الأربعاء، 24 يوليو 2024

الطغاة . بؤس السياسة

برهان غليون 

 لا تكاد دولة عربية واحدة تنجح في الهرب بنفسها من دائرة الانهيار والفوضى والاضطراب الشامل الذي يدمّر أسس السلام والتفاهم والتضامن داخل المجتمع الواحد

1- حصاد نصف قرن من الحماقة السياسية وانعدام المسؤولية الجماعية:

2 - "الظلم المنذر بخراب العمران" وبالغزو الأجنبي.

جمعت النظم العربية الفساد إلى انعدام الكفاءة إلى غياب أي حسّ بالمسؤولية الوطنية أو حتى الأخلاقية

3 - الانتحار الجماعي أو سياسة قتل الذات.

لا تجد النظم العربية معركة تستحقّ الخوض بتصميم وإصرار لا حدود لهما، وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، سوى المعركة ضد "الإسلام"

 لا تكفّ فيه عن بناء "الحسينيات" في كل مكان تطأه أقدام مليشياتها وسائحيها، حتى لو اضطرها ذلك إلى اختلاق مراقد صحابة وأولياء لم يسمع بهم أحد من قبل في المناطق التي لا أثر للتشيّع فيها. وفي الوقت الذي لا تكفّ فيه عن بناء الجامعات والمدارس والمعاهد العلمية التي تستخدم اللغة الفارسية، وفي الوقت الذي تجعل فيه من نفسها حامية الحقوق الإسلامية في فلسطين والقدس، وتعزّز مواقعها العسكرية والسياسية والفكرية في قطاع غزة، لا تجد النظم العربية معركة تستحقّ الخوض بتصميم وإصرار لا حدود لهما، وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، سوى المعركة ضد "الإسلام" الذي تعتقد خطأ، كما أوهمها بعض المتسمّمين بداء "الحداثة"، من أشباه باحثين إسلامويين أو علمانويين، أنه مصدر الخطر الوجودي عليها، لما ينطوي عليه فكره وتعاليمه من بذور التطرّف والتمرّد والتوحش والفتنة والنوازع الإرهابية. وهي بذلك تتخلى من تلقاء نفسها عن أهم رأسمالها الروحي والثقافي والحضاري دفعة واحدة ومن دون مقابل: عن الإسلام وعن الإرث العربي وعن فلسطين وعن القدس وعن قيم السيادة والاستقلال التي يمثلها التمسّك بالهوية والدفاع عن الكرامة الذاتية الوطنية والدينية. وهي تعتقد أنها بذلك تحمي نفسها ومجتمعاتها من بذور التمرّد أو الاحتجاج الذي تنسبه للاعتقاد الديني، وهي على ثقةٍ من أن تقرّبها من الدول المركزية الكبرى، وشراء ود الولايات المتحدة وروسيا والصين وأوروبا هو الذي يضمن لها الحماية والرعاية والمؤازرة عند الشدة، في وقتٍ لا تقوم فيه إلا بحفر قبرها بيديه

ويشير ذلك كله إلى أنها تعيش في حالة من الهوس الدائم حول مصيرها ومستقبلها، ولا ترى معركةً تستحق أن تُخاض اليوم على اتساع الرقعة العربية سوى معركة تصفية الحساب مع الإسلام السياسي وغير السياسي، ومع كل من لا يزال يفكّر في استلهام مبادئه أو الاستفادة منه لبناء قوى سياسية أو أيديولوجية قادرة على التحرّك والعمل ككيانات فاعلة ومنظمة. لكن النتيجة واضحة، أن المجتمعات العربية تجد نفسها ضحية ثلاث حروب متقاطعة في الوقت نفسه: الحرب الكبرى التي تشنها النخب الحاكمة على قوى النقد والإصلاح والاحتجاج الناشئة، أو التي من المحتمل نشوؤها والعمل على قتلها في المهد قبل أن تنضج أو تتحول إلى واقع، والحرب التي يمثلها الغزو الإيراني الإيديولوجي والسياسي والعسكري أيضا في المشرق باسم الإسلام، ودفاعا عنه ودفاعا عن فلسطين والقدس المقدسة، وعن قيم الاستقلال والسيادة الإقليمية تجاه التدخلات الأجنبية القادمة من خارج المنطقة. والثالثة حرب التدخلات الغربية، الأميركية والروسية والتحالف الدولي باسم الحرب العالمية على الإرهاب، وما تقود إليه من عنفٍ أعمى ساهم في تفكيك بنى المجتمعات وتدمير مدنها وقراها وتهجير سكانها أكثر مما قضى على الشبكات الإرهابية الحقيقية، كما تظهر ذلك تسوية مدن تاريخية عديدة، في العراق وشرق الفرات، بالأرض، والقضاء على حضارتها وشعبها وتحويلها إلى أثرٍ بعد عين.

باختصار أكثر، إذا تمكّنت النظم العربية التي جمعت الفساد إلى انعدام الكفاءة إلى غياب أي حسّ بالمسؤولية الوطنية أو حتى الأخلاقية، من البقاء، سيحتاج العرب إلى قرن آخر كي يتمكّنوا من استعادة أنفاسهم ووعيهم وإعادة بناء هويتهم وثقافتهم ومجتمعاتهم، وربما لن يستعيدوا شيئا أبدا، ويصبحوا مناطق مفتوحة أمام أي غزو ومسرح حروب متقاطعة للدول الطامعة فيها، كما كانت عليه الجزيرة العربية وحواشيها السورية والعراقية قبل الإسلام، أي مرتعا لإماراتٍ تعيش في حماية الإمبرطوريات القوية، وتوظف شبابها جنودا في حمايتها، وتوفير شروط السلام والازدهار لشعوبها، كما كان حال إمارتي المناذرة والغساسنة أيام زمان.

لم يعد العداء للأمة، أي لفكرة الشعب السيد المسؤول، يمثل، كما ذكرت قبل ثلاثة عقود، وظيفة الدولة في عهد النخب الحاكمة وبطاقة نيلها الشرعية لدى المنظومة الدولية السائدة. لقد أصبحت، أكثر من ذلك، مركز تنظيم التحالف بين القوى المحلية والأجنبية للإيقاع بالشعوب وسلبها حقوقها وحرياتها حتى أصبح من الصعب التمييز بين الغزو الداخلي والغزو الخارجي. هكذا تتحلل الأمم وتتحول هشيما يقدم للقوارض من النخب الحاكمة ما يعزز حلمها في البقاء الذي تتوهم أن يكون الى الأبد. بئس الساسة وبئس السياسة وبئس المصير

*Mar 5, 2021

الاعتقاد الإسلامي السائد اليوم في معظم المجتمعات الإسلامية، والعربية منها بشكل خاص، ينزع إلى التركيز على الجانب العنفي في العقيدة، وإلى القبول السهل بالعنف والتسامح معه

ومع ذلك، لا يوجد شك في أن الاعتقاد الإسلامي السائد اليوم في معظم المجتمعات الإسلامية، والعربية منها بشكل خاص، ينزع إلى التركيز على الجانب العنفي في العقيدة، وإلى القبول السهل بالعنف والتسامح معه ومع ممارسيه أحيانا كثيرة، سواء في العلاقات بين المسلمين أنفسهم أو وبينهم ومن يختلف معهم أو يقف في وجه تطلعاتهم. وكذلك أن اللجوء المفرط، الفردي والجماعي، إلى العنف يشكل اليوم أحد سمات سلوك المسلمين أو تيارات ومذاهب وتنظيمات إسلامية كثيرة عاملة في الحقل السياسي، المحلي والعالمي. وربما لم يستسلم المسلمون عامة للاعتقاد بفضيلة القوة وأولوية الرهان عليها في تحقيق الأهداف السياسية في أي حقبةٍ سابقةٍ من تاريخهم، كما هو حالهم اليوم للأسف. وللأمانة، يشاركهم في ذلك جميع الذين خسروا رهاناتهم ومستقبلهم بسبب ضعفهم وتسلط أصحاب القوة الغاشمة عليهم، سواء كانت قوة الاستبداد والديكتاتورية الدموية أو قوة التدخلات العسكرية الفتاكة والرهيبة التي تحصد، منذ عقود، شبابهم وتدمر مدنهم وقراهم الفقيرة. 

 الاعتقاد الإسلامي، أو النسخة الحديثة الأكثر انتشارا منه، والتي عمل عليها مصلحون كثر في جميع مناطق العالم الإسلامي، الهندي والايراني والعربي والتركي والأفريقي والآسيوي، من دون توقف منذ أكثر من قرن ونصف، لا يمر بأزمة عميقة. بالتأكيد لا. فلم يكن الاسلام اعتقادا مفتتا، ومن دون مرجعية ثابتة وواضحة للمسلم، أو الذي يريد أن يعتنق الإسلام، كما هو عليه اليوم، حتى أصبح فيه من الصعب على المسلم العادي أن يميز الصحيح من الخاطئ والأصيل من المزوّر، لكثرة ما ظهر من تأويلاتٍ وتفاسير متضاربة، همشّت النص الأول نفسه، وشوشت عليه، كما لم يحصل في أي حقبة سابقة، حتى ليكاد كل مسلم أن يصوغ إسلامه، حسب رغبته ومصالحه. وبينما كان يكفي للاعتراف باسلام الفرد قبل عدة عقود لفظ الشهادة، أي تأكيد الإيمان بالله الواحد وبرسالة نبيه محمد، أصبح أي اختلاف في النظر في أبسط جزئيات الحياة اليومية، التي ليس لها علاقة أصلا بالإيمان، كافية للتكفير وإخراج المسلم من دينه. 

أصبح أي اختلاف في النظر في أبسط جزئيات الحياة اليومية، التي ليس لها علاقة أصلا بالإيمان، كافية للتكفير وإخراج المسلم من دينه. 

ولا نستطيع أن نفهم الطلب المتزايد على خطاب العنف، بما في ذلك البحث عن مبرّراته في عصور خالية، من دون أن نفكر في الأوضاع التي تجعل من امتلاك العنف ومراكمته أولويةً، للحفاظ على البقاء في مجتمعات تقوم فيها السلطة، وبالتالي المكانة والموقع والموارد المعيشية، وربما حياة الأفراد، على العنف والقدرة على الأذى والدمار. 

ما يعني أننا لا يمكن أن نفهم ما تتمتع به اليوم قيم التطرّف من جاذبية، إن لم نبحث عن  جذورها في تطرّف الواقع المعيشي نفسه. وبالمثل، لن نفهم "أزمة الإسلام" وما يعيشه من تفتت وتشتت في فكره وسلوك أتباعه، من دون معرفة الإجتياح السياسي لمرجعياته الدينية في كل بقاع العالم، وبشكل خاص في مناطقه الرئيسية في المشرق والعالم العربي وآسيا وأفريقيا وأوروبا ما بعد الاستعمارية. وسوف ندرك بسرعة أن الإسلام المستباح، فكرا وقيما وأخلاقا، أي عقيدة، هو جزء من الاستباحة التي تعيشها المجتمعات العربية وعديد من المجتمعات الإسلامية الأخرى، بسبب انهيار نظمها الاجتماعية، وخيانة نخبها السياسية والثقافية، وتغوّل الدول والسلطات القائمة على عموم مصالح الناس، وتدمير شروط حياتهم الطبيعية. سنجد حتما أن خطاب الحرب الذي يفسر صعود الإسلام السياسي ويغذيه ويصنعه ليس سوى الإنعكاس المباشر والحتمي للحرب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية والأخلاقية، وأحيانا للحروب الأهلية الكامنة والمشتعلة التي يعيشها المسلم أو أكثر المسلمين العاديين، في مجتمعاتهم وخارجها، منذ عقود، وتطغى على وجودهم وتسلبهم إيمانهم وإنسانيتهم. 

*

ديفيد هيرست الطغاة ربما انتصروا في معركة  لكن الصراع لم ينته

موقع ميدل إيست آي (Middle East Eye)- أن 2021 هو العام الذي أقيمت فيه "جنازة رسمية" لما سمي الربيع العربي بعد أن تم استبعاد كل الحكومات والبرلمانات التي كانت إما خاضعة لسيطرة الإسلاميين أو مدعومة منهم، وكل من وصلوا للسلطة عبر صناديق الاقتراع.

خلال الصيف الماضي، حينما قام الرئيس التونسي قيس سعيد بتجميد البرلمان وعزل رئيس الوزراء وأعلن أنه سيحكم بمراسيم في خطوة وصفها حتى مستشاروه بأنها "انقلاب دستوري" سقطت تونس مجددا تحت نفس الظل الاستبدادي الذي قضت العقد الماضي محاولة الهرب منه، ووجد الإسلاميون في هذا البلد أنفسهم منبوذين ووحيدين يعاملون مثل "تيار سياسي مسموم" خارج الأبواب المغلقة للبرلمان.

الغرب -الذي لم يتوقف قط عن الخلط بين الإسلام السياسي والراديكاليين العنيفين- الصعداء بعد أن بدا له أن الربيع العربي لم يتحول إلى "شتاء إسلامي" وكانت روسيا تنظر باستمرار لهذا الربيع على أنه "ثورة ملونة" أخرى دبرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" (CIA) مثل تلك التي كانت في يوغسلافيا السابقة وجورجيا وأوكرانيا، وكانت قوتها تكفي لإسقاط إمبراطوريات بكاملها.

الصينيون فيرون في زوال الديمقراطية هذا -يضيف الكاتب- تبريرا لحملتهم المستمرة ضد مسلمي الإيغور، أما إيران التي كانت علاقتها معقدة مع الإخوان المسلمين -تماما مثل عدد من الزعماء العرب- فلم ترحب أبدا بهم لكونهم تحدوا ادعاء "الجمهورية الإسلامية" بأنها الممثل الوحيد للإسلام.

 الآن فصاعدا فإن نموذج الدولة العربية الوحيد الذي نجا هو نظام الحكم المطلق -سواء أكان عسكريا أو ملكيا- المؤسس فوق هيكل الشرطة السرية والقوات الخاصة والصحفيين العملاء.

أما المعارضة، سواء كانت علمانية أو إسلامية، فقد تعفن رموزها في السجون ومات كثير منهم هناك، وينتظر من تمكنوا حتى الآن من الفرار لحظة الإبلاغ عنهم من قبل الجيران، أما من استطاعوا النفاد بجلودهم فيعيشون في قلق دائم على مصير ذويهم وعائلاتهم الذين تحولوا فعليا إلى رهائن داخل الوطن.

*Dec 24, 2021

الطغاة يتشابهون والشعوب تتشابه حين يتعلق الأمر بطاعة الطغاة.

أضاف الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى سلسلة قراراته الغريبة والصادمة قرارا منع بموجبه الضحك في الأيام العشرة التي يتم فيها إحياء ذكرى وفاة والده.

*
Dec 30, 2021

لا توجد ديمقراطية تنزل من السماء، أو يتم استيرادها بنقل الدساتير والقوانين الديمقراطية من الغرب الديمقراطي، لكن توجد شعوب تناضل الطغاة حتى تفرض عليهم إرادتها وتكون لها السيادة عليهم تختارهم وتعزلهم حسب مشيئتها أو شعوب تخنع ثم تخضع ثم ترضخ ثم تنحني فيركبها الطغاة وأعوان الطغاة، كم من طغاة كانوا أتقياء مخلصين للدين سواء في تاريخ المسيحية الأوروبية أو إسلام الشرق الأوسط.

لا دين ديمقراطي او ديكتاتوري بل 
يدعو الإنسان، كل الإنسان، الحاكم والمحكوم والقوي والضعيف والغني والفقير، يدعوهم للتحلي بالفضائل والخيرات وصالح الأعمال وينهاهم عن الرذائل والشرور وطالح الأعمال

 المساواة ثم العدالة، القوي فيكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، نظرية كاملة في الحكم الرشيد

 الزكاة للدولة نوعاً من العصيان المدني من شأنه القضاء على الدولة الوليدة في مهدها، وهنا حقق وأكد معنى الدولة كسلطة سيادية عليا تحتكر الحق الشرعي في استخدام القوة لفرض النظام والقانون.

صار الحكم بالتوارث والاحتكار وليس بالتوافق والتراضي والبيعة بالقهر والإكراه والقسر، واختلت قاعدة المساواة لصالح تمييز المقربين على من سواهم كما اختلت قاعدة العدل ليكون الظلم شرعياً ما دام صادرا عن الحاكم المتمكن المتغلب، ولم يعد احتكار الدولة للحق الشرعي في استخدام القوة الغرض منه- كما أراد أبو بكر والخلفاء الراشدون- فرض النظام وبسط سلطة القانون وإنما صار الغرض منه حماية الحكم القائم وقمع المعارضين والمنافسين والخصوم.

تقاليد شرقية طغيانية تحت اسم الإسلام تتناقض تماماً مع الروح العملية الليبرالية الديمقراطية التي امتازت بها سياسة أبي بكر الصديق ومن بعده الخلفاء الراشدين.

 الانتخابات في إيران- منذ الثورة الإسلامية 1979- ليست أكثر من أدوات في تعميق الديكتاتورية الدينية. فالحكم الإسلامي في إيران لم يكن أكثر من جزء من حالة دينية غير ديمقراطية عمت أرجاء الشرق الأوسط في عقد السبعينيات من القرن العشرين، ديكتاتورية دينية جاءت على النقيض من الروح الليبرالية الديمقراطية المنفتحة على روح العصر والمعبرة عن أشواق الأسوياء في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة كما عبرت عنها الثورة الدستورية في إيران 1906 ثم الثورة المصرية من أجل الاستقلال والدستور 1919م ، وقد تضافرت العوامل لتفريغ الشحنة الوطنية الليبرالية في ظل ديكتاتوريات عاتية في مواجهة الشعبين الإيراني والمصري ثم خانعة وخاضعة للأمريكان والصهيونية، فسلم رضا بهلوي مصير إيران للتطرف الديني، ومثله فعل صديقه المقرب أنور السادات في مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق