الاثنين، 15 يوليو 2024

الحدس ***

Oct 11, 2019 Nov 23, 2021
فيلسوف الحدس برجسون

كان هنرى برجسون هو ثالث الفلاسفة الذين درَستُهم وأحببتُهم وأنا طالبٌ فى قسم الصحافة بكلية الآداب بسوهاج بعد كارل ياسبرز وسورين كيركجارد، وبعد تخرُّجى حرصتُ أن أقرأ أعمالهم، خُصوصًا أنَّ أهل الفلسفة والأدب فى مصر قد اهتموا بنقل جهودهم إلى اللغة العربية.

والفيلسوف الفرنسى هنرى برجسون (١٨ من أكتوبر ١٨٥٩ - ٤ يناير ١٩٤١) علَّمنى أن أعود إلى الروح، وأعوِّل عليها فى كل أمرٍ أراه، أو أقْدِم على فعله؛ لأنَّ الرُّوح تستمد قدرتها وقوَّتها من الباطن، ولعل كتبه: «الطّاقة الرّوحيّة، الضَّحك، التطوُّر الخالق بترجمة الدكتور محمد محمود قاسم»،

 على وجه الخُصُوص، قد أفادتنى كثيرًا فى الاتكاء على الرُّوح، حيث الحدْس والشُّعور الباطنى، واعتبارها مذهبًا أبديًّا لا يبلَى، ولا تتخطاه مذاهب أخرى، وإن كان هناك فى عصره وعصرنا من يرفضُ الروح مفضِّلا ما هو مادى.
فأنا مثلا صرتُ فى حياتى، وأنا فى سنٍّ مبكِّرة أن أعتمد الحدْس (الإدراك الصوفى) مرشدًا، حيث تنكشفُ ذاتى، وتسعى إلى الوصُول إلا ما لا يُدْرَك بوسائل ووسائط أخرى.
فحقيقة الحدس- الذى يأتى عن طريق الحوَاس- أنه تجربة «البحث عن الحقيقة الحية»، عبر الإشراق أو الفيض.
وتعلمتُ من هنرى برجسون الحاصل على جائزة نوبل فى الآداب عام١٩٢٧ ميلادية أن الإنسان لا يُقاس بعدد سنوات عمره؛ لأنَّ العُمر الحقيقى لا يُحسب بعدد الثوانى والدقائق والسَّاعات والأيام والأسابيع والشُّهور والسنوات، ولكن يتم حسابه بالوقت النفسى (الزمان النفسى أو الزمان الداخلى)، وهو الوقت الذى يعيشه الإنسان، ويستمتع به؛ إذْ هو الوقت الحقيقى الذى يُنْظَر له، ويمكن التعويل عليه، وهو عندى الأدق، وليس «الوقت العلمى الذى يُقَسِّم الساعة إلى ستين دقيقة، والدقيقة إلى ستين ثانية، وهو وقتٌ ثابتٌ لا يتغير». ولا يمكن التعامل به فى أمور القلب والعاطفة، لأن الحب أعلى مرتبةً ومكانًا من مسألة السن، حيث لا يمكن تحديد مسار ومصير العشق بعمر المحب، أو عمر المحبوب.
وتعلمتُ من صاحب عبارة «البقاء للأصلح»، والذى درَستُهُ للمرة الأولى فى حياتى فى مادة «الفكر العالمى المعاصر» التى كان يُدرِّسها لى عبدالرازق حجَّاج الذى لم يكن قد نال درجة الدكتوراه بعد وقتذاك، وألا أكون مذهبيًّا، أى لا أدع نفسى مسجونةً فى مذهبٍ بعينه تتبناه وتدافع عنه، من دون أن أجرب وأغيِّر وأطوِّر أدائى، رافضًا الجاهز والجامد.

برغسون على المقابلة بين الديمومة والزمان، باعتبار أنّ الديمومة هي الخبرة المعيشة للزمان، في حين أنّ الزمان الخارجي هو زمان مجرّد وقابل للقيس والتحديد؛ بمعنى أنّ الديمومة تطلق على الزمان النفسي أو الداخلي؛

*

 الحدس التجريبي، والحدس العقلي، والحدس الكشفي الصوفي والحدس الفلسفي. معظم الناس لا يعرفون إلا الحدس الصوفي.

الحدس الإشراقي وهو ارتفاع النفس البشرية إلى المبادئ العالية حتى تصبح مرآة مجلوّة تجاور جانب الحق فتمتلئ بالنور الإلهي الذي يغشاها، لكنها لا تنحل فيه بالكامل. وقد جرت العادة على تسمية هذا الامتلاء بالنور الإلهي كشفاً روحياً أو إلهاماً. حدس يرتقي من مشاهدة الصور الحسية إلى إدراك الحقائق المطلقة.

الحدس الديكارتي 
 الاطلاع العقلي المباشر على الحقائق البديهية. وقد أوضح أنه لا يقصد بالحدس شهادة الحواس المتغيرة، ولا الانخداع لخيال فاسد المباني، وإنما يقصد به التصور الذي يقوم في ذهن خالص منتبه، بدرجة من السهولة والتميز لا يبقى معها مجال للريب، أي أنه يقصد به التصور الذهني الذي يصدر عن نور العقل وحده، أي أن الحدوس أعمال عقلية يدرك بها الذهن بعض الحقائق تقع فيه بشكل مباشر من دون تعاقب. والأمور التي يدركها العقل بالحدس عديدة، منها أشكال الأشياء وحركتها. ومنها الحقائق الأولية التي لا تقبل الشك كعلمي أني موجود لأني أفكر. ومنها المبادئ العقلية التي تربط الحقائق بعضها ببعض. لكل هذا كان ديكارت يسمي الحدس «النور الطبيعي» وهو لا يقصد به إلا غريزة العقل. وبنى الفيلسوف الألماني لايبنتز على الأصل الديكارتي، وقرر أن الحقائق الأولى التي نعرفها بالحدس نوعان: حقائق العقل وحقائق الواقع.

حدس فلسفي كانط
 الاطلاع المباشر على معنى حاضر بالذهن من جهة أنه حقيقة جزئية. وعند جون ديوي تكون الحقيقة الجزئية إما مثالية كما في الحدس العقلي الذي يجمع بين تصور الشيء ووجوده، وإما مستفادة من الإحساس بصورة قبلية كإدراك الزمان والمكان، وإما أن تكون بعدية كنتائج التجارب.

 شوبنهاور، فقد ذهب إلى أن الحدس هو المعرفة الحاصلة في الذهن دفعة واحدة من غير نظر أو استدلال عقلي
شوبنهاور حديث بديع عن الحدس الجمالي الذي يراه أكمل صور الحدس، حيث ينسى الإنسان نفسه في لحظة من الزمان، فلا يُدرك إلا حقيقة الشيء الذي يتأمله.

برغسون، فيعرّف الحدس على أنه عرفان من نوع خاص وتعاطف باطني، فهو ينقلنا إلى باطن الشيء ويطلعنا على ما فيه من طبيعة لا تعبّر عنها اللغة، ويجعلنا نتحد بصفاته المفردة. إنه النقيض للفلسفة المادية المحبوسة في ظاهر الشيء.

مذهب الحدسية 
الحدس هو محدد المعرفة 
 اعتماد المعرفة على الحدس العقلي، والأخرى التي تقرر أن إدراك وجود الحقائق المادية إدراك حسي مباشر وليس إدراكاً نظرياً.

 الميتافيزيقا قد تكون مضللة للغاية، لكنها ستوصلنا إلى نتائج مذهلة عندما يدعمها العلم وتصدقها التجربة، أقصد التجربة بمعناها الواسع. عندما نقارن بين تاريخ العلم وتاريخ الفلسفة فلربما لاحظنا أن العلم عبر تاريخه قد اتخذ الأفكار الفلسفية موضوعاً للدراسة محاولاً إثباتها أو نفيها. العوالم الموازية التي تحدثت عنها الفيزياء الكمومية هي في الأساس فكرة لجوردانو برونو الذي قُتل حرقاً ذات نهار في سنة 1600. هذا هو أفضل ما يمكن أن يكون، العلم خادماً للفلسفة لا العكس.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق