه فرض عيْن"، ويسخَر، مقتديًا بأبي قتادة الفلسطيني، من دعاة الحفاظ على الرابطة الوطنية، فيتبنى خطابًا يجمع بين الولاء والبراء ومعاداة الوطنية، وليس الاستقرار عنده، في ظل الكفر، مصلحة، بل إفساد (ص235 -237). وهو "مع اتّباع سياسة الشدّة، بل إنّ القسوة المروّعة مقصودة، 

المهم في الحالتين هو تعطيل الروادع الأخلاقية وعناصر الرحمة والرأفة في الدين 

 كتابه (فقه الدماء، أو فقه الجهاد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق